Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لا نستطيع التعامل مع أطفال التوحد في العالم العربي؟

يرى متخصصون ألا شفاء تاماً من المرض لكن العلاج المكثف والتشخيص المبكر يُحدثان تغييراً ملحوظاً في حياة الطفل

تقول منظمة الصحة العالمية إن شخصاً واحداً بين كل 270 فرداً يعاني اضطرابات طيف التوحد (أ ف ب)

أن تعيش داخل قوقعة مظلمة، تستطيع أن تسترق النظر لخارجها لكن لا أحد يعرف عمقها، تسمع وتفهم وتتذكر، ولكن لا تعبر ولا تتواصل فتجهل العالم ويجهلك، يعني أن تصاب باضطراب التوحد، أحد اضطرابات النمو العصبي.

ولم يعرف العالم اسماً للتوحد قبل 1938 عندما شخّص دونالد غراي بأعراضه من قبل طبيب الأطفال النفسي ليو كانر، في ولاية ميسيسبي الأميركية، لتتابع بعدها البحوث المفصلة حول المرض الجديد الذي أطلق عليه بعض الباحثين اسماً جديداً يتهم الأم بالمرتبة الأولى، إذ عرف أيضاً بـ "الأم الباردة"، إلا أنها رفضت لاحقاً.

ومنذ ذلك الحين، وحتى 2015 أعلن للمرة الأولى وجود صلة بين التوحد ونقص نشاط ناقل عصبي رئيسي، وهو الناقل للإشارات من الدماغ عبر الخلايا العصبية ليسمح له بالتواصل مع الأجهزة الأخرى، بعد أن أجرى علماء هارفرد ومعهد "ماساتشوستس" عدداً من الدراسات في هذا الشأن.

والتوحد الذي لا يزال غامضاً على الرغم من الدراسات والاكتشافات يصيب الذكور أكثر من الإناث بنحو أربع مرات، وفقاً لـ "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها".

اعتلالات متنوعة

اضطرابات طيف التوحد، بحسب منظمة الصحة العالمية، هي مجموعة من الاعتلالات المتنوعة. وعلى الرغم من أنه يمكن اكتشاف سمات التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة، فإنه عادة يجري التشخيص في مراحل لاحقة. وتتسم هذه الاعتلالات بضعف السلوك الاجتماعي والتواصل، أو تتمثل في نمط غير معتاد من الأنشطة والسلوكيات مثل صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر والاستغراق في التفاصيل وردود فعل غير معتادة أو متوقعة أو مناسبة للأحاسيس.

وتشير وثيقة تعريفية أصدرتها منظمة الصحة العالمية في أبريل (نيسان) الماضي إلى أن قدرات واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد تتباين، ويمكن أن تتطور بمرور الوقت، فقد يتمكن البعض من التمتع بحياة مستقلة، لكن البعض الآخر قد يعاني إعاقات وخيمة ويكون في حاجة للرعاية والدعم مدي الحياة، وغالباً يؤثر التوحد سلباً في فرص التعلم والعمل.

كما تجد أسر المصابين بالتوحد نفسها وقد أثقل كاهلها بعبء تقديم الرعاية والدعم مدى الحياة، لا سيما في المجتمعات التي لا تتوافر فيها هيئات حكومية أو خاصة تقدم الدعم اللازم لمرضى التوحد من فرص تعليم وتدريب وغيرها.

تدخلات مساندة

هذا العبء، حتى في الحالات التي لا يتضرر أصحابها من القيام بها، هو الطبيعي في غالبية الدول العربية. واقع الحال العلمي والبحثي كما تؤكد منظمة الصحة العالمية هو أنه يمكن تحسين النمو والصحة والعافية وجودة حياة المصابين بالتوحد من خلال حصولهم على مجموعة كبيرة من التدخلات من مرحلة الطفولة المبكرة ولمدى الحياة.

كما أن حصول الأطفال المصابين بالتوحد في الوقت المناسب على التدخلات النفسية والاجتماعية المسندة بالبيانات قد يؤدي إلى تحسين قدرتهم على التواصل والتفاعل الاجتماعي.

ويحتاج المصابون بالتوحد إلى رعاية صحية معقدة، ومجموعة من الخدمات المتكاملة تشمل تعزيز الصحة والرعاية وإعادة التأهيل، وهي الحزمة التي لا يمكن تقديمها إلى بالتعاون الكامل بين قطاع الصحة والقطاعات الأخرى، لا سيما التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية، كما ينبغي تصميم التدخلات الموجهة إلى الأشخاص المصابين بالتوحد واضطرابات النمو الأخرى، وتطبيقها بمشاركة الأشخاص المعنيين بها، أي الأسر. كما يجب أن تكون الرعاية مصحوبة بإجراءات اجتماعية ومجتمعية لمزيد من التيسير والشمول والدعم.

