Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان يعول على واشنطن لمنع إثيوبيا من الملء الثاني لـ "سد النهضة"

أبدت أديس أبابا استعدادها لرد أي اعتداء عسكري ولا تزال تتمسك برفض توقيع أي اتفاق ملزم

دبابة معطوبة للجيش الإثيوبي جراء الاقتتال مع قوات منطقة تيغراي (رويترز)

مع اقتراب موعد بدء المرحلة الثانية لملء سد النهضة الإثيوبي المقرر مطلع يوليو (تموز) المقبل، دون اتفاق أو تفاهم حول عمليات التشغيل والملء بين الدول الثلاث المتشاركة في نهر النيل الأزرق (مصر، والسودان، وأثيوبيا)، تُطرَح تساؤلات عدة حول السيناريوهات المتوقعة لحسم هذه الأزمة. 

وأعلنت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، عن تعويل بلادها على "الدور الكبير والمأمول من الولايات المتحدة في الضغط السياسي والدبلوماسي على إثيوبيا لتعديل موقفها ودفعها إلى الرضوخ إلى حل يرضي الأطراف الثلاثة"، لكن ما طبيعة الأوراق التي يمكن أن تستخدمها واشنطن في تحركها لحل هذه الأزمة؟ وهل يمكن أن تنصاع أديس أبابا للضغوط الأميركية وتفاجئ العالم بتنازل في الوقت الحاسم، أم تتمسك بموقفها المبدئي الرافض للتوقيع على أي اتفاق ملزم؟

جدية واشنطن 

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق، أنه "إذا كانت الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن جادة في حسم أزمة سد النهضة الإثيوبي، فربما تصل إلى نهاياتها، إذ إنه في عهد الرئيس السابق رونالد ترمب، استطاع الأخير أن يضغط على الجانب الإثيوبي ضغطاً كبيراً، حتى رضخ وانحنى للعاصفة، لكن بمجرد انشغال إدارة ترمب بملفات أخرى في نهاية الفترة الرئاسية، ومن ثم رحيله عن البيت الأبيض، نكثت إثيوبيا العهد، ولم تلتزم أي اتفاق، لذلك اضطُرت الإدارة الأميركية لفرض عقوبات من قبيل وقف المساعدات التي كانت مخصصة لأديس أبابا من أجل الضغط أكثر على الجانب الإثيوبي". 

وأضاف صديق "في حال اتبعت إدارة بايدن هذا النهج، فمن الممكن أن تفلح في ترجيح كفة الجانب العقلاني في هذه الأزمة، والوصول إلى حل مرض لكل الأطراف، بالتالي وقف مسلسل التعنت الإثيوبي، فإثيوبيا لا تريد توقيع اتفاق ملزم مع دولتَي المصب (مصر والسودان) حتى لا تصبح ملوية اليد أمامه، ويُرفع في وجهها كل ما أرادت فعل شيء في المستقبل، كما يبدو أنها لا تعترف باتفاقية حوض النيل لعام 1959، والاتفاقيات الأخرى، ولا تعترف كذلك بقانون مجاري الأنهار الدولي، وتعتقد أنه ما دامت المياه تنبع من داخل الأراضي الإثيوبية، فهي إذاً مياه إثيوبية، وهذا فهم مغلوط، لأن القانون الدولي ينظم مجاري الأنهار بطريقة تحفظ حقوق كل الدول المشاركة فيه". 

وتابع أستاذ العلوم السياسية، "لذلك تريد إثيوبيا أن تسير في اتجاه الأمر الواقع، فهي تقول إنه ما دامت المياه في أراضٍ إثيوبية، والنهر في أراضٍ إثيوبية، فيحق لها أن تتصرف كما تشاء، وهذا فهم غير صحيح. وأعتقد أنه إذا أصر الجانب الإثيوبي على السير في هذا الطريق، فلن يتم التوصل إلى أي حل، وستظل متلازمة المفاوضات مستمرة دون أي تقدم، وستستمر إثيوبيا في بناء السدود، وسيحفز ذلك الحلول العسكرية أو الحلول العنيفة التي تؤدي إلى اشتعال الإقليم والمنطقة برمتها، وهي حلول مضرة، لكن ليس أمام أديس أبابا غير الرضوخ للقانون الدولي، ومحاولة الوصول إلى حل وسطي، فإثيوبيا كشعب وحكومة ترى أنها لا تريد تجويع الشعب السوداني وتعطيشه، لكنها في الواقع تفعل ذلك".

