Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ريفكا غالتشين تسترجع فكرة مطاردة الساحرات بعدما أنعشها ترمب

"الجميع يعرف أن أمك ساحرة" رواية بين الغرائبية والتاريخ والترميز المعاصر

الروائية الأميركية الكندية ريفكا غالتشين (صفحة الكاتبة على فيسبوك)

استندت الكاتبة الأميركية الكندية ريفكا غالتشين في روايتها الثانية "الجميع يعرف أن أمك ساحرة" Everyone Knows Your Mother Is a Witch، إلى قصة حقيقية عن مطاردة الساحرات التي انتشرت في أوروبا بين عامي 1450 إلى 1700، مروراً باضطرابات الإصلاح وحرب الـ 30 عاماً، ووصل عدد ضحاياها، بحسب بعض التقديرات، ما بين 40 إلى 60 ألف ضحية.

صدرت الرواية حديثاً عن دار "فارار وستراوس وجيرو"، إحدى أبرز دور النشر في أميركا. وتتبع أرملة بسيطة في الـ 70 من عمرها تدعى كاثرينا كيبلر، معروفة بمهارتها في العلاج بالأعشاب، وتفوق أولادها على نحو ملحوظ، ومنهم أكبرهم، يوهانس كيبلر، عالم الرياضيات الشهير ومكتشف قوانين حركة الكواكب، وهو ما يستجلب غيرة جيرانها، مثل جارتها أورسولا راينبولد المشوهة والمختلة، أو كما تسميها كاثرينا بالمستذئبة اللطيفة، والتي تتهمها بممارسة السحر بعد أن قدمت لها مشروبا سحرياً مرّ المذاق تسبب في إمراضها. ومن ثم تقع الأم العجوز في مأزق، فيتم استدعاؤها إلى منزل الحاكم في مدينة ليونبرغ البروتستانتية كبداية لسلسلة من التحقيقات حول شخصيتها الغريبة الأطوار، ويكون على ابنها أن يحول انتباهه عن موسيقى الأفلاك إلى مهمة الدفاع عن والدته.

الهبوط على عتبة كاثرينا

ريفكا غالتشين، مواليد 19 أبريل (نيسان) 1976، كاتبة وطبيبة. نُشرت روايتها الأولى "اضطرابات الغلاف الجوي" Atmospheric Disturbances" عام 2008، ولاقت استحساناً واسعاً لدى القراء والنقاد على حد سواء.

في عام 2010 اختارتها "نيويوركر" كواحدة من أفضل 20 كاتبة تحت سن الـ 40. حصلت على جائزة ويليام سارويان الدولية للرواية، وجائزة مؤسسة رونا غافي، من بين جوائز أخرى، وتعمل حالياً أستاذاً مساعداً في قسم الكتابة في كلية الفنون في جامعة كولومبيا.

فكرة الرواية، كما صرحت في حوار لها، ناوشتها في وقت مبكر من إدارة ترمب، "كنت بحاجة ماسة إلى الهرب حتى قبل الوباء، كمن يرغب في الانفلات من هول اللحظة. فكرت في مغادرة هذا العام، بل القرن بأكمله، وأميركا بكل ولاياتها، و"هبطت عام 1615 على عتبة كاثرينا التي كانت في الرواية وفي الحياة الواقعية، أم عالم الرياضيات يوهانس. أردت أن أستكشف الحياة الحقيقية للنساء المتهمات بالسحر، وما تسميه غالتشين "فرحة الإدانة المروعة"!

في السنوات الأخيرة، أثناء حكم ترمب تحديداً، ترددت فكرة مطاردة السحرة على ألسنة السياسيين، واستخدمها ترمب 84 مرة على "تويتر" خلال تحقيق مولر وحده، بتجريد المصطلح من معناه الحقيقي، إذ لم يعد يتعلق بالتنجيم والشعوذة، وإنما بنزع الشرعية عن الشخص المشار إليه بالساحر. تشرح في رسالة بالبريد الإلكتروني، "وجدت نفسي ذات مرة أصف كتابة الروايات بزراعة الكمأة، وأنا مع ذلك نوعاً ما... لا يمكنك زراعة الكمأة، لكن بوسعك أن تشمشم حولها. أحاول ألا أتحكم في معنى كتاباتي، أو حتى مواضيعها، وبدلاً من ذلك أحاول الرضوخ لصوتها وشكلها".

كيف تحكي حكاية؟

مع غالتشين نعود إلى القرن الـ 17، مفضلين مثلها الهرب من هول اللحظة، لاستكناه قصة الساحرات من وجهات نظر متناوبة، كاثرينا البطلة المتهمة بالشعوذة، تحكي لسيمون جارها، الكاتب والوصي القانوني بطريقتها التهكمية، وتعليقاتها المضحكة على مجتمع يرتد للوراء جراء الذعر الأخلاقي، وكيف يمكن أن يؤدي اتهام بسيط إلى حكم قاطع كالإعدام. وفي اللحظات الأكثر سخرية وفكاهة نتلمس الحزن العميق في صوت امرأة مسنة تحصي خساراتها. سيمون أيضاً، الأرمل المنطوي على نفسه،  يحكي عن كاثرينا وعلاقته بها لدى استجوابه بعد أن قبض عليها، كذلك سكان البلدة منحتهم الرواية صوتاً وهم يدلون بشهادتهم أمام المحكمة.

وعدا أبنائها وصديقها سيمون، يبدي معظم الجيران خشيتهم من كاثرينا فهي امرأة غير سوية تتشبه بالرجال، وترتدي ألواناً داكنة، ولها نظرة يمكن أن تصيب ساق شخص ما بآلام مبرحة، تسببت من قبل في إصابة عنزة حتى ماتت، وأمرضت حيوانات أخرى، من بين تصرفات شاذة كثيرة.

الشائعات والقيل والقال والاتهامات هي لبنات السردية، تشكلها الكاتبة من خلال المحاكمة بكل ما تتضمنه من دلالات، سواء من طريق السرد القصصي أو الرسائل، أو النصوص الصادرة من المحكمة، أو شهادات متهميها والمدافعين عنها، لترصد مدى سهولة تشكيل عقلية الغوغاء في مناخ يسوده الخوف والجهل، لمجرد وجود شخص مختلف عنها، يمارس ما لا تمارسه، والأدهى ما يصعب عليها فهمه، إنها قصة آلاف الحيوات التي ضاعت بسبب الاختلاف. تقول، "الأكاذيب والافتراءات غالباً ما تعمل مثل الأحلام، لأنها تخفي سبباً غير مقبول، لتتمنى لشخص مصاب مرضاً مقبولاً".

الواقعية السحرية من منظور أخر

 في مجموعتها القصصية "منطقة التفاوت" The Region of Unlikeness، تطرح على لسان الفيزيائي نظرية تشبه السفر عبر الزمن، الحضور في اللحظة التي يصطدم فيها الماضي والمستقبل. جاء على لسانه، "سندخل منطقة يبدو أن الأشياء لا تتصرف فيها من تلقاء نفسها". هكذا يمكن بلورة عوالم غالتشين الغرائبية "الأشياء لا تتصرف أبداً كما هو معهود بها".

في روايتها الأولى، "اضطرابات الغلاف الجوي"، تقنع بطلتها، طبيبة نفسانية من نيويورك، بأن شبيهاً حل محل زوجته، وها هو يتضوع برائحة الشامبو ويتبختر بالردف نفسه الذي تم تحويره.

كتابها الصادر 2014، "الابتكارات الأميركية" American Innovations، عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة الخيالية، شخوصها بأجسام يختلف تشريحها عن الطبيعي، صدور تتدلى من الظهر وأشياء عجيبة، ومنها قصة لامرأة في الـ 30 من عمرها، تعود إلى بيتها ذات يوم لتتفاجأ بقطع الأثاث تتحرك من تلقاء نفسها.

أما روايتها الجديدة، "الجميع يعرف أن أمك ساحرة"، فعلى الرغم من انطلاقها من عتبة ساحرة، فهي تجعل من الأكاذيب والافتراءات والطريقة التي يحور الناس بها الحقيقة بمثابة السحر الأكيد.

تعويذة تُلقى على الرؤوس وتستصرخ العقول، مورطة الجميع في عدوان جماعي وخوف هستيري، فتصبح المخالفة لعنة، والالتزام بقواعد المجتمع المهذب مسألة حياة أو موت،  وتتلاشى البيوت والناس تحت وطأة الخرافات، وتشنجات التاريخ المميتة.

المزيد من ثقافة