Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل دعم فاوتشي الترويج لـ"هيدروكسي كلوروكين" لمواجهة كورونا؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب كشف عن تعاطيه العقار المستخدم لعلاج الملاريا على الرغم من التحذيرات الطبية

في النصف الأول من مايو (أيار) من العام الماضي، أثار إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، تعاطيه لعقار الـ"هيدروكسي كلوروكين"، المضاد لمرض الملاريا لمواجهة خطر الإصابة بفيروس كورونا، جدلاً في الأوساط الطبية والعلمية حول العالم، وذلك بعد أسابيع من الترويج لذلك العلاج باعتباره "مغيراً محتملاً للعبة الوباء".

وعلى الرغم من المخاطر التي حذرت منها الهيئات الدولية الطبية، في ذلك التوقيت، مع التأكيد على عدم وجود مؤشر إلى أن "هيدروكسي كلوروكين" يمكن أن يعالج مرض كوفيد-19، بل إن بعض الدراسات سجلت مشكلات خطرة في القلب وأحياناً مميتة، فإن إصرار الرئيس الأميركي السابق على الترويج له، وتحفظ أنتوني فاوتشي، كبير أطباء البيت الأبيض، ومدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، عكس شكلاً آخر من حالة الخلاف "المعلنة حيناً والمكتومة أحياناً أخرى"، بين ترمب والطبيب الأبرز بمواجهة معركة الوباء في الولايات المتحدة.

ماذا تخبرنا بعض رسائل فاوتشي الإلكترونية، التي رفعت عنها السرية أخيراً، بشأن معركة "هيدروكسي كلوروكين" في البيت الأبيض، وحالة الجدل التي صاحبتها خلال الأشهر الأولى من عمر الوباء؟

مستند يدعم ولا يؤيد

وفق ما كشفت عنه بعض الرسائل البريدية المنشورة لأنتوني فاوتشي، فقد تعاطى الأخير مع عقار "هيدروكسي كلوروكين" بشكل متباين في مراحل مختلفة، بدأت أولاً بعدم إظهار الدعم لتصريحات ترمب في هذا الخصوص في مارس (آذار) من العام الماضي، ثم التحفظ، وصولاً للإعلان صراحة بأن الدواء المضاد للملاريا، وليس للفيروسات التاجية غير فعال في علاج كورونا، وأن جميع البيانات العلمية مثبتة بالتجارب وتظهر أن "هيدروكسي كلوروكين" غير مُجدٍ في علاج مرض كوفيد-19، متعارضاً في ذلك بشكل معلن مع تصريحات ترمب حول العقار.

وفي إحدى الرسائل البريدية المؤرخة بالأول من مارس، فقد ألحق فاوتشي بملف يتناول الـ"هيدروكسي كلوروكين" تحت عنوان "اقتراح متواضع للتخفيف من وباء كورونا"، من دون إبداء نصيحة أو تأييد واضح بشأن استخدام العقار لعلاج الوباء، ما اعتبره البعض بمثابة الترويج للعقار حينها.

وبحسب ما نقل موقع "بازفييد"، فقد كان ذلك الملف الذي أعاد فاوتشي إرساله إلى كريستينا كاسيتي، نائبة مدير شعبة الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية، كان قد استقبله بالأساس من ألكسندر موردن الطبيب المتخصص في الرعاية الصحية، وغير المقيد في المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية الذي يرأسه فاوتشي، مضيفاً أن البريد الإلكتروني المرسل من فاوتشي إلى كاسيتي تضمن فقط عبارة "يرجى الاعتناء بالنظر للأمر واتخاذ اللازم". وذكر "بازفييد"، أن اللافت في الأمر كذلك، كان تعامل فاوتشي مع مصادر من خارج المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، وإعادة توجيه رسائل قادمة على بريده الإلكتروني.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بخصوص عقار الملاريا، ففي العاشر من أبريل (نيسان) من العام الماضي، أرسل السيناتور الجمهوري عن ولاية ميشيغان، فريد أبتون، رسالة بريدية إلى فاوتشي يسأله فيها عن "هيدروكسي كلوروكين"، بالتزامن مع زيادة زخم الترويج له من قبل ترمب كعقار فعال ضد كورونا. 

