Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم "بعبع" المصارف المركزية فكيف ستتم مواجهته؟

ارتفاع الأسعار يلوح في الأفق للمرة الأولى منذ عقود وصناع السياسة المالية يتبعون استراتيجيات متباينة

أدى انتشار كورونا إلى سحق الاقتصادات في جميع أنحاء العالم (أ ف ب)

ذات مرة، أدرك محافظو المصارف المركزية حول العالم ما يتعين عليهم فعله للتعامل مع التضخم. واليوم، يتصارعون مع العواقب الاقتصادية لفيروس كورونا. لقد انهار الإجماع على أفضل السبل لكبح جماح التضخم وخلق استقرار في الأسعار الآخذة في الارتفاع.

وبعد أعوام من تحديد أسعار الفائدة على أساس توقعات التضخم والسعي لتحقيق هدف يبلغ حوالى 2 في المئة، تتبع السلطات النقدية في جميع أنحاء العالم استراتيجيات متباينة، بحسب ما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

والأسبوع الجاري، حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم 38 دولة تمثل 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، من أن "اليقظة مطلوبة"، إلا أن أي محاولة لرفع أسعار الفائدة يجب أن تكون معتمدة على الدول وموجهة بالتحسينات المستمرة في أسواق العمل.

يأتي ذلك في وقت لا تزال علامات ضغوط التضخم الدائمة والتغيرات في موقف السياسة المالية غامضة للغاية، فكل مصرف مركزي كبير بإمكانه اليوم القول إن سياسته تلبّي المعايير، إذ غيّر مصرف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي موقفه لإعطاء مزيد من المساحة لكبح التضخم وأعطى أولوية أكبر للتوظيف.

بينما يجد المصرف المركزي الأوروبي نفسه متورطاً في خلاف في شأن نسبة تسامحه مع أي تجاوز للتضخم، فيما يكافح مصرف اليابان عبثاً من أجل الانتعاش في ظل التوقعات بنمو أسعار المستهلكين.

دائماً ما كان دفق التضخم في الصيف أمراً لا مفر منه بمجرد أن بدأ تخفيف إجراءات الإغلاق. وقبل عام، أدى انتشار كورونا إلى سحق الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية وحتى إلى خفض تكلفة برميل النفط في الولايات المتحدة إلى ما دون الصفر.

سياسة مالية حذرة

وبينما كان التحول في استراتيجية الولايات المتحدة هو الأكثر جذرية، حين أعلن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول، العام الماضي، عن إطار عمل نقدي جديد. تسعى عقيدة المصرف المركزي الأكبر في العالم إلى الابتعاد عن عقود من الزيادات الوقائية في أسعار الفائدة لدرء الضغوط التضخمية المحتملة مع السعي بإصرار إلى التوظيف الكامل. وهي استراتيجية تقول إنها ستفيد مزيداً من الأميركيين، بمن في ذلك العمال ذوو الأجور المنخفضة ومجموعات الأقليات.

وسيسمح للتضخم بتجاوز هدف 2 في المئة لبعض الوقت بعد فشل طويل الأمد، في محاولة لضمان توقعات الشركات الأميركية بأن تظل أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة، بالتالي ستنفق بدلاً من الادخار. أحد دوافع الاحتياطي الفيدرالي هو تجنب تكرار موقفه بعد الأزمة المالية، عندما أدى تشديد السياسة إلى إبطاء التعافي.

وقالت محافظة الاحتياطي الفيدرالي لايل برينارد، الثلاثاء، "إنني منتبهة للمخاطر على جانبَي هذا المسار المتوقع". وأضافت أنها ستراقب بيانات التضخم بعناية للتأكد من أنها لم تتطور "بطرق غير مرحب بها". ولكنها أيضاً ستكون منتبهة لمخاطر التراجع في وقت مبكر جداً. وحذرت برينارد من الاتجاهات السابقة للوباء المتمثلة في "أسعار فائدة متوازنة منخفضة" وتراجع الاتجاه الأساسي للتضخم.

لكن المنتقدين قلقون من أن استراتيجية الاحتياطي الفيدرالي قد تم تصميمها لعالم من السياسة المالية الحذرة، وليس لعصر الوباء والاقتراض والإنفاق الهائل، وأن هذا قد يتركه وراء المنحنى إذا تصاعدت ضغوط الأسعار.  وكانت الزيادة السنوية البالغة 3.1 في المئة يوم الجمعة في مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي عززت بعض تلك المخاوف.

مصرف اليابان وتجاوز التضخم

يسعى مصرف اليابان إلى التزام تجاوز التضخم على مدى الأعوام الخمسة الماضية، لكنه لم يقترب حتى من هدفه البالغ 2 في المئة. ومن اللافت أن القليل تغيّر بعد الوباء، إذ إن التضخم لا يلوح في الأفق في أي مكان ونمو الإنفاق بطيء. لقد باتت الأسر والشركات اليابانية مقتنعة بأن التضخم سيظل قريباً من الصفر، ما يجعل من المستحيل على مصرف اليابان تحقيق هدفه.

وقال هاروهيكو كورودا، محافظ مصرف اليابان في خطاب ألقاه أخيراً إن "تشكيل توقعات التضخم في اليابان يتأثر بشدة ليس بمعدل التضخم الملحوظ في ذلك الوقت فحسب، إنما بالتجارب السابقة والمعايير التي تم تطويرها في هذه العملية أيضاً".

مراجعة "المركزي الأوروبي" وجدال حاد

في غضون ذلك، ينخرط صانعو السياسة في منطقة اليورو في جدال حاد، بينما يجري المصرف المركزي الأوروبي مراجعة لسياسته الخاصة التي سيتم الإعلان عن نتائجها في سبتمبر (أيلول) المقبل. وقال أولي رين، عضو المجلس كمحافظ للمصرف المركزي الفنلندي، أخيراً، "من وجهة نظر الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، من المنطقي قبول فترة معينة من تجاوز التضخم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن إيزابيل شنابل، المديرة التنفيذية للمصرف المركزي الأوروبي، حذرت من أن ذلك سيكون محفوفاً بالمخاطر. وقالت الشهر الماضي إنه على الرغم من أنه ينبغي للمصرف المركزي ألا يبالغ في رد فعله إذا تجاوز التضخم بعد الركود، إلا أنها "متشككة" في استهداف متوسط التضخم بشكل رسمي خلال فترة محددة.

وسألت "كم من الوقت يجب أن تكون الفترة التي يتم فيها حساب المتوسط؟ ما المقدار الذي يجب توصيله من ذلك؟ وقالت "أنا شخصياً لا أعتقد أننا يجب أن نتبع مثل هذه الاستراتيجية".

أدوات فاعلة

وبالنسبة إلى بعض الاقتصاديين، فإن هذه الخلافات خارجة عن الموضوع، فالسياسة النقدية أصبحت ممتدة لدرجة أن محافظي المصارف المركزية يفتقرون إلى الأدوات الفاعلة للقيام بالمزيد.

وقال ريتشارد بارويل، رئيس قسم أبحاث الماكرو في "بي إن بي باريبا" لإدارة الأصول، إن المصرف المركزي الأوروبي "نفدت ذخيرته" تقريباً، وبينما ارتفع التضخم في منطقة اليورو في مايو (أيار) أعلى بقليل من هدفه الذي يقترب من 2 في المئة ولكن أقل من 2 في المئة، فإنه سيتخذ سياسة مالية طموحة أو ببساطة سيتسلح بالحظ للقيام بذلك لفترة طويلة.

وتابع بارويل، "ما لم يكن هناك بعض الحوافز المالية الضخمة في طريقها للأسواق الأوروبية على غرار ما فعله بايدن أو في حال تبددت الرياح المعاكسة للتضخم فجأة، فإن مقدار التحفيز النقدي اللازم لرفع التضخم إلى أعلى من 2 في المئة هو أبعد مما يمكن فعله، وهذا يترك الاحتياطي الفيدرالي وحده أمام خيار صعب في الأشهر المقبلة".

ويستعد صانعو السياسة لفتح نقاش ينهي بعض الدعم، لكنهم لم يظهروا أي علامة على التردد في إطار سياستهم الجديدة، ويصرون على أن ارتفاع التضخم الأخير من المرجح أن يكون مؤقتاً وليس مستداماً.

وفي الأسبوع الماضي، قال نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي راندال كوارلز إن إطار العمل مصمم للعام الحالي مع "نمو بطيء للقوى العاملة، ونمو محتمل أقل، وتضخم أساسي أقل، بالتالي انخفاض أسعار الفائدة". وأضاف "لست قلقاً في شأن العودة إلى السبعينيات".

المزيد من اقتصاد