Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل في تونس حول تنامي عنف الشرطة على المواطنين

"التدخلات الأمنية في أحداث العنف أو الاحتجاجات تتطلب إطاراً قانونياً لفض الاعتصامات ومواجهة التظاهرات"

على الرغم مما شهدته تونس من تحولات بعد 2011، مسّت المجال السياسي، ونظام الحكم، وقطاع الصحافة والإعلام، فإن جهاز الشرطة لم يتغير بالشكل المطلوب، ليواكب التحول الديمقراطي الذي تعيشه البلاد.

ويواجه الأمن إلى اليوم الاحتجاجات بالأدوات نفسها التي كان يستخدمها قبل 2011، في غياب قانون ينظم حدود التدخل الأمني ويضمن حقوق المواطنين في الاحتجاج.

احتقان واشتباكات مع الأمن

وتعيش منطقة سيدي حسين (حي شعبي يقع غرب العاصمة) خلال هذه الفترة حالة من الاحتقان بسبب تجدد الاشتباكات بين عدد من الشبان وعناصر الأمن على خلفية وفاة شاب من المنطقة اتهمت الشرطة بتعذيبه بعد إيقافه.

كما اشتعلت مواجهات بين شبان وعناصر من الشرطة، مساء السبت 12 يونيو (حزيران) الحالي، في ضواحي تونس العاصمة، بعد ساعات قليلة من خروج تظاهرة مناهضة للحكومة أمام مبنى وزارة الداخلية وسط العاصمة، احتجاجاً على ضرب وسحل طفل من منطقة سيدي حسين بعد أن تم نزع ملابسه وإيقافه.

غياب قانون ينظم علاقة الأمن بالمواطن 

فما أسباب تعدد التجاوزات الأمنية بحق المواطنين؟ وهل من إجراءات قانونية تضع حداً لهذه الممارسات؟ 

أكد أستاذ القانون في الجامعة التونسية، رابح الخرايفي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن العلاقة بين الشرطة والمواطن في تونس لا ينظمها قانون خاص، بل تخضع هذه العلاقة إلى مجلة الإجراءات الجزائية وتنسحب على علاقة الموظف العمومي بالمواطن.

وشدد على أن التدخلات الأمنية في أحداث العنف أو الاحتجاجات تتطلب إطاراً قانونياً لفض الاعتصامات، ومواجهة التظاهرات، لحماية حقوق المواطنين في التظاهر، وأيضاً لحماية الملك العام، وتنظيم حدود ومجالات تدخل الأمن في هذه العملية. 

وأضاف الخرايفي، أن علاقة رجل الأمن بالمواطن مرتبطة بالإرث التاريخي لهذه العلاقة، وهي نتاج تراكمات أكثر من نصف قرن من الاستبداد، وهي علاقة يمارس من خلالها الأمن سلطته على المواطن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستبعد أستاذ القانون أن تتغير هذه العلاقة بين ليلة وضحاها، داعياً وزارة الداخلية إلى مزيد من تأطير عناصر الأمن قبل الزج بهم في مواجهة المواطنين في الاعتصامات والتظاهرات والاحتجاجات. 

تأصيل مفهوم الأمن الجمهوري 

وأضاف أنه بعد 2011 لم يتم تنظيم علاقة رجل الأمن بالمواطن، على أسس صحيحة تراعي المناخ الجديد في تونس، مناخ الحريات والديمقراطية، وبقيت العقلية نفسها هي السائدة في الممارسات الأمنية المبنية على شرعية العنف الذي يمارسه عناصر الأمن من دون مراعاة لحقوق المواطنين. 

وقال الخرايفي، "إن وزارة الداخلية تنتدب من لفظتهم المدارس وهم غير متصالحين مع أنفسهم لذلك يلجأون إلى ممارسة العنف عند أول مواجهة مع المواطن، وهو رد فعل طبيعي"، بحسب تعبيره.

وبين أن المشكلة ليست في التشريعات، وإنما في تأصيل مفهوم الأمن الجمهوري الوارد في نص الدستور، على أرض الواقع، من خلال تكوين عناصر الأمن على المقاربة الحقوقية وكيفية إدارة الأزمات، علاوة على التدرب على التحكم في الانفعالات وردود الفعل على بعض الاستفزازات التي قد تصدر من المحتجين.

وعبر عن تخوفه من حالة التطبيع مع العنف في المجتمع، وحتى في العقل السياسي التونسي، حيث أصبح العنف يمارس تحت قبة البرلمان، وبدا جلياً أيضاً في الخطاب السياسي.

إعادة النظر في العقيدة الأمنية

تحتاج العلاقة بين رجل الأمن والمواطن إلى إعادة البناء على أسس جديدة قوامها احترام رجل الأمن لحق التظاهر والتعبير في إطار مقاربة شاملة هي حقوق الإنسان، وترسيخ الوعي لدى رجل الأمن أنه في خدمة المواطن في إطار مفهوم الأمن الجمهوري، بعيداً عن الاصطفاف السياسي.

ويدعو أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، بالعيد أولاد عبد الله، في تصريح خاص، إلى إعادة النظر في العقيدة الأمنية عموماً، بالنظر إلى المتغيرات التي شهدها المجتمع التونسي. 

ويضيف قائلاً، "الجهاز الأمني في تونس ما زال يبحث عن ذاته في غياب الإطار القانوني الذي ينظم مجال وحدود تدخلاته، في مستوى التعاطي مع الفضاء العمومي، من خلال إمعانه أحياناً في قمع الاحتجاجات إيماناً منه بضرورة حماية الأمن العام، وأحياناً أخرى في مهادنة بعض التحركات وعدم الدخول في مواجهة مع المحتجين".

وحذّر أولاد عبد الله من مغبة توظيف الجهاز الأمني لفائدة جهة سياسية محددة حتى ولو كانت في الحكم، داعياً إلى جعل الجهاز الأمني في خدمة الجميع وتحت طائلة القانون.

وزارة الداخلية تندد وتفتح تحقيقاً

وتفجرت الاحتجاجات إثر وفاة شاب من منطقة سيدي حسين السيجومي، بعد إيقافه، وتتهم أسرة الشاب الشرطة بضربه حتى الموت، في وقت فتحت فيه وزارة الداخلية تحقيقاً في الحادثة، نافية أن يكون الشاب قد توفي جراء سوء معاملة أثناء اعتقاله.

وخلال قمع الاحتجاجات عمد عدد من عناصر الأمن إلى تعنيف قاصر ونزع ثيابه وسحله في الشارع قبل نقله على متن سيارة الشرطة.

وأعلنت وزارة الداخلية في البداية أن الشاب كان في حالة سُكر، وهو من عمد إلى نزع ثيابه، ثم تراجعت ونددت بالحادثة بعد أن تم الكشف في وسائل الإعلام عن تعمد عناصر الأمن نزع ثياب الطفل القاصر والبالغ من العمر 15 عاماً، وسحله في الشارع.

وقام الرئيس التونسي قيس بن سعيد بزيارة المنطقة بعد الحادث والتقى عائلة الطفل، كما ندد مكتب مجلس النواب بالحادثة على غرار عديد من الأحزاب والمنظمات الوطنية.

المزيد من متابعات