برنامج واضح 

في المقابل، أوضح وزير الري والموارد المائية السابق في السودان عثمان التوم، أنه "على ضوء المعلومات الواردة من الجانب الإثيوبي، تم اختصار المرحلة الثانية لملء السد، من 13.5 مليار متر مكعب من المياه إلى 3.5 مليار متر مكعب، على أن تؤجل كمية الـ 10 مليارات متر مكعب المتبقية للسنة المقبلة، بالتالي لا أرى أن هناك داعياً لاتفاق بين الأطراف الثلاثة حول هذه المرحلة، فالأفضل أن يحدث نوع من التوافق حول تبادل المعلومات اليومية والآنية والبرنامج التفصيلي للملء الثاني، لأن المرحلة أصبحت بسيطة ويمكن تداركها، لكن من المهم أن يكون هناك برنامج واضح لفترة الملء الذي يبدأ في الأول من يوليو المقبل ويستمر لمدة 22 يوماً، بحيث يتضمن البرنامج معلومات عن كمية المياه التي ستخزن يومياً، وتلك التي ستطلق باتجاه الشمال". 

وتوقع التوم أن يتفهم الجانبان السوداني والمصري هذا الأمر، وأن يكون هناك توافق بين الدول الثلاث، مستبعداً حدوث أي تأثير على السد العالي، مبدياً اعتقاده بأنه "بإمكان السودان توفيق أوضاعه من ناحية خزانات الروصيرص، وجبل أولياء، وخشم القربة، في حال توافرت المعلومات الدقيقة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة". واعتبر أن "الأزمة بهذا الشكل تكون قد حلت نفسها بنفسها، من دون حدوث أي نوع من الضغوط الدولية، وذلك من خلال ثلاثة عوامل تتمثل في الزيادة الواضحة في ايراد نهر النيل الأبيض، وكذلك ارتفاع منسوب نهر عطبرة نتيجة تفريغ سد تكزي الإثيوبي الواقع على نهر ستيت، فضلاً عن خفض كمية تخزين مياه النيل الأزرق في المرحلة الثانية لملء سد النهضة بمعدل 3.5 مليار متر مكعب بدلاً عن 13.5 مليار متر مكعب من المياه".

صوت العقل 

في السياق، قال أستاذ الاتصالات والعلاقات العامة، النور عبد الله جادين، إنه يعتقد أن "مصر والسودان تحتاجان إلى جهد دولي للضغط على إثيوبيا، لدفعها إلى الاستماع إلى صوت العقل، وإحقاق الحق، وذلك من خلال احترام المواثيق والقوانين الدولية التي تحكم البحار والأنهار. بالتالي فإن التدخل الأميركي في هذا الوقت الحرج، نظراً إلى قرب موعد الملء الثاني للسد، مهم جداً، حرصاً على السلم والأمن الدوليين، لأنه إذا تُركت الأمور في هذه القضية للجانب الإثيوبي وحده، فلن يكون هناك استقرار في منطقة حوض النيل الحيوية من ناحية الكثافة السكانية والإنتاج الزراعي، حيث يقطنها من الجانب السوداني 20 مليون نسمة". 

ولفت جادين إلى أنه "بإمكان واشنطن أن تستخدم أوراق ضغط كثيرة بوسائل مختلفة قد تضع أديس أبابا في حرج، وتجعلها تعدّل موقفها المتعنت وإصرارها على الملء الثاني دون اتفاق أو مراعاة الدول المشاركة لها في مياه النيل الأزرق، وذلك بممارسة ضغوط اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وقرارات أممية". وزاد "صحيح أن الوقت يتسارع، لكن قد تكون هناك جهود سرية دبلوماسية وسياسية جارية، ومن الوارد أن تغيّر إثيوبيا موقفها استجابةً لتدخل واشنطن في هذا الملف، حمايةً لمصالحها في القرن الأفريقي وساحل البحر الأحمر. وبشكل عام، فإن التحركات الدولية، سياسيةً كانت أم دبلوماسية، من شأنها أن تحرز، قبل أيام معدودة من الملء الثاني، نتائج مُرضية لأطراف هذه الأزمة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول التعزيزات العسكرية الإثيوبية لتأمين السد من أي عدوان محتمل كما جاء على لسان القائد العام للقوات الجوية الإثيوبية يلمما مرداسا يوم الأحد 6 يونيو (حزيران) الحالي، أوضح أستاذ الاتصالات والعلاقات العامة، أن "القصد من هذا المشهد هو توتير العلاقات مع الجانبين المصري والسوداني، وهو تصعيد يهدد السلم والأمن الدوليين لا داعي له، في ظل محاولات التفاوض والمساعي الجارية للوصول إلى حلول وسطية. وعلى الرغم من مظاهر التوتر، أتوقع أن يحدث تقارب وتفاهم بين الأطراف الثلاثة، وتقديم كل طرف تنازلاً محدداً، وهذا هو ديدن العالم في التعامل مع مثل هذه القضايا".

تفهم إقليمي ودولي 

في غضون ذلك، أعلنت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، أن "السودان يتطلع إلى التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول الملء والتشغيل قبل الملء الثاني لسد النهضة"، مؤكدة على أهمية الدور الكبير والمأمول من الولايات المتحدة في الضغط السياسي والدبلوماسي على إثيوبيا. 

ونقلت وكالة السودان للأنباء، يوم الأحد 6 يونيو، عن وزيرة الخارجية قولها، إن "الرؤية السودانية بشأن سد النهضة حظيت بتوافق وطني كبير بين مكونات الحكومة الانتقالية والشارع السوداني، وبتفهم إقليمي ودولي"، لافتةً إلى أن "الخرطوم مستعدة للتفاوض من أجل حل القضية بوسائل سلمية وبرعاية الاتحاد الأفريقي". 

وجددت المهدي الترحيب بدور الشركاء الدوليين كضامنين ومسهّلين، وذلك باستلهام التجارب العالمية والأفريقية في التعامل مع الأنهار العابرة للحدود، لا سيما تجربتَي نهرَي النيجر والسنغال، اللتين تؤكدان إمكانية التعاون في المنافع المشتركة للأنهار. 

وأشارت إلى أن "أميركا لعبت دوراً مهماً في الوساطة، التي حسمت المسائل الفنية والقانونية، وأحرزت تقدماً في المفاوضات وتبقت نقاط قليلة تتعلق بالاتفاق القانوني حول الملء والتشغيل، وبعض المسائل الفنية والقانونية القليلة، لكن المفاجأة تمثلت في تراجع إثيوبيا عما اتُّفق عليه". 

تعزيزات عسكرية 

وكان القائد العام للقوات الجوية الإثيوبية، الجنرال يلمما مرداسا، أكد الأحد الماضي، أن القوات الإثيوبية تعزز وحداتها أكثر من أي وقت مضى، مشدداً على أنها تجري حراسة دقيقة لسد النهضة. 

وأشار مرداسا، خلال مناسبة منح شارات ورتب عسكرية لمنتسبين في سلاح الجو الإثيوبي، إلى أن "محاولات زعزعة استقرار البلاد وإشاعة الفوضى داخلياً وخارجياً لن تنجح"، مؤكداً أن "الجيش رمز سيادة البلاد، وسيضطلع بكامل دوره في حماية وحراسة سد النهضة من أي عدوان". 

وصرح رئيس اللجنة الفنية الإثيوبية لمفاوضات سد النهضة غيديون أسفاو، أن "نجاح عملية الملء الثاني لسد النهضة سيمكن السد من ضمان الحماية لكونه سيخزن نحو 18.4 مليار متر مكعب خلفه، ما يجعله محمياً ذاتياً". 

ونوه خلال منتدى تشاوري نظمته جامعة "دبرا برهان" بمشاركة خبراء إثيوبيين، بأن "أعمال بناء السد تشارف على نهايتها، حيث بلغت نسبة اكتمال الأعمال الكلية نحو 80 في المئة"، مشيراً إلى أن "إثيوبيا وصلت في بناء سد النهضة إلى مرحلة لا رجعة فيها"، وأن بلاده تتطلع إلى "اسكتمال السد الذي أصبح حلم كل إثيوبي". 

المزيد من العالم العربي