لكن يبقى دعم الأسر التي ترعى ابناً أو ابنة مصاباً بالتوحد معضلة كبرى في غالبية الدول العربية، فلا الأنظمة الصحية قادرة على تقديم مثل هذه الرعاية، ولا أغلب المؤسسات والمنظمات الأهلية الموجودة يعي أهمية تقديم الدعم لأهل المصاب بالتوحد وله. وحتى القليل المتاح، فالإمكانات محدودة والقدرة على تقديم الخدمات محدودة.

محدودية المعلومات

معضلة المحدودية تبدأ عند المعلومات، فالمعلومات المتاحة عن التوحد ومرضاه والقدرة على التشخيص وكم الخدمات المقدمة ونوعيتها في غالبية الدول العربية شحيحة جداً. بحسب إحدى الدراسات النادرة الحديثة وعنوانها "دراسات التوحد، أين يقف العالم العربي؟" المنشورة في "دورية التوحد ومشكلات النمو" (2013) فإن عدد حالات التوحد المؤكدة في الدول العربية غير معروف.

الأرقام الشحيحة الموجودة تشير إلى نسب إصابات بالتوحد تتراوح بين 1.4 في الألف عمان، و29 في الألف في الإمارات، و59 في الألف في السعودية. وتقول منظمة الصحة العالمية إن شخصاً واحداً بين كل 270 شخصاً يعاني اضطرابات طيف التوحد.

 

إذاً، هل يحظى العالم العربي بنسب إصابة منخفضة جداً؟ بكل تأكيد لا. العالم العربي يحظى بنسب توافر وإتاحة أرقام وإحصاءات منخفضة جداً. وتشير الدراسة إلى أن نسب الإصابة المتدنية ربما تعود إلى قلة عدد المتخصصين القادرين على التشخيص السليم، وكذلك انخفاض الوعي بين المرضى وأسرهم ما يعني صعوبة في التعرف إلى الأعراض التي تدعوهم لطلب المساعدة الطبية والتشخيصية التي قد لا تكون موجودة من الأصل.

كما أن الدراسات والبحوث التي أجريت على التوحد في الدول العربية قليلة جداً. وقد أجري نحو 75 دراسة فقط عن التوحد في دول عربية بين عامي 1992 و2012. وبحسب الدراسة، فإن 31 في المئة من الدراسات كانت في السعودية، و21 في المئة بمصر. ويشار إلى أن هذه الدراسات لم تتطرق إلى الخدمات المتاحة لمرضى التوحد وأسرهم، ونتائج العلاج وكلفة عالتوحد.

كلفة باهظة

كلفة التوحد في الدول العربية باهظة. الكلفة المادية هي الأخف وطأة، لكن الكلفة الاجتماعية والنفسية هي الأفدح. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن المصابين بالتوحد، لا سيما في الدول النامية، يعانون الحرمان المجحف من الخدمات الصحية والتعليم وفرص المشاركة في المجتمع. وإضافة إلى حاجتهم إلى الرعاية الصحية العادية التي يحتاجها مرضى التوحد نظراً لتعرضهم للمشكلات الصحية نفسها التي يتعرض لها عامة السكان، فهم يحتاجون إلى رعاية صحية خاصة بالتوحد، وما يصاحبه من اعتلالات، فهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض مزمنة غير سارية أكثر من غيرهم.

ويعود ذلك إلى عوامل الخطر المرتبطة بالسلوك مثل الخمول الجسدي وتمسكهم بنظم غذائية قد لا تكون الأفضل. كما أنهم أكثر تعرضاً لخطر أعمال العنف والإصابات والاعتداءات، ناهيك بكونهم ضمن الأكثر ضعفاً في حالات الطوارئ الإنسانية.

ما لا يقل عن 7.5 مليون طفل ومراهق سوري يحتاجون حالياً إلى شكل من أشكال الدعم النفسي بسبب النزاع الدائر منذ عام 2011. وتشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من نصف هذا العدد تظهر عليه أعراض الاضطراب النفسي والعاطفي. وعلى الرغم من أن ملايين اللاجئين يظهرون مرونة وقدرة فائقتين على التعامل مع التحديات التي يواجهونها في ظل الظروف الإنسانية الصعبة، فإن أعداداً كبيرة من الأطفال الذين يعيشون أجواء الصراعات والحروب تعاني اضطرابات كثيرة تؤثر سلباً في نموهم.

معاناة "لا أتواءم"

في مصر اكتشفت نهى سليم (56 عاماً) (مديرة مدرسة) قبل سنوات طويلة أن ابنها الأصغر مصاب بالتوحد. كان وقتها في الـ 12 من عمره، وتحصيله المدرسي كان ضعيفاً، وكان يواجه مشكلات في مصادقة أقرانه. وعلى الرغم من ذكائه إلا أنه كثيراً ما كان يسيء فهم الأحاديث التي تدور حوله. وكلما كانت تتحدث معه عن مشكلاته المدرسية والاجتماعية، سواء على سبيل التأنيب أو المساعد، كان يرد بعبارة واحدة "لا أتواءم مع من أو ما حولي".