ووفق ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فقد سأل أبتون، فاوتشي، عما إذا كان أي شخص مصاب بالملاريا قد يصاب بفيروس كورونا، ليرد عليه مدير المعهد الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، في وقت لاحق بالقول، "نعم، بالتأكيد"، فيما لم تكن هناك حينها بيانات كافية للتوصل لأي استنتاجات نهائية بهذا الخصوص.

وتتابع "واشنطن بوست"، "توثقت من ذلك الحين العلاقة البريدية بين فاوتشي وأبتون، وأرسل الأخير رسالة إلكترونية تمنى فيها أن يبقى فاوتشي "راوياً للحقيقة بالعلم"، ليرد فاوتشي عليه بعد خمس ساعات قائلاً: "شكراً فريد، أقدر ملاحظتك".

وفي 14 أبريل من العام نفسه، وفي الوقت الذي وصلت فيه أعداد الوفيات بوباء كورونا في الولايات المتحدة لنحو 3000 حالة. تتابع "واشنطن بوست"، "تلقى فاوتشي من مسؤول كبير بالقيادة الطبية للجيش الأميركي (حجب اسمه للسرية)، قائمة بأسئلة حول بعض الأمور الخاصة بكورونا، من بينها: "هل يمكن أن ينتقل الفيروس من جثة؟ هل يمكن لشخص تناول "هيدروكسي كلوروكين" أن يصاب بالفيروس؟ هل الكمامات والقفازات فعالة حقاً؟ ما الذي يبقيك مستيقظاً مساء بخصوص كوفيد-19؟"، وذلك مع إشاده في متن البريد الإلكتروني تقول: "أنت صوت العقل لملايين المواطنيين الأميركيين". 

من جانبه، أعاد فاوتشي توجيه ذلك البريد الإلكتروني لبعض كبار مستشاريه، طالباً منهم المساعدة في صياغة رد، قبل أن يتم إرساله بعد أيام قليلة، وجاء في الرد، أنه يحاول "تطوير لقاحات وعلاجات فعالة لكورونا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولاحقاً، حسم فاوتشي الجدل في أكثر من مناسبة، وأكد أن عقار الملاريا غير فعال في علاج فيروس كورونا، وأن جميع البيانات العلمية مثبتة بالتجارب وتظهر أن "هيدروكسي كلوروكين" غير مُجدٍ في علاج كوفيد-19، وله تداعيات خطرة قد تصل للوفاة.

الجدل حول "هيدروكسي كلوروكين"

وعلى مدار الربع الثاني من العام الماضي، من عمر تفشي الوباء، أثير الكثير من الجدل حول عقار الملاريا، وذلك بعد إعلان ترمب، أن الأدوية التي تم تطويرها بغرض علاج مرض الملاريا (الكلوروكوين ومشتقاته) تعالج مرض كوفيد-19 على الرغم من تحذير العلماء من أنه لا يوجد أي دليل قطعي على ذلك، وإعراب منظمة الصحة العالمية عن قلقها "من الأنباء التي تتحدث عن تناول بعض الأشخاص هذه الأدوية وما يسبب ذلك من أضرار بالغة لهم".

ووفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فقد أدت التغطية الإعلامية المكثفة لهذا الموضوع إلى ارتفاع الطلب على هذه الأدوية كعلاج محتمل لكورونا على المستوى العالمي، وذلك في وقت حذر فيه البعض داخل الولايات المتحدة من أن تركيز ترمب على هذه الأدوية "شتت جهود عشرات العلماء الأميركيين على مستوى البلاد".

وبحسب رصد لـ"اندبندنت عربية" فقد اتسعت رقعة الدول حول العالم التي استخدمت عقار الملاريا في ذلك الوقت، لا سيما بعدما منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في أواخر مارس تصريحاً لاستخدامه في "حالات الطوارئ في علاج عدد محدود من مرضى كوفيد-19 في المستشفيات"، وذلك قبل أن تعود الإدارة ذاتها وتصدر في 24 أبريل تحذيراً من مخاطر استخدامه بسبب التقارير التي تتحدث عن مشاكل في انتظام نبضات القلب لدى المرضى.

وبعد الولايات المتحدة، لجأت البرازيل إحدى أكثر دول العالم تضرراً من الوباء إلى العقار ذاته، إذ أعلن الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو في مقطع فيديو، أن "هيدروكسي كلوروكين يعمل في جميع المناطق"، كذلك سمحت فرنسا للأطباء بوصف هذه الأدوية لمرضى كورونا، لكن هيئة الرقابة على الأدوية في البلاد حذرت من آثارها الجانبية. 

بدورها، أوصت وزارة الصحة الهندية، في ذلك الوقت باستخدام "هيدروكسي كلوروكين" كعلاج وقائي للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وكذلك للأسر التي تتعامل مع حالات مؤكدة لمرضى كورونا، وبموجب وصفة طبية من الطبيب، وفرضت حظراً على تصديره، وذلك قبل أن تحذر هيئة الأبحاث الحكومية الهندية من الاستخدام الواسع للعقار وتصفه بـ"التجريبي" فقط في حالات الطوارئ. وفي المنطقة العربية، استخدم العقار ذاته على نطاق محدود في كل من البحرين والمغرب والجزائر وتونس، كما حظر الأردن بيع "هيدروكسي كلوروكين" في الصيدليات لتفادي تخزينه في المنازل. وقررت وزارة الصحة الكويتية سحب جميع الأدوية التي تحتوي على العقار من الصيدليات الخاصة وحصرها في المستشفيات والمراكز الصحية.

مخاطر العقار

بعد حالة الجدل التي لاحقت استخدام العقار حول العالم، خرجت أكثر من دراسة طبية وعلمية تحذر من مخاطر استخدامه، وفق دراسة طبية نشرتها مجلة "ذي لانسيت" في النصف الثاني من مايو من العام الماضي، فقد توصلت إلى أن استخدام "هيدروكسي كلوروكين" يزيد خطر الوفاة بين مرضى كورونا.
وقالت الدراسة، إنه ليست هناك أية منافع لمعالجة المرضى بهذا العقار المستخدم في علاج مرض الملاريا، موضحة أن ذلك الدواء الذي يستخدم في علاج بعض الأمراض الأخرى مثل "مرض الذئبة" (مرض جلدي)، لم تصدر توصية باستخدامه لعلاج كورونا، بعدما أثبت أن احتمال موت المرضى الذين تناولوا العقار في المستشفى أو تعرضهم لمشاكل صحية في القلب أكبر من أولئك الذين لم يتناولوه.

وفي أوائل يونيو (حزيران) من العام الماضي، توصلت دراسة أخرى، نشرتها مجلة "نيو إنغلاند" الطبية، إنه وبجانب عدم فاعلية "هيدروكسي كلوروكين"، في المساعدة على شفاء مرضى كورونا، فإن ذلك الدواء لا يعمل على منع العدوى أيضاً.

وكانت منظمة الصحة الدولية، قد أعلنت في النصف الثاني، من يونيو من العام الماضي، وقف الفرع الخاص بعقار هيدروكسي كلوروكين في تجربة "التضامن" الرامية إلى إيجاد علاج فعال لمرض كورونا، وذلك استناداً للبيانات العلمية المستمدة، التي أكدت أن العقار لا يؤدي إلى خفض معدل الوفيات.

المزيد من تقارير