Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ادوارد ج. روبنسون... نجم "هوليوود" المضاد

أدوار ثانوية لصاحب الملامح القاسية والنظرات القاتلة والوشاية المشينة

إدوارد ج. روبنسون في مشهد من فيلم "قيصر الصغير" (موقع الفيلم)

عملياً لم يقم الممثل الهوليوودي إدوارد ج. روبنسون بالبطولة المطلقة في أكثر من فيلم أو فيلمين يبدوان كجزيرتين نائيتين في فيلموغرافيا تضم ما لا يقل عن أسماء مئتين أو مئتين وأربعين فيلماً قام فيها بأدوار ثانوية وغالباً بأدوار إجرامية، علماً بأن العدد الأكبر من تلك الأفلام قد طواه النسيان منذ زمن بعيد. لكن النسيان لم يطو روبنسون نفسه، حيث كثيراً ما يحدث حين يدور الحديث عن "هوليوود" وعصرها الذهبي، أن يذكر هذا الممثل الشرس الملامح حتى بأكثر مما يذكر نجوم من الصف الأول. بل إن الرسام المكسيكي الكبير دييغو ريفيرا حين رسم تلك الجدارية الضخمة عن "الوحدة الأميركية" التي تحدثنا عنها في هذه الزاوية قبل أيام، أفرد لروبنسون مكانة أساسية فيها إلى جانب تشارلي شابلن وبوليت غودار، بوصفهم يمثلون الدور الهوليوودي في مسار الثقافة الأميركية دون غيرهم. وربما يمكن هذا الاختيار أن يمعن في طرح السؤال حول سر المكانة التي كانت لهذا الممثل. ولكن قبل التوقف عند هذا السؤال، قد يتعين علينا أن نشير إلى أن ريفيرا الذي رسم لوحته عام 1940، كان من شأنه أن يمحو صورة روبنسون منها لو أنه تأخر في رسمها عشر سنوات أخرى. وذلك ببساطة لأن روبنسون تحول خلال تلك السنوات من "مناضل سياسي" كان له باع في قضايا الاشتراكية والنضال النقابي والعدالة الاجتماعية أيام روزفلت، إلى واش برفاقه اليساريين، يخدم مصالح لجنة السناتور ماكارثي السيئة السمعة. غير أن هذه حكاية أخرى بالطبع، فحين رسم ريفيرا اللوحة ومجد فيها صاحب الأدوار الثانوية وأدوار الشر بشكل باغت كثراً، كان ربنسون لا يزال يشكل "ظاهرة تقدمية" في "هوليوود". بل كان لا يزال محاطاً بالنور الذي غمره به دوره البطولي في "قيصر الصغير" ذلك الفيلم الذي قام ببطولته المطلقة كما أشرنا.

سينما الدرجة الثالثة

ومع ذلك حتى ولو أن "قيصر الصغير" سيعتبر فيلماً كبيراً في مسيرة روبنسون، فإن المجد الهائل الذي حققه هذا الأخير طوال عقود من السنين اعتبر خلالها ملكاً غير متوج على أفلام الإجرام وأدوار المجرمين والقتلة بل حتى "أفلام الدرجة الثالثة" سيبقى مديناً لتلك الأدوار ولتلك السمعة التي رافقت روبنسون حتى النهاية وربطته بـ"هوليوود" الشعبية. وفي هذا السياق قد يمكن اعتبار "قيصر الصغير" الاستثناء الذي يثبت القاعدة. إذ حتى في هذا الفيلم ولو أنه كان بطله المطلق، لعب روبنسون الدور المعتاد نفسه، الدور الذي أحب له الجمهور أن يلعبه دائماً: دور البطل – المضاد، فكل ما في الأمر أن البطولة باتت معقودة هنا لبطلها - المضاد. بالتالي فإن روبنسون وقد أضحى "قيصراً صغيراً"، لم يغير شيئاً لا من نظراته القاسية ولا من لكنته الحاسمة ولا من تصرفاته التي يفترض أن تكون كريهة، لكنها وُظّفت هنا لخدمة شخصية ترتبط بفعل الخير لا بفعل الشر. بل لعل اللافت هنا هو أن إدوارد ج. روبنسون تفوق في هذا الفيلم، دوراً وأداءاً ومن ناحية تفاعل الجمهور معه، على واحد كان يعد نجم نجوم في "هوليوود" حينها: دوغلاس فيربانكس، محققاً أعجوبة هوليوودية صغيرة، قد تماثل على سبيل المقارنة، أن يتفوق توفيق الدقن على كمال الشناوي في واحد من أفلام العصر الذهبي للسينما المصرية!

خرق ظريف لنظام النجوم

ويعيدنا هذا على أية حال إلى تلك "الأعجوبة الهوليوودية" لنرى أنه إذا كان نظام النجوم قد اعتبر على الدوام أساساً من أساسات نجاح السينما الهوليوودية، وقطباً جاذباً لمئات الملايين من المتفرجين الذين كانوا يقصـدون الصالات للتفرج على أبطالهم  (والتماهي معهم بالتالي) أكثر مما يقصدونها لمتابعة أحداث الفيلم وحبكته، فإنه سيـكون من عدم الإنصاف اعتبار النجوم وسينما النجوم كل شيء. فالسينما (أميركية أو غير أميركية) كانت، وتظل أوسع من هذا بكثير. بل إن الممثل نفسه كان يعرف، في مساره وتنوع أعماله، تنويعات كثيرة، فهناك النجم (وهو القطب الغالب بالطبع) الذي يؤتى به دائماً للعب على ما له من مكانة وسمعة خارج عمله الفني نفسه، إذ يحول أولاً إلى أسطورة، ثم تحول الأسطورة إلى سلعة. وهناك الممثل بالمعنى الحصري للكلمة، أي ذلك الفنان الذي (من دون أن يكون نجماً مشعاً) يلعب أدواراً خالدة تبقى هي أكثر مما يبقى هو، في ذاكرة المتفرجين، وربما ينبض الدور نفسه بالفيلم ويدخله تاريخ السينما من بابه الواسع (جاك نيكلسون في فيلم "واحد طار فوق عش الوقواق" مثلاً)، وهناك أخيراً "الدور" أي "الكاراكتر"، وتعني الشخصية التي يؤديها فنان معين، وتظل ملتصقة به من فيلم إلى آخر فيعرف بها ونادراً ما يبرحها. وتاريخ "هوليوود" حفل بالأنواع الثلاثة، ولكن حضور النوع الثالث كان الأكثر تميزاً والأقل إثارة لاهتمام الباحثين. وهنا لا بد أن نذكر أن هذا التقسيم نفسه ينطبق على السينما المصرية إلى حد كبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عالم من المنسيين

ولعل من السمات الأساسية التي تميز أصحاب "الكاراكتر"، هو أنهم يكونون منسيين، يغلفهم "الدور" الدائم الذي يلعبونه طوال حياتهم، ثم حين يتوقفون أو يرحلون، يصار إلى استذكارهم واستعادة ملامح عبقريتهم الفنية ثم... ملامحهم الشخصية نفسها وقد تخلصت من ثقل الأقنعة القديمة. ولعل إدوارد ج روبنسون يوفر لنا خير مثال على هذا، هو الذي رحل عن عالمنا عام 1973. وتذكرته "هوليوود"، فقط، بعد رحيله لتكرمه (متأخرة) عبر جائزة أوسكار لا تنسى احتفلت بإبداعه السينمائي ككل.

وروبنسون كان، على أي حال "بطلاً - مضادا" ساعدته على أن يكونه ملامحه القاسية وحدّة نظراته وشكله الجسماني المرعب. من هنا كان لأفلامه معجبون من نوع خاص، وكان هؤلاء المعجبون يتراكضون لمشاهدة فيلم لروبنسون حتى قبل أن يقرأوا عنوان الفيلم. ولقد كان من قوة حضور هذا الفنان، ومن ظلم الباحثين له، أن حُقق فيلم عن حياته (كان في الأصل مسرحية كتبت عن تلك الحياة بعنوان "ماني") كشف جزءاً من أواليات العمل في "هوليوود" بشكل شديد المرارة.

أجنبي كمعظم أهل "هوليوود"

ولد ادوارد ج. روبنسون في بوخارست (رومانيا) في عام 1893 لعائلة هاجرت بعد ذلك إلى نيويورك، وكان في العاشرة من عمره. وادوارد كان في الخامسة عشرة حين قرر أن يصبح ممثلاً فترك الدراسة والتحق بالمسارح عاملاً، حتى تمكن من أن يصبح ممثلاً مسرحياً في برودواي التي عمل فيها حتى عام 1930. أما أول احتكاك له بعالم السينما فكان عام 1923 في فيلم صامت، غير أن بدايته السينمائية الحقيقية كانت مع السينما الناطقة، حيث قام ببطولة فيلم "قيصر الصغير"، وعلى الفور برز الفيلم وبرز دوره فيه. بل إن ذلك الدور أسس بسرعة لنموذج رجل العصابات القاسي ذي النظرات الحادة واللهجة اللئيمة. ولقد ظل ادوارد ج. روبنسون يلعب ذلك الدور طوال حياته، حتى وإن كان قد أتيح له أن يبارحه بين الحين والآخر للعب أدوار أكثر تنوعاً. ولكن المشكلة أن الجمهور راح يرفض تلك الأدوار مصراً على أن يشاهد هذا الممثل في الدور المعهود عنه.

ولقد واصل روبنسون مساره السينمائي حتى العام الأخير من حياته، حيث مثل في عديد من الأفلام، وكان مشهوراً عنه أنه يسيطر تماماً على المشهد الذي يمثل فيه بحيث يصعب على المتفرج أن يرى غيره من الشخصيات إن وقفت في مواجهته. ومن بين أشهر الأفلام التي مثل فيها ذلك الهوليوودي المخضرم، "سكار فيس" و"عدو الشعب" و"رسالة الدكتور ارليك السحرية" (1940) و"تعويض مضاعف" (1944) و"الوصايا العشر" (1956) و"فتى سنسناتي" (1956)... كما أنه عاد في عام 1956 مرة وحيدة إلى برودواي حيث قام ببطولة مسرحية حققت نجاحاً بعنوان "في منتصف الليل".

المزيد من ثقافة