وعلى الرغم من هذا، استمر في مدرسته الدولية حتى أنهى دراسته الثانوية، ثم التحق بمعهد عال "لمجرد أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية أسوة بأخوته وأقاربه". هو محظوظ لأنه وجد من يمول مصروفات تعيين "معلم ظل".

يلازمه في قاعة الدرس، وكذلك إشراكه في أنشطة اجتماعية ورياضية في ناد اجتماعي رياضي جرى تخطيطها لتناسب حاجاته بناء على التقارير الطبية النفسية.

نفسية "مازن" في المقابل ليست عادية. أسرته تدرك ذلك، لكن الإدراك جاء متأخراً جداً، وحتى حين أيقن الأب والأم أن صغيرهما مصاب بشيء اسمه "اضطراب طيف التوحد" عند سن الثامنة، جاء القرار الحاسم. "كفينا على الخبر ماجور" (تجاهلنا ما عرفنا) على حد قول "أم مازن" (عاملة في النادي الرياضي نفسه حيث أنشطة أصحاب الاحتياجات الذهنية الخاصة).

تقول، "في زيارة لطبيبة الأطفال في مستوصف قريب من البيت وقت كان مازن صغيراً، أخبرتني أنه ربما يكون مصاباً بالتوحد. لم أفهم ما تقول. لكنها شرحت لي الأعراض وجميعها انطبق عليه. ظللت أتردد عليها لاعتقادي أنه مرض له علاج، أي يتناول دواء، ويصبح في صحة جيدة. لكن حين أخبرتني أنه في حاجة إلى رعاية مختلفة وتدريب متخصص وأشياء أخرى لا نفهمها، ولا نملك المال الكافي لها، أخرجناه من المدرسة لصعوبة التحصيل الدراسي، وحاولنا تدريبه على صنعة، لكن تعامله مع الأسطوات (جمع أسطى أي الحرفي المتمرس) شابه كثير من المشكلات. فسلمنا أمرنا لله، وأبقيناه في البيت، لا سيما أن حكاية مرضه تلك، وعلى الرغم من ذلك فهو محبوب من الجيران وبقية أخوته لكنه يميل إلى العزلة".

خدمات بمقابل

وتتراوح الأعداد المقدرة في مصر بين 800 ألف بحسب ما صرّحت وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة غادة والي قبل ثلاثة أعوام، ونحو 1.5 مليون كما قالت مستشار وزير التربية والتعليم المصري السابقة إنجي مشهور.

وزارة التربية والتعليم في مصر تتبنى منهج الدمج للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبينهم المصابون بالتوحد، وذلك في المدارس العادية، إلا أن العديد من المشكلات تعتري التنفيذ لأسباب تتراوح بين وفرة المعلمين المتدربين والإمكانات.

ويوجد في مصر عدد لا بأس به من الجمعيات والمؤسسات التي تقدم خدماتها للمصابين بالتوحد من الأطفال وأسرهم، إلا أن أغلبها بمقابل مادي لا تقوى عليه نسبة كبيرة من الأسر المتواضعة الحال.

الأسر ميسورة الحال لديها العديد من وسائل المساعدة، وذلك بدءاً بالأنشطة الموجودة في عدد من النوادي الرياضية، مروراً باللجوء إلى متخصصين في الطب والتخاطب والمهارات الاجتماعية وغيرها وانتهاء بالسفر إلى الخارج بحثاً عن الأحدث والأفضل.

وضمن أفضل ما حدث في مصر في شأن اضطرابات طيف التوحد كان حديثاً أدلى به مستشار رئيس الجمهورية لمشاريع محور قناة السويس مهاب مميش قبل نحو ستة أعوام قال فيه إن حفيده "علي" مصاب بالتوحد، وإنه يعتز به كثيراً. حديث الأهل عن ابن أو حفيد مصاب بالتوحد على الملأ أمر غير شائع، فما بالك بشخصية عامة تتطرق إلى ذلك في حديث عام وبطريقة إيجابية من دون حرج أو خوف بل بفخر واعتزاز؟

التقبل معضلة العائلة

وفي السعودية، وعلى الرغم من أن الأهالي يعانون وينتظرون علاجاً واكتشافاً خارقاً لإنقاذ أطفالهم من الاضطراب الغامض، فإن الصحة السعودية أشارت بوضوح إلى أنه "لا يمكن الحديث عن الشفاء في حالة الطفل الذي يعاني اضطراب التوحد، بل ينبغي التركيز على كيفية التعامل معه ومساعدته".

ويشترك المصابون بالاضطراب بسلوكيات تكاد تتطابق، إذ ينفذون حركات متكررة كالاهتزاز والدوران وغيرها من العادات التي يستمرون في تكرارها دائماً، يفقدون السكينة بمجرد إدخال أي تغيير على نظامه وعاداته، ولا يستخدمون الألعاب كما صممت.

وعن اكتشاف المرض في العائلات، تروي أم شهد "كانت شهد في عمر ما قبل السنة متفاعلة ونشيطة، لكن ذات شخصية هادئة لم تمنعها من التواصل معي ومناداتي ماما، بعد سنة ونصف انقلب الحال ليتحوّل الهدوء إلى فرط حركة مزعج. وفقدت التواصل معها كلياً ولا ترد على اسمها"، ولم تكتشف الحالة إلا عندما زارت الطبيب النفسي عند عمر السنتين.

