عندما أفصحت المتحدثة باسم البيت الأبيض عن نية الرئيس الأميركي دونالد ترمب وضع جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب الأميركية، اتصل بي كثيرون من وسائل إعلام عربية ومن سياسيي المنطقة وخبراء الشرق الأوسط في واشنطن، وجميعهم يسأل ما إذا كان الرئيس الأميركي سيجتاز فعلاً الخط الأحمر العريض الذي لم تتجاوزه أي إدارة أميركية منذ عقود، وأعني به وضع الإخوان في سلة واحدة مع القاعدة وداعش وحزب الله والحرس الثوري.
وذهبت وسائل الإعلام العربية والغربية والأميركية إلى أبعد حدود في إطلاق التكهنات، فمنها من هلل لهذا القرار وكأنه حاصل فعلاً، وباشروا في الحديث عن التطبيق، وربط قسم من المتابعين أن الإعلان جاء كنتيجة لطلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن، ووضع آخرون قرار البيت الأبيض في خانة الالتهاب السياسي لحشد الرأي العام قبيل الانتخابات الرئاسية، وتمسك فريق باستبعاد وضع الإخوان على لائحة الإرهاب مستندين في تحليلهم إلى معارضة الكونغرس.
هل إدارة ترمب اتخذت القرار؟
وفق هذه الظروف يبقى السؤال الأكبر، ماذا حصل، ولماذا الآن، وهل إدارة الرئيس ترمب مصممة فعلاً على هذا القرار، أم أن ما حدث لا يعدو عن كونه موجة عابرة ستختفي مع مرور الأيام.
موضوع الإخوان المسلمين حاضر منذ سنوات طويلة ويتسم بالصعود والهبوط، وهو أقدم من إدارة الرئيس ترمب، فتواجد الجماعة على الأراضي الأميركية يعود إلى عقود الحرب الباردة، إذ وصلت موجات من كوادرهم إلى أميركا، خصوصاً بعد اشتداد الضغط عليهم في الدول العربية، لا سيما في مصر بالعهد الناصري، وفي السعودية حيث كان لديهم تأثير ولو جزئي، ثم بعد تلقيهم ضربة من قبل النظام السوري آنذاك بقيادة حافظ الأسد.
تواجدهم يعود لعقود مضت
المفارقة وقتها، أنه ونتيجة للحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي والشيوعيين، لاقى "الإخوان المهاجرون" نوعاً من الترحيب في واشنطن لأنهم كانوا من أشد المعارضين للسوفيات، وانخرطت كوادرهم في قتالهم بأفغانستان، كما كانوا على عداوة مع أنظمة متحالفة مع موسكو، كنظام الأسد الأب. هذه الأمور ساعدت الإخوان على الانتشار في أميركا وارتياد جامعاتها واختراق الجاليات العربية والإسلامية، أي باختصار إن تواجدهم يعود بالفعل إلى عقود مضت.
ومع انخراط قياداتهم على جمع التبرعات وإرسالها إلى المجاهدين ضد السوفيات، اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين مشروعية أكبر للتأثير في بعض جوانب السياسة الأميركية الخارجية، ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، برزت جلياً قدرة هذه الجماعة في المساحة الإعلامية والأكاديمية الأميركية، وهنا عمد الإخوان إلى تنظيم نفوذهم عبر إبراز تنظيمات للواجهة يحركونها من وراء الستار لتحقيق أهدافهم، ويأتي على رأسها بحسب اعتقادهم، محاربة الأنظمة الاستبدادية في الجزائر ومصر وتونس والسعودية وغيرها، والأمر اللافت أن هذه الجماعة عملت للحصول على تمويل عربي لنشاطاتها في أميركا، ما خلق ردود فعل من قبل العديد من الأميركيين الذين أبدوا معارضة لمصادر التمويل منذ البداية.
هجمات أيلول
ومع هجمات الـ11 من أيلول الإرهابية، سارع الإخوان المسلمون وعبر التشكيلات والكيانات، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية أو ما يعرف باسم (CAIR) التي أنشأوها، إلى الزعم بأنهم ضمانة المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية، وحُماتهم من ردود فعل الأميركيين الغاضبين، فتوسع نفوذهم أكثر في فترة حكم الرئيس السابق جورج بوش الابن.
قطر ومنذ التسعينات دخلت على خط الاستثمار في الإخوان المسلمين وأصبحت الداعم الاستراتيجي لهم، وأصبحت قناة الجزيرة ذراعهم الإعلامية، فلعب قادتهم دوراً بارزاً في عرقلة الجهود الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان، وبالتزامن ارتفعت أصوات خبراء عسكريين أميركيين، وأعضاء في الكونغرس، تتهم الإخوان بتشكيل جماعات ضغط لإضعاف سياسة واشنطن الخارجية، والضغط على الكونغرس والإدارة للحؤول دون مكافحة الأيديولوجية الجهادية.
دعم لا متناه
لكن الحدث الأبرز كان مع انتخاب باراك حسين أوباما رئيساً للبلاد، ففي عهده حصل الإخوان على دعم لا متناه وتغطية سياسية شاملة، فاشتد عودها في الداخل وامتلكت نفوذاً في السياسات الخارجية استثمرته في ثورات الربيع العربي ودعمت فروعها في تونس وليبيا ومصر واليمن، وذهبت باتجاه محاولة ممارسة ضغوط على السعودية والإمارات، وجاء الرد من قبل مجموعة من أعضاء الكونغرس الجمهوريين وعلى رأسهم السناتور تيد كروز، وطالب هؤلاء، بوضع الجماعة على لائحة الإرهاب لارتباطها بتنظيمات جهادية في الشرق الأوسط، غير أن أوباما استمر بتقديم الحماية للجماعة حتى آخر يوم من ولايته.
