Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يلبي البرلمان الانتقالي متطلبات التحول الديمقراطي في السودان؟

الخلافات بين "قوى الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية" تهدد نجاح العملية السياسية

يدور الحراك السياسي في السودان أخيراً حول تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي (اندبندنت عربية - حسن حامد)

تقرر أخيراً، تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي في السودان، بعد أن تأخر كثيراً عن موعده الذي كان مقرراً في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بعد تعرض الحكومة الانتقالية لانتقادات عدة، خصوصاً مع تعديل القوانين وحسم بعض القضايا الخلافية المهمة التي كانت بحاجة إلى برلمان منتخب. وسيكون البرلمان الانتقالي بديلاً مؤقتاً يقوم على تعيين نوابه، الذين ترشح "قوى إعلان الحرية والتغيير" قسماً منهم، بينما يرشح المجلس العسكري قسماً آخر، في حين تخصص مقاعد أخرى لتنظيمات "الجبهة الثورية". ومع هذه الحركة السياسية حول تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، وفي حين تبدي غالبية الشعب اهتماماً بالديمقراطية السياسية كمصدر للسيادة والسلطة وحقوق المواطن الأساسية، فإن الأولويات الحالية بالنسبة للمجلس العتيد، تكمن في حصر الحقوق الأساسية في حل الأزمة الاقتصادية وتحقيق الأمن والعدالة الاجتماعية، ما يجعل المفاوضات حول تكوين البرلمان الانتقالي تتم في "جزيرة سياسية" مكونة من "قوى الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية"، بالإضافة إلى القوى الثورية الأخرى المطالبة بتلبيته لمتطلبات التحول الديمقراطي.

جذور الثورية

قد يظن البعض لأول وهلة أن القوى السياسية المكونة من "الجبهة الثورية" بشقيها السياسي والعسكري، أي من تجمع الحركات المسلحة، هي وليدة "سودان ما بعد انفصال الجنوب"، إلا أنه في الواقع فإن الانفصال لفت إلى المشكلة القائمة في الجنوب الجديد وإقليم دارفور، ولكن التكوين المشكل من أحزاب سياسية تحت اسم "التجمع الوطني الديمقراطي" خارج السودان، نشأ منذ الانقلاب العسكري الذي نفذته "الجبهة الإسلامية" بقيادة حسن الترابي في عام 1989، إثر فترة "الديمقراطية الثالثة" برئاسة الصادق المهدي. وأصدر التجمع قانوناً خاصاً به يقضي بضرورة انخراط كل القوى المعارضة للنظام في تنظيم موحد لتعمل جميعها من أجل استعادة الديمقراطية حتى لو أدى ذلك إلى العمل المسلح. وبالفعل كون حزب الأمة "جيش الأمة"، والحزب الاتحادي الديمقراطي "جيش الفتح"، والحزب الشيوعي "قوات مقاتلي الجبهة الديمقراطية". وانضم إلى هذه القوى العسكرية التابعة للأحزاب، "الحركة الشعبية لتحرير السودان". تلك كانت الصورة الأصلية التي استنسخت منها "الجبهة الثورية" الحالية في نسختها الأخيرة عندما أعلن عن تشكيلها في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.
ويذكرنا ذلك بوصف زعيم الراحل لـ"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، جون قرنق، بأن القوى السياسية السودانية "تستخدم واجهة الديمقراطية والليبرالية في السودان لإخفاء معالم الظلم الاجتماعي الذي رعته هذه الأحزاب التقليدية التي لا تعكس ميول الطبقات الاجتماعية، بل هي واجهة للطائفية التي تقوم على أساس الأسرة والعرق والدين أو مزيج من هذا وذاك". وهذا القول وإن كان جون قرنق يعني به بعض القوى السياسية المعارضة آنذاك (حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي)، فإن القاعدة الضعيفة لهذه القوى، وتحول موازين القوى السياسية في ظل الحكومة الانتقالية، جاء لصالح الحركات المسلحة في الأساس وما تبقى يذهب لهذه القوى بغرض إظهار التنوع السياسي.


