Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إصلاحيو إيران في المنتصف بين المشاركة والمقاطعة

لم تبتعد رسالة خاتمي عن كلام موسوي إلا أنها أقل سلبية

كشف استطلاع جديد أن نسبة المشاركة في الانتخابات الإيرانية قد تصل إلى 46 في المئة (أ ف ب)

بعد انتهاء الجولة الثالثة من المناظرات التلفزيونية بين المرشحين السبعة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، انتقلت المنافسة إلى الشارع ولم تعد في الإطار النظري، وأصبح كل مرشح أمام استحقاق استعراض قدراته على جمع المناصرين، وإقناع الناخبين بالمشاركة في الاقتراع.

ويبدو أن المرشح إبراهيم رئيسي هو الأقدر على استعراض قدراته في الحشد الجماهيري مقارنة بمنافسيه، وقد ظهر ذلك في التجمع الذي نظّمه في محافظة خوزستان، والدعوة إلى لقاء جماهيري في طهران على مدرجات ملعب آزادي الرياضي الذي يتسع لأكثر من 70 ألف شخص، أو في مصلى طهران الكبير ذي القدرة الاستيعابية الأضخم، مما يعني أن هذه الحشود ستكون بمثابة تكريس لرئاسته قبل موعد الاقتراع، من خلال استنفار أجهزة الدولة لتأمين أكبر مشاركة شعبية فيها على حساب المرشحين الآخرين، إذ إن قدرته على الحشد من دون غطاء الدولة العميقة ودورها لن تتعدى قدرة أي مرشح آخر، في ظل حال العزوف الواسعة التي تسيطر على الناخب الإيراني الذي لا يجد جديداً في الخطاب الذي يقدمه المرشحون، أو على الأقل لا يجد وعوداً حقيقية لإخراجه من الأزمات التي يعانيها، ليس على المستوى الاقتصادي وحسب، بل السياسي والاجتماعي والمعيشي أيضاً.

لم يكن غريباً أو مستبعداً أن تبدأ مراكز القرار والدولة العميقة ووسائل الإعلام التابعة لها بالكشف عن مرشحها الحقيقي الذي يحظى بالدعم الكامل والمطلوب إيصاله إلى موقع رئاسة السلطة التنفيذية، وأمام التطورات المتسارعة واقتراب لحظة الحقيقة ويوم الاقتراع، تخلت هذه القوى ووسائل الإعلام عن اعتماد أسلوب توجيه الرسائل المبطّنة للمرشحين المحسوبين على التيار المحافظ، وضرورة توحيد الصفوف والتخلي عن الطموحات الشخصية لمصلحة النظام والثورة، وذهبت إلى الخطاب المباشر بكلام قد يصل إلى مستوى توجيه الأوامر، عبّر عنه رئيس تحرير صحيفة "كيهان"، حسين شريعتمداري، المقرب من مكتب المرشد، من خلال مطالبته المرشحين الأربعة من التيار المحافظ، بمن فيهم الجنرال محسن رضائي، بضرورة الانسحاب لمصلحة رئيسي الذي يمثل مرشح إجماع التيار المحافظ ومراكز القرار والدولة العميقة.

استطلاعات الرأي التي يجريها التيار المحافظ في شأن المرشحين وحظوظ كل واحد منهم بالفوز قد تسقط ما تبقى من رهانات لدى بعض أطرافه على إمكان التمسك بسعيد جليلي كمرشح بديل عن رئيسي. وكشف الاستطلاع الأخير الذي أجرته جامعة طهران أن نسبة المشاركة في الانتخابات قد تصل إلى 46 في المئة، وأن رئيسي متقدم بين المرشحين بقارق كبير حتى أمام المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي بنسبة قد تتجاوز 35 في المئة.

في المقابل، تأتي الرسائل التي وجهها الرئيس الأسبق محمد خاتمي، والمرشح السابق الذي ما زال في الإقامة الجبرية منذ 2009 مير حسين موسوي في شأن الانتخابات، لتثير جدلاً واسعاً داخل صفوف القوى والأحزاب الإصلاحية في شأن إشكال الدعوة إلى المقاطعة وإمكان المشاركة، في ظل جنوح بعض القيادات وبشكل فردي بعيداً من المواقف الحزبية لتأييد المرشح عبدالناصر همتي، خصوصاً داخل حزب "كوادر البناء" وشخص أمينه العام غلام حسين كرباستشي، والعودة إلى مواقف الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، التي تؤكد ضرورة المشاركة بغض النظر عن إجراءات النظام بحق المرشحين واستبعادهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجاء كلام مير حسين موسوي أسهل في فهم الرسالة السلبية التي يحملها في شأن مجلس صيانة الدستور ولجنة دراسة الأهلية، واتهام النظام بهندسة الانتخابات والنتائج، معتبراً أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى ضرب أسس الجمهورية الإسلامية، في حين لم تبتعد رسالة خاتمي إلى المؤتمر العام لحزب "الشباب الإيراني" عن رسائل موسوي، إلا أنها أتت أقل سلبية، من دون أن تصل إلى مستوى الدعوة الواضحة للمشاركة، في حين أن موسوي كان قريباً من الدعوة إلى المقاطعة.

دعوة خاتمي إلى أداء الواجب الوطني والشعبي الذي تتطلبه هذه المرحلة الدقيقة تأتي منسجمة مع المواقف التي سبق أن أعلنتها قبل أيام جماعة علماء الدين المناضلين والجبهة الإصلاحية، من عدم تبنيّهما أياً من المرشحين، مع احتفاظهما بحق الاعتراض ورفض إجراءات مجلس صيانة الدستور.

عدم تبنّي خاتمي أي مرشح قد يخفف منه الموقف الذي قد تذهب إليه جبهة الإصلاحات بإبداء ليونة في التعامل مع همتي، ليس باعتباره ممثلاً عنها في السباق الرئاسي، إنما من أجل عدم تسهيل عملية "تنصيب" رئيسي بشكل آلي وبمسرحية انتخابية، وبالتالي تعقيد المهمة على التيار المحافظ إلى حد الدفع بعدم حسم النتيجة من الدورة الأولى، وتحويلها إلى ثنائية بين رئيسي وهمتي.

هذا الطموح، الذي يبقى في حدود الآمال، يحتاج تحقيقه إلى موقف واضح من خاتمي ومير حسين موسوي، إلا أن حسابات خاتمي قد تكون أكثر تعقيداً من الحسابات المباشرة للأحزاب الإصلاحية، إذ يشكل دخوله المباشر في دعم مرشح ضد آخر مخاطرة في رصيده الشعبي والتمثيلي، لأن المتوقع أن يؤدي هذا الانخراط المباشر والواضح إلى استنفار القوى المحافظة والدولة العميقة في النظام، التي ستجد الفرصة لتوجيه ضربة قاسية إلى البعد الشعبي والتمثيلي لخاتمي كزعيم للتيار والفكر الإصلاحييَن، وأن تضع طاقاتها وإمكاناتها من أجل كسر مرشحه في الانتخابات وفرض النتيجة التي تريدها لمصلحة مرشح هذه الدولة العميقة، وبالتالي التأسيس لإخراج خاتمي وما يمثله من الحياة السياسية الإيرانية.

المزيد من تحلیل