Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شح السيولة الأجنبية يضرب البنوك القطرية ويهدد تمويل المشروعات الكبرى

الدوحة تتجه إلى أسواق الدين محليا عبر السندات والاقتراض المباشر من الخارج

وكالة ستاندرز آند بورز للتصنيف الائتماني خفضت من تصنيف قطر (أ.ب.ا)

مع اقتراب دخول العام الثالث من المقاطعة الرباعية لدولة قطر، تظهر بيانات رسمية، أن تحسن السيولة الأجنبية لدى البنوك القطرية لم يكن بالقدر الكافي الذي يلبي تطلعات النظام القطري في توفير التمويلات اللازمة للمشروعات الكبرى بالبلاد، إلا أن احتياطيات الدوحة الكبيرة تؤمن جزءاً من الاحتياجات المطلوبة للوفاء بالالتزامات الضرورية.

ويأتي تراجع السيولة رغم الإجراءات الحكومية للدوحة والتي تهدف من خلالها إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الودائع الخارجية بالقطاع المصرفي، ولمواجهة الآثار السلبية للمقاطعة.

وفي 5 يونيو (حزيران) 2017، أعلنت أربع دول عربية (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) مقاطعة الدوحة إثر اتهامات للأخيرة بدعم جماعات إرهابية والعمل على زعزعة استقرار الدول الأربع المقاطعة، وهي التهم التي تنفيها قطر، الدولة الخليجية الصغيرة والغنية بالغاز، فيما ترد الدوحة على أن المقاطعة ما هي إلا محاولة للتأثير على قرارها السيادي. وترتب على المقاطعة آثار سلبية اقتصاديا وسياسيا على الدوحة، إضافة إلى حظر النقل الجوي والبري مع هذه الدول.

وفي مارس (آذار) 2018، أظهر تقرير رسمي لصندوق النقد الدولي،  تخارج نحو 40 مليار دولار على شكل ودائع لمقيمين وأجانب واستثمارات من البنوك العاملة في السوق القطرية، منذ قرار المقاطعة، إلا أن تدخل القطاع الحكومي أسهم في تخفيف الأثر والحفاظ على استقرار النظام المصرفي للبلد الغني بالغاز.

ووفقاً لتقديرات أرقام النقد الأجنبي داخل المصارف بالدوحة فإن البنوك تعاني نقصاً حاداً في السيولة، وأظهرت بيانات حديثة صادرة عن مصرف قطر المركزي، انخفاض التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاع العام في قطر بنسبة وصلت لـ 7% على أساس سنوي في مارس (آذار) الماضي، مما عكس تراجع السيولة، وما يترتب على ذلك من تأثر التمويل المقدم للمشروعات الحكومية الكبرى التى يأتي أغلبها ضمن استعدادات تنظيم كأس العالم 2022.

وحسب البيانات، وصل إجمالي قروض القطاع العام القطري نحو 343.45 مليار ريال (94.4 مليار دولار) حتى نهاية مارس الماضي، مقارنة بنحو 369.36 مليار ريال (101.53 مليار دولار) بالشهر المماثل من 2018، ومن شأن تراجع القروض الممنوحة من بنوك قطر التأثير على السيولة المالية للحكومة من جهة، وعلى مشاريع البنية التحتية التي قد تشهد تباطؤاً مع غياب السيولة الأجنبية.

انخفاض ودائع القطاع العام

كما شهد شهر مارس الماضي انخفاضاً في ودائع القطاع العام بالعملة الأجنبية إلى 144.9 مليار ريال قطري (40.2 مليار دولار أمريكي)، من 164.9 مليار ريال (45.8 مليار دولار) بالشهر السابق له.

وفي اتصال لـ "اندبندنت عربية" مع المسؤولين في بنك قطر الأول للتعليق على ماورد في التقارير الاقتصادية العالمية حول ازمة النقد الأجنبي، اعتذر المسؤولون بعدم الرد بقولهم " إن إدارة البنك لا ترغب في الحديث عن هذا الموضوع ".

 وفي تصريحات سابقة، نفى محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، بشكل قاطع وجود أزمة سيولة لدى الجهاز المصرفي القطري "بأي شكل من الأشكال". وقال في بيان نشره على موقع مصرف قطر المركزي: إنه "يكفي للتدليل على توافر السيولة لدى النظام المصرفي القطري، الإشارة إلى أن ودائع البنوك لدى المصرف حالياً تزيد على 39.3 مليار ريال (10.8 مليارات دولار). كما نفي آل ثاني  معاناة بعض أسواق قطر من تراجع الشراء جراء وجود أزمة سيولة لدى المصارف القطرية . ورغم إنكار محافظ مصرف قطر المركزى لوجود أزمة سيولة في بلاده، فإن تقارير المصرف نفسه تظهر غير ذلك، حيث تشير بيانات حديثة صادرة عن المصرف أن نسبة العجز بين المطلوبات المستحقة على البنوك القطرية بالعملة الأجنبية، وما تملكه نحو 94%، وهي نسبة كبيرة جدا تجعل من تجاهل هذه الأزمة وإنكارها أمراً غير مفهوم. وكانت الصدمة الأكبر للاقتصاد القطري هي إعلان مؤشر هشاشة الدول في 2018، والصادر عن مؤسسة   ‪Fund for Peace، والذي صنف قطر ضمن البلدان الأقل استقرارا فى العالم والأكثر هشاشة خلال 2018.

ورغم المحاولات لاستيضاح المسؤولين في البنك المركزي القطري حول ذلك، إلا أنهم لم يردوا على الاتصالات ". 

تصنيف الوكالات الدولية لقطر يؤكد وجود الأزمة

إلى ذلك يشير مختصون إلى أن أزمة السيولة النقدية من الصرف الأجنبي كانت واضحة  في تصنيف الوكالات العالمية لتؤكد ما نفاه المصرف المركزي ورئيسه، وتجدد التأكيد على معاناة السوق المحلية من هذه الأزمة المتصاعدة والتي لم تبدأ مع بداية المقاطعة العربية لقطر بل سبقتها بأشهر طويلة.

ولم تنتظر قطر طويلًا حتى أكدت ما تحاول نفيه على لسان مسؤوليها فأعلنت في مارس الماضي إصدار ثاني أكبر سندات  في تاريخها، بقيمة 12 مليار دولار، وذلك لحل أزمة شح السيولة التي تعاني منها منذ 2017، وقبل أشهر من المقاطعة العربية لها.

يشار إلى أنه يعمل في قطر نحو 19 بنكاً، تتوزع إلى 7 بنوك تجارية، و5 إسلامية، إضافة إلى 7 فروع لمصارف أجنبية بإجمالي 1.452 تريليون ريال (399 مليار دولار) بنهاية مارس الماضي. وحقق صافي الموجودات الأجنبية للبنوك القطرية عجزاً بقيمة 208.83 مليار ريال (58 مليار دولار) بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بعجز 198.912 مليار ريال (55.3 مليار دولار) بنهاية العام الماضي، علما بأنه كان يبلغ 127.4 مليار ريال (35.4 مليار دولار) بنهاية 2017.

وبنهاية الربع الأول، بلغت قيمة الموجودات الأجنبية لمصارف الدوحة نحو 251.6 مليار ريال (70 مليار دولار)، يقابلها مطلوبات بقيمة 460.45 مليار ريال (128 مليار دولار). وكان لتراجع السيولة أثر على هبوط سوق الأسهم بنسبة 1.9% على الرغم من التسهيلات الكبيرة المقدمة لاستقطاب المستثمر الأجنبي وتعديل نسبة تملك الأجانب بالأسهم المدرجة لترفعها من 25% إلى 49%.

وفي ظل ما تواجهه الحكومة القطرية والبنوك المحلية من شح في السيولة المالية، لجأت إلى أسواق الدين المحلية (سندات، أذونات، صكوك)، أو اللجوء إلى قروض مباشرة من الأسواق الدولية.

ارتفاع قيمة أدوات الدين الحكومية

وحسب رصد "اندبندنت عربية"، ارتفعت قيمة أدوات الدين الحكومية المصدرة محلياً خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 164% لتسجل 10.7 مليار ريال (2.9 مليار دولار)، مقابل 4.05 مليار ريال (1.12 مليار دولار) في الربع المماثل من 2018. ودفعت أزمة السيولة الأجنبية في قطر إلى لجوء الحكومة للأسواق العالمية على مدار عامين (2018 و2019)، وقامت بإصدار سندات بقيمة إجمالي 24 مليار دولار، مقسمة إلى 12 مليار دولار في كل عام.

اللجوء إلى أسواق الدين الدولية أدى إلى ارتفاع الدين الخارجي لقطر إلى 156.4 مليار ريال (43.5 مليار دولار) بنهاية 2018، مقارنة بنحو 114.24 مليار ريال (31.7 مليار دولار) في العام 2017، بزيادة 37%، حسب بيانات المركزي القطري.

وزاد من معدل استنزاف النقد الأجنبي من البنوك القطرية حرص النظام على الحفاظ على قيمة الريال، خاصة بعد تراجعه فور إعلان المقاطعة العربية لقطر في يونيو (حزيران) من العام 2017، وهروب الاستثمارات من قطر إلى أسواق أكثر استقراراً.

وبحسب تقرير لوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، فقد ضخت قطر نحو 38.5 مليار دولار من احتياطياتها البالغة نحو 340 مليار دولار في الاقتصاد لامتصاص أثر المقاطعة العربية. كما أودع جهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق الثروة السيادي لقطر، مليارات الدولارات في البنوك القطرية للحيلولة دون معاناة تلك البنوك من نقص في التمويل بعدما سحبت بنوك أجنبية ودائع وقروض من قطر بعد إعلان المقاطعة العربية.

توسع المصارف في الاقتراض من الخارج

وكذلك دفعت أزمة السيولة المصارف القطرية إلى التوسع بالاقتراض من الخارج، وكان في مقدمة البنوك بنك قطر الوطني- أكبر بنك حكومي في البلاد- الذي اقترض مؤخراً 850 مليون دولار عبر إصدار سندات فورموزا في شهر أبريل (نسيان)، بالإضافة إلى سندات بمليار دولار في الشهر السابق له.

وقامت قطر بسحب عشرات مليارات الدولارات من استثماراتها الأجنبية لتثبيت سعر عملتها، بعد تعرض الريال لهزات في أسواق العملات العالمية في العامين الماضيين.

ورفعت الدوحة قبل أسابيع، دعاوى قضائية ضد ثلاثة بنوك عربية ودولية متهمة إياها بالتسبب في خسائر بمليارات الدولارات لاقتصادها الوطني.

وجاء في وثائق الدعاوى أن البنوك الثلاثة عملت على المضاربة بالعملات الأجنبية، بغرض إضعاف الريال القطري، في أعقاب المقاطعة العربية ضد قطر في يونيو عام 2017.

ورفعت القضايا الثلاث في كل من لندن ونيويورك ضد بنك هافيلاند الذي يتخذ من لوكسمبورغ مقراً له، وبنك أبو ظبي الأول بدولة الإمارات وبنك سامبا في السعودية، وفقاً لوثائق قدمتها قطر، وبيان أصدره مكتب الاتصالات الحكومي في القطري.

وتجدر الإشارة إلى أن احتياطيات قطر من السيولة الأجنبية لدى البنك المركزي يحقق نوعا من الأمان المالي باحتياطيات تقدر بنحو 51 مليار دولار بنهاية مارس 2019، فضلا عن الأصول الضخمة لدى الصندوق السيادي والتى تقدر بنحو 320 مليار دولار مما يجعل انهيار الاقتصاد الغني بالغاز الطبيعي المسال أمراً مستبعداً في الوقت الراهن.

 

المزيد من اقتصاد