صورة مكررة

ما هيأت له القاعدة الاجتماعية المستقطبة لدعم الأحزاب السياسية (الأمة والاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي والجبهة الإسلامية) منذ الاستقلال وحتى نظام عمر البشير، يحدث الآن في ظل التنظيم الهجين المكون من القوى السياسية والحركات المسلحة باستثناء التيار الإسلامي الذي يعمل الآن بصورة منفصلة ويصور في غالب الوقت عودته إلى الساحة السياسية بطريقة مفاجئة وقوية مثل الطريقة التي أخرج بها. الفارق هو أن جهود القوى السياسية انزوت بعد استهجانها منذ اندماجها في النظام السابق ضمن "حكومة الوفاق الوطني"، وما تبقى منها الآن، يحاول عكس صورة تنظيمات لم تنجح في إضفاء طابع الممارسة السياسية التي يحلم بها المجتمع. وظناً بأن البديل في التحول الديمقراطي سيكون من الهامش، فقد سارعت الحركات المسلحة إلى القفز إلى قلب هذه المعادلة، ولكن بذات وسائل وأدوات الأحزاب، بالإضافة إلى توظيف الوثيقة الدستورية لخدمة توجهاتها.
ومن ضمن الأدوات المستخدمة لتحقيق ذلك، تمسك الجبهة الثورية والحركات المسلحة الموقعة على "اتفاق السلام" وتلك غير الموقعة، ببند تحقيق السلام، وهو ما نصت عليه الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في 17 أغسطس (آب) 2019، بتحديد فترة زمنية لتحقيق السلام تم حصرها في الأشهر الستة الأولى من فترة الحكومة الانتقالية. وعندما لاذت الحركات المسلحة باتفاق السلام تعللت بوجود عقبات منعتها من تحقيق بنوده، وتجدد الخلاف مرة أخرى حول تمديد الفترة الانتقالية لتصبح 4 سنوات بدلاً من السنوات الثلاث التي شارفت على الانتهاء، للإيفاء بمتطلبات السلام.

الحصة النسوية

ونصت الوثيقة الدستورية على ألا تقل نسبة مشاركة النساء عن 40 في المئة. وهذه النسبة لا تقل عن تلك التي وضعها النظام السابق، غير أن البرلمانيات كن يغفلن قضية الإصلاح القانوني بسبب حرصهن على تجنب مواجهة عضوات حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم سابقاً في المجلس الوطني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد توقيع اتفاقية السلام الشامل ازدادت الحصة النسوية بأغلبية من الحزب الحاكم السابق، وعضوات من "الحركة الشعبية لتحرير السودان". أما عضوات الأحزاب الأخرى والناشطات السياسيات فكان تمثيلهن ضئيلاً، ومع وجودهن، كان هناك تعارض بينهن وبين عضوات الحزب الحاكم. وكان بإمكان ذلك أن يحفز العمل السياسي للأحزاب المعارضة، لكنه خلق فجوة واسعة، أبعدت نساء الأحزاب من النشاط الحقيقي المطالب بإصلاح القوانين والتشريعات من خلال تنظيم نسوي مستقل. لذلك كانت قوانين "حكومة الإنقاذ" المتعلقة بملفي الحريات والمرأة تفرض وسط استهجان شعبي، لكنها لم تجد الحاضنة السياسية التي ترفضها بطريقة رسمية ومنظمة ودستورية.
وعليه، فإن البرلمان الانتقالي سيعين بحسب النسب المتفق عليها، عضوات من "قوى الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية"، وفي ظل هذه الموجة لن تكون لهن القدرة على تشكيل تحالفات واسعة داخل الأحزاب والمجموعات الإثنية والدينية والثقافية المختلفة. وسيتكرر غياب هذه التحالفات بين النساء التشريعيات بسبب الترضيات السياسية.