والصعوبة التي واجهت العلماء والباحثين عايش الأهالي أضعافها نظير اتصالهم المباشر مع أبنائهم من دون تقبل للحالة أو معرفة بمعلوماتها الطبية، إذ تصف والدة شهد "لم يساعدنا أحد على الفهم والأسباب والمستقبل، ويكتفون بتوجيهنا للمراكز لنواجه حظنا في جودة المركز".

ويكاد الأهالي يتفقون على أن الخدمات على الرغم من تفاوت درجات جودتها، فإنها لا ترقى إلى التطلعات التي ينتظرها المصابون بالاضطراب وذووهم.

كورونا اجتاح عادات التوحد

وكورونا التي ضربت العالم لم تستثن أطفال التوحد، إذ أشارت أم شهد إلى أنه "مع دخول كورونا تراجعت حالة شهد وساءت، لأني أوقفت دخول الاختصاصيين للمنزل كإجراء احترازي، وتدمرت نفسية شهد، وبدأت في خدش وجهها وأطرافها".

وفي الأردن، وجد نحو 8 آلاف طفل مصاب بالتوحد أنفسهم أمام معاناة جديدة بعد سنتين من تداعيات جائحة كورونا التي زادت أعراض القلق وفرط النشاط ونقص الانتباه لديهم.

ويأتي ذلك في ظل المطالبة بدمج هذه الفئة في المدارس الحكومية، بسبب قلة عدد المراكز القادرة على استيعاب أعدادهم المتزايدة، وتكلفتها المادية المرتفعة، لمواجهة مرض يُعد من بين الأسرع انتشاراً في العالم وفق الأمم المتحدة.

ويبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون التوحد في الأردن نحو 1.2 مليون شخص، يشكلون 11 في المئة من إجمالي عدد السكان. أمّا عدد ذوي الإعاقة ممن هم على مقاعد الدراسة فيبلغ 23 ألفاً، وبنسبة تصل إلى 5 في المئة من عدد الطلاب.

مراكز علاج وكشف مبكر

من جهتها، رأت وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة في الأردن هالة بسيسو أن بلدها "حقق إنجازات في ميدان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وكان من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأصدرت قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017، كما أنشأت المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة".

وفي ما يخص المصابين بالتوحد، قالت بسيسو إنهم "يحصلون على خدمات متنوعة من خلال مراكز التشخيص والعلاج التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، والمنتشرة في كل المناطق الأردنية".

وتحدثت الوزيرة السابقة عن 10 مراكز تضم نحو 100 طفل مصاب بالتوحد، فضلاً عن تأسيس مراكز الكشف المبكر عن الإعاقات، إلى جانب 12 مركزاً آخر متخصصة في علاج التوحد ينتفع منها نحو 500 شخص، وتقدم خدمات تدريبية وتأهيلية وتعليمية، وخدمات إيواء صحية وإرشادية، وتأهيل مجتمعي وتوعية.

معاناة مضاعفة

وبعد أشهر طويلة من الإغلاقات وحظر التجوال، كان أغلب المصابين بالتوحد حبيسي المنازل ومن دون علاج، إثر إغلاق المراكز الصحية الخاصة بهم، مما فاقم أعراض المرض الذي يعتمد علاجه أساساً على الخروج إلى الهواء الطلق والاختلاط بالآخرين.

وألقت هذه الظروف عبئاً ثقيلاً على الأهالي، ودفعت بهم لأن يصبحوا معالجين متخصصين لأبنائهم من حيث إكسابهم مهارات التواصل الاجتماعي والتعلم، وحول ذلك قسم كبير من المنازل الأردنية إلى مراكز متخصصة بمعالجة التوحد.

 

ويرى اختصاصيون في علاج التوحد أن أبرز ما واجهه الأهالي خلال الحجر الصحي هو الحرمان من الروتين اليومي لعلاج أطفالهم، والمتمثل في الخروج إلى أماكن اللعب والحدائق العامة والنشاط الحركي عموماً.

كما اضطر البعض إلى السيطرة على النظام الغذائي لأطفالهم المصابين لعدم توفر قسم كبير من المنتجات الغذائية الخاصة بهم.

علاج مكلف

ويشكو أهالي العديد من المصابين بالتوحد من الكلفة المرتفعة لعلاج أبنائهم، تحديداً في مراكز العلاج الخاصة. وفي حين أن عدد تلك المراكز الحكومية قليل، فإنها تقدم خدماتها مجاناً. لكن ثمة فرقاً كبيراً في الخدمات بحسب الأهالي، بين القطاعَين، الخاص والحكومي، بخاصة مع الارتفاع المقلق لعدد الإصابات سنوياً بهذا المرض.

كما أن تباين الخدمات بين المراكز الحكومية والخاصة، تقابله زيادة مقلقة في عدد الأطفال المصابين بالتوحد في السنوات الأخيرة.

