Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة السودانية تفاوض في جوبا عبد العزيز الحلو المتمسك بعلمانية الدولة

تشديد من قبل كل الأطراف على أهمية التوصل إلى سلام شامل يحقق آمال السودانيين

تظاهرة شعبية في الخرطوم للمطالبة بالعدالة لضحايا الاحتجاجات، الخميس 3 يونيو الحالي (أ ف ب)

تستضيف مدينة جوبا، عاصمة جمهورية جنوب السودان، هذه الأيام المفاوضات المباشرة بين الحكومة الانتقالية في السودان، والحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو، للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي حالة الصراع في منطقة جنوب كردفان، ويقود إلى الاستقرار الكامل في البلاد.
فهل بإمكان وفد التفاوض الحكومي إحداث اختراق جديد عبر التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع "الحركة الشعبية - شمال"، في ظل تمسكها بعلمانية الدولة، وما الآثار السياسية التي يمكن أن يحدثها هذا الاتفاق على الصعيد الداخلي أي وحدة السودان، بخاصة أن هناك مجموعات رافضة لمبدأ العلمانية، وهل سيتوافق اتفاق الحكومة والحركة الشعبية في حال حدوثه مع رؤية الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا أم سيحدث شرخ قد يهدم عملية السلام بأكملها؟

جدل قديم

ويشير الناطق الرسمي باسم "حزب المؤتمر السوداني" نور الدين بابكر، إلى أن "الجدل حول فصل الدين عن الدولة في السودان قديم، لكن ما يجري الآن من نقاش بين وفد الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال حول هذه القضية وغيرها من قضايا مهمة، قطع شوطاً كبيراً، حيث أشار إعلان المبادئ الموقع بين الجانبين بوضوح إلى علمانية الدولة السودانية، وما يعزز هذا الإعلان أن أكثر من 90 في المئة من مكونات قوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية) مؤيدة لهذه الخطوة، بالتالي فإن هذه القضية ليست عائقاً في التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين".
واستبعد بابكر أن يسبب اتفاق فصل الدين عن الدولة أزمة سياسية بالنظر لمعارضة قوى وجماعات إسلامية لهذا التوجه، مؤكداً أنه "لن تكون هناك عودة إلى المربع الأول مهما كلف الأمر، بل كان مناسباً طرح مسألة العلمانية في هذا الوقت، باعتبارها قضية مهمة لها علاقة بالتنوع الذي تحظى به البلاد".
وعبر بابكر عن اعتقاده بأن "الوثيقة الدستورية التي تحكم السودان حالياً، تشير إلى علمانية الدولة، وتنص بوضوح على حق المواطنة"، لافتاً إلى أن "البلاد بهذا الاتفاق، تسير في الاتجاه الصحيح، في ظل التراجع الكبير لقوى سياسية عدة عن مواقفها المتشددة، حيث أصبح خطابها أكثر عقلانية، لذلك يجب على الجميع حكومة وشعباً دعم قضية فصل الدين عن الدولة، والتصدي لكل الهجمات المعادية لاستقرار البلاد، من خلال تشويش الرأي العام، تحقيقاً لمصالحها الذاتية".
وتابع "أظن من حيث المبدأ، أن هناك إرادة قوية من الطرفين للتوصل إلى اتفاق مهما كانت العوائق، لكن قد تظهر نقاط اختلاف في مسألة الترتيبات الأمنية، والتنمية في مناطق سيطرة الحركة الشعبية شمال، وتقاسم السلطة والثروة، فضلاً عن الالتزام بعدم تجاوز اتفاق سلام جوبا، وهو ما يتطلب قيام توأمة حتى لا يحدث خلل في ذلك الاتفاق، لأن أي اتفاق سلام جديد مع أي من الحركات المسلحة التي لم توقع اتفاق السلام الأول، سيعقد المشهد لأن الحكومة تكون قد قطعت شوطاً بعيداً في التزاماتها وحلولها للقضايا المختلفة". وأوضح الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني، أن "ما جرى من نقاش بين الجانبين خلال جلسات التفاوض، وما تضمنته الورقة المبدئية محل التفاوض، يؤكد أن هناك تقارباً كبيراً، ما يجعل الوصول إلى اتفاق سلام ممكناً، لكن بعد وقت من الزمن".

