Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تخطط القوات الأميركية لنقل 100 طن لأي مكان خلال ساعة؟

صواريخ "سبيس أكس" ستبقي الولايات المتحدة في صدارة السباق الفضائي لسنوات عدة مقبلة

صاروخ تابع لشركة سبايس أكس يشع باللون الأصفر في سماء ولاية فلوريدا يوم الأحد 6 يونيو الحالي (أ ب)

عندما تتمكن دولة ما من نقل 100 طن من المعدات العسكرية أو الإمدادات المدنية لأي بقعة في العالم خلال ساعة زمنية واحدة أو أقل، فإنها تكتسب ميزة لوجيستية فريدة من نوعها قد تقلب موازين المعارك العسكرية، وربما تنقذ أو تساعد آلاف البشر خلال لحظات فارقة، وهذا بالضبط ما تعكف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على دراسته وتنفيذه بعد نجاح صاروخ مركبة "ستارشيب" العملاق الذي تنتجه شركة "سبيس أكس" في بلوغ ارتفاعات عالية ثم الهبوط بسلام على الأرض في مايو (أيار) الماضي. وفيما يعتزم "البنتاغون" تطوير الصاروخ ضمن برنامج عسكري، فإنه يطمح إلى تحقيق قفزة بعيدة ستُبقي الولايات المتحدة في صدارة السباق الفضائي لسنوات أخرى قادمة، فكيف ستتمكن أميركا من ترسيخ تفوقها العسكري على الأرض وفي الفضاء، ولماذا لجأ البنتاغون إلى شركة "سبيس أكس"؟ 

تفوق في الأرض والفضاء

لم يكن غريباً أن يطلب "البنتاغون" في ميزانية العام المقبل، 48 مليون دولار لتطوير صاروخ مركبة "ستارشيب" الذي طورته شركة "سبيس أكس" من أجل نقل 100 طن من المعدات أو الإمدادات أو البضائع إلى أي مكان في العالم في غضون ساعة زمنية واحدة أو أقل، وهو ما سيقدره الجيش كثيراً، نظراً لما سيوفره من مزايا لوجيستية عظيمة في نقل الإمدادات والمعدات العسكرية والذخيرة أو نقل المساعدات والمواد الطبية والغذائية في حالات الكوارث من نقطة إلى نقطة في فترة زمنية وجيزة.

وبحسب الجنرال أرنولد بانش جونيور، قائد قيادة العتاد في القوات الجوية الأميركية، فإن عمليات النقل اللوجيستي السريعة ستدعم قدرة القوات لأن تطبيقاته الأولية تتمثل في استعادة القدرة العملياتية بسرعة للقوات المتقدمة في بيئات قاسية إضافة إلى تقليل الوقت المطلوب بشكل كبير لتقديم المساعدة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث.

أما في الفضاء، فسيمثل هذا التطور نقلةً نوعية لقوات الفضاء الأميركية المشكلة حديثاً، إذ يخطط "البنتاغون" إلى الاستفادة من تكنولوجيا الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، التي تملكها شركة "سبيس أكس" لصاحبها الملياردير إيلون ماسك، في مهمات فضائية أخرى تمتد من تدمير المركبات الفضائية والأقمار الصناعية للدول المعادية للولايات المتحدة في وقت الحرب، إلى الدفاع عن الأقمار الصناعية الأميركية والمنشآت الفضائية الأخرى، كما يمكن للسفينة الصاروخية تزويد الأقمار الصناعية الأميركية بالطاقة وصيانتها، ما يطيل عمرها التشغيلي، إضافة إلى استخدامات أخرى مثل المساعدة في تنظيف الحطام الفضائي، وبذلك ستنمو القوة الفضائية الأميركية التي تتكون من عدد محدود من الأفراد يديرون وحدات التحكم ويعقدون اجتماعات تخطيط متواصلة، لتصبح فرعاً حقيقياً للقتال والحرب.

وعلى سبيل المثال، تبدو شركة "موتلي فوول"، وهي شركة استثمار خاصة، متفائلة للغاية بشأن القدرات العسكرية المحتمَلة لمركبة الفضاء الصاروخية "ستارشيب"، إذ ترى أنها ستكون قادرة على العمل بدءاً من أقرب مدار من الأرض وحتى محيط القمر، ويمكن استخدامها كمنصة استطلاع متنقلة مع تميزها بالقدرة على استخدام مخزن وقودها الضخم ومحركاتها الستة للمناورة عندما تحتاج إلى ذلك.

برنامج عسكري

وبحسب وزارة الدفاع الأميركية، فإن البرنامج العسكري التجريبي الذي يطلق عليه اسم "روكيت كارغو" أو (صاروخ الشحن) ستتولى مسؤوليته قوة الفضاء الأميركية، حيث سيتولى البرنامج إدارة البحوث وتقديم المساعدات اللازمة من أجل تطوير قدراته مثل إنزال صاروخ مركبة "ستارشيب" فوق مواد وأسطح غير تقليدية، وتصميم وهندسة حاوية الشحن التي ستحمل حمولات تتراوح بين 30 و100 طن، وخدمات التحميل والتفريغ اللوجيستية السريعة وإسقاط شحنة المعدات أو البضائع جواً من الصاروخ لخدمة المواقع المستهدَفة حين يتعذر هبوط طائرة أو صاروخ في هذه المواقع.

ومن الواضح أن "البنتاغون" اهتم كثيراً بالتطور التكنولوجي في هذا المجال بعد ما قللت الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام تكلفة عمليات الإطلاق. كما أحرز تطوير مركبات الإطلاق فائقة الثقل، تقدماً كافياً لجذب اهتمام الجيش الأميركي، فأصبح ممكناً استخدام صواريخ قوية لنقل ما يصل إلى 100 طن من المعدات أي أكثر من وزن دبابة قتال من نوع "أبرامز أم 1"، إلى مواقع الهبوط غير المعدة، بالقرب من المواقع العسكرية البعيدة وهو ما يتجاوز سعة طائرة شحن من طراز سي 17 خلال فترة زمنية قصيرة للغاية، بخاصة وأنه يمكن للصاروخ أن يدور حول كوكب الأرض بالكامل خلال 90 دقيقة، بينما لا تستطيع الطائرة فعل ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عمل فذ
وعلى الرغم من استمرار شركة "سبيس أكس" في اختبار نماذج أولية من صاروخ مركبة "ستارشيب" الفضائية الذي يبلغ طوله 16 طابقاً في منشآتها بولاية تكساس، ونجحت بعد محاولات فاشلة عدة في آخر اختبار في هبوط واستعادة نموذج الصاروخ "أكس أن 15" بعد تحليقه على ارتفاعات عالية، إلا أنها لم تصل بعد إلى مدار الفضاء الخارجي، لكن شركة "سبيس أكس" تهدف إلى إنجاز عمل فذ لم يحققه أي صاروخ سابق عبر إعادة استخدام الصواريخ بسرعة لجعل رحلات الفضاء أقرب إلى السفر الجوي، بدلاً من النهج التقليدي المتمثل في التخلص من الصاروخ بعد الإطلاق.
وثمة خطط لأول رحلة فضائية مدارية في نهاية العام لصاروخ "ستارشيب" الذي يقع في بؤرة طموحات إيلون ماسك لجعل سفر الإنسان إلى الفضاء أمراً عادياً وبأسعار معقولة على أمل أن تتمكن في نهاية الأمر من نقل رواد فضاء وحمولات أكبر إلى القمر والمريخ، وهو ما عبر عنه ماسك حين أعلن أنه يعتزم نقل الملياردير الياباني يوساكو مايزاوا في رحلة حول القمر على متن "ستارشيب" في عام 2023.
ليست الوحيدة

ومع ذلك، لا يبدو أن شركة "سبيس أكس" هي الوحيدة في هذا البرنامج، فعلى غرار برنامج إعادة هبوط الإنسان على سطح القمر التابع لوكالة "ناسا"، والذي يضم 3 شركات هي "سبيس أكس" و"ليدوس" و"بلو أوريجين"، سيكون برنامج "روكيت كارغو" على ذات النسق، حيث أشار باحثون في القوات الجوية الأميركية إلى أن "البنتاغون" تحدث إلى شركات أخرى للتنافس للفوز بالعقود التي ستُطرح قريباً، بخاصة وأن شركات أميركية عدة أصبحت تمتلك هذه التكنولوجيا على الرغم من أن "سبيس أكس" ستكون بلا شك هي الأقرب للفوز، نظراً إلى خبرتها العملية وتجربتها الناجحة الشهر الماضي.

غير أن وزارة الدفاع تريد أيضاً التأكد من القدرة على الوصول بالحمولة الثقيلة إلى أقرب مدار ثم الهبوط الآمن على الأرض، ولهذا لن يستبعد البنتاغون النظر في مشاريع كل الشركات بما فيها تلك التي لم تطور بعد قدرةً على إعادة استخدام الصواريخ ونقل الحمولات الثقيلة من نقطة إلى نقطة على الطرف الآخر من الأرض.

تطور مذهل  

بالنسبة إلى خبراء التاريخ والتخطيط العسكري، يمكن ملاحظة وتحديد مدى تطور التكنولوجيا العسكرية من خلال ظهور طرق جديدة لنقل الأشخاص والمعدات العسكرية والبضائع، إذ أصبحت سفن السباق في القرن السادس عشر فرقاطات حددت مسار الحرب البحرية في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. كما أدت المحركات البخارية والحديد والدروع الفولاذية إلى ظهور السفن المدرعة الثقيلة في أوائل القرن العشرين، أما السفن الحربية الحديثة فأصبحت تسير بالطاقة النووية.

وبالمثل أحدث السفر والنقل الجوي نفس النوع من التطور في التكنولوجيا العسكرية، من الطائرات الخفيفة في الحرب العالمية الأولى إلى الطائرات المقاتلة الحديثة التي يمكنها إحداث الدمار والموت على بعد آلاف الأميال، والآن تستعد تكنولوجيا النقل الفضائي لإحداث ثورة مماثلة في قدرة الجيش على الدفاع عن الولايات المتحدة وحلفائها وإلحاق الفوضى والموت بأي عدو قد يغامر بشن حرب على أميركا.

تفوق مستمر

ومن الناحية العملية، ستضمن الولايات المتحدة من حيث كونها أول من طوّر قدرة قتالية حقيقية خارج الغلاف الجوي للأرض، بقائها كمجتمع حر وقوة عظمى مهيمنة، فيما سيشعر أصدقاء أميركا بالارتياح لهذه الحقيقة.

ومع ذلك، قد يتوخى أعداء أميركا الحذر بعد التقييد المتوقع لقدرتهم على إثارة المشاكل لأنه لا توجد دولة أخرى لديها القدرات التي ستوفرها "ستارشيب" على الأقل في الأمد المنظور، غير أن المفارقة الواضحة هي أن إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة "سبيس أكس" قارن صاروخ "ستارشيب" الذي يُنتظر أن تستخدمه قوات الفضاء والقوات الجوية الأميركية، بـ"ستارفلييت" الذي كان جزءاً من سلسلة أفلام ومسلسلات "ستارتريك" الخيالية عن المغامرات وحروب المستقبل الفضائية بين الدول، وربما حان الوقت لمزيد من الخيال الممزوج بالواقع الجديد خلال سنوات قليلة جداً.

المزيد من تقارير