اختطاف البرلمان

عقب توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عدلت الوثيقة الدستورية بغرض منح الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق، 25 في المئة من مقاعد البرلمان، بالإضافة إلى 25 في المئة من مقاعد مجلس الوزراء و3 مقاعد في المجلس السيادي. والآن، آن أوان حل القضايا العالقة بين "قوى الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية"، بعد أن خصصت الأولى للثانية، 70 مقعداً في المجلس التشريعي، بينما تتمسك الأخيرة بـ90 مقعداً، لتقف المفاوضات عند عقبة توزيع المقاعد. وعلى الرغم من تطمينات المتفاوضين باقتراب التوصل إلى اتفاق، فإن هناك عقبة تتعلق برئاسة المجلس التشريعي التي تصر "الجبهة الثورية" على نيلها، إذ ترى أن المكون العسكري حصل على رئاسة "مجلس السيادة"، كما حصلت "قوى الحرية والتغيير" على مجلس الوزراء، لذلك تتشدد في التمسك برئاسة المجلس التشريعي. وكان بإمكان الوثيقة الدستورية أن تتوافق على خطة الفترة الانتقالية بشكل يرضي كل الأطراف باستنادها على قوة القانون والحفاظ على الحرية والسلام والعدالة التي تزعم "الجبهة الثورية" مراقبتها من خلال رئاسة المجلس. وهنا تبرز ضرورة مراجعة قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية لمسيرتيهما منذ أن كانتا مجموعة تنظيمات صغيرة معارضة في عهد النظام السابق ومقارنتها بوجودهما ضمن الحكومة الآن، إذ يصعب التخطيط على نحو يكشف عن الهرولة نحو المناصب وادعاء التهميش معاً.

مشروعية التفاوض

يظل البرلمان الانتقالي نافذة الأمل التي يمكن أن يطل منها التحول إلى نظام ديمقراطي في السودان، إلا أنه ما لم تسكن النزاعات في المناطق التي يريد ممثلوها رئاسة المجلس التشريعي بدافع المظلومية، فقد لا يتم التوافق على دستور مجرد من أي غرض سياسي، يسهم في تصويب مسيرة الحكم إلى وجهتها الديمقراطية. فحتى لو تنازلت الحكومة الانتقالية، فإن الشارع الملتهب يقف الآن ضد التسويات التي عقدتها الحكومة مع "قوى الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية"، التي تمثل جهات جغرافية معينة وتهمل أخرى تتعرض للتهميش وفقر التنمية، ولم يتبقَ أمامها سوى حمل السلاح. في هذه الأجواء، سيتشكل البرلمان الانتقالي، لكن مدى نجاحه في تلبية متطلبات التحول الديمقراطي يبدو مشوشاً في ظل الأزمة الدستورية التي خلقت فراغاً تشريعياً وسياسياً واقتصادياً، حتى لجأ المكونان السياسي والعسكري إلى سد باب الذرائع بمنح الحركات المسلحة مشروعية التفاوض حول دستور، أول شروطه الأساسية، هو وضع السلاح. ولهذا فإن السيناريوهات المتوقعة، سيكون أولها، إذا استمر هذا الحال بذات الوتيرة، ومن دون أي تغيير أو تنازلات من قبل الأطراف المتفاوضة، فإن هذا الجهد لن يفضي إلى انتخابات قريبة. أما السيناريو الثاني، فيقع في دائرة الإعلان عن انتخابات من دون تحديد موعد لها، وهذا من شأنه تغييب الشارع وفتح الباب للتساؤل حول مآلات الممارسة الديمقراطية، هل ستكون نسخة أخرى من تثبيت نظام لم يتم التوافق حوله بسلطة الأمر الواقع؟ والسيناريو الثالث، سيكون في قيام انتخابات صورية، تفرض "قوى الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية" أساسياتها من قبل أن تبدأ، وسيتم تعديل الدستور لفرض ما لم يتم التوافق حوله، بينما يظل ملف السلام بمثابة "الفزاعة" لتمرير القرارات الاستثنائية.

المزيد من تحلیل