مؤتمر دستوري

في سياق آخر، رأى رئيس حزب الأمة القومي السوداني المكلف، فضل الله برمة ناصر، أن "السلام مع الحركة الشعبية شمال أمر مطلوب، وملح، لكن ما يجري نقاشه وطرحه في المفاوضات الجارية الآن بين الحكومة السودانية والحركة، بخاصة ما يتعلق بمسألة فصل الدين عن الدولة، مكانه المؤتمر الدستوري المزمع إقامته قبل انتهاء الفترة الانتقالية، وليس في منبر جوبا للسلام، لأن هذه القضية الوطنية تهم كل السودانيين وليس فئة معينة من الشعب"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر تناوله مؤتمر أسمرة للقضايا المصيرية بوضوح، الذي عقد في عام 1995، حيث توافقت كل القوى السياسية السودانية الرئيسة على اعتماد المواطنة أساساً للحقوق والواجبات، دون النظر إلى ما يسمى الدولة العلمانية أو الدينية".
ودعا ناصر، إلى "عدم الزج بالقضايا المصيرية في منابر في غير مكانها لكيلا تعرقل خطوات الاستقرار الذي ينشده المواطن السوداني الذي عانى كثيراً من ويلات الحروب والأزمات المتلاحقة، فضلاً عن الالتزم بمهمات ومدى الفترة الانتقالية المنصوص عليهما في الوثيقة الدستورية"، منتقداً في ذات الوقت "عدم مشاركة الأحزاب السياسية في ما يجري من مفاوضات مع الحركة الشعبية شمال، باعتبار أن الأحزاب تمثل الشارع السوداني".

خطوة مهمة

في المقابل، اعتبر الناطق الرسمي باسم "التحالف السوداني" حذيفة محيي الدين البلول، أن "استئناف المفاوضات مع الحركة الشعبية شمال بقيادة القائد عبد العزيز الحلو يشكل خطوة مهمة لاستكمال ما تبقى من جهود لشمول اتفاق السلام كل الأطراف"، لافتاً إلى أن "الحلو جزء من منبر جوبا للسلام، فضلاً عن أنه من الملتزمين بالعملية السلمية، لذا فإن الوصول إلى اتفاق سلام معه مهم للغاية، من منطلق أنه يعزز الاستقرار والأمن في البلاد، ولن يكون خصماً للاتفاق الذي تم مع الجبهة الثورية في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بخاصة ما يعني قضية منطقتَي جنوب كردفان، والنيل الأزرق".
وزاد البلول "لا نرى أن ثمة تشاكساً قد يحدث مستقبلاً خصوصاً أنه أثناء المفاوضات مع الجبهة الثورية كنا ننظر إلى هذه القضية بأفق بعيد حتى لا تحدث تناقضات في المستقبل، فالاتفاق الإطاري وضع معالم وخريطة طريق للمفاوضات، بالتالي لن يكون هناك تعارض مع اتفاق جوبا للسلام، بل إن ذلك يعزز الاتفاق".
وأعرب الناطق الرسمي باسم "التحالف السوداني" عن تطلعه لتوسيع منبر جوبا ليشمل بقية الأطراف التي ما زالت غائبة، وفي مقدمهم رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، مبيناً أنه "في ما يلي الاتفاق الإطاري، والحديث عن فصل الدين عن الدولة، فإن هذا النص لم يرد صراحة في الاتفاق الذي وقِّع في جوبا في مارس(آذار) الماضي، بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، إذ يمثل النص المتفق عليه تطلعات أهل السودان وقواهم السياسية التي توافقت على ذات النصوص في مؤتمر أسمرة للقضايا المصيرية، وهو نص يشير إلى عدم إقحام الدين في السياسة وضمان حرية الاعتقاد والتدين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تواصل المفاوضات

في غضون ذلك، تتواصل حالياً في جوبا، جلسات التفاوض المباشر بين وفدي الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية شمال، لمناقشة مسودة الاتفاق الإطاري المقدم من الحركة، بعد أن رد الوفد الحكومي عليها، وذلك بمشاركة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية (يونتامس)، وبحضور كبير من المجتمعَين الدولي والإقليمي.
وبحسب مقرر لجنة الوساطة الجنوب سودانية، ضيو مطوك، فإن "المباحثات بين الطرفين حول مسودة الاتفاق الإطاري تسير بصورة جيدة، وهناك تقدم ملحوظ حول البنود التي تضمنتها المسودة".
وأشار مطوك إلى أنه "من الممكن أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق إطاري، يتم التوقيع عليه في السادس من يونيو (حزيران) الحالي بحسب السقف الزمني المحدَد لذلك، حيث سيُمنح الوفدان مهلة أسبوعين لإتاحة الفرصة لهما لمزيد من التشاور". ولفت مطوك، إلى أن "الوساطة قدمت للطرفين اللوائح المنظمة لإجراءات التفاوض بعد تحديثها لمواكبة المستجدات على الساحة"، منوهاً بأنها "تُعد خطوة مهمة في عملية التفاوض، وضمان عدم نشر أي وثائق أو تسريبات حول الحوار والتفاوض، قد تؤدي إلى انهياره".
وحض مقرر لجنة الوساطة على "بث الروح الإيجابية الداعمة للسلام، وعدم الالتفات إلى الشائعات التي من شأنها إعاقة العملية التفاوضية"، مبيناً أن "أعداء السلام هم مَن يسعون إلى القيام بهذه الممارسات الخطأ التي تهدف إلى إفشال عملية السلام برمتها"، مشيراً إلى أن "الخاسر الأكبر من هذه الأفعال هو الشعب السوداني".
وبشأن التحفظات التي قدمتها "الحركة الشعبية شمال"، بناءً على رد الحكومة السودانية على مسودة الاتفاق الإطاري، صرح مطوك بأنه "ما من تحفظات جوهرية من قبل الحركة الشعبية، بل يوجد إصرار من الطرفين على عبارات معينة لإدراجها في صلب الاتفاقيات، ومن الممكن إيجاد حل لها". موضحاً أن "الاتفاق الإطاري هو توسيع لإعلان المبادئ الذي تم التوقيع عليه بين الجانبين في جوبا في مارس الماضي".

البديل هو الحرب

وكان رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك أكد في افتتاح محادثات السلام مع "الحركة الشعبية شمال"، الذي انطلق في 31 مايو (أيار) الماضي بجوبا، أن "البحث عن السلام يظل أولوية بالنسبة لنا، والوصول إليه واجب. والسلام كان شعار من شعارات ثورة ديسمبر (كانون الأول)، التي جاءت بدورها كثمرة لنضالات الشعوب السودانية مجتمعة منذ عقود". وأضاف حمدوك "لا بد لنا من تذليل كل الصعاب ومجابهة التحديات من أجل تحقيق السلام، وذلك لأن البديل هو النزاع والحرب، فإذا نجحنا في تحقيق السلام، سننجح في رد الحقوق، وتأكيد المساواة السياسية والاجتماعية بين السودانيين، وسننجح في تحقيق التنمية المتوازنة، وتوفير العدالة الاجتماعية، فهذا ما يصنع الرضا بين الناس فيلتفتون إلى العمل والبحث عن الرفاهية والرخاء، والعدالة الاجتماعية التي ننشدها".
وتابع حمدوك "أقول للإخوة في الحركة الشعبية شمال، إن المسؤولية الملقاة على عاتقنا مسؤولية تاريخية، فنحن لا يجب أن ننظر إلى اتفاقنا هذا، كإجراء سياسي يحقق أجندة سياسية، بل يجب أن ننظر إليه كفرصة لوضع بلادنا على المسار الحقيقي والآمن نحو المستقبل، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن ملايين السودانيين ينتظرون هذا الاتفاق لأنه يعطيهم فرصة الحياة والأمل".
من جهته، دعا رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور إلى "الانضمام لقافلة السلام". وقال "نحن على أتم الاستعداد لوضع كل القضايا على طاولة الحوار، ليكون حواراً سودانياً- سودانياً، من أجل الشعب السوداني".

المزيد من العالم العربي