ويرى متخصصون أن لا شفاء تاماً للتوحد، لكن العلاج المكثف والتشخيص المبكر يمكنهما أن يُحدثا تغييراً ملحوظاً في حياة الطفل المصاب بهذا الاضطراب.

أما الجزائر فما زال ملف التكفل بالمصابين بالتوحد يراوح مكانه، فمع الارتفاع المطرد لحالات الإصابة بهذا المرض ونقص المراكز التي يمكنها احتواء الكم الهائل من المصابين، تعيش العشرات من العائلات الجزائرية على بصيص أمل بإيجاد حلول مستعجلة لهذه الفئة.

ويُعاني مرضى التوحد في الجزائر من نقص فادح في التكفل الصحي وصولاً إلى انعدام التشخيص والمتابعة، الأمر الذي حال من دون اندماج الأطفال في المجتمع، ما نغص حياتهم، ودفع بأوليائهم إلى تكلف مشقة علاجهم بأثمان باهظة.

وتُحصي الجزائر سنوياً، وفق إحصاءات قدمها مركز التكييف المدرسي، نحو 80 ألف طفل مصاب بالتوحد، تتراوح أعمارهم بين 15 شهراً و17 سنة، في وقت لا يتوفر في البلاد غير مركز متخصص وحيد بطاقة استيعاب لا تتجاوز 130 تلميذاً فقط.

العيادات الخاصة حمل ثقيل

أمام الانتشار الواسع والمتنوع لحالات الإصابة بالتوحد، يجد الأولياء في العيادات الخاصة ملاذاً حتمياً لاصطحاب أبنائهم للتداوي فيها، في وقت تعجز كثير من العائلات عن توفير تكاليف العلاج لأسباب اقتصادية بحتة تمر بها الجزائر، لا سيما في ظل أزمة كورونا، التي أثرت بشكل مباشر في القدرة الشرائية للمواطن، وأسهمت في انخفاض قيمة الدينار الجزائري إلى أدنى مستوياته.

ويروي رؤوف، (45 عاماً)، وهو رب عائلة من الجزائر العاصمة، معاناته في علاج ابنه البكر مراد من مرض التوحد، حيث يقول إنه "يضطر منذ نحو أربع سنوات لأخذه إلى طبيب متخصص في الـ "أرطوفونيا" للتداوي عنده بمبلغ مالي يقدر بـ 15000 دينار جزائري (نحو 112 دولاراً) للساعة الواحدة"، في وقت لا تكفي أجرته الشهرية لسد حاجاته، مما دفعه في كثير من الأحيان إلى التوقف عن معالجته إلى حين توفير المبلغ، ليظل بذلك ابنه رهينة وضعه المالي الصعب.

أما جميلة (39 عاماً) وهي ربة بيت مطلقة من البليدة (45 كيلومتراً عن العاصمة)، فتؤكد أنها وجدت نفسها تنتظر إغاثة من وزارة الصحة للتكفل بابنها المتوحد، ذلك أنها لا تستطيع نقله للعلاج بعيادة خاصة بسبب وضعها المادي.

تزايد حالات المصابين

تنامي عدد المصابين بالتوحد والصعوبات التي تعترض الأولياء لعلاج أبنائهم في أحسن الظروف، دفع وزارة التضامن الوطني وقضايا الأسرة الجزائرية لتكثيف جهودها في السنوات الأخيرة للتكفل بالمصابين، بدليل أنها باشرت عمليات تسهيل فتح فضاءات متخصصة تابعة للمراكز النفسية البيداغوجية للأطفال المعوقين ذهنياً، لكنها تبقى غير كافية لاستيعاب الكم الهائل من المرضى.

وتشير إحصاءات رسمية إلى أن الوزارة تحصي نحو 137 مركزاً يتكفل بـ 3 آلاف طفل توحدي منهم 465 طفلاً في مرحلة التكفل المبكر (من ثلاث إلى خمس سنوات) يستفيدون من برنامج خاص يعتمد على حصص العلاج بالفنون ونشاطات ركوب الخيل والسباحة.

 

وفي هذا الصدد، يؤكد الطبيب صاحب عيادة خاصة متخصصة في علاج الأطفال المتوحدين أحمد ربحي، أن الجزائر تعاني نقصاً فادحاً في مراكز علاج الأطفال المتوحدين.

ويقول، "عيادتي لا يمكنها احتواء الكم الهائل من المصابين بالتوحد، لأن الحالات لا تتشابه فيما بينها إطلاقاً، وكل مصاب ينبغي تشخيص إصابته لتسطير برنامج عمل طبي خاص به لعلاجه، وهو أمر غير ممكن في ظل نقص الأطباء المتخصصين في هذا المجال بالعيادة. كما أنه توجد مشكلة أخرى، وهي أن عدداً من الأولياء لا يملكون ثقافة العلاج عند الأطباء المتخصصين في الـ "أرطوفونيا"، لذلك تجدهم يلجأون إلى أطباء آخرين لا يحسنون التعامل مع هذه الفئة".

