اشتقتُ كثيراً إلى السفر على متن طائرات شركة "فلايبي" Flybe. لقد مر حوالى 15 شهراً على توجهي إلى مطار بيرمنغهام، وسط إشاعات عن أن أكبر شركة طيران إقليمية في المملكة المتحدة لن تنجو من العاصفة، وهذا ما حصل بالفعل. ففي الساعة الثانية من صباح الخامس من مارس (آذار) 2020، أبلغت الشركة الركاب الذين حجزوا رحلات على متن طائراتها في ذلك اليوم، الرسالة الآتية، "يُرجى من فضلكم عدم التوجه إلى المطار لأن رحلتكم قد ألغيت".
ومع اكتشاف أكثر من ألفي موظف مميز أنهم فقدوا عملهم، ألغيت جميع رحلات المغادرة المستقبلية المجدولة على متن طائرات الشركة التي تتخذ من مدينة "إكستر" مقراً لها. وفي الوقت نفسه، وألغيت أيضاً خطط سفر مئات آلاف الركاب الذين لديهم تذاكر حجز آجلة.
من جهتي، بدأتُ السفر مع شركة الطيران هذه عندما كان اسمها ما زال "جيرزي يوروبيان" Jersey European، وكانت تقوم ببعض أعمال "التأجير شامل الخدمة" Wet Lease (توفر الشركة المالكة للجهة المستأجرة الطائرة إضافةً إلى فرد أو أكثر من طاقمها) لشركة "الخطوط الجوية الفرنسية" "إير فرانس" لنقل ركاب الشركة الفرنسية ما بين مدينة تولوز في فرنسا ومطار هيثرو في لندن. وكانت قد فاتتني تلك المرحلة الوجيزة عندما عملت الشركة تحت اسم "بريتش يوروبيان" British European، لكنني ما لبثت أن عدت إلى استخدام رحلاتها مرةً جديدة عندما تم اعتماد "فلايبي" اسماً رسمياً للشركة مع ظهور "عصر عناوين الإنترنت URL".
بلغت شركة الطيران "فلايبي" الذروة من حيث الفاعلية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2010، عندما طرحت أسهمها للجمهور، وبلغت قيمتها في السوق لفترة وجيزة آنذاك نحو ربع مليار جنيه استرليني (355 مليون دولار أميركي). لكن يا للأسف، فمع وصولها إلى حافة الانهيار، كان تقييمها في السوق يوازي تقريباً الصفر.
وإذا ما احتسب ثمن بطاقة السفر على متن طائراتها، فإن كل فرد منّ استخدم رحلات "فلايبي" في العام الأخير من عمر الشركة، حصل على دعم يصل إلى 20 جنيهاً استرلينياً (28.5 دولار) عن كل رحلة من جانب المساهمين فيها، بمن فيهم شركة "فيرجين أتلانتيك" Virgin Atlantic التي رأت استثمارها الذي يفوق 100 مليون جنيه استرليني (142 مليون دولار) يتبخر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أحد شركاء "فلايبي" هو "سايرس كابيتال" Cyrus Capital قام بشراء علامتها التجارية، وهو يعد بإعادة تعويم شركة الطيران وإحيائها، بدءاً من الرحلات الجوية التي تربط ما بين مطار هيثرو ومطاري أبردين وإدنبره في اسكتلندا، من خلال استخدام حقوق هبوط وإقلاع في المطارات تعود إلى فترة استحواذ شركة "الخطوط الجوية البريطانية" (بريتش إيرويز) على شركة "بي أم آي" BMI في عام 2012. ومن شأن هذا التطور أن يطرح تحدياً تنافسياً مرحباً به بالنسبة إلى شركة "بريتش إيرويز" لرحلات الطيران ما بين لندن وشرق اسكتلندا، لكن قد يكون من الصعب رؤية أي مكان آخر يمكن فيه لشركة "فلايبي" المولودة من جديد، أن تحصل على حصة معقولة في سوق النقل الجوي للركاب.
محلل شؤون الطيران شون مولتون كتب أخيراً مدونةً رأى فيها أن إخفاق شركة "فلايبي" كان مفيداً لمطار كان يعتمد عليها بشكل بارز في السابق، وهو مطار "جورج بست بلفاست سيتي" George Best Belfast City. فقبل انهيار الشركة، كان يتم حجز سبعة من كل 10 مقاعد على متن طائرات "فلايبي" تنطلق من المطار الإيرلندي الشمالي، إذ كانت تسيّر أربع رحلات من أصل خمس (ويعود هذا التفاوت إلى أن طائرات "فلايبي" هي أصغر حجماً من طائرات من طراز "إيرباص" تمتلكها الخطوط الجوية البريطانية).
ويضيف مولتون في مدونته قائلاً، إن مطار "بلفاست سيتي" أصبح أقل اعتماداً على شركة طيران واحدة. فهو بات يتعامل الآن مع كل من شركة "إيسترن إيرويز" Eastern Airways و"بريتش إيرويز سيتي فلاير" BA CityFlyer، و"إير لينغس ريجيونال" Aer Lingus Regional، إلى جانب شركة "لوغان إير" Loganair التي تُعد الآن أكبر شركة طيران في المملكة المتحدة على المستوى الإقليمي. وقد عاودت شركة "رايان إير" Ryanair للتو مزاولة عملياتها في القارة الأوروبية.
وكتب مولتون، "لقد أصبح المطار (الإيرلندي الشمالي) أكثر قدرةً وكفاءةً على التكيف والتعامل مع العوامل الخارجية الطارئة. فإذا ما انهارت شركة طيران أخرى، يجب أن يكون المطار على استعداد كاف يمكنه من التعافي وتخطي الأزمات".
يُضاف إلى ذلك أن "عدم الاعتماد على شركة طيران واحدة، يعطي المطار مساحةً أكبر في التفاوض على صفقاته مع شركات الطيران".
تقول الحكمة التقليدية، إن خسارة منافس مهم في سوق الطيران المدني يخلف بالتأكيد تبعات سيئة تمس المستهلكين. لكن على الرغم من أن فقدان موظفين خبراء ومؤهلين في مجال الطيران مصدر رزقهم يشكل واقعاً مأسَوياً، فإن تجارب تاريخ قطاع الطيران تشير إلى أن إزالة شركات خاسرة (أو تعتمد على الدعم)، تؤدي على المدى الطويل إلى نشوء سوق أكثر سلامةً وصلابة، يكون فيها كبار اللاعبين المتنافسين قادرين على تحقيق إيرادات ومنافع عدة لقاء تقديمهم خدمات ذات قيمة مميزة، بحيث تشكل القدرة على التوسع القاعدة الأساسية.
يبقى أنه في ظل النكبات المتوالية التي يواصل فيها وباء فيروس كورونا ضرب صناعة الطيران، قد يكون من السابق لأوانه التكهن كيف يعتزم الركاب على متن الخطوط الإقليمية مواصلة رحلاتهم في المملكة المتحدة. لكن المؤشرات تبدو إيجابية.
© The Independent