Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين فريدا ودييغو غرام ولوحات وخيانات وتروتسكي وستالين

فنانة المكسيك الكبرى وسط فنها وآمالها وآلامها ونضالاتها العنيدة

منذ بداية الخمسينيات راحت فريدا تعتاد على فكرة اقتراب موتها (غيتي)

حين يتذكر المرء فيلم "فريدا" الذي أنتجته المكسيكية سلمى حايك، وقامت فيه بدور الرسامة فريدا كاهلو، يسترجع في ذاكرته حكاية هذه الأخيرة مع الرسام دييغو ريفيرا، مستعيداً فكرة أن ثمة دائماً في تاريخ الفن الحديث، حكايتين: حكاية فريدا نفسها، وحكاية ريفيرا.

وعلى الرغم من أن حكايتهما معاً باتت معروفة منذ زمن بعيد، نعرف أن الحكايتين قلما تلتقيان. كان دييغو زير نساء من الدرجة الأولى، أما هي، فعلى الرغم مما أشيع دائماً عن علاقتها بتروتسكي، وحتى عن علاقتها بأندريه بريتون وصولاً إلى افتتانها بهنري فورد صانع السيارات الأميركي الشهير، كانت دائماً ما تبدي من الوفاء لزوجها وحبيبها، أضعاف أضعاف ما يبديه هو.

الفيل والنملة

ومع هذا، كان فارق السن كبيراً بينهما، كان يكبرها كثيراً. وحين ارتبطت به بتلك العلاقة التي أفضت إلى زواجهما، كانت سنه تقرب من سن أبيها الذي علّق حين فوتح بخبر زواج الرسام الشهير بابنته بقوله، "إنه أشبه بزواج فيل من يمامة". ولم يكن هذا التعليق بعيداً من الصحة.

ولعل ما ينبغي أن نتذكره دائماً أن حكاية ذلك الثنائي إنما كانت أشبه بحكاية حب من طرف واحد. ويقيناً أن ريفيرا يبدو في الحكاية أشبه بذلك الوحش الضاري الذي لم يكن ليتوانى عن خيانة فريدا، أمام عينيها أحياناً، من دون أن يأبه لمشاعرها. بل، أكثر من هذا، وفي وسع المرء اليوم أن يلاحظ، إذ يشاهد مجمل لوحات هذه الأخيرة، لا سيما منها اللوحات التي تصور فيها عديداً من مراحل حياتها، قبل الحادثة التي أقعدتها، وبخاصة بعد الحادثة، حيث نراها بالأربطة والضمادات، كما نراها في بعض اللوحات، وكأنها تسبح في عالم من الخيال الغرائبي، كيف أن دييغو، (غالباً) مرسوما في حجم طفل تبدو هي وكأنها أمه، يحتل مكانة أساسية في تلك اللوحات. ففيها يبدو دييغو وكأنه كان كل حياة تلك المرأة المدهشة ومبرر وجودها وموضوع فنها. أما هي فشبه غائبة عن لوحاته. بالكاد يلمح المرء لها وجوداً في عالمه.

ومع هذا ثمة عشرات البورتريهات التي رسمها ريفيرا لعشرات النساء الجميلات التي تقول لنا الحكاية إن معظمهن كن في مرحلة أو أخرى عشيقات له، مع أن بعضهن كن زوجات أصدقائه!

السياسة والفن

غير أن هذا الجانب ليس كل ما في الحكاية. بل هناك الجانبان الآخران المهمان في حياة فريدا كاهلو ودييغو ريفيرا، السياسة والثورة، من ناحية، والفن من ناحية أخرى. وارتباط الجانبين من ناحية ثالثة لا تقل أهمية. فنحن نعرف أن فريدا كاهلو كانت منذ صباها مناضلة يسارية صلبة. وهي لئن كانت قد تعرفت في صباها على دييغو ريفيرا وأعجبت به، فما هذا إلا لأنه كان واحداً من عمالقة الفن في المكسيك. وكان رسام الثورة والنضال الشعبي الأول في بلد كانت الثورة تشكل جزءاً من تقاليده.

صحيح أن فريدا، حين مارست فن الرسم بدورها، وتحت إشراف دييغو، لم تخض رسم الجداريات الذي كان في ذلك الحين تخصصاً مكسيكياً كبيراً، وكان ريفيرا واحداً من كبار الأساتذة فيه، بل آثرت رسم اللوحات الصغيرة. كانت تلك حدودها، لا سيما بعد أن أصيبت بذلك الحادث الذي كسّر عظامها وشلها عن الحركة، وقصم حياتها في نهاية الأمر.

 

غير أن ذاتية رسومها وغرائبية عوالم تلك الرسوم لم يكن بعيداً عن اختياراتها السياسية، حتى ولئن كانت ستعرف بشيء من العداء لستالين تلا تعرفها على تروتسكي لدى وصول هذا الأخير إلى المكسيك، واغتيال رجال ستالين له هناك. ويبدو أن فريدا كانت تعرف شيئاً أو أشياء عن ذلك الاغتيال، بل ترى فيه بعض أصابع ريفيرا وزميله ورفيقة الرسام الكبير الآخر سكييروس.

وفي المقابل كان ريفيرا، كما يبدو أنه يفضل خط ستالين على خط تروتسكي، دون أن يمنعه هذا من الاختلاط بكبار الرأسماليين في المكسيك كما في الولايات المتحدة. ومن المعروف أن هذا الاختلاط هو الذي مكّن رسام الثورة من أن يقنع الرأسماليين المتمولين في بلاده بالإنفاق على الجداريات الثورية الكبرى – والرائعة – التي ملأ بها مؤسسات الوطن ومعاهده. كما أن اختلاط ريفيرا بكبار الرأسماليين الأميركيين الشماليين، جعله يحقق لحسابهم عدداً من المشاريع الفنية، ومن أشهرها تلك الجدارية الكبرى حول الإنسانية، التي أوصاه عليها الملياردير روكفلر كواجهة لمركزه الثقافي الشهير، وكانت النتيجة أن دمرت أجزاء من اللوحة، ونقلت أجزاء أخرى منها، بناء على طلب روكفلر الذي، مع هذا، دفع كلفتها صاغراً.

أما سبب رفضه لها، فهو أن ريفيرا أصر على أن يحشر في اللوحة بورتريهات للينين ولستالين في وقت كانت فيه أميركا تعتبر هؤلاء الحمر، من أسوأ أعدائها!

نشاط سنوات فريدا الأخيرة

ومن ناحيتها تقول حكاية فريدا كيف أنها في الأعوام الأخيرة من حياتها وكانت غارقة في آلامها وخيباتها، أصرت على أن تشارك في معرضين كبيرين في مكسيكو سيتي. وهي بعد نجاح المعرضين سافرت إلى سان فرانسيسكو لاستشارة طبيبها، بعد أن تفاقمت حالها، وصارت إضافة إلى ذلك مدمنة على الكحول، وفي سان فرانسيسكو التقت فريدا دييغو من جديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن جديد عاد الوئام بينهما وتزوجا بعد طلاق. ومنذ ذلك الحين وحتى آخر أيامها ستظل فريدا مع دييغو، وستموت في النهاية بين يديه. أما هو فإنه بعد شهور من عودتهما، عاد إلى الشرب وإلى العلاقات الغرامية من جديد، وعادت هي ترسم وتكتب معبرة عن خوفها عليه، ومن فقده. وكانت ذروة ذلك الخوف في عام 1949 حين تناهى إلى سمعها أن دييغو ريفيرا، الذي كان أقسم أمامها مرات عديدة، على الوفاء والإخلاص، مرتبط بعلاقة مع الممثلة المكسيكية الشهيرة ماريا فيليكس، وأن هذه العلاقة قد تنتهي بالزواج.

هنا، جنّت فريدا، التي كانت صحتها متدهورة إلى حد بعيد، وعبرت عن خوفها وجنونها في لوحة "دييغو وأنا" التي رسمت فيها وجهها مليئاً بالحزن وعينيها مغرورقتين بالدموع فيما رسمت وجه دييغو فوق جبينها بعين إضافية.

الموت المقترب

في تلك الآونة كانت فريدا قد بدأت تشعر بدنو أجلها. كانت تشعر أنها باتت أكبر من دييغو سناً بكثير. صارت في مشاعرها ممتزجة بالأرض والحضارة المكسيكيتين أكثر وأكثر. صارت أشبه بأم لدييغو، تحضنه، تخاف عليه وتغفر هفواته. وهي عبرت عن هذا الأمر في واحدة من أشهر وأغرب لوحاتها "عناق الكون، والأرض، ودييغو، ، وأنا، والسيد كسولوتل". في هذه اللوحة جمعت فريدا عوالمها كلها ومزجتها معاً، الأرض، والحب، والحضارة المكسيكية ممثلة بسمكة كسولوتل التي يقال إنها لا توجد إلا في المكسيك.

 

الدموع والآلام، لكن أيضاً الإيمان الدائم بانتصار الحب والأرض، تلك هي العناصر التي تكونت منها حياة فريدا خلال السنوات الأخيرة التي سبقت لحظة موتها. وهي على الرغم من آلامها وأحزانها، وعلى الرغم من خوفها الدائم من دييغو وعليه، كانت تصر على حب الحياة. فكان اليأس يختفي أزماناً طويلة ليخلي مكانه لظمأ إلى الحياة لا يرتوي. في الوقت نفسه كانت غالباً ما تساورها فكرة الانتحار، لكن حبها لدييغو وحبها للمكسيك كانا وحدهما يردعانها عن ذلك.

ومهما يكن من أمر، واضح أنها منذ بداية الخمسينيات راحت تعتاد على فكرة اقتراب موتها. حيث إن الآلام راحت تشتد عليها فكتبت في يومياتها، "آمل أن يكون الخروج قريباً، وآملاً أن لا أعود أبداً".

لقد دفع وضع فريدا في عاميها الأخيرين (1953 - 1954) كثراً ومن بينهم دييغو نفسه إلى التساؤل، إلى أي درجة يمكن للكائن البشري أن يتحمل كل هذه الآلام، أن يعايشها ويسيطر عليها ويستكشفها؟

"أرجو أن تحبني إلى الأبد"

حملت لوحات فريدا الأخيرة الجواب عن هذه الأسئلة. إذ كانت لوحات عابقة بالامتنان لأطبائها. مليئة بمنتجات الأرض المكسيكية إلى كونها تحمل ألواناً مشعة بالفرح والحياة.

في النهاية، كان لا بد لفريدا كاهلو أن ترحل، على الرغم من عشقها للحياة، وعلى الرغم من حنو دييغو عليها في أيامها الأخيرة. رحلت هادئة مبتسمة، بعد أن رتب لها دييغو أول معرض فردي لأعمالها في مكسيكو سيتي. رحلت بين أحضان دييغو وهي تستحلفه أن يحبها إلى الأبد. وألا يخونها بعد الآن. وعدها هو بذلك.

هي كانت في السابعة والأربعين. وهو كان في السابعة والستين. رحلت يوم 13 يوليو (تموز) 1954، بعد أن قامت قبل ذلك بثلاثة أشهر بالتظاهر من أجل غواتيمالا ضد التدخل الأميركي فيها، وهي على كرسي نقال. يومذاك كانت تشع حياة وحبوراً، لكنها كانت تجهل أن دييغو لن يعيش بعدها إلا ثلاث سنوات أتاحت له عدة غراميات أخرى!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة