Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يصمد الائتلاف الإسرائيلي الجديد؟

يثير التساؤلات أكثر من الأجوبة في المرحلة الحالية وثمة كثير من الأبعاد بهذا الصدد

ليس غريباً أن تتحالف أحزاب من توجهات سياسية مختلفة في النظم السياسية متعددة الأحزاب بغرض الوصول إلى الحكم، أو إطاحة قائد سياسي معين، وكثيراً ما حدث هذا في إيطاليا، أحد أشهر النظم السياسية التي تعرف تقلبات سياسية، وحتى عدم استقرار في العقود التالية للحرب العالمية الثانية. وفي مصر قبل 1952 كانت أحزاب الأقلية تتآلف لتشكيل حكومة كلما أقال الملك أو الاحتلال البريطاني حكومة الأغلبية الشعبية والنيابية، أي حكومة الوفد. وفي أغلب الأحوال تكون هذه الائتلافات قصيرة العمر بسبب التناحر بين التوجهات والمصالح المختلفة، ويزداد حدة هذا كلما كانت التوجهات مبنية على خلافات أيديولوجية كبيرة أو طموحات شخصية أيضاً شديدة.

وفي إسرائيل كانت الحياة السياسية بعد إنشاء الدولة تعتمد على حزبين كبيرين هما "العمل" و"الليكود"، ولعب الأول دوراً رئيساً في إنشاء الدولة وسنواتها الأولى، ثم بدأ في التراجع وعاشت الحياة السياسية لبعض العقود قطبية ثنائية بين "العمل" و"الليكود"، الذي وصل إلى الحكم بزعامة مناحم بيغن نهاية السبعينيات، واستمرت السيطرة المشتركة لعقود قليلة كانت تعكس مناخ النظام الدولي بدرجة ما، ثم تراجع اليسار بشدة وتقدم اليمين، ولكن تشرذمت الحياة السياسية تدريجياً في عدد كبير من الأحزاب، وفي الواقع إن السمة الرئيسة هي غلبة اليمين وانقسامه بين تيارات متعددة، فضلاً عن تزايد دور الأحزاب الدينية، حتى وصلنا للمشهد الراهن، الذي يعتمد على ائتلافات هشة معظم الوقت، وآخرها كان ائتلافاً بين "ليكود" نتنياهو والمعارض الرئيس له لفترة، أي حزب "أزرق أبيض" بزعامة غانتس، الذي يفترض أنه يمثل الوسط، حيث تشكلت الحكومة الحالية على أساس أن يتولى الأخير حقيبة الدفاع، ثم بعد عامين رئاسة الوزراء، ثم لم يتمكن هذا الائتلاف من البقاء، وعقدت الانتخابات الرابعة التي أسفرت عن الوضع الراهن.

تركيبة سياسية غير مسبوقة

ومع ذلك، فإن الصفقة الذي استطاع يائير لابيد زعيم حزب "هناك مستقبل"، المصنف كوسط، وفقاً للمعايير الإسرائيلية، تظل فريدة إلى حد الغرابة، وبمقتضى هذه الصفقة نجح في الحصول على 61 مقعداً من الكنيست، بحيث يشكل الحكومة في العامين الأولين نفتالي بينيت زعيم حزب "بيتنا"، اليميني المتشدد، ثم يرأسها لابيد العامين التاليين، ويضم التحالف حزبين آخرين محسوبين على اليمين، هما "إسرائيل بيتنا" و"أمل جديد"، وحزبين من الوسط هما "هناك مستقبل"، و"أزرق أبيض" بزعامة غانتس، وحزبي "العمل" و"ميرتس"، وإذ يصنف "ميرتس" على أنه يساري تتفاوت الرؤى حول ما أصبح عليه "العمل" الآن، هل هو يساري أم وسط؟

وفي جميع الأحوال يتميز الحزبان الأقرب لليسار بقبول فكرة الدولة الفلسطينية التي قل أنصارها بشدة في الساحة الإسرائيلية التي زادت تطرفاً ويمينية. ولكي تزداد الأمور غرابة انضمت القائمة العربية الموحدة بزعامة عباس منصور الإخوانية. وقد أثارت هذه الصفقة جنون نتنياهو، ليس فقط لتمسكه بالسلطة، ولكن لمخاوفه من بدء محاكمة جادة له في تهم الفساد الموجهة له منذ عدة سنوات، ونجاح مناوراته خلال هذه الفترة كلها للبقاء في الحكم والتمتع بالحصانة التي حالت دون اكتمال الإجراءات القانونية حتى الآن، وقد وصفها نتنياهو بالصفقة الكاذبة، وفي الواقع إن هذه الصفقة فعلاً تبدو غير قابلة للتصديق.

نتنياهو... الهدف الذي لم يغلق ملفه

المخرج الوحيد لعدم الدعوة إلى انتخابات جديدة هو حدوث تحالف واسع لمجرد إطاحة نتنياهو، وتنظيف السياسة الإسرائيلية من عبء استمرار شخص نجح في تحقيق المشروع السياسي لحزبه ولليمين الإسرائيلي، ولكنه تورط وأسرته في قضايا فساد تلوث سمعة الدولة التي تبقيه في صدارة حكمها، كان هذا يذكرني بشكل مختلف بكيف أطاح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا زعيمه الأسبق مبيكي، لكي يأتي بالرئيس زوما، الذي كانت تحيط به كثير من شبهات الفساد بغرض إتاحة الفرصة لكوادر ومتحالفين مع الحزب لاقتسام المنافع، ولكن هذا لم يستمر طويلاً، وأطيح زوما بعد ذلك بعد سنوات، وفي حالة نتنياهو كان الأمر مختلفاً؛ كانت إنجازات الرجل في مشروع التعصب وإضعاف القضية الفلسطينية هي الحيثية الكبرى لتجاهل قضايا الفساد، وفي كلتا الحالتين كانت التضحية بالقيم الأخلاقية والمبادئ وبشكل لا يتفق فقط مع قيم الديمقراطية، وإنما أيضاً مع قيم الحكم الرشيد، التي لا تتسامح مع هذه التجاوزات الأخلاقية حتى لو كانت ممارسات النظام السياسي أقل ديمقراطية. وكما سبق، يواصل نتنياهو دفاعه وهجومه على هذه الصفقة خشية الآثار القانونية التي قد يتعرض لها، وإصراراً على استكمال طموحه السياسي كأطول من شغل منصبه زمنياً، وربما أكثرهم إنجازاً في سجل ظلم وتشويه القضية الفلسطينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أي مستقبل؟

يثير الائتلاف الجديد تساؤلات أكثر من أجوبة في المرحلة الحالية، وتتباين التصورات، وثمة كثير من الأبعاد بهذا الصدد، ربما يكون أولها أنه من الواضح أن إطاحة نتنياهو محل ترحيب أميركي وفرصة لإعادة التقارب مع الإدارة الأميركية الجديدة، وما نشرته الصحافة الإسرائيلية عن لقاء وزير الدفاع غانتس وقائد حزب "أزرق أبيض" المعارض لنتنياهو بوصفه وزير الدفاع، ووزير الدفاع الأميركي ماتيس في واشنطن بغرض تعويض خسائر الحرب الأخيرة، يشير إلى ارتياح الجانب الأميركي بحذر وحرص غانتس أيضاً على تقبل هذا الارتياح بحذر مقابل. وهنا تشير تحليلات صريحة إلى أن قوى إسرائيلية عديدة تدرك أن إطاحة نتنياهو أمر مطلوب للتقارب مع الإدارة الأميركية الجديدة، التي نقدر أنها ستدعم هذا الائتلاف والتخلص من نتنياهو من خلف الستار.

وثانياً إنه من الواضح أن إقرار هذا الائتلاف في جلسة الكنيست المرتقبة، اليوم الأحد، أن نتنياهو والأحزاب الدينية المتطرفة ستواصل حربها الشعواء ضد هذا الائتلاف الغريب، وهو ما يتمثل في المظاهرة الكبرى للمستوطنين التي كانت مقررة الخميس الماضي وتأجلت للثلاثاء المقبل حتى الآن، ويبدو أن واشنطن عبرت عن تحفظات ضدها كونها قد تعقد المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية، وفرص تشكيل حكومة جديدة، كما تصاعدت ضغوط عديدة لمنع التصريح بها، خاصة أنها كانت ستفجر كل المشهد وتعيد حالة المواجهة وربما الحرب مرة أخرى.

وثالثاً إنه على الرغم من الغرابة الشديدة لانضمام التيار الإخواني العربي لهذا الائتلاف، والتجاهل الكامل لـ"حماس" و"الجهاد" حتى الآن، وكذلك الإخوان العرب، فإن المشهد على الرغم من هزليته، فإنني من المؤمنين بأن أي حضور عربي في السياسة الإسرائيلية سيكون عنصراً فاعلاً في ترتيبات المستقبل.

ورابعاً إن هذا الائتلاف الهش سيحتاج إلى نجاح جهود التهدئة التي تقودها مصر، فلن يتحمل توترات واسعة النطاق، وفي الظن إن هذا ما سيحاوله المستوطنون واليمين المتطرف الديني في المرحلة المقبلة بالتصعيد مجدداً في القدس لإفشال مناخ الائتلاف وإضعاف فرصه وضرب مكوناته وإحراج أحزاب اليمين المشاركة، وعلى رأسها "بينيت" بشكل خاص، وقد تعجل مسيرة الأعلام يوم الثلاثاء بهذا أو عمل مشابه في القريب العاجل.

معضلة المجتمع الإسرائيلي

 لا يمكن تفسير هذا التآلف الهش أيضاً إلا في ضوء العلل المزمنة بهذه الدولة على الرغم من تعاظم قوتها وحضورها الدولي في السنوات الأخيرة، بصرف النظر عن أن هذا الائتلاف الفريد قد يتمكن من المرور أم لا، وقد يسقط بعد فترة وجيزة أو شهور قليلة بسبب تصعيد اليمين الإسرائيلي لضغوطه، وفي جميع الأحوال من الصعب تصور استمراره لفترة طويلة، وسيتوقف نجاحه على البقاء بما يكفي لبدء إجراءات قانونية ضد نتنياهو، ولكن القضية الرئيسة أن هناك خللاً جوهرياً في إسرائيل سبق لنا أن ناقشناه في أكثر من مرة، ويتمثل في أن المشروع الصهيوني ذاته يزداد تطرفاً وانغلاقاً على نفسه بسبب طبيعته العنصرية، وأن تغذية العنف والكراهية في أجيال من المهاجرين الجدد قد تجاوزت حتى خيال من وضعوا مشروع هذه الدولة وأسسوها، وأنها بالتالي تسير في طريق الصدام الحتمي مع العالم والمنطق السليم، وسيجد هؤلاء المتطرفون أنفسهم أمام خيارين، أحدهما مستحيل، وهو إبادة الشعب الفلسطيني، وهو أمر لن يقبل به أحد في العالم، ولا أغلب اليهود، والأخير هو القبول أو البحث عن تسوية ما بدرجات عدالة هذا المختلفة. المسألة أنه على الرغم من تعاظم قوة إسرائيل كما سبق، فإن الحرب الأخيرة أثبتت أن التآكل في صورتها سيستمر في التردي والتراجع مهما حاول مؤيدوها في الخارج والداخل الدفاع عنها حتى تقبل الخيار الأخير مهما طال الزمن، ومهما طالت معاناة الشعب الفلسطيني.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل