Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استخراج هيئة الصحة البريطانية سجلات المرضى يمثل انتهاكا للخصوصية

يجري تبرير انتهاك خصوصية البيانات الشخصية بالحاجة إلى تعزيز البحوث الطبية وتحسين طرق التخطيط الخاص بخدمات الصحة. لكن مدى دقة تفاصيل البيانات الموجودة في هذه السجلات الشخصية سيكون مغرياً إلى درجة تجعل من الصعب مقاومتها من قبل البعض

"إننا نتحدث هنا عن تفاصيل دقيقة يمكن أن تشتمل على الجوانب الأكثر خصوصية في حياتك" (رويترز)

ليس من الممكن توجيه اللوم إلى أحد بسبب عدم معرفته أن أمامه فرصة تنتهي في 23 يونيو (حزيران) الجاري كي يطلب استثناءه من واحدة من أكبر عمليات انتهاك المعلومات الخاصة في التاريخ البريطاني. ومن الممكن أن يتعرض الكثيرون إلى هذا الاعتداء على بياناتهم الشخصية والخاصة، إذ يقترح الذراع الرقمي لـ"خدمة الصحة الوطنية" الرقمي (أن أتش أس) استخراج التاريخ الطبي المحفوظ لكل مريض في عيادة طب عام  في إنجلترا حتى 1 يوليو (تموز). وقد صدر هذا الإعلان خلسة من دون أي صخب في 6 أبريل (نيسان) الماضي، بناء على طلب مات هانكوك وزير الصحة.

ويجري تبرير انتهاك خصوصية البيانات الشخصية بالحاجة إلى تعزيز البحوث الطبية وتحسين التخطيط الخاص بخدمات الصحة. يبدو هذا المبرر منطقياً وجديراً بالثناء للوهلة الأولى. لكن ما إن تبدأ بالتنقيب في التفاصيل والتفكير بما يعنيه ذلك بالفعل، حتى يتغير هذا الانطباع الأول. وبالنسبة لمن لا يعرفون شيئاً عن الموضوع، فإن الدافع وراء هذه المحاولة ليس حب الغير والرغبة المحضة في مساعدتهم، باعتبار أن هناك إرشادات مرافقة لهذه الاقتراحات إلى التهم التي يمكن أن توجه إلى جهة ما بسبب الوصول إلى البيانات.

وأخشى أن يكون مدى دقة تفاصيل البيانات الموجودة في السجلات الشخصية مغرياً إلى درجة تجعل من الصعب مقاومتها من قبل البعض. وهذا لا يتعلق فقط بعدد المرات التي زرت فيها الطبيب العام، بل إلى الأسباب التي دعتك إلى زيارته. إننا نتحدث هنا عن تفاصيل دقيقة يمكن أن تشتمل على الجوانب الأكثر خصوصية في حياتك والتي لا يعرف أحد شيئاً عنها. من هذه الأمور على سبيل المثال، عادات شرب الكحول والتدخين، وما إذا كان الشخص ضحية للعنف المنزلي، أو إذا كان يعاني من مشكلة تتصل بالصحة النفسية، أو من حالات لها علاقة بالصحة الجنسية فضلاً عن تفاصيل مخالفات وجرائم جنائية قد ارتكبها. وإضافة إلى هذا كله، قد تضم هذه البيانات أيضاً مسائل صحية بشكل لا لبس فيه مثل أمراض السكري، والقلب، أو السرطان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن هذه كلها  تعتبر معلومات من النوع الذي تستميت شركات الدواء والتأمين، على سبيل المثال لا الحصر، كي تحصل عليه، إذ إنها تتمتع بقيمة مادية نظراً إلى أنها لا تتوافر كيفما اتفق، بل يجري الاحتفاظ بها في مكان وحيد. وتعتبر الـ"أن أتش أس" عملياً الجهة التي تحتكر توفير المعلومات. وقد تمت استشارة الهيئات الطبية بشأن فكرة استخراج سجلات بيانات المرضى الخاصة، بيد أنها لم تبدِ حماسة لها، كما شددت على الالتزامات القانونية التي ينبغي على الأطباء والمؤسسات الطبية التقيد بها. ويعود عدم تقديمهم الدعم للفكرة إلى أنهم يدركون كم أن الخيار الذي تشتمل عليه لجهة توفير ضمانة للمرء من خلال إتاحة الفرصة له بطلب استثنائه من هذا المشروع، هو خيار لا يمكن الركون إليه، نظراً إلى أن 86  في المئة من طلبات الاستثناء هذه قد قوبلت بالرفض في مارس (آذار) الماضي.

ومن الواضح أن أي تهديد للخصوصية والسرية هو أمر مهم بالنسبة لـ55 مليون شخص مسجلين سلفاً في عيادات أطباء عامين. وقد اتسمت علاقة بعض هؤلاء الملايين من الناس مع مؤسسات الرعاية الصحية بالهشاشة فعلاً، ولن يكون الكثيرون منهم مسرورين بالسماح للشركات التي تبدي استعدادها لدفع الأجر المطلوب أن تنتهك بياناتهم الخاصة.

وكما كتب جوليان تيودور هارت، وهو طبيب عام كان يمارس المهنة في منطقة الوديان الويلزية في سبعينيات القرن الماضي، في مجلة "ذا لانست"، فإن أصحاب أكبر الحاجات الصحية هم أقل من يسهم في عرقلة عمل خدمات الصحة. وإن جمع المعلومات المتعلقة بحياة الأشخاص الخاصة وعرضها للبيع بالكاد يمثل طريقة لإغواء هؤلاء الذين يبدون سلفاً بعض التردد في التعامل مع هيئات الرعاية الصحية. وإن قانون تيودر هارت الآنف الذكر عن العلاقة العكسية بين الرعاية الصحية ومن يتلقونها، لا يزال قائماً حتى اليوم. وسيكون أولئك القادرون على تحمل نفقات الرعاية الصحية الخاصة أقل الناس تأثراً بهذا المشروع الجديد. غير أن هؤلاء الأكثر فقراً وحرماناً سيجدون الآن المزيد من الأسباب التي تجعلهم يشعرون بالقلق حيال الخدمات الصحية، وذلك إما لأنهم لا يستطيعون التحكم  بأوضاعهم الصحية الشخصية، وإما لسبب أسوأ يتمثل في أنهم لا يثقون سلفاً بهذه الخدمات. وهذا على الرغم من أن هؤلاء الناس هم من أصحاب أكبر الحاجات الصحية، كما هي الحال مع الأشخاص الرحّل الذين لا يستقر بهم مقام في مكان واحد، والمهاجرين  والمشردين ممن ينامون في العراء، على سبيل المثال.

كن على يقين أن الإرشادات التي تتضمنها الاقتراحات غامضة إلى حد يسمح بوجود مجال كاف لتجاوز أهداف المشروع المعلنة بشأن تحسين طرق التخطيط الخاص بالرعاية الصحية، وتقديم معلومات قيّمة للجهات التجارية. ومن الصعب تصميم طريقة أكثر فعالية من هذه للوصول إلى المعلومات المتعلقة بحياة الناس الشخصية من دون أن يكونوا على علم بوصولك هذا نهائياً، على الرغم من الثمن الذي سيدفعونه بسبب ذلك. وهذا هو الانتهاك الأكثر جرأة لحرمة المعلومات الشخصية، الذي تتوافر فيها ضمانات قليلة لحماية الأفراد ويتم تنفيذه بطريق غاية في الخداع. ومن المحزن أن قلة من الناس سيلاحظون حصوله قبل فوات الأوان.     

© The Independent

المزيد من تحلیل