خشي كثر منا أن تصبح بريطانيا ما بعد "بريكست" أكثر انغلاقاً على الذات وأكثر رجعية. وقد تصبح كذلك. لكن في الوقت الحالي، يزود شعار "بريطانيا العالمية" الحكومة بقناع جيد، ولو أنه رث تختبئ خلفه.
كان بوريس جونسون محظوظاً في وراثة الالتزامات باستضافة مؤتمر الأطراف الـ 26 في نهاية هذا العام وقمة مجموعة الدول السبع هذا الأسبوع. وتوفر كل من المناسبتين الفرصة لعرض المظهر، وربما الحقيقة بشأن قيادة القضايا العالمية.
بدأ اجتماع مجموعة الدول السبع في كورنوول بداية ميمونة بالاتفاق المسبق بين وزراء المالية في الدول الأعضاء حول الضريبة على الشركات متعددة الجنسيات، فتلك المؤسسات ستدفع ضريبة على الأرباح تساوي 15 في المئة على الأقل، وستُجبى الضرائب حيثما تُكتسب الأرباح وليس في البلد الذي يقع فيه مقر الشركة، ونتيجة لهذا يتعين على الشركات الرقمية الكبرى بشكل خاص أن تدفع مزيداً من الضرائب.
وسيكون من الغلو أن نقلل من أهمية إنجاز حمل الولايات المتحدة وأوروبا على الموافقة والتعاون، لكن الاتفاقية لا تزال تسمح بكثير من "الموازنة الضريبية" (الاسم المهذب للتهرب الضريبي)، لأن نسبة الـ 15 في المئة أقل كثيراً من القاعدة (ستصل قريباً إلى 25 في المئة في المملكة المتحدة، و28 في المئة في الولايات المتحدة). وستظل الملاذات الضريبية مشغولة، وسيظل المحاسبون الضريبيون مشغولين أيضاً. ويبقى من السهل للغاية التلاعب بالحسابات الضريبية عندما تتوفر العديد من البنود غير الملموسة، مثل تقييم الملكية الفكرية.
كذلك يتعين على الاتفاق أن يمر عبر الكونغرس الأميركي، وإن كانت الآمال في أن تؤدي كراهية الحزبين لـ "فيسبوك" إلى إجماع نادر. ويتعين على بقية العالم أن يتفق على أمور منها الاقتصادات النامية التي كثيراً ما تدخل في مشاجرات مع الشركات المتعددة الجنسيات بشأن الضرائب حول مسائل مختلفة. لكن على الرغم من كل ذلك فإن هذه الخطوة بداية إيجابية.
أما المسألة الثانية الكبرى التي تتعلق بمجموعة الدول السبع فهي "كوفيد-19"، فضلاً عن حقيقة مفادها بأن أجزاء من العالم، ولا سيما أفريقيا، لم تبدأ بالتلقيح إلا بالكاد، في حين أصبحت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وقسم كبير من أوروبا على الطريق نحو الحصول على مناعة الأغلبية، بل وحتى "القطيع"، والآن أصبح لدى البلدان الغنية فائض كبير محتمل في اللقاحات.
وتزعزع إلى حد كبير الافتراض بأن أجزاء أكثر حرارة وشباباً من العالم كانت محصنة إلى حد كبير ضد كوفيد بعد التجربة المروعة للهند، حيث لا تزال الجائحة محتدمة في المناطق الريفية، لكنها غير مسجلة، وتنتشر في بقية بلدان جنوب آسيا وجنوب شرقها. ولم تشهد أفريقيا حتى الآن القوة الكاملة لـ "كوفيد-19".
لكن يبدو أننا في الغرب الغني، نسينا القول المأثور بأن "لا أحد آمناً إلى أن يصبح الجميع آمنا". وقد تقتحم الطفرات الجديدة المنتشرة في المناطق التي لم يُلقح سكانها درع المناعة في أماكن أخرى. ومع ذلك، يتمتع من لُقحوا بإحساس زائف بالحصانة ويشعرون بأن نهاية الجائحة اقتربت.
فالاقتصادات تزدهر من جديد. وفي المملكة المتحدة يدور الجدال الرئيس حول الإحباط إزاء العقبات التي تحول دون التمتع بحقنا الإنساني الأساس في السفر للإجازة على شاطئ البحر المتوسط تحت أشعة الشمس. وفي وقت يعجز فيه فريق العمل الطبي الإفريقي عن الوصول إلى اللقاحات، ناهيك عن عامة الناس، نتمتع نحن براحة زائفة.
وبالنسبة إلى العالم خارج مجموعة الدول السبع، قد يأتي الأسوأ ولن يتسنى تخفيف حدته إلا بواسطة برنامج ضخم لنقل اللقاحات من خلال برنامج "كوفاكس" التابع لمنظمة الصحة العالمية، وسيكون لزاماً على مجموعة الدول السبع الكبرى أن تتعهد بالتمويل الضروري لبناء القدرة التصنيعية اللازمة ثم تسليم اللقاح إلى مليارات الأشخاص العام المقبل أو ما إلى ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هناك من الأسباب ما يدعونا إلى التفاؤل بشأن حدوث أمر ما الآن، ولن يكون الدافع في المقام الأول قائماً على التضامن أو الكرم، أو حتى المصلحة الذاتية الوبائية، فالبلدان الأكثر فقراً تدرك أن لديها بعض النفوذ وتهدد بتخريب محادثات المناخ المقبلة، والآن يُشعِر الصينيون مجموعة الدول السبع سريعاً بالخزي من خلال توزيع لقاحات بديلة أقل جودة لكنها مناسبة.
لكن إجمالا، تسبب "كوفيد-19" في إحداث أضرار اقتصادية واجتماعية رهيبة ودائمة، ففي الهند عاد عشرات الملايين إلى مستنقع الفقر المدقع، مما أبطل عقوداً من التنمية، وهذه القصة بدأت تظهر في اقتصادات أخرى نامية وأخرى ذات دخل منخفض أيضاً، وستحتاج هذه الاقتصادات إلى كثير من المساعدة بعد انحسار الجائحة.
إن خفض المملكة المتحدة لموازنتها المخصصة للمساعدات الخارجية في هذا الوقت، أمر بالغ الصلف والأنانية ويشكل انعكاساً سلبيا ًعلى وزير المالية ريتشي سوناك، الذي أتت محاولاته لكسب ود اليمين المحافظ بنتائج عكسية سيئة، ومن المأمول أن يجري قريباً التفاوض على التراجع.
بيد أن المناقشة الاقتصادية تسلط الضوء على الطبيعة المشكوك في أمرها لادعاء مجموعة الدول السبع بأنها تمثل القيادات العليا للاقتصاد العالمي. كانت مجموعة الدول السبع تمثل 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2000. ويبلغ هذا الرقم الآن 45 في المئة فقط. وإذا احتُسب الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية، وهو التدبير الذي يستخدمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإذا كان الحجم الاقتصادي يشكل المقياس للعضوية فستخرج بريطانيا من مجموعة الدول السبع، إلى جانب فرنسا وإيطاليا وكندا، لكي تحل محلها الصين والهند وروسيا وإندونيسيا مع البرازيل على قائمة الانتظار.
ونتيجة لذلك، فإن القمة الاقتصادية التي تشكل فعلا أهمية حقيقية هي مجموعة الـ 20 الأكثر شمولاً والتي تجتمع في إيطاليا في أكتوبر (تشرين الأول).
ما الهدف إذاً من مجموعة الدول السبع؟ لقد تحولت إلى مؤسسة تمثل "الغرب". كنا ننظر إلى "الغرب" باعتباره الخصم الأيديولوجي والعسكري لبلدان الستار الحديدي، وهو الآن ناد للبلدان الغنية التي تشترك أيضاً في الديمقراطية، لكن من المؤسف أن البعد الديمقراطي أصبح متذبذباً بكل تأكيد بفضل دونالد ترمب الذي قد يعاود الظهور قريباً، وهكذا فإن مجموعة ناد الأثرياء هذه أصبحت لا تشكل حصراً مفهوماً جذاباً.
والواقع أن هذه القيود يفهمها الرئيس بايدن الذي يبذل قصارى جهده لاستعادة سمعة الولايات المتحدة بوصفها دولة ديمقراطية وزعيمة في التعاون الدولي، لكن محاولات بناء الجسور مع كبار الأطراف الفاعلة خارج مجموعة الدول السبع محفوفة بالمشكلات، فروسيا "دولة مارقة"، ومؤهلات الهند الديمقراطية قيد التشكيك، والبرازيل لديها ترمب الخاص بها. ثم هناك الصين.
بالنسبة إلى الأميركيين بشكل خاص، أصبحت مجموعة الدول السبع الآن الجبهة المناهضة للصين، فهي مجموعة لأصحاب الفكر المماثل، تواجه وتحتوي ما يُعَد قوة عظمى جديدة تهدد الغرب (الصين)، كما كان الاتحاد السوفياتي في الماضي (لكنها أكثر كفاءة ونجاحاً على الصعيد الاقتصادي وأكثر تطوراً تكنولوجيا). في الواقع فإن السلوك الصيني الحديث وفر الذخيرة لهذه المجموعة الغربية.
لكن المواجهة والاحتواء قد لا يكونان استراتيجية قابلة للتطبيق، ويفضل بعض بلدان مجموعة الدول السبع (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا) التعاون الاقتصادي النشط مع الصين. ويتفق الجميع على عدم وجود بديل للتعاون مع الصين بشأن الاحتباس الحراري العالمي، فاليابان لا تبحث عن نزاع ولا تخاطر بروابطها الاقتصادية، ولا يميل قسم كبير من بقية العالم إلى الانحياز، فضلاً عن ذلك يتحدى الصينيون مجموعة الدول السبع لمضاهاة مشاركتها في التنمية الأفريقية وتوزيع اللقاحات.
ويتلخص التحدي الذي يواجه حكومة جونسون وشركاءها في مجموعة الدول السبع في القيام بما هو أكثر من مجرد الاحتجاج على الخصم الجديد، بل يتعين عليها أن تلتزم بقيمها وتعهداتها المعلنة. وآنذاك فقط ستصبح "بريطانيا العالمية" أكثر من مجرد قناع رث.
السير فينس كيبل هو الزعيم السابق للديمقراطيين الليبراليين، وعمل كوزير دولة للأعمال والابتكار والمهارات بين عامي 2010 و2015
© The Independent