Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إقالة رئيس "هيئة مكافحة الفساد" يؤجج التجاذبات السياسية في تونس

يرى مراقبون أنه تم استبدال بوخريص بعدما باشر العمل على ملفات مهمة تطال أشخاصاً في السلطة

سعيد مستقبلاً بوخريص الاثنين 7 يونيو الحالي، في قصر قرطاج (صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك)

أعادت إقالة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس، ملف محاربة هذه الآفة إلى حلبة التجاذبات السياسية، كما عمّقت الصراع السياسي القائم بين رأسَي السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي.
وعيّنت الحكومة يوم الاثنين الماضي (7 يونيو)، عماد بن الطالب علي، رئيساً للهيئة بدلاً من عماد بوخريص الذي أقالته بعد نحو 10 أشهر فقط من تولّيه المنصب، من دون توضيح الأسباب على الرغم من مطالبة الإعلام والطبقة السياسية بذلك.
ومع ارتفاع منسوب التجاذبات السياسية التي التصقت منذ الثورة عام 2011 بملف محاربة الفساد، أعرب الرئيس التونسي عن رفضه قرار الإقالة. وتساءل أثناء اجتماعه مع بوخريص "كيف يتم إعفاء مَن يقاوم الفساد من مهماته، ثم بعد ذلك يُرفع شعار مكافحة الفساد؟". رد فعل رئيس الجمهورية، أدرجه مراقبون ضمن إطار استغلال هذا الملف من أجل تسجيل نقاط سياسية، فيما اعتبر آخرون أن إقالة بوخريص من قبل الحكومة، جاءت في الإطار ذاته.

غياب الإرادة السياسية

ورأى مهاب قروي، المدير التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ"، أن "ملف محاربة الفساد هو موضوع سياسي في الديمقراطيات الناشئة أو في الديكتاتوريات". واعتبر أن "هذا الملف، قبل أن يكون قضائياً، هو سياسي بامتياز"، مبيّناً أنه "إذا غابت الإرادة السياسية لمحاربته، لا يمكن الحديث عن عدالة واستقلالية قضائية".
وأضاف أن "المنظومة السياسية في تونس اليوم تضع ملف الفساد كأولوية إلا أنها لا توفر الإمكانات اللازمة، البشرية والمادية ولا تضمن الدعم السياسي لتحقيق هذا الهدف، وتمكين الهيئات الحكومية داخل الوزارات من القيام بعملها كما يجب".
وقال إن "ملف الفساد هو ملف تجاذبات سياسية منذ ما قبل الثورة، على اعتبار أن محاربة هذه الآفة، من أهم الشعارات التي رُفعت خلالها ضد المنظومة الفاسدة والعائلة الحاكمة والعائلات النافذة". وبخصوص تفاقم ظاهرة الفساد في تونس، صرح أنه "لا توجد إلى حد الآن دراسات كمّية تستطيع مدّنا بمعلومات أو بفكرة مبسطة عن وضع الفساد في البلاد، لأن غالبية الدراسات سطحية ومبنيّة على مدركات المواطنين للفساد أو تجربتهم مع الرشوة والمحسوبية وغيرها، لكن لا توجد دراسات معمقة تدرس أسباب تغلغل منظومة الفساد وتفاقمها في تونس، سواء في الإدارات العامة أو الخاصة".
وأكد قروي أن تقييم المنظمة التي يرأسها سلبي بالنسبة إلى تفاقم الفساد في البلاد قبل الثورة وبعدها، مشيراً إلى أن "هذا التقييم يزداد سلبية عاماً بعد عام مع تعاظم الأزمات السياسية وتعمّق التجاذبات". وأضاف أن "المنظومة الحاكمة اليوم ومنذ الثورة تعتمد على تصفية الحسابات وتجميع الملفات ضد الخصوم والمنافسين السياسيين"، لافتاً إلى أنه "في ظل غياب قضاء مستقل وعادل، لا يمكن محاربة الفساد".
من جهته، اعتبر النائب عن "تيار الشعب" المعارض، رئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان بدر الدين القمودي أن "ملف محاربة الفساد لم ينفصل أبداً عن التجاذبات السياسية، لأن محاربته تتطلب موقفاً سياسياً وإرادة سياسية". وأسف لغياب مثل هذه الإرادة، مشيراً إلى أن "هذا الغياب يؤثر في أي مجهود يُبذل في اتجاه محاربة الفساد وسيواجَه بإرادة مضادة لبتره وإجهاضه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وعبّر القمودي عن اعتقاده بأن إقالة رئيس الهيئة تندرج في هذا السياق، موضحاً أن "مَن أقالته هي سلطة سياسية شعرت بالخطر حين باشر تناول ملفات مهمة تمسّ برموز سياسية وبالسلطة السياسية في البلاد". وتابع "لتكميم الأفواه وإجهاض هذا المجهود، وطالما أن الهيئة أصبحت تشكّل خطراً على أصحاب النفوذ في تونس، ونظراً إلى أن السلطة السياسية اليوم نتاج لفعل الفاسدين، تمت إزاحته. وهنا أحيلكم إلى تقرير محكمة المحاسبات بشأن الانتخابات وتمويلها والاتهامات التي وجّهت إلى أطراف سياسية فاعلة. ويشكل ذلك صورة واضحة للمشهد السياسي الملوث بالفساد".

إقرار قوانين

من جهة أخرى، تقول النائب عن "حركة النهضة"، المساندة للحكومة، يمينة الزغلامي "كمشرّعين، صادقنا على قوانين مهمة لمحاربة الفساد، على غرار القانون المحدَّث للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لكن للأسف الشديد، فشلنا إلى حد الآن في تمرير الهيئة الدستورية. كما صادقنا على قوانين على غرار قانون الإثراء غير المشروع وضرورة نشر مكتسبات مَن هم في مواقع القرار، لكن للأسف الشديد كل الحكومات تقاعست بسبب حسابات سياسية أو حماية للبعض، ما نتج منه عدم إصدار هذا القانون الذي ينظم عملية نشر مكتسبات أصحاب القرار". واعتبرت "هذا التقاعس بمثابة نكسة لأنه من حق التونسيين معرفة مكتسبات ومصالح مَن يحكمهم. ومن شأن هذا القانون أن ينهي الجدل والإشاعات حول مَن استغل نفوذه في عملية إثراء غير مشروع، في حين أن عدم إصداره سيزيد من توتير الأجواء السياسية".
ونفت الزغلامي علمها بحقيقة الاتهامات التي وجّهت إلى حكومة المشيشي وحزامها السياسي بإقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد بوخريص ضمن إطار التجاذبات السياسية ولأنه لامس المحظور وحرّك ملفات تمسّ بالسلطة، لكنها دعت رئيس الحكومة إلى الخروج بشجاعة ومصارحة الشعب بأسباب الإقالة وتوقيتها، معتبرةً أن "غياب الشفافية في مثل هذه الملفات غير محبّذ".

سحب البساط

من ناحية أخرى، لا يشك الكاتب السياسي التونسي حيدر الصغير في أن "ملف الفساد في تونس رهين التجاذبات السياسية منذ ثورة يناير"، مضيفاً أن "الأخطر من ذلك هو ابتزاز رجال الأعمال تحت عنوان محاربة الفساد، وهذا فيه استغلال سياسي للملف في ما يبدو أنها ظاهرة تكاد تكون مزمنة في تونس منذ عام 2011".
ورأى أن "الاستغلال السياسي لملف الفساد يحول دون إحراز تقدم في مكافحة الظاهرة وسمح بشيطنة بعض رجال الأعمال، بخاصة في ظل تباطؤ القضاء ببتّ ملفاتهم"، مضيفاً أنه "وسط استمرار بعض الأحزاب في المزايدة بملف الفساد، واستغلاله كورقة سياسية لاستعادة الشعبية أو لابتزاز أصحاب الأموال من أجل الحصول على التمويل وتصفية الحسابات الشخصية، سيبقى هذا الملف رهينة التجاذبات السياسية، ما سيطيل عمر هذه الظاهرة التي تكاد تؤدي بتونس إلى الانهيار التام". لكن لم يفقد الصغير الأمل "بالشرفاء، بخاصة بين القضاة لتكريس استقلالية سلطتهم، وهو ما يسحب البساط من تحت السياسيين الانتهازيين".

المزيد من العالم العربي