في تلك الفترة، نظم الإخوان المسلمون حملة هجومية واسعة عبر وسائل إعلامية تستهدفني شخصياً بعد قيام المرشح الجمهوري ميت رومني كمستشار للأمن القومي في حملته الانتخابية، وبعث مجلس (CAIR) رسالة إلى الكونغرس زعم خلالها بأنني كنت قائد ميليشيا في لبنان عام 1982، وطالب بمنعي من تقديم شهادتي حول التطرف التكفيري، غير أنه وعلى الرغم من كل هذيانهم، لم يعر الكونغرس والمرشح رومني أي اهتمام بطلباتهم، ثم عادوا عام 2016 ونظموا الحملة نفسها التي ارتكنت إلى مزاعم وافتراءات لا صحة لها على الإطلاق، ولكن المرشح الجمهوري يومها، دونالد ترمب لم يتخلَ عني أيضاً.
الإصبع على الجرح
وبالعودة إلى ما حدث أخيراً، الرئيس ترمب كان قد قال خلال حملته الانتخابية إنه ينوي وضع الإخوان على لائحة الإرهاب، فتحرك اللوبي القطري الإخواني ضده، وبعد فوزه وزيارته الرياض واجتماعه بـ 50 زعيماً عربياً ومسلماً ومطالبته بطرد الإرهابيين، وضع التحالف العربي الإصبع على الجرح، وعمل بعض الدول الرئيسية فيه على مقاطعة قطر، وطالبت واشنطن بإدراج الإخوان على لائحة الإرهاب، لكن الرئيس ترمب ومساعديه وقعوا تحت ضغط هائل من المعارضة الداخلية.
واستُضعفوا مع توسع تحقيقات روبرت مولر بين عامي 2017 و 2019، فشعر حلفاء واشنطن العرب بخيبة امل نتيجة فشل الإدارة في إضعاف الإخوان المسلمين، وانقسام الكونغرس حول الجماعة، واكتملت المشهدية السلبية مع دور اللوبي القطري الذي عمل مع اللوبي الإيراني على إلحاق الضرر بالتحالف العربي وتشويه صورته خصوصاً في اليمن.
ومع انتهاء التحقيقات الروسية، وانخفاض الضغوط على الإدارة، تحركت الأمور من جديد، وعادت الجماعة لتحضر على طاولة الإدارة، فانتفض الإعلام المعارض أساساً لترمب من أجل إيهام الأميركيين أن وضع الإخوان على لائحة الإرهاب جاء بطلب أجنبي، وتحديداً من الرئيس المصري، أي أن هذه الخطوة لا تتعلق بأمن أميركا القومي.
وفي السياق نفسه، شنت صحيفة "واشنطن بوست" هجوماً على ترمب على خلفية اتصاله بقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، الذي يعد من أشد خصوم جماعة الإخوان المسلمين ومجاميع الإرهابيين المرتبطين بها في ليبيا، وقد أكدت في تغريدة أنه وبحال اتخاذ الإدارة أي قرار، أي إدراج الإخوان، في هذا الخصوص، فهو يتعلق أولاً بأمن البلاد القومي، وأيضاً بأمن حلفائنا.
لائحة الإرهاب
الإدارة اليوم تدرس بشكل تفصيلي وضع الإخوان على لائحة الإرهاب، وتتشاور مع حلفائها في المنطقة، ولكن يبقى السؤال هل هناك من إمكانية لصدور قرار من قبل الكونغرس بوضعهم على لائحة الإرهاب؟
لا أعتقد أن هذا الأمر سيكون ممكناً قبل الانتخابات المقبلة عام 2020 فأكثرية مجلس النواب تعارض الرئيس ترمب، لا بل أكثر من ذلك هناك جناح راديكالي في المعارضة يدافع يومياً عن الإخوان، وإيران واتفاقها النووي، ولكن يبقى الأمر بيد الرئيس الذي بإمكانه إصدار قرار تنفيذي بهذا الخصوص، وهنا يبرز سؤال آخر هل سيصنف جميع كياناتها وتشكيلاتها في العالم على أنها إرهابية؟
ربما لن يحصل هذا الأمر على الأقل في الفترة الأولى، فهناك من في الإدارة لا يزال يؤمن بمقاربة أوباما حيال الإخوان، وهؤلاء يحذرون ترمب من وضع أطياف الجماعة في سلة واحدة، ولذلك يبقى الأمر الأكثر احتمالاً أن يقوم البيت الأبيض وبدعم من مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو بوضع جماعات مقاتلة ترتبط بالإخوان، خصوصاً في سوريا وليبيا واليمن ومصر على لائحة الإرهاب، وتضاف إليها كوادر وقيادات إخوانية تقدم دعماً مالياً لهذه الأطراف، على أن تتبع هذه المرحلة مراحل أخرى بعد الانتخابات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ردود فعل جماعات الضغط المُشغلة من قبل قطر ستكون قوية، بالإضافة إلى موقف الحكومة التركية وعدد من السياسيين الأميركيين المتعاطفين مع هذه الجماعة.