وصم اجتماعي

وفي العراق حددت منظمة الصحة العالمية خطة شاملة للصحة النفسية للأعوام من 2013 إلى 2020، دعت من خلالها الدول لرعاية المصابين بطيف التوحد وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأسر التي يعاني أحد أطفالها التوحد.

"اضطرابات طيف التوحد" وهي التسمية العلمية للمرض، غالباً ما تعوق التفاعل والتواصل الاجتماعيين مع قدرة محدودة من الأنشطة والاهتمامات، وأياً كانت أسباب المرض كما يحدده العلماء بالأسباب الجينية، أو تلك التي تعود للعوامل البيئية وأسلوب الحياة، يشهد العالم ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المصابين بالتوحد.

وما إن تعلم العائلة في العراق أن أحد أطفالها يعاني اضطراب التوحد حتى تبدأ بإخفاء المرض مخافة الوصم الاجتماعي الذي سيرافقهم ويجعلهم يشعرون بالانعزال، وقد يكون الخوف من المجتمع أحد الأسباب الأساسية لعزوف العائلات عن الاقتناع بضرورة علاج أولادهم من طريق برامج خاصة.

توضح زينب القيسي، المدرب والباحث النفسي في مجال التوحد، أن كثيراً من العائلات تربط اضطراب التوحد بالأمراض العقلية الأخرى، وهذا يخالف الحقيقة "فالتوحد هو اضطراب قابل للتحسن، فهناك أطفال يعانون التوحد نجحوا في إكمال مراحل الدراسة ودخلوا الجامعات".

وتوضح القيسي لـ "اندبندنت عربية" أنها تسعى هي والكادر الذي يعمل معها إلى زيادة توعية الأهالي بهذا الاضطراب، فمعظم الحالات تتعلق بضعف القدرة على التواصل مع الأشخاص وإنجاز بعض المهمات، باستثناء حالة التوحد الكلاسيكي، وهي إحدى حالات التوحد التي قد ترافقها بعض مظاهر التخلف العلقي.

غياب الإحصاءات

وتشير القيسي إلى أن العراق يخلو من إحصاء نموذجي لقياس نسبة التوحد بين الأطفال، باستثناء مبادرة قام بها بعض المتخصصين النفسيين عام 2017، وكانت نتيجة هذا الإحصاء الذي أعد في العاصمة وجود ما يقارب 4422 طفلاً مصابين بالتوحد في بغداد.

غابت المراكز الخاصة للتوحد في العراق قبل 2010، فالطفل الذي يعاني اضطراب التوحد كان يعالج في صفوف ضمن معاهد "الإعاقة" المنتشرة في بغداد والمحافظات، وهذه الصفوف بالتأكيد لا تلبي احتياجات أطفال التوحد. ومع صدور قانون (فك ارتباط دوائر الشؤون الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية)، في 15 فبراير (شباط) 2010، الذي نص على أن "تشكل مديرية عامة في كل محافظة غير منتظمة في إقليم، تسمى المديرية العامة للشؤون الاجتماعية ترتبط بالمحافظ ويديرها موظف بدرجة مدير عام حاصل شهادة جامعية أولية في الأقل في علم الاجتماع، ومن ذوي الخبرة والتخصص في مجال الشؤون الاجتماعيـة لا تقل عن عشر سنوات"، وأتاح هذا القانون لمجالس المحافظات تشكيل مراكز متخصصة بالرعاية الاجتماعية بشكل عام.

وتوضح، عبير الجلبي، أن المدير العام لذوي الحاجات الخاصة، الوكيل الأقدم لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بعد تشريع قانون فك الارتباط، أعلن تأسيس مركز للتوحد في جانب الكرخ، وتصف الجلبي خطوة افتتاح هذا المركز بالمهمة، مؤكدة أن افتتاح مراكز مشابهة "خطوة نحو الطريق الصحيح، باعتبار أنه معهد متخصص للتوحد، وليس صفاً ضمن معهد للإعاقة، هذا المركز لا يمثل الطموح، إنما خطوة في الاتجاه الصحيح".

الدور الحكومي لا يرتقي للطموح

وتصف القيسي، الدور الحكومي للاهتمام بهذه الشريحة والعاملين في هذا المجال على حد سواء تصفه بالهزيل جداً، إذ تقول "المركز الحكومي الذي تم افتتاحه في جانب الكرخ أغلب من يعمل فيه ليسوا من أهل الاختصاص، كما أن المركز اعتمد على المتطوعين للعمل فيه، وأدى عدم دفع المستحقات المالية للعاملين في المركز، وعدم تحويلهم على الملاك الدائم لانسحاب أغلب المتطوعين بعد خدمة في هذا المركز امتدت من ثلاث إلى خمس سنوات، كما أن أطفال التوحد لم يتم شملهم برواتب الإعاقة التي تخصصها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أسوة بأصحاب الإعاقات الأخرى إلا بعد عام 2019، وهي رواتب زهيدة".

