Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدارس "ثنائية اللغة" تعزز مفهوم الأمن بين الفلسطينيين والإسرائيليين

إقبال مرتفع على التسجيل ونسبة الطلاب العرب تتخطى 58 في المئة

مدارس ثنائية اللغة تدعو للأمن والتعايش بين العرب واليهود (جمعية يداً بيد)

تركض سوزي وميس (15 عاماً) داخل باحة المدرسية الفسيحة، غير مكترثتين بجرس المدرسة الذي يقرع لينذر بضرورة المغادرة، فالمرح الذي يغمرهما مع انتهاء الفصل الدراسي أنساهما الوقت، كيف لا وهما صديقتان مقربتان منذ 10 سنوات، وتتشاركان المقعد الدراسي داخل مدرسة "يداً بيد" ثنائية اللغة (تدرس العبرية والعربية معاً) التي تأسست عام 1997 على تلة القطمون، غرب مدينة القدس.

"يداً بيد"

عائلة سوزي الإسرائيلية آمنت وأيقنت كعائلة ميس الفلسطينية، أن التعايش والمصالحة بين الجانبين هو الحل الأمثل لإحلال السلام والطمأنينة للجيل القادم، وأن التعليم والتربية ركيزتان أساسيتان لبناء حاضر المجتمعات وضمان مستقبلها السليم، وأن المدراس ثنائية القومية (تدرس الطلبة العرب واليهود معاً) في القدس وإسرائيل، تضع الصراع السياسي جانباً، وتجتهد في بناء مستقبل أفضل للأطفال العرب واليهود.

تقول ميس لـ"اندبندنت عربية"، "حالما أعبر بوابة المدرسة أشعر بأنني في عالم مختلف تماماً عن العالم الخارجي الذي يشهد صراعات يومية، أقابل صديقاتي بكل شغف وحب، وعلى الرغم من أنهن إسرائيليات، فإن ذلك لم يمنعنا أبداً من التفاهم والتشارك في وجهات النظر. أحب مناخ الحرية وتعدد الثقافات في مدرستي، لكنني أخشى مستقبلاً ألتقي فيه بصديقاتي ومن بينهن سوزي كمجندات إسرائيليات في الجيش، فالتجنيد إجباري، ولا أحد يعلم كيف ستكون الأحوال، أتمنى ألا يحدث ذلك، وأن نبقى صديقات للأبد".

مساواة

أسس أول إطار ثنائي اللغة عام 1984 في واحة السلام، وشمل صف رياض أطفال، والذي تطور لاحقاً إلى مدرسة، ثم أقيمت مدرسة أخرى لجمعية "يداً بيد" عام 1997، وما لبثت تتطور حتى أصبح لديها الآن سبع مدارس يتعلم فيها أكثر من ألفي طالب عربي ويهودي.

يعمل في مدارسها طواقم معلمين من العرب واليهود يؤمنون بتنشئة أجيال جديدة على مبدأ الشراكة، وأسس التكافؤ الكامل واحترام الغير وقبول معتقداته الثقافية والتاريخية. 

الرئيس المشارك لجمعية "يداً بيد"، جواد بولص، يقول "منذ البدايات، وحتى أيامنا هذه، هناك تحريض من القوى اليمينية، وإعراض مؤسسات الدولة وتردُّد وزاراتها في قبول فكرة التعليم ثنائي اللغة، وهي الفكرة التي قوبلت أيضاً بالتشكيك من قبل المجتمعين العربي واليهودي، اللذين كبرا في دولة ربت مواطنيها اليهود على ارتياب مواطنيها العرب، ونمّت بين مواطنيها العرب مشاعر القهر جراء سياساتها العدوانية والعنصرية بحقهم".

تطور وارتفاع

وبحسب متخصصين فإن للمدارس ثنائية اللغة مساهمة إيجابية في مواجهة الصعوبات التي يفرضها الصدع بين اليهود والعرب في إسرائيل، فخلال السنوات الخمس الأخيرة طرأت زيادة بنحو 58 في المئة في عدد التلاميذ الذين يتعلمون في المدارس ثنائية اللغة (سبع مدارس ابتدائية ومدرسة تعليم ثانوي)، ومعظم التلاميذ هم من العرب. كما أشارت بعض الدراسات إلى أن التلاميذ العرب تمكنوا من اللغة العبرية بنسب أعلى من تمكن اليهود من اللغة العربية، ونتيجة لذلك فإن اللغة العبرية هي السائدة والأكثر انتشاراً في الفصول الدراسية وساحات المدارس، فيما شكك باحثون فلسطينيون أن المدارس التي تجمع العرب واليهود في صفوف واحدة، تندرج ضمن مشاريع السيطرة الإسرائيلية على قطاع التعليم في القدس الشرقية. 

