يوشك بوريس جونسون أن يصل إلى نقطة تحول يصبح عندها من الواضح ما إذا كان يريد أن يقود البلاد بالقول وحده، أو بالفعل.
لقد تحدث جونسون بإسهاب مراراً وتكراراً عن عزمه على "رفع مستوى" المناطق التي تعاني النقص على المستوى الاقتصادي، خصوصاً بالمقارنة مع باقي أجزاء البلاد، بيد أنه لم يكد يفعل شيئاً على هذا الصعيد حتى الآن سوى تقديم وجبات مدرسية مجانية للأطفال الجوعى، وهو أمر أرغمه لاعب كرة القدم ماركوس راشفورد على القيام به. وتحدث بإسهاب أيضاً عن شغفه بالتعليم، غير أنه اكتفى بتقديم مخصصات مالية لبرنامج مصمم لمساعدة الطلاب على التعويض عما فاتهم من الدراسة بسبب "كوفيد-19"، هي "أقل بكثير مما هو مطلوب" على حدّ تعبير الشخص المسؤول عن البرنامج والذي قدم استقالته بصورة فورية.
تستضيف المملكة المتحدة هذا الأسبوع قمة مجموعة السبع، وها هو جونسون يتحدث سلفاً عن بريطانيا بوصفها "قدوة للعالم" تتصدره من خلال جملة من مبادراتها التي تضم حثّ الدول الأخرى على تقديم اللقاح لجميع سكان العالم بحلول نهاية العام 2022، على الرغم من أننا لم نحدد حتى الآن عدد اللقاحات التي سنتبرع بها إلى البرنامج العالمي لتقاسم اللقاحات المعروف باسم "كوفاكس". ومن المعتقد أن يتم الإعلان عن هذا العدد في سياق اجتماعات القمة، لكن إذا كنا فعلاً نريد لبريطانيا أن تكون مثالاً يُحتذى للعالم كله، ألم يكن من الضروري أن يصدر هذا الإعلان سلفاً؟
لقد أقرت الدول الأعضاء في مجموعة السبع أيضاً الخطط الخاصة برفع الحد الأدنى عالمياً لمعدل ضريبة الشركات، والذي سيكون 15 في المئة. وكان الرئيس جو بايدن قد أراد لهذا الحد الأدنى أن يكون 21 في المئة. إلا أن المملكة المتحدة عارضت ذلك، في موقف يدل على أنها لا تتمتع بالطموح الكافي، وتعتبر الضرائب ميداناً تتصدر فيه المملكة المتحدة العالم سلباً لا إيجاباً، فهي تتقدم الدول الأخرى من حيث ضعف الأداء بدلاً من أن تكون قدوة لها على صعيد الجودة والفاعلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والأهم من كل ما سبق، فقد قرر جونسون خفض موازنة المساعدات الخارجية، في الوقت الذي كان يتحدث فيه عن قيادة العالم. وقد أوضحت الجمعيات الخيرية أن هذا القرار أدى بشكل مباشر إلى حرمان بعض أكثر الشعوب فقراً في أنحاء العالم من الغذاء والدواء، كما أن الهدر الذي تسبب به هذا الإجراء مذهل حقاً. فهناك فيض من القصص المتعلقة بإلغاء مشاريع تتصل بالبنية التحتية بعدما تم إنجاز نصفها، وذلك لأن خفض المساعدات جعل استكمالها في المستقبل المنظور متعذراً.
تمّ خفض الإنفاق من 0.7 في المئة إلى 0. 5 في المئة من الدخل القومي في العام الماضي، وتعهدت الحكومة في ذلك الوقت بإعادة قيمة الإنفاق على المساعدات الخارجية إلى 0.7 في المئة "عندما تسمح الحال المالية بذلك"، من دون أن تحدد تاريخاً بعينه للقيام بذلك. ويواجه جونسون حالياً احتمال طرح مشروع قرار بإلغاء خفض المساعدات الخارجية على التصويت يوم الإثنين في مجلس العموم، من قبل ما يزيد على 30 نائباً محافظاً ممن يطالبون بإعادة قيمة المساعدات الخارجية إلى مستواها السابق، وهذا وضع محرج عشية انعقاد قمة مجموعة الدول السبع، ومن الضروري أن يعالج على وجه السرعة.
وقال مات هانكوك وزير الصحة، الذي كان يتحدث الأحد الماضي، إن القرارات التي اتخذتها الحكومة كانت "منطقية مئة في المئة"، وذلك نظراً لحصول "تعطيل اقتصادي من النوع الذي يقع مرة واحدة في ثلاثة قرون"جرّاء تفشي "كوفيد-19". وقد أعرب كثيرون عن عدم اقتناعهم بهذا التوصيف.
غالباً ما يكون من الممكن لزعيم ما أن يحكم بالقول لا بالفعل. ولا يزال ديفيد كاميرون وجورج أوزبورن يطلان من وقت إلى آخر للحديث على الملأ عن القرارات الصعبة التي تحتم عليهما اتخاذها لخفض العجز المالي. والحق أنهما قاما بذلك فعلاً، بيد أن حجم الدين العام ارتفع على الرغم من ذلك من 413 تريليون دولار (1 تريليون جنيه استرليني) إلى 2.261 تريليون دولار (1.6 تريليون جنيه استرليني)، فما كان الاثنان يديران اقتصاد البلاد، وهذا لا يعبر عن كيفية تقبل الرأي العام لما قاما به.
يحكم جونسون بمباركة ناخبي حزب العمال السابقين من سكان ما يسمى بدوائر "الجدار الأحمر" الانتخابية، الذين قدموا له دعماً في الانتخابات الأخيرة يطيب له شخصياً أن يقول بانتظام إنه قد "استعاره". ولعل رئيس الوزراء يعتقد جازماً بأنه يستطيع المضي في إطلاق الوعود لـ "رفع المستوى"، ومن ثم القيام بالنذر اليسير من الفعل الذي من شأنه أن يصبّ في هذا الاتجاه متمنياً ألا يلاحظ أحد هذا التباين. ومع ذلك، من الممكن جداً له أن يُفلت من المساءلة، إلا أن من الصعب أن ينجو بجلده من المحاسبة عندما يتصرف على هذا المنوال، فيحكي كثيراً من دون أن يفعل سوى القليل الذي لا يستحق الذكر، حين يتعلق الأمر بمكانة بريطانيا العالمية.
© The Independent