Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ياسر عبد اللطيف يحتفي بذكريات المراهقة قصصياً

"موسم الأوقات العالية" نصوص سردية ترسخ مبدأ الواقعية الصرفة

لوحة للرسامة المصرية رانيا خلاف (صفحة الرسامة على فيسبوك)

لا توجد معايير واضحة لحسم الحدود الفاصلة بين أشكال القصص، سواء في الطول أو الأسلوب والسمات العامة، حتى وإن حاول النقاد وضع معايير، يلاحظ فيها التباين الشديد، لأن طبيعة الإبداع عصية على التنميط. ويظل تداخل الأجناس الأدبية يضع الناقد في حيرة أمام بعض النصوص، لجهة تصنيفها، كما في المجموعة القصصية للمصري ياسر عبداللطيف "موسم الأوقات العالية" ( دار الكتب خانة). ويبدو أن الكاتب كان واعياً بتلك القضية فلم يصف مجموعته على غلاف الرواية بالقصص القصيرة، وإنما اكتفى فقط بكلمة "قصص" لوصف محتويات كتابه الذي يضم سبعة نصوص في 180 صفحة، تتميز ستة منها بالطول الذي يجعلها أقرب إلى النوفيلا، فيما تنطبق على النص الأخير معايير القصة القصيرة الشائعة من تكثيف ووحدة موضوع... إلخ.

تنتمي "موسم الأوقات العالية" إلى الواقعية في أبسط صورها وتتناول في أغلب قصصها أحداثاً وقعت في القاهرة في ثمانينات القرن الماضي، فضلاً عن ذكريات المراهقة الخاصة بالسارد.

اجترار الماضي

تدور أحداث القصة الرئيسة فيها والتي تحمل المجموعة اسمها في العام 1987 في منطقة المعادي (جنوب القاهرة) حول مجموعة من الشباب الذين جمعتهم الظروف فكونوا شلتهم، وساروا في طريق تعاطي المخدرات. وترسم القصة سمات الشخصيات والدوافع التي جرتهم إلى هذا الطريق من مستقبل باهر ينتظر بعضهم إلى طريق الهاوية. ففيهم مثلاً مَن كان طالباً في السنة الأخيرة في كلية الشرطة إلا أنه تعرض للفصل. كما تسرد القصة مغامرات هؤلاء الشباب من أجل جني المال، ما أكسبهم سمعة سيئة في الحي الذي يعيشون فيه، والمعروف بأنه من الأحياء الراقية في العاصمة.

تعتمد هذه القصة في تيمتها الرئيسة على اجترار الماضي وذكرياته المفرطة في واقعيتها. وتستمر هذه الواقعية في قصص المجموعة ككل، فيقدم عبد اللطيف قصته المعنونة "قصص الحب التأثيرية"، وهي تتحدث عن مسيرة متعرجة بين طبقات من تاريخ القاهرة ويلعب فيها المكان الدور الأبرز. يصف الكاتب في هذه القصة وسط القاهرة وتصعلك الطالب الجامعي الذي يكتب الشعر برفقة حبيبته وزميلته في الجامعة "امتثال". ويجتر فيها السارد الماضي حيث الأمكنة في القاهرة الخديوية الممزوجة بالذكريات، سواء للبطل مع ماضيه أو ماضي المكان نفسه بمن عاشوا فيه من نجوم الفن قديماً مثل نجيب الريحاني وأنور وجدي ويوسف وهبي، ومسارحه والمقاهي القديمة وطرازها الخاص والتبدلات التي جرت عليها. يصف الشوارع ويحكي ما دار في مقاهيها وباراتها وملاهيها الليلية، وكيف يتعامل العاملون فيها مع الزبائن الذين وجدوا أنفسهم فجأة في عصر يختلف عن العصر الذي نشأوا فيه. ويشير السارد في هذه القصة إلى البقية المتبقة من القاهرة كمدينة كوزموبوليتانية ضمت جنسيات وثقافات مختلفة. وإذا كان وسط القاهرة وحب الأدب قد جمعا بين الحبيبين فإنهما كانا السبب في التفريق بينهما، إذ يجنح البطل إلى الأماكن التي عاش فيها نجوم السينما المصرية الأوائل فيما تفضل "امتثال" أماكن تجمع الأدباء من أمثال نجيب سرور وأمل دنقل.

