ستة أشهر باتت تفصل ليبيا عن موعد الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية، المقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ولا يزال مصير هذه الانتخابات محفوفاً بالشكوك والمخاوف من إمكان تأجيلها عن موعدها المحدد، بسبب تأخر أطراف الأزمة في حسم بعض القواعد القانونية والاستحقاقات التي تتمم الاتفاق السياسي.
ووسط هذه الظروف الصعبة، تسابق المفوضية العليا للانتخابات الزمن للتجهيز لموعد الاقتراع، وتواصل التنسيق مع أطراف وجهات محلية عدة ذات علاقة مباشرة بها، على الرغم من ضبابية المشهد التي دفعت رئيسها لإطلاق تصريح مقلق، حذّر فيه من تزايد احتمال تأجيل الموعد الانتخابي بسبب الظروف السياسية في البلاد حالياً.
تجهيزات متواصلة
في المقابل، عقدت اللجنة المشتركة للتجهيز للانتخابات الليبية المشكّلة من المفوضية العليا للانتخابات ومفوضية المجتمع المدني اجتماعات تحضيرية استمرت ثلاثة أيام، كشفت في ختامها عن خطة لمراقبة الانتخابات المقرر في نهاية العام الحالي. وأوضحت اللجنة في بيان، أن "الخطة ترتكز على تدريب مراقبين وفق المعايير والضوابط القانونية المتبعة في عمل مفوضية الانتخابات، إضافة إلى وضع آليات لتنفيذ الخطة المقترحة والتركيز على أهمية هذه المراقبة في نزاهة وشفافية عملية الاقتراع".
في السياق ذاته، واصلت المفوضية توفير المواد اللازمة لمراكز الاقتراع، إذ أرسلت قافلة من المعدات الانتخابية إلى مكتبي الإدارة الانتخابية في بنغازي وسبها، عاصمتي الجنوب والشرق، ومنها ستنقل إلى مراكز الاقتراع الفرعية. وبحسب بيان صادر عن المفوضية، "انطلقت القافلة تحت إشراف قسم الدعم اللوجستي، وتحمل شحنة من مواد انتخابية بينها صناديق الاقتراع وأرقام لوحات مراكزها، وبعض التجهيزات المكتبية".
وتابعت، "تأتي هذه الخطوة في إطار التحضيرات للاستحقاق الانتخابي، وتوفير مخزون استراتيجي من المواد التي تحتاج إليها مكاتب الإدارة الانتخابية لضمان جاهزيتها فور الإعلان عن انطلاق عملية الاقتراع".
نقص في الموارد المالية
أهم العقبات التي تواجهها المفوضية حالياً للتجهيز للانتخابات العامة، نقص الدعم المالي الذي اشتكى منه أكثر من مرة رئيس مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، بخاصة مع تعثّر إقرار الموازنة العامة للحكومة الموحدة، بعد رفضها مرتين من قبل البرلمان في طبرق.
وقال رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح في تصريحات صحافية، إن "المفوضية تعتمد في تحضيرها للاستحقاق المقبل على موازنة مخصصة من الحكومة السابقة قدرها 50 مليون دينار (10.4 مليون دولار)"، منبهاً على أن "هذه الموازنة لا تكفي لإجراء الانتخابات المقبلة".
وأضاف أنها "قدرت استناداً إلى كلفة إجراء انتخابات مجلس النواب في 2014، وفي ذلك الوقت كان سعر الدولار يساوي 1.40 دينار تقريباً، لكن سعر صرف العملة الليبية تراجع بشكل كبير جداً الآن، وارتفعت قيمة الدولار أكثر من الضعفين".
وحذّر من أن "المبالغ المخصصة لن تفي باستكمال العملية الانتخابية، وقد تكفي عملية التحضير لها فقط"، مشيراً إلى أن هذه الموازنة يصرف منها على إعادة تأهيل مكاتب المفوضية على مستوى ليبيا بالكامل، إضافة إلى إعادة تأهيل وتدريب العناصر التي ستنخرط في العملية الانتخابية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت السايح أن "المفوضية لم تتواصل حتى الآن مع حكومة الوحدة الوطنية في شأن المبالغ الإضافية"، مرجعاً السبب إلى "الضبابية حول نوع العملية الانتخابية، وهل هي رئاسية وبرلمانية أم برلمانية فقط، فيما تجرى الانتخابات الرئاسية بالأسلوب غير المباشر".
وتابع، "في حال تقرّر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، فإن ذلك سيتطلب تخصيص مبالغ إضافية إلى مفوضية الانتخابات، وأنه إذا تقرر إجراء انتخابات رئاسية على جولتين فلا بد من رفع الكلفة بنحو 70 في المئة". وبيّن السايح أن "المفوضية ستقدم تقديراتها حول المبالغ الإضافية بمجرد اعتماد الموازنة، ووضوح الرؤية حول مستقبل ونوع العملية الانتخابية".
الرئاسي يدعم المفوضية
من جهة ثانية، شدد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، على ضرورة البدء فوراً في التحضير للانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها نهاية العام، مؤكداً أن "إجراء الانتخابات في موعدها نصر لكل الليبيين، ولا بد من دعم المفوضية للوصول إلى هذا الهدف".
جاء ذلك خلال زيارة المنفي ونائبه موسى الكوني لمقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في طرابلس، وأورد المجلس في بيان، أن " الزيارة تهدف لمتابعة سير التحضير للانتخابات المقررة في ديسمبر(كانون الأول) المقبل".
وكانت السلطات التنفيذية الليبية المنتخبة في فبراير (شباط) الماضي، تعهدت بالالتزام بموعد الانتخابات نهاية العام الحالي، بحسب الاتفاق السياسي الذي وقعت عليه في جنيف، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لكنها تعاني صعوبات جمة في التحضير لهذه الانتخابات، بخاصة بعد عودة الخلافات بين طرفي الحوار السياسي، مجلس النواب والدولة، على عدد من البنود الحاسمة لإغلاق ملف الحوار والتوجه نحو التحضير للاستحقاق الانتخابي.
غموض المشهد السياسي
الظروف التي ميزت المشهد الليبي خلال الأسابيع الأخيرة، دفعت رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، للخروج بتصريحات جديدة عبر فيها عن قلقه من احتمال تأخر الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بسبب الأجواء السياسية الحالية في البلاد.
وطالب السايح بـ "ضرورة التوافق بين السياسيين حول العملية الانتخابية"، لافتاً أن "المفوضية ليس لها علاقة بمن يترشح من الليبيين على منصب رئيس البلاد، لكنها معنية بتوفر شروط الترشح التي تتوافق مع قانون الانتخابات".
وتطرق السايح للجدل القانوني الراهن حول عملية انتخاب الرئيس، بين تيار يؤيد انتخابه بشكل مباشر من الشعب، وآخر يفضل اختياره من قبل البرلمان، قائلاً إن "الفيصل هنا هي صلاحيات الرئيس، فإذا كانت موسعة فنرى أن هذا الرئيس يجب أن ينتخب من الشعب مباشرة، أما إذا كانت محدودة رمزية فإنه لا بأس من انتخابه من قبل البرلمان الجديد، فالأمر يتعلق بالصلاحيات وليس بطريق الانتخاب".
خطر داهم
وفي تعليق له على تلميحات رئيس المفوضية العليا حول احتمال تأجيل الانتخابات، أكد المحلل السياسي، عبدالعظيم البشتي، أن "الوضع الليبي سيكون في غاية الخطورة إذا فشلنا في إنجاز انتخابات ديسمبر".
وأضاف، "من هذا المنطلق علينا أن نحرص بكل جهودنا على عدم إضاعة هذه الفرصة الثمينة والأخيرة لنا في هذا الموعد والتاريخ المصيري".
من جانبه، قال الصحافي مرعي الهرام، إن "تأجيل الانتخابات العامة لو وقع سيجر البلاد إلى مربع الفوضى من جديد"، وطالب "المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه ليبيا وما يجري فيها، بتغليظ الخطاب وتنفيذ عقوبات رادعة على المعرقلين للانتخابات داخل ليبيا وخارجها".
وأشار إلى أن "خطر تجدد الفوضى والصراعات المسلحة يمتد لدول الجوار الليبي ومحيطها الإقليمي، ولن ينحصر في ليبيا فقط، ومن هنا تكمن خطورة ما يحدث فيها لتجاوزه النطاق المحلي".