Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبح فاوتشي ضحية الصراع الحزبي في الولايات المتحدة؟

نشر رسائل إلكترونية ونظرية تسرب كورونا من مختبر ووهان الصيني عززت الشكوك حوله

فاوتشي متحدثاً خلال مؤتمر صحافي بتاريخ 13 أبريل 2021 في البيت الأبيض (أ ب)

على مدى أكثر من عام، ظل أنتوني فاوتشي، أكبر طبيب للأمراض المُعدية في أميركا، شخصيةً مفزعة ومثيرة للقلق بالنسبة للمحافظين، الذين شككوا في طريقة تعامله مع جائحة كوفيد -19 واتهموه بتقويض حكم الرئيس السابق دونالد ترمب بطريقة هادئة، إلا أن هجمات اليمين المحافظ اتخذت، أخيراً، مستوى غير مسبوق وصلت إلى حد اتهام فاوتشي بأنه "كاذب وفاسد ومجرم حرب"، والمطالبة بإقصائه من منصبه والتحقيق معه، فهل كانت رسائل البريد الإلكتروني التي كُشف عنها قبل أيام هي وحدها سبب تلك الهجمات، وكيف تحول فاوتشي من شخصية تحظى بالتقدير والاحترام إلى متهم تُثار حوله الشبهات؟

هجوم كاسح

في غضون ساعات من نشر رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بأنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية في الولايات المتحدة، استجابة لطلب وسائل الإعلام وفق قانون حرية المعلومات، كان أحد الهشتاغات (الوسوم) على موقع "تويتر" يتهم فاوتشي بالكذب تحت القسم بشأن أصل وباء كوفيد-19.
كما تصدرت رسائل فاوتشي "ترندات" شائعة على موقع "فيسبوك" أيضاً، بعد ما أضاف منتقدوه معلومات غير دقيقة وأكثر شناعة تقول إن رسائل البريد الإلكتروني سُربت سراً على الرغم من أنها نُشرت علناً ولم تكن سراً من أسرار الدولة.

واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بجولة جديدة من الهجمات على شخص فاوتشي لدرجة أن بعضهم وصفوه بأنه "مجرم حرب"، لا بل إن السيناتور الجمهوري راند بول الذي يُعد أحد أكثر منتقدي فاوتشي في الكونغرس، سارع إلى نشر إعلان على "فيسبوك" يطالب فيه بإقصائه وجمع التبرعات لتمويل حملة ضده.

ردود فاوتشي

وذهبت مجموعة أخرى من المحافظين، إلى الزعم بأن البريد الإلكتروني لفاوتشي كشف أنه ساند نظرية تسرب الفيروس من مختبر ووهان في الصين، كما كذب بشأن أقنعة الوجه كي يحوز سلطة سياسية أكبر. لكن ذلك لم يكن صحيحاً بحسب فاوتشي، الذي قال إنه عبّر عن اعتقاده بأنه من المرجح أن ينتقل الفيروس من حيوان إلى إنسان، ولم يستبعد حدوث تسرب للفيروس في المختبر. كما أنه قلل في البداية من الحاجة إلى الأقنعة، نظراً لأنه كان يخشى ألا تتمكن الفرق الطبية من الحصول على الأقنعة إذا أقبل الجمهور على شرائها في حالة من الذعر.

سبب الاستهداف

وبدا الواضح أن سرعة وطبيعة الهجمات الجديدة ضد أكبر طبيب للأمراض المُعدية في الولايات المتحدة، سلطت الضوء على قدرة فاوتشي على تحريك المحافظين ضده بعد نحو خمسة أشهر من ترك الرئيس السابق دونالد ترمب منصبه، وذلك بعد ما وجهوا أسئلة صعبة للسياسيين والأطباء وضعتهم في حيرة من أمرهم، حول ما إذا كان ينبغي عليهم الدفاع عن فاوتشي وبأي مقدار وكيف سيكون رد الفعل ضدهم إذا تجاهلوا هذه الأسئلة.

ويخشى مراقبون احتمال أن يقوض استهداف فاوتشي الثقة في المؤسسات العلمية ويجعلها تبدو حزبية، شأنها شأن الجامعات ووسائل الإعلام التي يُنظر إليها الآن بشكل متزايد على أنها حزبية أيضاً.

وفي حين أن تجاهل هذه الهجمات ليس الخيار الأفضل عندما يكون هذا الخطاب منتشراً على نطاق واسع، فحتى لو تم تفنيد هذه المزاعم في النهاية، فإن أفضل استراتيجية يمكن أن يتخذها البيت الأبيض وفاوتشي الآن، هي المضي قدماً في نشر سياق إيجابي بديل والتركيز على توزيع اللقاحات.

معضلة البيت الأبيض

لكن تطور النقاش حول هذه المزاعم، وضع البيت الأبيض أمام معضلة، إذ كان عليه أن يختار بين صد هذه الهجمات بالدفاع عن فاوتشي، ما يعني المخاطرة بزيادة الجدل حولها، أو تجاهلها والافتراض أنها تكتسب جاذبية فقط لدى جمهور لن يثق أبداً في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأي حال.

ويوضح ذلك موقف المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، حين اكتفت بوصف فاوتشي بأنه "قيمة لا يمكن إنكارها"، وأنها تفضل أن يرد هو بنفسه على هذه المزاعم. كما لم يعلق روب فلاريتي، مدير الإعلام الرقمي في البيت الأبيض، على الهجمات ضد فاوتشي، موضحاً أن البيت الأبيض يرد بانتظام على المعلومات الكاذبة ويوازن أيضاً بين ما إذا كانت ردوده ستفاقم من نشر المعلومات الخطأ أو تقضي عليها تماماً.

في خضم المعركة

وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين ذوي الاختصاصات المهنية في الولايات المتحدة كالأطباء، لا يصبحون عادة جزءاً من الصراعات السياسية، فإن الدور البارز الذي اضطلع به فاوتشي ووجوده في قلب أزمة وباء خطير، وتدفق المعلومات بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي، كان كفيلاً بخلق الظروف المثالية لأن يجد نفسه في خضم معارك سياسية مريرة.

فبينما حاز فاوتشي على إعجاب الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء طوال تاريخه المهني، وفاز بثقة الناس بسبب تواصله بصراحة مع الجمهور حول الأوبئة المعقدة عالية الخطورة وقضايا الصحة العامة، فإن حياته أصبحت أكثر صعوبة بدءاً من ربيع عام 2020، حين انتشر وباء كورونا في الولايات المتحدة، وأكد الرئيس السابق دونالد ترمب مع الأيام الأولى لتفشي الوباء، أنه يعمل بشكل جيد مع فاوتشي، لكنه نادراً ما كان يخفي غيرته منه بعد ما اكتسب الأخير شهرة واحتراماً عالميَين.

بصيرة ترمب

ولهذا لم يكن غريباً إعلان ترمب أن قراراته وأحكامه بشأن كوفيد-19 أثبتت أنها "أكثر بصيرة" بمرور الوقت، مثل دعوته المبكرة لتعليق حركة السفر مع الصين، لكنه في الوقت ذاته استهزأ وبشكل متكرر من إرشادات السلامة العامة التي روّج لها فاوتشي، حتى أصبحت طرقهما ومناهجهما المتباينة، وجهاً ساطعاً للتعاطي السلبي المثير للانتقاد والجدل من قبل ترمب مع الوباء.

ولم يؤد نشر رسائل فاوتشي الإلكترونية إلا إلى المزيد من العداء من قبل ترمب، الذي أصدر بياناً قال فيه إن "أميركا محظوظة لأنني لم أفعل ما أراده الدكتور فاوتشي، فقد أغلقت الحدود أمام الصين في وقت مبكر جداً على الرغم من عدم رغبته في ذلك. وحينها وصفني الديمقراطيون ووسائل الإعلام المزيفة بكراهية الأجانب، وكان هذا القرار في النهاية منقِذاً للحياة، وحينما أغلقت حدودنا مع أوروبا وبعض البلدان المصابة بشدة، نسبوا الفضل إليّ، بمن فيهم فاوتشي، لأنني أنقذت مئات آلاف الأرواح".

هجمات شخصية

غير أن انتقاد ترمب لفاوتشي لا يُقارَن بقوة الحملة الشرسة التي لاحقت المختص الأول بالأمراض المعدية على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام اليمينية المحافظة، بحسب تحليل أجراه صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة. وكشف التحليل أن الهجمات عبر الانترنت حولت فاوتشي إلى شخصية مفزعة لتناولها ادعاءات بأنه فاسد ومجرم حرب ويستحق السجن. وكان السبب جزئياً في ذلك، انتشار مواضيع مضلِّلة على مواقع التواصل بشأن تصريحاته حول ارتداء الأقنعة وإجراءات صحية أخرى. وجاءت أهم المشاركات عن فاوتشي على "فيسبوك" من السيناتور الجمهوري راند بول، وعدد من مشاهير مقدمي البرامج المحافظين بمَن فيهم بن شابيرو، ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس السابق، وستيفن كراودلر ودان بونغينو، فضلاً عن شبكة الأخبار "نيوزماكس" الموالية لترمب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إعلانات ضد فاوتشي

ووفقاً لنشرة بولي بولبيت، فقد أنفق الجمهوريون وذوو الميول المحافظة 300 ألف دولار على إعلانات في "فيسبوك" تستهدف فاوتشي، الذي كان قبل 7 سنوات خلال أزمة وباء "إيبولا"، أكثر الناس مصداقية حين يتحدث إلى الأميركيين عبر شاشات التلفزيون، بحسبما أشار رون كلاين رئيس موظفي البيت الأبيض حالياً، والذي كان الشخص الأول المسؤول عن مواجهة "إيبولا".

لكن في بلد دائم الاستقطاب، وقع فاوتشي ضحية القبلية والصراع الحزبي السياسي، حينما واجه المحافظون دعوته إلى ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي بانتقادات لاذعة في جميع أنحاء البلاد، حيث أطلقوا احتجاجات ضد ارتداء الأقنعة وطالبوا بفتح الاقتصاد متشجعين بمواقف ترمب. كما أدت توقعات فاوتشي حول المدة الزمنية لتطوير اللقاح والجدول الزمني لإعادة فتح البلاد إلى تفجر انتقادات بأن خبرته مبالغ في تقديرها.

 صيغ تآمرية

وتحولت نبرة الهجمات إلى صيغة تآمرية حين رجح تاكر كارلسون مذيع شبكة "فوكس نيوز"، أن يكون فاوتشي قيد التحقيق بسبب تنقيح تم في البريد الإلكتروني الخاص به، ما جعل الديمقراطيين يتهمون الجمهوريين بأنهم يستخدمون ذات المحاولات التي اتبعوها في عام 2020 لتقسيم الشعب الأميركي وإلهائه بفكرة الترويج للخوف والمعلومات المضللة بدلاً من تعديل استراتيجيتهم لتصبح أجندتهم السياسية معبرة عن الأولويات وتحسين المجتمع.  

وفي قلب الانتقاد الحالي ضد فاوتشي، جاء طلب الرئيس بايدن من أجهزة الاستخبارات تقديم تقرير في غضون 90 يوماً حول نظرية تسرب الفيروس من مختبر ووهان في الصين عن طريق الخطأ أو عن قصد، لتشتعل هذه النظرية من جديد بين الجمهوريين ووسائل الإعلام اليمينية والتي ظلت بدرجة ما مستمرة، منذ بداية الوباء حتى مع إصرار العلماء ومنهم فاوتشي على أن فيروسات كورونا بكافة أشكالها أصبحت شائعة بشكل متزايد.

نظرية التسريب

واستمر تفاقم الضغط باتجاه التحقيق في نظريات التسريب من مختبر ووهان الصيني، ما دفع البيت الأبيض في عهد ترمب إلى المطالبة في أبريل (نيسان) 2020 بأن تلغي المعاهد الوطنية للصحة منحة بملايين الدولارات إلى شركة "إيكوهيلث آلاينس" وهي منظمة تدرس أصل فيروس كورونا كانت تعاونت في الماضي مع مختبر ووهان.

غير أن رسائل البريد الإلكتروني التي تم تبادلها في أبريل 2020 بين فاوتشي وبيتر دازاك الرئيس التنفيذي لشركة "إيكوهيلث آلاينس"، والتي نُشرت خلال الأيام الماضية وفقاً لقانون حرية المعلومات، أصبحت فجأة محور تركيز منظري المؤامرات بعد ما تبين أن دازاك وجه الشكر لفاوتشي لأنه رفض نظريات تسرب الفيروس من مختبر ووهان. 

وأصبحت النظريات حول تسرب فيروس كورونا من مختبر علم الفيروسات في ووهان خطاً ثابتاً في استجواب المشرعين الجمهوريين في الكونغرس خلال الربيع الماضي. وسرعان ما تحولت إلى تبادلات مثيرة للجدل بين فاوتشي وراند بول، عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، خلال الاستجوابات، حيث وجه راند بول اتهامات إلى فاوتشي بأنه غيّر من القواعد العلمية الخاصة بفيروس كورونا، الأمر الذي نفاه الأخير.

وسارع بول، الأربعاء الماضي، إلى اتهام فاوتشي بأنه كان يعلم أن مختبر ووهان أجرى دراسات بحثية مثيرة للجدل بغرض تغيير الفيروسات بطريقة تجعلها أكثر قدرة على الانتقال وتساعدها على القفز من مصاب لآخر، لكن مسؤولين في المعهد الوطني للصحة أكدوا أن السيناتور بول يأخذ الرسائل الإلكترونية خارج سياقها.

المزيد من متابعات