تبلغ عدد المراكز الأهلية الخاصة بمرضى التوحد نحو 45 مركزاً، وتوضح إنعام مجيد عبيد الركابي، إخصائية علم النفس التربوي في مركز البحوث النفسية التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن الرعاية المقدمة من قبل القائمين والعاملين المتخصصين في المراكز الأهلية أفضل مما يقدم في المراكز الحكومية. والسبب، في رأي الركابي، يعود للجانب المادي الذي يتقاضاه المركز الأهلي لقاء احتضانهم لطفل التوحد، على عكس المراكز الحكومية التي تعاني قلة المخصصات المالية، وبذلك لا تقدم الرعاية بصورة جيدة للطفل، كما أن قلة المخصصات المالية تؤثر في مستويات المنهاج والبرامج المتبعة لتدريب أطفال التوحد، على عكس المراكز الأهلية التي تستمر في تطوير المناهج إلى مستويات أعلى.

تحسن في الخدمات

تشير الركابي إلى أن "لجنة التنسيق العليا لرعاية أطفال التوحد" التي تأسست في نهاية عام 2015 في مركز البحوث النفسية وعضوية عدد من الوزارات والمؤسسات سعت في عملها إلى وضع المعايير الدولية، وجرى تعميمها على المراكز والمعاهد (الحكومية والأهلية) لغرض العمل بها واعتمادها، ومن دون وجود هذه المعايير التي لا بد أن يعتمد عليها المركز، لا تُمنح الإجازة للمركز.

 

وتضيف الركابي لـ "اندبندنت عربية"، "نُظمت ورشة تدريبية لمسؤولي المراكز والمعاهد عن كيفية العمل في تطبيق أداة معايير التوحد، كما قامت اللجنة بتنظيم دورات تدريبية للقائمين على رعاية أطفال التوحد في مركز البحوث النفسية التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي"، وعليه ترى الركابي أن الرعاية المقدمة إلى أطفال التوحد تحسّنت بشكل ملحوظ مع وجود هذه اللجنة، والدليل على تحسن الخدمات المقدمة ارتفاع نسبة التقويم للمراكز المعنية باضطراب التوحد أكثر من السنوات السابقة.

عقبة المدارس

لم يكن يسمح لطفل التوحد الذي قطع مراحل من العلاج بالانضمام للمدارس الحكومية، ومع تغيير هذا القانون في 2020، بدأ السماح لطفل التوحد المؤهل بالانضمام للمدارس، وتؤكد زينب القيسي، أن الطفل المؤهل يبقى يحتفظ بسلوكيات التوحد النمطية التي تأخذ بعض الوقت لكي تختفي مما قد يعرضه لمخاطر التنمر من زملائه، أو حتى من الكادر التدريسي في حال التحاقه بالمدارس الحكومية.

أطفال اضطراب التوحد بحاجة إلى مدارس خاصة قبل أن يدمجوا بالمجتمع، فمراحل العلاج قد تتطلب سنوات من الجهد، وهي بحاجه لخطط حكومية مدروسة لإعادة تأهيلهم ودمجهم بالمجتمع.

أعباء الحرب

وفي اليمن البلد المنكوب بالحروب، تضاف إلى المآسي نسبة من الأطفال المصابين بالتوحد ربما يسهم الصراع الدامي في تفاقم معاناتهم ومضاعفة عدد حالاتهم.

ووفقاً لمؤسسات يمنية تعنى بتقديم العون والرعاية الطبية لهذه الفئة، لا توجد إحصاءات رسمية حول عدد المصابين بالتوحد، إلا أن جمعيات مدنية غير حكومية تتوقع أن يصل عددهم إلى أكثر من مليون ونصف المليون يمني يعانون نوعاً من الاضطرابات النفسية المندرجة في نطاق مرض التوحد.

ويوضح تقرير سابق صادر عن المركز اليمني للتوحد (غير حكومي)، أن نحو 45 طفلاً وشاباً يمنياً مصابون بالتوحد بأنواعه المختلفة، ويحصلون حالياً على خدمات وبرامج تأهيل وتدريب وإرشاد عبر المركز، مقارنة بأكثر من 200 حالة قبل الحرب الأخيرة، التي تسببت في شح الدعم وقلة الإمكانات المادية والفنية والبشرية للمركز.

ونقل موقع أميركي عن سهام السدمي، رئيسة قسم البرامج في المركز، قولها إن "مرضى اضطراب التوحد في اليمن فئة مهمشة، ولا يحظون بأية رعاية أو اهتمام سواء حكومي أو عبر المؤسسات الخاصة والمدنية ووسائل الإعلام".

وأوضحت أن "ارتفاع نسبة الجهل والأميّة بين أولياء الأمور واليمنيين بشكل عام يفاقم مشكلات الطفل التوحدي. والأسوأ من ذلك، تتعمّد بعض الأسر إخفاء أطفالها المتوحدين وحرمانهم من التعليم والاندماج في المجتمع".