الطابع التوثيقي

لا يغيب البعد المعلوماتي ذو الطابع التوثيقي عن قصص المجموعة التي تقدم معلومات حول الأماكن والأفلام والفنون، "اتخذت الحركة الانطباعية اسمها من عنوان لوحة كلود مونيه (انطباع عن شروق الشمس). قرر مونيه رائد الحركة الأول أنه لم يصور الشروق، بل صور انطباعه عن هذا الشروق. اعتبر النقاد المدرسيون أن لوحة مونيه لا ترقى لأن تكون لوحة حقيقية وإنها مجرد اسكتش للوحة".

ويستمر في عرض المعلومات حول هذه المدرسة، وأن اسم الانطباعية أطلقه أعداء هذه الحركة والساخرون منها على من ساروا على منهج مونيه ويقدم رؤيته النقدية حول الترجمات العربية لمصطلح Impressionisme  بالتأثرية لكن شاع مصطلح الانطباعية في الأدبيات العربية.

وتدور "شهوة ملاك" حول واقعة اغتصاب فتاة جرت في المعادي خلال الثمانينيات وتحولت إلى فيلم أخرجه سعيد مرزوق باسم "المغتصبون". وفي هذه القصة يقدم المؤلف رؤية نقدية لمسار الممثل حمدي الوزير الذي كان ضمن مجموعة شباب اغتصبوا تلك الفتاة، وتحول إلى أيقونة على وسائل التواصل الاجتماعية في التعبير عن التحرش الجنسي، "هي قصة الانزياح. تحرك حمدي الوزير من السينما الطليعية نحو سينما الأكشن التجارية، من ابن البلد الطيب إلى المغتصب. وعاد إثر ذلك للظهور على شاشات التلفزيون في البرامج الحوارية لا للحديث عن أدواره ولا عن نفسه كممثل. لكنه عاد كأحد نجوم السوشيال ميديا الشعبيين، وبدا غير مستاء من تلك التوظيفات الكاريكتاتورية لصورته التي أخرجته على الأقل من أدراج النسيان حتى ظن بعض الناس أنه يقف خلف تلك الحملة الكوميدية بنفسه ليعود إلى الأضواء من جديد" صـ 27.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يخرج ياسر عبداللطيف في قصته "الربيع في شتوتغارت" من مصر إلى ألمانيا مسلطاً الضوء على لاجئة سورية تعد أطروحة الدكتوراه، وتسترجع ماضيها في دمشق، متذكرة حبيبها "راشد" الذي شارك في نشاط مسلح ضد نظام الأسد خصوصاً في ما يتعلق بالظلم الاجتماعي والسياسي، ثم اختفى فجأة دون أن يعرف أحد مصيره، مقارنة ذلك مع الشخص الذي تعرفت عليه على شبكة الإنترنت وهي في ألمانيا. وبعد مرور سنوات عدة على ذلك التعارف يخبرها بأنه يشارك في الثورة التي تحولت إلى حرب أهليه، لتكتشف في النهاية أنه كان يستدرجها وقام بتسجيل فيديوهات إباحية لها وهددها بنشرها إن لم ترضخ لطلباته المادية. وهذا أوقعها في مشاكل مع الشرطة الألمانية التي اتهمتها بتمويل الجماعات المتطرفة في سوريا فاضطرت أن تعترف لهم بالحقيقة. قصة مملوءة بالأحداث المأساوية سواء على المستوى الشخصي بالنكبات التي تعرضت لها البطلة التي تجاوز عمرها الخمسين دون زواج، وكذلك على المستوى الجماعي بسبب ما تمر به بلادها من معارك طاحنة.

سرد روائي

تتخذ قصص "موسم الأوقات العالية" طابع السرد الروائي، فكل قصة مقسمة إلى مشاهد روائية بشخصيات مختلفة. ففي قصة "شهوة ملاك"، يبدأ المشهد الأول بالسجين في غرفة الإعدام والذي يطلب السماح له بالاغتسال قبل شنقه، فترفض السلطات تلبية رغبته الأخيرة، لينتقل بعدها إلى مشهد طالب الثانوية العامة الذي يقرأ في الجريدة خبر إعدام "صلاح حلاوة"، لتتوالى المشاهد التي تكشف عن سبب إعدام هذا الشخص وعلاقة الطالب به، عبر ما يقرب من 50 صفحة. ويستعين الكاتب بالطريقة نفسها في قصة "موسم الأوقات العالية"، وقصة "قصص الحب التأثيرية".

ناقشت القصص في ثناياها الكثير من القضايا مثل الجمعيات الأهلية في مصر وفي أوروبا، وسفر المصريين إلى الخليج للعمل، وعوالم الجنس والمراهقة وآفة المخدرات، والتعليم الجامعي الخاص، والفقر وغياب العدالة الاجتماعية في الريف.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة