Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي مشكلة الحكومة البريطانية مع الجثو على الركبة؟

"تتطلب القيادة السياسية، شأنها شأن إدارة فريق كرة القدم، القدرة على استشراف المستقبل، واستعمال المخيلة إلى حد ما، وتوجيه رسالة واضحة أيضاً. ويتقدم فريق غاريث ساوثغيت حتى الآن على بوريس جونسون بما يزيد على هدفين، مع أن المباراة بالكاد قد بدأت"

هل يشعر حزب المحافظين بعدم الإرتياح حين يقوم لاعبو المنتخب الإنجليزي بالجثو على الركبة قبل مبارياتهم في دوري "يورو 20"؟ (غيتي)

أصبحنا نسمع من جديد هذه الأيام شعار "دع السياسة بعيدة عن الرياضة" يتردد مراراً وتكراراً. ويعود الفضل في عودته إلى الواجهة إلى الجدال حول التغريدات ذات الطابع التاريخي التي نشرها أعضاء في فريق الكريكيت الإنجليزي، وإلى بعض الأصوات المستهجنة لبادرة "الجثو على ركبة وحدة" التي يقوم بها الفريقان الإنجليزي والويلزي، مع أن الفريق الاسكتلندي لا يحذو حذوهم، على سبيل الاحتجاج، وذلك في الفترة التمهيدية لانطلاق بطولة كرة القدم الأوروبية لعام 2020. على الرغم من الشعار الآنف الذكر، فإن السياسة والرياضة قد تشابكت إحداهما مع الأخرى دوماً على المستوى الدولي.

هكذا يمكننا أن نعود بذاكرتنا مثلاً إلى أولمبياد برلين في عام 1936 وجيسي أوينز بطل ألعاب القوى الأميركي الأسود البشرة، وإلى مقاطعة جنوب أفريقيا أيام نظام الفصل العنصري والعداءة زولا باد التي منحت الجنسية البريطانية، وأولمبياد موسكو لعام 1980 وألعاب لوس أنجليس بعدها بأربعة أعوام حين فرضت كل من الولايات المتحدة والكتلة السوفياتية عقوبات على بعضهما بعضاً. كما يمكننا أن نذكر أيضاً أمثلة عدة آخرها متعلقة بتصميم قميص فريق كرة القدم الأوكراني المشارك في الألعاب الأوروبية الحالية، والذي استُعملت فيه خريطة البلاد بما فيها شبه جزيرة القرم كجزء لا يتجزأ من الأراضي الأوكرانية ذات السيادة، الأمر الذي أغضب روسيا التي ضمت شبه الجزيرة إليها في 2014. ولا تزال صورة فريق إنجلترا لكرة القدم وهو يؤدي التحية النازية في مباراة "ودية" عام 1938، أو تلك التي يبدو فيها تومي سميث وجون كارلوس وهما يرفعان قبضتيهما لإلقاء تحية "القوة السوداء" التقليدية من على منصة التتويج في أولمبياد مكسيكو عام 1968، وغيرهما من الصور المماثلة، الحاضرة بقوة طاغية بعد عقود طويلة. وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أن السياسة لا تبقى بعيدة من الرياضة. فهي لا تستطيع ذلك.

على الصعيد السياسي، يشكل "الركوع على ركبة واحدة" من جانب لاعبي كرة القدم إشكالية بالغة بالنسبة للحكومة. إلا أنه من المتاعب المألوفة أيضاً، إذ ما قولها في الأمر، وما السبيل إلى ضمان تقيد الوزراء بالموقف الرسمي؟ وتفرض هذه البادرة مصاعب معينة بالنسبة للحكومة في ما يتعلق بفريق إنجلترا. وقد لعبت لندن حتى الآن بشكل رديء أمام بادرة "الركبة"، فدفاعها تائه في حال من الفوضى وهجومها صامت لا صوت له، في أحسن الأحوال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والواقع أن هناك حالياً ثلاث نسخ لسياسة الحكومة إزاء هذه البادرة. تأتي نسخة بوريس جونسون في الطليعة وقد طرحها حين أعلن أن من حق اللاعبين أن يقوموا بالاحتجاج والتعبير عن مشاعرهم، إلا أنه لم يقل صراحة ما إذا كان يؤيد الركوع على ركبة واحدة. أما جيليان كييغان، وهي وزيرة دولة لشؤون التعليم، فتقول إن البادرة "تسبب الانقسام والفُرقة". وتصفها بشيء من الاستخفاف بأنها مجرد "بادرة رمزية وليست نوعاً من الفعل". وتتابع الوزيرة لتمعن في مهاجمة البادرة وإطلاق الاتهامات عليها في عبارات صيغت بطريقة غريبة ومواربة وجاء فيها "هناك بعض النواب المحافظين (ممن) يعارضونها بشدة. لماذا؟ لأن حركة "حياة السود مهمة" تمثل أشياء لا يمثلها هؤلاء النواب. وهي في الحقيقة تتعلق بحرمان الشرطة من التمويل وإطاحة الرأسمالية، وهي، كما تعلمون، "حياة السود مهمة" منظمة سياسية فعلية".