وتشير إلى أن الكثير من الحالات التي وصلت إلى المركز كانت في مراحل متقدمة، إذ يحضر الآباء أطفالهم وقد أصبحوا في عمر ثمان سنوات أو 10 سنوات أو 12 سنة.

ويقدّر متخصصون نفسيون أن ما بين ثلاثة إلى خمسة من أطفال المدارس في الصفوف الأولية في اليمن مصابون بالتوحد.

السلطات التونسية غائبة

من الصعب تحديد أرقام دقيقة حول المصابين بمرض التوحد في تونس، نظراً لتكتم بعض العائلات عن حالات أطفالهم المصابين به، لكن الأكيد أن هذه الفئة تعاني الأمرين في غياب خطة حكومية تجاهه، فإذا كان الطفل من عائلة ميسورة فهو محظوظ، وإذا كان من بيئة فقيرة فله الله.

حياة، وهي امرأة أربعينية مطلقة وعاطلة من العمل، وأم لطفلين أكبرهما 10 سنوات يعاني مرض التوحد، لا يذهب طفلها إلى المدرسة، لأنها غير مؤهلة لاستقبال الأطفال المختلفين، كما لا يمكنه الذهاب إلى مركز خاص، لأن والدته لا تملك المبلغ الشهري المطلوب، ولا يمكنها متابعة حالة ابنها من خلال علاج النطق وغيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول حياة لـ "اندبندنت عربية"، "أشعر بالعجز التام أمام حالة ابني". موضحة، "حتى العمل من أجل تكاليف العلاج غير ممكن بسبب مرافقتي الدائمة له، إذ لا يمكنه البقاء وحيداً في المنزل".

آلاف العائلات التونسية تعاني المشكلة نفسها، في ظل غياب خطة واضحة لإدماج أطفال التوحد إما في مراكز خاصة أو في مدارس عامة.

يقول رئيس جمعية "فرح" لإدماج أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة ناجي ساسي، في تصريح خاص، إن "الدولة متنصلة من مسؤوليتها تجاه هذه الفئة المختلفة عن المجتمع التي تعاني التوحد، موضحاً "تسهم بسياستها الاقصائية في تهميش هؤلاء، فالمسؤولون في وزارة الشؤون الاجتماعية، لا يعيرون أطفال التوحد الاهتمام اللازم، كأنهم من كوكب آخر".

ويشير ساسي إلى أنهم يطلبون من الدولة دمج الأطفال المصابين بالتوحد في مدارسها العامة، مع تأمين مرافق خاصة لهم، مضيفاً "بالتجربة لاحظنا أن الطفل الذي يعاني التوحد إذا دمجته بين أطفال طبيعيين تتحسن حالته تدريجياً ويصبح أكثر تفاعلاً واندماجاً داخل المجتمع. وإذا وضعناه في مؤسسة خاصة مع أطفال يعانون المشكلات نفسها، فإنه لا يتعلم شيئاً وتتعكر حالته"، مشيراً إلى تحسن الأوضاع داخل المدارس العامة ورياض الأطفال التي بدأت تتفهم وضعية هؤلاء الأطفال.

موقع خاص

وفي حين تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود نحو 7 آلاف طفل يعانون التوحد في تونس، يوضح ساسي أن العدد قد يصل إلى 500 ألف، قائلاً إن "الأعداد التي تقدمها الوزارة تعتمد على الحالات المبلغ عنها التي تحمل بطاقات ذوي الحاجات الخاصة فقط، لكن أغلب العائلات التونسية تشعر بالحرج، ولا تفصح عن حال أطفالها المصابين بالتوحد، ربما بسبب ضغوط اجتماعية".

ويفيد ساسي أن "العائلة التي تضم فرداً مصاباً بالتوحد تتكبد مصاريف كبيرة تفوق طاقتها من أجل تحسين حاله، وقد تفوق 600 دولار شهرياً، في حين تتكفل الدولة بثلث المبلغ فقط".

ويقول إن الجمعية شاركت في جلسة للجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس نواب الشعب، وقدمت حزمة من الاقتراحات لتحسين واقع طفل التوحد، وقد حصلت على وعد بيوم برلماني خاص بالجمعية مع الوزراء ذات الصلة.

من جانبها، قالت رجاء بن إبراهيم، المديرة العامة للنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة في وزارة الشؤون الاجتماعية خلال جلسة استماع أمام لجنة المرأة بخصوص مرض التوحد في تونس، إنه تم إعداد أدلة للتعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة، ومنهم أطفال التوحد، موجهة للمدرسين بالتعاون مع "يونيسف"، إضافة إلى موقع إلكتروني يُمكن الأولياء من التعرف على الأعراض الأولى للمرض، مؤكدة غياب إحصاءات خاصة بالتوحد في تونس.

ووفق معلومات رسمية، تخصص الدولة التونسية سنوياً اعتمادات لتسيير المراكز المخصصة لذوي الحاجات الخاصة، من بينها نحو 25 مركزاً للتربية المختصة بالأطفال المصابين بالتوحد، بلغت قيمتها عام 2020 نحو 18 مليون دولار.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات