Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل في مصر بعد تصريحات إثيوبية عن "تعثرات فنية" تواجه سد النهضة

تشكيك وحذر بعد إعلان وزير الري في أديس أبابا عن عدم القدرة على تنفيذ الارتفاعات المطلوبة لإتمام عملية الملء الثاني

حذر في مصر بعد تصريحات عن عدم قدرة أديس أبابا على المضي قدماً بالتنفيذ الكامل لعملية الملء الثاني لسد النهضة (أ ف ب)

استقبلت الأوساط المصرية بكثير من "التشكيك والحذر"، تصريحات وزير الري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، في شأن عدم إنجاز بلاده بعض الأعمال الهندسية في جسم سد النهضة بما يتوافق واحتياجات عملية الملء الثاني، "المتنازع في شأنها" مع دولتي المصب، مصر والسودان، والمقررة في موسم الفيضان الجديد في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) المقبلين.

وبحسب ما نقلته وكالة "فانا" الإثيوبية، يوم السبت، فقد أخبر بيكيلي الحاضرين في مؤتمر بحثي بجامعة "أربا منش" بالجنوب الإثيوبي، أن بلاده ستبدأ في تنفيذ الملء الثاني للسد في 22 يوليو المقبل، وأنها في سباق مع الزمن للانتهاء من بعض الأعمال الهندسية في البوابات الـ13 قبل التخزين القادم، موضحاً أنه سيتم العمل على رفع الممر الأوسط إلى ارتفاع 573 متراً بدلاً من 595 متراً، "ما قد يعتبر غير مناسب لتنفيذ عملية الملء بالشكل الذي كان مخططاً له"، وفق متخصصين مصريين.

بين التشكيك والحذر

بينما لم ترد القاهرة رسيماً على كلام بيكيلي، أثارت تصريحات الأخير، التي جدد فيها إصرار بلاده على إتمام عملية الملء الثاني للسد، حتى من دون التوصل لاتفاق ملزم مع دولتي المصب، قائلاً إن "مصر لن تتضرر منه لنجاحها في تخزين 130 مليار متر مكعب من المياه خلف السد العالي"، وأنه من المقرر الانتهاء من سد النهضة في عام 2023، حالة من الجدل في أوساط المتخصصين والمعنيين بالملف في مصر.

وبين متفائل ومشكك بعدم قدرة أديس أبابا على المضي قدماً في التنفيذ الكامل لعملية الملء الثاني لسد النهضة المثير للجدل، والذي تنبيه على النيل الأزرق، تباينت ردود الفعل المصرية غير الرسمية، وفق ما صرح به متحدثون لـ"اندبندنت عربية"، وذلك في وقت أكد فيه المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، استمرار أعمال البناء والتشييد.

من جانبه، يقول وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، "علينا الحذر من التصريحات الإثيوبية المتضاربة وعدم التأثر بها كثيراً، لا سيما مع استمرار عمليات البناء والإصرار على الملء الثاني للسد بشكل أحادي".

وذكر علام، أن "تراجع أديس أبابا عن تعلية الجزء الأوسط من السد إلى منسوب 573 بدلاً من 595 متراً فوق سطح البحر، ليس مفاجأة لأنه السبيل الوحيد لاحتمال تجنب المواجهة مع مصر والسودان، ويكفي التعلية لمنسوب 565 متراً على الأكثر لضمان تشغيل التوربينات المنخفضة"، معتبراً أن تحركات القاهرة والخرطوم الأخيرة هي من قادت إلى هذه التصريحات. وأشار "علينا عدم التراجع عن خطواتنا لحماية مصالحنا المائية، وذلك في وقت لن تتراجع فيه أديس أبابا عن تنفيذ السد أو الملء الثاني، لكنها تنتظر تهيئة الأجواء لذلك".

وجاءت تصريحات وزير الري الإثيوبي، في أعقاب تصريحات لرئيس الوزراء آبي أحمد، أعلن فيها عزم بلاده بناء نحو 100 سد جديد في مناطق مختلفة في البلاد، لترد القاهرة على لسان المتحدث باسم خارجيتها بأن هذا التصريح "يكشف مجدداً عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسخّرة لخدمة مصالحها".

بدوره، اعتبر هاني رسلان، مستشار مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، أن تصريحات وزير الري الإثيوبي، جاءت إثر فشل بلاده الفني والإداري في سد النهضة، وهي ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مشاكل في عملية البناء، موضحاً أنه حتى في الملء الأول للسد العام الماضي تم تخزين كمية مياه أقل من المستهدفة.

وبحسب رسلان، فإن الملء الثاني لسد النهضة في ظل التطورات الأخيرة لن يزيد على 4 مليارات متر مكعب، وقد يكون ما بين 2 و3 مليارات متر مكعب، وهي نسبة أقل بكثير مما هو معلن من قبل أديس أبابا في شأن حجم المياه المقرر احتجازها في الشهرين المقبلين (نحو 13.5 مليار متر مكعب من المياه)، لا سيما مع النظر إلى أن بطء معدل التقدم في رفع الممر الأوسط للسد، وضيق الوقت المتبقي للفيضان، مشدداً في الوقت نفسه على أن موقف إثيوبيا السياسي لم يتغير، ولكن الحديث عن مشكلات فنية وإدارية في السد تؤدي لتأخر الانتهاء من إتمامه.

وفي تصريحات سابقة لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد أن بلاده ترصد تطورات السد كل ساعة، وتقيم الأوضاع، مشدداً على أن القاهرة لن تتنازل ولن تقبل وقوع الضرر عليها، وتحديد الضرر يتم من خلال الأجهزة المعنية في وزارة الري.

إلى ذلك، نقلت وكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية، عن غيتانة كيبيدي، رئيس إحدى الشركات المسؤولة عن عمليات البناء في سد النهضة، أن "إجراءات الملء الثاني للسد ستتم في موعدها خلال شهري يوليو وأغسطس"، موضحاً أن إجمالي عمليات البناء في السد تجاوزت الـ80 في المئة.

مصر تتحسس خياراتها

في الأثناء، جدد وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، حرص بلاده على استكمال المفاوضات، مع تأكيد ثوابت القاهرة في حفظ حقوقها المائية وتحقيق المنفعة للجميع في أي اتفاق عادل وملزم حول سد النهضة، ويلبي طموحات جميع الدول في التنمية.

وقال عبد العاطي، خلال لقاء، يوم السبت، جمع عدداً من النواب المصريين، إن أي فعل يتم اتخاذه من دون التوصل لاتفاق قانوني عادل وملزم ومن دون التنسيق مع دولتي المصب هو فعل أحادي مرفوض، موضحاً أن مصر تدعم التنمية في دول حوض النيل والدول الأفريقية؛ حيث أنشأت العديد من سدود حصاد مياه الأمطار ومحطات مياه الشرب الجوفية لتوفير مياه الشرب النقية في المناطق النائية البعيدة عن التجمعات المائية مع استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية في عدد كبير من الآبار الجوفية بما يسمح باستدامة تشغيلها.

وذكر عبد العاطي أن هناك تحديات ضخمة تواجه قطاع المياه في مصر، وعلى رأسها الزيادة السكانية والتغيرات المناخية، حيث من المتوقع حدوث زيادة بعدد السكان في مصر بنحو 75 مليون نسمة في عام 2050، وهو ما يمثل ضغطاً كبيراً على الموارد المائية في مصر، بالإضافة للتغيرات المناخية المتزايدة في ظل الارتفاع الملحوظ لدرجة الحرارة، فضلاً عما تشهده مصر من ظواهر جوية متطرفة وغير مسبوقة مثل الأمطار الشديدة التي تضرب مناطق متفرقة من البلاد، بالإضافة لارتفاع منسوب سطح البحر وتأثير ذلك السلبي الخطير على المدن والمناطق الساحلية، مشيراً إلى أن مصر من "أكثر دول العالم التي تعاني الشح المائي".

وتطالب مصر والسودان بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم قبل الملء الثاني لخزان سد النهضة خشية من أن يؤثر ذلك على حصتهما من المياه (55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي)، فيما تصر إثيوبيا على إنجاز المرحلة الثانية لتعبئة سد النهضة خلال موسم الأمطار حتى من دون التوصل لاتفاق، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح السودان ومصر، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية، ما قاد لارتفاع منسوب التوتر بين البلدان الثلاثة.

وفي مارس (آذار) الماضي قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل". وشدد في تصريحات لاحقة في 5 مايو (أيار)، خلال لقائه المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، على أن قضية سد النهضة الإثيوبي وجودية بالنسبة لمصر، التي لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها، ودعا إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وتجنيب المنطقة المزيد من التوتر وعدم الاستقرار.

المزيد من تقارير