ترهيب وترغيب

تقول الباحثة في مجال التربية والتعليم والمحاضرة في الجامعة العبرية، سميرة عليان، "منذ اليوم الأول لاحتلال القدس عام 1967، وكانت برامج التعليم جوهر هذا الصراع الذي لم يحسم إلى اليوم، حيث تتصاعد المحاولات الإسرائيلية يومياً لاستبدال برنامج التعليم الفلسطينية الذي يعتمد على شهادة التوجيهي ببرنامج التعليم الإسرائيلي الذي يمنح شهادة "البجروت"، ونجحت عبر سياساتها بضم عدد كبير من المدارس لتدريس المنهاج الإسرائيلي، إذ تحتل مدارس البلدية الإسرائيلية ووزارة المعارف الإسرائيلية المركز الأول في نسبة استقطاب الطلبة الفلسطينيين في 70 مدرسة إسرائيلية بنسبة بلغت 45 في المئة، فيما تمتلك وزارة التربية والتعليم الفلسطينية 49 مدرسة يدرس فيها 14 في المئة فقط من الطلاب الفلسطينيين، وبقية الطلبة يدرسون إما في مدارس خاصة، أو في مدارس تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا). تقوم السياسة الإسرائيلية على استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المدارس الفلسطينية في القدس، بتقديم عروضات سخية من المساعدات المالية مقابل تعليم المنهاج الإسرائيلي، وإعفاء من الضرائب، وتقديم تسهيلات للبناء والتوسع، وإثراء الصفوف بالحواسيب والأساليب التربوية الحديثة والكثير من التسهيلات الأخرى، ما قد يدفع بكل سهولة بأصحاب تلك المدارس للقبول والخضوع لتلك المغريات، وفي حال الرفض قد تتعرض المدرسة لشروط قاسية ومجحفة تهدد استمراريتها، ليتضح أن الهدف الحقيقي من وراء تلك التسهيلات، هو التدخل لمنع أي رواية فلسطينية، ومنع خلق هوية جماعية وطنية لدى طلاب شرق القدس".

صفوف فقيرة

بحسب إحصائيات الجهاز الإسرائيلي المركزي للمحاسبات، هناك حاجة إلى قرابة ألف صف مدرسي في القدس الشرقية، فقرابة نصف الصفوف الموجودة غير مستوفاة لأبسط الشروط المطلوبة، كما أن عدد تلاميذها يزيد بنسبة الثلث على مثيلاتها في الأحياء اليهودية في المدينة، ويضطر التلاميذ الفلسطينيون إلى حضور فترتين صباحية ومسائية في بعض الحالات.

واستناداً لتقرير أعدته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل (منظمة غير حكومية)، فإن جهاز التعليم في القدس (الذي يدرس المنهاج الفلسطيني) يعاني تنامي نسبة التسرب والتسريب، خاصة في المراحل العليا التي تجاوزت أكثر من 50 في المئة بين أبناء المدينة، وذلك بسبب جذب سوق العمل الإسرائيلية لهم.

عجز مالي

ديما السمان، مدير عام وحدة شؤون القدس بوزارة التربية والتلعيم الفلسطينية، تقول لـ"اندبندنت عربية"، إن السلطة الفلسطينية "تعاني حالة مستعصية من العجز المالي، حيث وصلت الضرائب المتراكمة عليها للجانب الإسرائيلي (في قطاع التعليم) إلى قرابة 63 مليون دولار، وهو ما يقيدها في تقديم الدعم الكافي لمدارس الأوقاف التابعة لها، وبذلك نجحت وزارة المعارف الإسرائيلية في استغلال هذه الأوضاع الصعبة التي تعانيها السلطة، فوظفت القدرات لتمرير منهاج التعليم الإسرائيلي في أكبر عدد من المدارس، وتردي الحالة الاقتصادية لمعظم الأسر المقدسية تجعلهم غير قادرين على تحمل نفقة تعليم أولادهم خارج القدس، كما أن هناك ضعفاً في مصادر التمويل المنصبة على تعزيز وتطوير الجهاز التعليمي الوطني في المدينة، إضافة لكل تلك الأزمات فإن الجامعات الإسرائيلية لا تعترف بشهادة الثانوية العامة لدارسي المنهاج الفلسطيني في القدس وإسرائيل، ما يدفع بالطلبة لاختيار برامج التعليم الإسرائيلية لضمان الوظائف مستقبلاً. ما يجري في القدس فعلياً هو ابتزاز المدارس الفلسطينية بشكل سافر".

وفي عام 2018 رصدت الحكومة الاسرائيلية، وفي إطار خطتها الخماسية، 21 مليون دولار لدعم مؤسسات تربوية تدرس المنهاج الإسرائيلي، و18 مليون دولار لتطوير وصيانة المدارس التي اختارت المنهاج الإسرائيلي، و20 مليون دولار لاستئجار بنايات جديدة لهذه المدارس، إضافة إلى 5 مليون دولار للتعليم التكنولوجي المتطور.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير