Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتائج قمة بايدن - بوتين ستحدد التهديد الأكبر لأميركا... روسيا أم الصين؟

موسكو أكثر تهديداً على المدى القصير وبكين على المدى البعيد

على الرغم من التوقعات المحدودة التي يمكن أن تخرج بها القمة الأميركية الروسية، فإن ما ستنتهي إليه سيحسم الخلاف الدائر في واشنطن الآن حول ما التهديد الأكبر الذي ينبغي أن تركز عليه الولايات المتحدة، هل هو روسيا التي يراها البعض التهديد الأكبر على المدى القصير، لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستمر في هجماته ضد الشركات الأميركية بالقرصنة الإلكترونية، وطلب الفدية والتجسس وزعزعة الاستقرار في شرق أوروبا والبحر المتوسط، ورغبته في انهيار أميركا مثلما انهار الاتحاد السوفياتي؟ أم أنه الصين التي يراها البعض التهديد الأكبر على المدى البعيد، لأنها تبني وتطور جيشها بشكل متسارع، وتهدد حلفاء واشنطن في شرق آسيا، وتنافس أميركا تكنولوجياً واقتصادياً؟ فما الذي ينبغي على الرئيس الأميركي جو بايدن أن يقرره؟ وما الاستراتيجية الأنسب لواشنطن كي تحافظ على دورها القيادي في العالم وسط هذه التحديات؟

التحدي الرئيس

في الوقت الذي انعقد فيه اجتماع الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة جنيف السويسرية، كان معظم الأعين في واشنطن محدقة باتجاه منافس آخر، فقد وافق الكونغرس قبل أيام على تخصيص 250 مليار دولار في ميزانية العام المقبل لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات وصناعة أشباه الموصلات لمجابهة الصين، كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون، أنها انتهت من مراجعة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة تجاه الصين، وحددت حكومة الولايات المتحدة بأكملها، هدفها الشامل المتمثل في الاستعداد لاستراتيجية طويلة المدى لمنافسة الصين، وهو ما كان بايدن نفسه قد أشار إليه عدة مرات، محذراً من صعود الصين، باعتبارها التحدي المركزي للولايات المتحدة هذا القرن.

وحتى خلال الاجتماعات التي عُقدت في بريطانيا وبروكسل مع زعماء مجموعة السبع وقادة حلف شمال الأطلسي، ظلت الصين في مقدمة اهتمامات بايدن ومركزها، بعد أن نجح نسبياً على الأقل في حشد كلا المجموعتين لإنشاء جبهة موحدة ضد التحدي طويل الأمد الذي تمثله بكين، ووافق قادة الحلف على تضمين حاجتهم لمواجهة الصين في وثيقة المفهوم الاستراتيجي، حينما أكدوا في بيانهم الختامي أن طموحات الصين المعلنة وسلوكها يمثل تحديات منهجية للنظام الدولي القائم على القواعد وللمجالات المتعلقة بأمن التحالف.

عوامل الخطر

بالنسبة إلى كثير من المراقبين في الولايات المتحدة، فإن أولوية التهديد الصيني المتزايد تحمل كثيراً من المسببات، فخلال العقد الماضي، ضاعفت الصين حجم قواتها البحرية حتى أصبحت أكثر عدداً من البحرية الأميركية، وأحكمت قبضتها على بحر الصين الجنوبي، وأنشأت منطقة دفاع جوي واسعة في بحر الصين الشرقي، وعززت من وسائلها العسكرية والدبلوماسية وحربها المعلوماتية ضد تايوان، حليفة الولايات المتحدة التي تُقدم بكين إشارات متصاعدة بأنها تخطط لإعادة تايوان إلى الصين بالقوة.

وعلاوة على ذلك تنخرط الصين في حملة للتعدي على حقوق الملكية الفكرية الأميركية باستخدام هجمات إلكترونية دائمة ومستمرة لسرقة الأسرار العسكرية والصناعية، كما تستخدم بكين ما يسمى بسياسة الإكراه الاقتصادي ودبلوماسية الديون، حيث تقدم إلى الدول الفقيرة والنامية قروضاً ومساعدات لإنشاء مشاريع بنية تحتية حيوية بهدف توسيع نطاق نفوذها، عندما تغرق هذه الدول المتعاونة معها في الديون، وهذا من شأنه تقويض المنافسة العالمية والتأثير على نفوذ الولايات المتحدة في العالم بأساليب ابتزازية.

عراقيل أوروبية

لكن، جهود واشنطن لتوسيع مهمة الناتو باتجاه الصين، أحاطتها بعض التململات، فقد أوضح بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، أنه على الرغم من أن الحلف يجب أن يتعامل مع نفوذ بكين المتزايد باعتباره حقيقة هائلة في حياتنا واعتباراً استراتيجياً مهماً، فإن قادة الناتو لا ينظرون إلى الصين على أنها خصم بنفس الطريقة التي ينظرون بها إلى روسيا، لأن لا أحد يريد الانزلاق إلى حرب باردة جديدة مع الصين.

وبالنسبة إلى عديد من حلفاء الولايات المتحدة، يبدو تهديد روسيا أكثر إلحاحاً من التحدي الطويل المدى للصين، لأن بوتين يتحرك بنشاط لتوسيع دائرة نفوذه في الفناء الخلفي لأوروبا، ويواصل تهديد أوكرانيا بحشد أكثر من 100 ألف جندي مع عتادهم العسكري بالقرب من الحدود. ومن المقرر أن تجري روسيا وبيلاروس تدريبات مشتركة هذا العام لمحاكاة الحرب مع دول الناتو، بعد أن حذر بوتين في خطاب قبل أسابيع القادة الغربيين من تجاوز الخطوط الحمراء لأمن روسيا، وتوعد برد غير متماثل ضد حلفاء الناتو، ولهذا لم يكن من الغريب اعتراف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، بأن العلاقة بين الناتو وروسيا وصلت إلى أدنى نقطة منذ نهاية الحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي.

شي أم بوتين؟

وعلى الرغم من أن بايدن وصف الزعيم الروسي بالقاتل، وفرض بعض العقوبات الأميركية على موسكو بعد الأضرار الإلكترونية التي سببها الكرملين، فإن كثيراً في أوروبا وبعضاً في واشنطن يخشون أن تركيزه الأساسي على الصين، بالتوازي مع رسالة مختلطة تجاه موسكو، يشير إلى أنه يبالغ في التهديد الذي تمثله بكين على حساب التهديد الروسي الوشيك للولايات المتحدة وحلفائها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من كل الأحاديث المتشددة تجاه بكين في واشنطن، إلا أن هناك تياراً يرى أن فرص التعاون الثنائي مع الرئيس الصيني شي جينبينغ لا تزال أكبر منها مع بوتين، الذي يرى أن إضعاف بايدن في الداخل والخارج ربما كان وسيلة ناجحة لتقليل نقاط الضعف السياسية الداخلية لديه.

وإضافة إلى قدرة بوتين على إحداث فوضى في النظام الدولي الليبرالي، فإن لديه أيضاً نية لا يفعلها الرئيس الصيني شي جينبينغ، فقد يجد شي بعض الجوانب في النظام العالمي القائم الآن تتوافق مع النظام الصيني، ويرغب في بعض التغييرات البسيطة فيه لمنح الصين كلمة أكبر، أما بوتين فيريد ببساطة تدمير هذا النظام العالمي، وعلى عكس الرئيس شي الذي يدرك مدى التداخل والتشابك بين الاقتصادين الأميركي والصيني، يرى بوتين أن انهيار الولايات المتحدة سيكون بمثابة انتصار لروسيا، مثلما احتفلت الولايات المتحدة بانهيار الاتحاد السوفياتي قبل 30 سنة.

التهديد الأقرب

وإذا كانت الصين تشكل تهديداً أكبر على المدى الطويل، فإن روسيا تشكل التهديد الأكبر على المدى القصير، لأن روسيا بعيدة كل البعد عن الفكرة الرائجة في العاصمة الأميركية من أنها قوة متراجعة، حتى لو لم تشكل نفس النوع من التحدي الاقتصادي للولايات المتحدة، مثل الصين.

ويستند أصحاب هذا المنطق إلى أن موسكو حدثت قواتها العسكرية بأنظمة أسلحة متقدمة وقدرات نووية ربما أكثر مما لدى أعضاء حلف الناتو حتى الآن، كما تستخدم روسيا صادراتها الضخمة من النفط والغاز إلى أوروبا، وتتحكم في خطوط الأنابيب الرئيسة بها، بهدف منحها ثقلاً استراتيجياً أكبر، ومن المتوقع أن يزداد نفوذ روسيا في مجال الطاقة مع اكتمال خط أنابيب آخر لنقل الغاز الروسي عبر دول البلطيق إلى ألمانيا بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل.

سجل التحديات

كما أن بوتين يواصل تشجيع زعزعة الاستقرار وتهديد المصالح الأميركية بقوة بدءاً من القطب الشمالي مروراً بأوروبا وانتهاءً بالبحر المتوسط، فقد ضم أراض في أوكرانيا ويواصل عدوانه على كييف، ويحشد قوات ضخمة بالقرب من الحدود، وقبل ذلك تدخل عسكرياً في سوريا واقتصادياً لدعم ديكتاتور آخر في بيلاروس، بينما يُشتبه في أن بوتين أمر بتسميم زعيم المعارضة أليكسي نافالني قبل سجنه مع مئات المعارضين الآخرين.

والأهم من كل ذلك، أن الكرملين واصل تدخله في الانتخابات الأميركية، كان آخرها عام 2020، إضافة إلى شن هجمات إلكترونية هائلة ضد الوكالات الحكومية الأميركية، بل إن المنظمات الإجرامية في روسيا تشكل تهديداً سيبرانياً لشبكات الشركات الأميركية، كما يتضح من الهجمات المطالبة بالفدية التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية ضد خط أنابيب أميركي رئيس في شرق الولايات المتحدة، وأكبر مصنع لتعليب اللحوم في البلاد.

تشدد وتنازل

ومع ذلك، بدت إدارة بايدن راضية عن السعي لإعادة ضبط العلاقات مع روسيا، بعد أن الرئيس بايدن هدد في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" بعواقب وخيمة للسلوكيات التي تنتهك سيادة الولايات المتحدة، بما في ذلك التدخل في انتخابات ،2020 والهجوم الإلكتروني على شركة "سولار ويندز"، وعدد من الوكالات الحكومية الأميركية، إضافة إلى ضم روسيا شبه جزيرة القرم وانتهاكات حقوق الإنسان، وكان من بين هذه العواقب عمليات طرد الدبلوماسيين الروس والعقوبات الجديدة ضد عدد من رجال الأعمال المتنفذين في روسيا المقربين من بوتين.

لكن بايدن تنازل أيضاً عن العقوبات المفروضة على الشركة التي تبني خط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل بين روسيا وألمانيا، ورفع العقوبات عن أحد المقربين من بوتين الذي يقود الشركة التي تقف وراء المشروع، ما جعل بايدن يتعرض لانتقادات عنيفة داخل واشنطن، لأنه منذ تحديد مكان وموعد قمة جنيف، بدا بوتين عازماً على مزيد من زعزعة الاستقرار، حيث هاجم قراصنة مرتبطون بروسيا، البنية التحتية الأميركية الحيوية مرتين، بينما صنفت محكمة روسية حركة نافالني السياسية على أنها شبكة متطرفة، وفي نفس الوقت، شعر رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، الذي يعتمد كلياً على الدعم الروسي، بالشجاعة الكافية لاختطاف طائرة ركاب من أجل اعتقال معارض بارز كان على متنها.

اختبارات القمة

وفي حين قال بايدن، إنه مستعد لأن يبعث برسالة صارمة، مفادها أن كل هذا السلوك غير مقبول، ويضع الخطوط الحمراء إذا استمر بوتين في نهجه الحالي، فإن شكوكاً كثيرة تحوم حول إمكانية نجاح قمة جنيف في وقف أفعال بوتين من دون متابعة القمة بسياسة جديدة تلائمها.

ويحذر السفير الأميركي السابق لدى روسيا مايكل ماكفول، من أن الولايات المتحدة لن يمكنها تجميد العلاقات الأميركية الروسية القائمة للتركيز على التحدي الأكبر للصين، بعدما أثبت بوتين أخيراً عبر حشد الجنود الروس على الحدود الأوكرانية أو شن مزيد من الهجمات الإلكترونية على الولايات المتحدة، وأنه لن يسمح بذلك.

تعاون حذر

وبينما تبدو التوقعات بشأن قمة جنيف منخفضة، فقد يكون أفضل سيناريو لبايدن وبوتين، هو وضع بعض القواعد المقبولة للطرفين من أجل تجنب مواجهة مباشرة يمكن أن تتصاعد بسرعة، ويمكن أن يكون التبادل الصريح لوجهات النظر الذي لا يتطرق إلى الخلافات، نقطة البداية لمثل هذا التوافق، فضلاً عن أن إقامة حوار أمني حول القضايا الأساسية، مثل القضايا النووية والإلكترونية والفضاء، إضافة إلى التعاون بشأن التهديدات العابرة للحدود، مثل تغير المناخ والعملات الرقمية يمكن أن يُنظر إليه على أنه نجاح، وهو أمر يرى الخبراء والدبلوماسيون من كلا الجانبين أنه يمكن تحقيقه.

لكن، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تكون لديها توقعات غير واقعية للدور الذي يمكن أن يلعبه بوتين حقاً، وإذا اعتقد بايدن أنه يستطيع إعادة ضبط العلاقة مع روسيا بعد اجتماع واحد في جنيف، فمن المؤكد أنه سيصاب بخيبة أمل.

وما لم تبذل الولايات المتحدة جهوداً جادة للتصدي للتهديد الروسي أمامها مباشرة، فلن تكون واشنطن في وضع يمكنها من قطع مسافة طويلة في مواجهة طويلة الأمد مع بكين، وإذا لم يقلل بايدن من أهمية القوة الكامنة لروسيا، وتصميم بوتين الذي لا يتزعزع على تحدي الولايات المتحدة وحلفائها، فلن تكون الصين في وضع أفضل يسمح لها بتحدي أميركا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير