Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكهرباء في لبنان ترف

وصلت إلى مرحلة اللاعودة على مختلف الصعد والخوف من بلوغ العتمة الشاملة

تتخوف جهات فنية ضمن كهرباء لبنان من انقطاع التوريد بالفيول (رويترز)

بعد الحرب الأهلية (1975- 1990)، خسر لبنان 38 مليار دولار ليصل إلى العتمة الكاملة. ربما تكون هذه العبارة متحيزة، إلا أنها لا تقلّ غرابة عن المشهد الذي بلغه البلد لناحية التدهور السريع في مستوى الخدمات، التي تبشّر بالعودة إلى الأزمنة الغابرة، فلا ماء ولا كهرباء ولا شبكة اتصال عبر الإنترنت. وأعاد انقطاع التيار ذاكرة الحرب عند المواطنين، من الشمعة إلى قناديل الكاز، ناهيك عن تأثير غياب الطاقة على الخدمات الأساسية من فقدان للمياه النظيفة في المنازل والخوف على الخدمات الصحية، من دون أن ننسى الهم الدائم للأسر وهو تأمين استمرارية عمل الثلاجات خلال فصل الصيف.

الكهرباء لا تبشر بالخير

مع بلوغ الكهرباء مرحلة الرمق الأخير، تحرّكت السلطة التنفيذية لتأمين موافقة استثنائية لصرف اعتماد بقيمة 200 مليون دولار لمصلحة كهرباء لبنان. هذا الحل المستعجل سيؤجل العتمة الكاملة، إلا أنه لن يعالجها بصورة جذرية. وتؤكد أوساط شركة كهرباء لبنان أن "هناك ثلاث بواخر فيول وباخرة مازوت ترسو في البحر في انتظار تأمين الاعتمادات بالدولار. وحتى الساعة، لا يوجد شيء مؤكد بالنسبة إلى حل المشكلة وعودة عجلة الإنتاج". وتلفت لأوساط إلى أنه "في حال لم تتأمن الاعتمادات، سيكون الوضع مأساوياً في لبنان، وخلال أيام ربما يتوقف أهم معملين في البلاد عن العمل. بالتالي، ستخسر كهرباء لبنان عمودها الفقري لأن المعملين يمكن أن ينتجا 970 ميغاواتاً عند تشغيلهما في الطاقة القصوى".

تتفاوت نسبة الإنتاج في المعامل من يوم إلى آخر، وبهدف التوفير في استهلاك الفيول، تلجأ دائرة الإنتاج إلى عملية التشغيل الجزئي للمعامل. فعلى سبيل المثال، يؤمّن المعملان الأكبر في لبنان (دير عمار والزهراني) حالياً بين 200 و240 ميغاواتاً، أي ما يوازي ربع طاقتهما الإنتاجية.

وتؤكد أوساط المؤسسة أن معاناتها شبيهة بمعاناة أي مواطن لبناني تنقطع عنه الكهرباء، فهي تضررت بصورة كاملة من تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020، كما أنها "ضحية للتجاذب السياسي". فهي بدلاً من أن تكون مؤسسة جامعة لأنها تدخل إلى كل بيت، باتت مؤسسة مدينة. يذكر مطلعون على أحوالها أنها كانت تقرض الدولة خلال السبعينيات على غرار طيران الشرق الأوسط بسبب الفائض في الأموال. أما اليوم، فهي معطلة لأن "مصرف لبنان قرر رفع يده، ويرفض منحها التمويل".

مخاوف

تستهجن أوساط المؤسسة تحميلها مسؤولية العجز والانهيار الاقتصادي، وخسارة حوالى 40 مليار دولار أميركي، سائلةً "كيف تقبلون تشغيل معملي الذوق والجية (القديمين) اللذين يشكلان خطراً على السلامة العامة وسلامة الموظفين بسبب عدم إجراء الدولة أي تأهيل أو صيانة لهما منذ عام 1995؟". وتطالب بجلاء مصير مشروع التأهيل الذي أطلقه مجلس الإنماء والإعمار في 2012، رافضة التذرع بخطة وزارة الطاقة التي تتضمن هدم المعملين. وتضيف "توقفوا عن اتهامنا بالهدر، وإذا أردتم هدم المعملين تفضلوا، ومن ثم تحمّلوا مصير لبنان في حال توقفهما".

وتقول أوساط المؤسسة إن "الموظفين يعملون باللحم الحي ويعرّضون حياتهم للخطر، لأنه وفي كل انحاء العالم، لا توجد معامل يبلغ عمرها 50 عاماً من دون ترميم وتأهيل أو تأمين الحد الأدنى من التجهيزات". وتسلّط الضوء على "الفاتورة المدعومة"، فالمؤسسة تبيع الكيلووات بأقل بسبعة أضعاف من الكلفة الحقيقية للإنتاج. في المقابل، فإن المواطن يدفع أضعافاً مضاعفة لأصحاب المولدات الخاصة.

على صعيد متصل، تتخوف جهات فنية ضمن كهرباء لبنان من انقطاع التوريد بالفيول، لأنه في "معمل الذوق القديم، تم تفريغ باخرة تكفي جزئياً لمدة 15 يوماً، فيما تكفي الكمية الموجودة في دير عمار والزهراني لمدة أسبوع، والكميات الموجودة في المعامل الجديدة تكفي لحوالى ثلاثة أيام"، فالمشكلة واضحة وهي: "تحاول حلها في معمل، فيقع آخر في أزمة الشح". وتوجّه الدوائر الفنية النظر إلى مخاطر انخفاض مستويات الإنتاج إلى 300 – 500 ميغاوات وما دون، لأن ذلك سيؤدي إلى شبكة غير ثابتة وإلى انقطاع التيار في المناطق اللبنانية كلها مع أي خلل.

الشركات الخاصة قد تتوقف

في موازاة عمل كهرباء لبنان، فإن شركة MEP تدير المعملين الجديدين لإنتاج الكهرباء في الذوق والجية. ويتخوف المهندس يحيى مولود من تكرار الأزمة عند كل مرة يتأخر فيها فتح الاعتمادات، لافتاً إلى مشكلات عدة ربما تؤدي إلى العتمة الشاملة. فهناك مشكلة تأمين الدولار، معطوفة على مشكلة جباية الفواتير التي تُحصّل بالليرة اللبنانية ويتهرب كثيرون من دفعها، إضافة إلى صعوبة تأمين قطع الصيانة والفلاتر والزيوت لمعامل الإنتاج بالعملة الأجنبية. ويوضح أنه لا توجد خطة لكيفية معالجة هذا القطاع، أو كيفية تحديد التسعيرة أو رفعها في ظل عدم قدرة المواطن على شراء ربطة الخبز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلفت مولود إلى أن عقد شركته ينتهي مع نهاية العام، وقد لا يتم تجديده في حال عدم وضوح الرؤية بين وزارتي المالية والطاقة والمصرف المركزي، كما أن شركته التي تشغّل المعامل الجديدة في الذوق والجية، لم تتقاضَ منذ ستة أشهر أي من بدلاتها سواء بالليرة اللبنانية أو الدولار.  

يتضح أن مشكلة تأمين التمويل والاعتمادات تنسحب على سائر المعامل، سواء تلك التي تديرها كهرباء لبنان، وهي المعملان القديمان في الذوق والجية، والمعملان الجديدان اللذان تشغّلهما MEP، إضافة إلى دير عمار والزهراني اللذين تشغّلهما Premsouth، ناهيك عن البواخر التركية التي توقفت عن العمل والتابعة لشركة "كارادينيز" والتي كانت تنتج حوالى 220 ميغاواتاً، فيما طاقتهما الإنتاجية 380 ميغاواتاً.

ويشرح مولود أن سقف الإنتاج الحالي هو 680 ميغاواتاً، فيما يبلغ الطلب 3200 ميغاوات، أما ذروة الإنتاج في لبنان فبلغت 2200 ميغاوات، وكان يعيش باستمرار على سياسات التقنين. ويعرب عن اعتقاده بأن خصخصة قطاع الكهرباء طرح خاطئ في الوضع الحالي، لأنه عملية متشعبة وشائكة من الإنتاج إلى التوزيع والنقل والخدمات وغير ذلك، ولا بد من أخذ كل جزء على حدة كي لا تفقد الدولة هذا القطاع الحيوي الذي "تعتبر خصخصته حالياً جريمة بحق المواطن اللبناني".

التقنين يتمدد إلى المولدات

في ظل العجز الذي راكمته الأعوام في إنتاج الكهرباء، تسللت المولدات الخاصة إلى الأحياء والقرى وتمكّنت من فرض شروطها على المواطنين، بحيث قارب ثمن العشرة "أمبير" الحد الأدنى الرسمي لأجور الموظفين في لبنان. ومع شح المازوت، بدأت المولدات الخاصة تقنين التيار الموازي في الأحياء، إذ أعلن تجمع أصحاب المولدات أن التقنين سيبدأ هذا الأسبوع، ويشمل 5 ساعات يومياً.

الإنترنت في خطر

بداية الأسبوع الجاري، استفاق المواطن اللبناني على صدمة نتيجة تغريدة المدير العام لـهيئة "أوجيرو" عماد كريدية، الذي بشّر بانقطاع شبكة الإنترنت بسبب أزمة المحروقات، وعدم قدرة مولدات الهيئة على الحلول بصورة تامة مكان كهرباء لبنان. هذا الأمر استوجب تدخلاً من وزير الاتصالات طلال حواط للطمأنة بأن الشبكة ستستمر بالعمل، مبرراً موقف مدير "أوجيرو" الذي يشكّل جرس إنذار للدولة بأن انقطاع المازوت سيؤدي إلى انقطاع الإنترنت. فيما استغرب موظفون في وزارة الطاقة كلام كريدية لأنه لا يوجد خطر حالي على استمرارية تواصل لبنان مع العالم لأن وزارة الاتصالات تمتلك حساباً بالدولار لدى المصرف المركزي ويمكن اللجوء إليه.

الطاقة البديلة... أين أصبح هوا عكار؟

بغض النظر عن الأزمة الحالية، فإن لبنان تأخر كثيراً في فرض الحلول البديلة للطاقة النظيفة والمتجددة. ومنذ عقد من الزمن، بدأ العمل على مشروع "هوا عكار"، وهو مشروع للاستفادة من الطاقة الهوائية المتوافرة في المحافظة الشمالية طوال أيام السنة. ويشير المتخصص في الشأن البيئي كمال خزعل إلى أن المنطقة الممتدة من وادي خالد إلى أكروم، وأعالي جرد عكار ومنطقة القموعة وجبل عروبة تتمتع بتيارات قوية، لذلك اتُّفق مبدئياً على تركيب مراوح فوق التلال. وبدأ المخطط التنفيذي يسلك خطواته من خلال شق الطرقات وصب الأساسات للأعمدة.

ويلفت المهندس حسن الحاج، رئيس دائرة التنظيم المدني في عكار، إلى أهمية بدء مشاريع الطاقة البديلة والنظيفة، مشيراً إلى أن مشروع "هوا عكار" يهدف إلى إنتاج الكهرباء من مراوح يبلغ ارتفاعها 100 متر على مدى 365 يوماً في "كوريدور هواء حمص"، وبيع الدولة الإنتاج بكلفة زهيدة (10 سنتات). ويتحدث عن عراقيل تواجه إتمام المشروع متصلة بالأراضي غير الممسوحة في الجرود لأنها تحتاج إلى معاملات التحديد والتحرير، كما حالت اعتراضات البلديات دون إتمام عمليات الاستملاك بسبب الخلاف على الملكية وعدم صدور المراسيم.

ويقول علي إسبر، عضو بلدية أكروم إن "منطقة أكروم تتضمن رياحاً قوية طوال 275 يوماً سنوياً، والمنطقة رابحة اقتصادياً لأن الأراضي رخيصة"، كما أنها كانت تشكل بديلاً للطاقة ويمكنها إنتاج 73 ميغاواتاً في المرحلة الأولى، و250 ميغاواتاً في المرحلة الثانية، بحيث كان سيستفيد لبنان بأسره من هذه الموارد. وينوّه بأن المشروع "مجمّد" بسبب غياب الشفافية تجاه مؤجري الأراضي، إضافة إلى تدخل السياسة لتعديل الخطة ونقل المراوح إلى قرى مجاورة.

ويتحفّظ خزعل على تركيب المراوح في مناطق خلابة كجرود القموعة التي "يجب تحويلها إلى محميات بيئية"، ولكنه يتطلع إلى أن تتجاوز الحسنات والمنافع النواحي الضارة.

وفي موازاة التحفظات البيئية، تظهر إشكاليات حول ملكية الأراضي، إذ وقع نزاع قضائي بسبب إنشاء بلدية عندقت محمية في أراضي تابعة لأكروم، وهي مساحات كان من المقرر تنفيذ المشروع فيها.

في المحصلة، وصل لبنان إلى مرحلة اللاعودة على مختلف الصعد، ولكن الخوف من بلوغ مرحلة العتمة الشاملة بسبب شح الاعتمادات بالدولار الأميركي.

المزيد من العالم العربي