وبعد ذلك، يأتي دور نديم الزهاوي، وزير اللقاحات وأحد مشجعي كرة القدم الذي يدعم بادرة "الركبة"، مؤكداً بحرص بالغ أن هذا الموقف يجب ألا "يُستنتج منه" أنه يؤيد حركة "حياة السود مهمة"، التي يعتبرها، على أي حال، حركة تضم قطاعاً عريضاً من الأشخاص المتنوعين وهم ليسوا جميعاً "ماركسيين" يسعون إلى تفكيك الرأسمالية. وعلى الأقل، لم يكرر حتى الآن دومينيك راب، وزير الخارجية، الإعراب عن اعتقاده بأن البادرة "على علاقة بمسلسل صراع العروش".

يُساء في الغالب، عن قصد أو من دونه، فهم بادرة الجثو على ركبة واحدة على أنها حركة تنمّ عن الإذعان. لكنها في الواقع تعود إلى حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي. وتستمد قوتها الجديدة من طريقة ركوع الرياضيين والرياضيات الأميركيين بدلاً من الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني، وذلك لأنهم يعتقدون أن بلادهم لا تزال مرتعاً للعنصرية. وقد أضافت جريمة قتل جورج فلويد العام الماضي، قدراً هائلاً من الزخم للمطالبة بأن تسود العدالة العرقية بحيث تحظى حياة السود بالمعاملة على قدم المساواة مع الآخرين وينال هؤلاء القدر الكافي من الاحترام الذي حرموا منه لفترة طويلة.

عادة ما تكون بادرة "الركبة" قضية مثالية بالنسبة للمحافظين كسلاح يستخدمونه في الحروب الثقافية، وقد استغلها بعضهم سلفاً على النحو بشكل غريزي. لكن وكما يوحي موقف رئيس الوزراء الأكثر التباساً، فإن الأمر أشد تعقيداً مما يظن بعضهم. وقد برهن ماركوس راشفورد (ركن هجوم الفريق الإنجليزي) من خلال الحملة التي قام بها من أجل الوجبات المدرسية المجانية، أن الرياضيين كثيراً ما يتمتعوا بالشعبية والكاريزما، ما يجعلهم قادرين على تحفيز الرأي العام. وإذا كان الفريق كله ومديره غاريث ساوثغيت، يتحدثون بفصاحة عن البادرة التي يقومون بها بنبالة وإخلاص كما نرى جميعاً،  فهل يريد رئيس الوزراء وزملاؤه حقاً أن يعارضوا هؤلاء الرياضيين؟ أضف إلى ذلك، هل يريد حزب المحافظين أن يقف جنباً إلى جنب مع هؤلاء الذين يصدرون أصواتاً مستنكرة؟ والحقيقة أن مشجعي فريق إنجلترا المشاكسين الذين يحاولون إفساد لحظات الركوع على ركبة واحدة، ليسوا جميعاً من تلاميذ فولتير (فيلسوف فرنسي متهم بالعنصرية والمعاداة للسامية)، ولا بد أن بعضهم مرتاح لكونه عنصرياً ولا يشعر بالحاجة للاعتذار عن هذا السلوك الذي يمارسه في ملاعب كرة القدم وعلى منابر الوسائط الاجتماعية أيضاً. أليس من المؤكد أن جونسون لا يريد أن يكون هؤلاء هم قاعدته الجماهيرية الصاخبة؟

وماذا لو توقعنا، ولو بسذاجة، أن إنجلترا فازت حقيقة بالبطولة، أو أنها وصلت إلى المباراة النهائية بعدما استعرضت بشجاعة مهاراتها البطولية في مباريات قدم فيها المهاجمون ولاعبو الوسط والدفاع من ذوي البشرة الملونة مساهماتهم الشجاعة والمتقنة في سياق جهود الفريق لتحقيق هذا المجد الوطني الذي يستحق الثناء؟ وإذا كان على كرة القدم أن "تعود إلى الوطن" كما تقول أغنية "الأسود الثلاثة" الشهيرة، بعد طول انتظار، وتفوز إنجلترا بالكأس، فهل يودّ جونسون من غاريث وأعضاء فريقه أن يطالبوه عندها بإبقاء السياسة بعيدة من كرة القدم، ويعربوا عن رفضهم أن يستغلهم  بهدف تحقيق غاياته الشائنة، قبل أن يقاطعوا حفلة الاستقبال التي ستنظمها رئاسة الوزراء على شرفهم، مفضلين الاكتفاء  بحضور الحفلة الباذخة التي ستقيمها الملكة من دون شك احتفالاً بانتصارهم؟

تتطلب القيادة السياسية، شأنها شأن إدارة فريق كرة القدم، القدرة على استشراف المستقبل، واستعمال المخيلة إلى حد ما وتوجيه رسالة واضحة. ويتقدم فريق غاريث ساوثغايت حتى الآن على بوريس جونسون بما يزيد على هدفين، مع أن المباراة بالكاد قد بدأت.       

© The Independent

المزيد من تحلیل