Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإبعاد" سياسة إسرائيلية مؤلمة لكسر شوكة المقدسيين

نتنياهو أصدر توجيهات للجيش ليكون متأهبا ومستعدا للتعامل مع أي أعمال شغب محتملة

عند أحد مداخل البلدة القديمة في القدس الشرقية، يلوح طه ياسين (35 سنة) لأطفاله الثلاثة ويرسل لهم القبلات، على الرغم من أن نافذة منزله التي يقف على مشارفها لرؤيتهم لا تبعد عنه سوى أمتار قليلة، إلا أن خطر الاقتراب قد يكلفه السجن أشهراً عدة، أو دفع غرامة مالية باهظة، فالمخابرات الإسرائيلية اعتقلته قبل أيام أثناء خروجه من إحدى باحات المسجد الأقصى، واقتادته لمركز القشلة لتسلمه في ما بعد قراراً بالإبعاد لمدة شهر كامل عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة، بقرار عسكري يتهمه بـ"إثارة الشغب"، ويقصد بـ"الإبعاد" عن الأقصى منع مصلين محددين من دخول المسجد لفترة محددة.

مخاطر اجتماعية

يقول ياسين، "الآثار التي يتركها الإبعاد، اجتماعية وخيمة، تبدأ بتشتيت الأسرة وتفكيكها، فلا يسمح للمبعد عن الأقصى والبلدة القديمة بالعيش مع عائلته إن كانت تقطن هناك، وهذا يترك أثراً كبيراً وكأنه في السجن ما يتسبب في تشتيت الأسرة وتفكيكها. السلطات الإسرائيلية تنتهج هذه السياسة ليعتبر المقدسيون من مخاطر الإبعاد، فيمتنعون عن الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى خوفاً على مصالحهم التي قد تتعطل أو تغلق وقلقاً على أسرهم، إلا أن هذه السياسة دائماً ما تفشل، لأن معركة الدفاع عن الأقصى والقدس في قلب كل مقدسي حر".

تطور الإبعاد

وبحسب مختصين، فإن السلطات الإسرائيلية تسعى إلى إفراغ المسجد الأقصى من المرابطين فيه، من خلال انتهاج سياسة الإبعاد التي تحمل أشكالاً عدة، بدأت بالإبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة بعد عام 2003، وتطورت لإبعاد عن كامل مدينة القدس، إذ تأتي هذا القرارات بأمر عسكري، ووفقاً لمركز معلومات وادي حلوة، فإن 375 قرار إبعاد سلمت للفلسطينيين خلال عام 2020، منهم 315 أبعدوا عن المسجد الأقصى، و33 عن البلدة القديمة، و15 عن مدينة القدس، من بينهم 15 قاصراً و66 أنثى، إضافة لإبعاد أربعة مقدسيين عن الضفة الغربية، ومنع ثمانية آخرين من السفر.

المحامي خالد زبارقة المتخصص في شؤون القدس يقول، "تسعى إسرائيل من خلال هذه الأداة على المدى البعيد إلى الفصل المعنوي بين المقدسيين والمسجد الأقصى، من أجل التحضير لإقامة هيكلهم المزعوم، ومن أجل إخضاع الناس وإجبارهم على تقبل سياساتها وإذعانهم لسياساتها العنصرية، على الأرض والمسكن والناس بل وعلى وعي الناس ومفاهيمهم، فمن يصر من المقدسيين على المواجهة والتصدي للاقتحامات هو "المصلي السيئ" الذي يستحق الإبعاد"، بينما "المصلي الجيد" لا يكترث لأي مشاهدات ويؤدي الصلوات ويخرج بهدوء.

يضيف زبارقة، "لا توجد تهم إلى الذين يبعدون عن القدس أو المسجد الأقصى، وإنما هي قرارات إدارية عسكرية، فقرار الإبعاد لا يخضع إلى التهم ولا يستند إلى أدلة تقدم للمحكمة، بل هو قرارات تؤخذ من اعتبارات سياسية بعيدة عن تطبيق القانون."

حفظ النظام

وأوضحت الشرطة الإسرائيلية، أن هذا الإجراء (الإبعاد) يأتي في إطار جهودها لضمان وصول عشرات آلاف المصلين المسلمين بشكل آمن إلى الحرم الشريف، وقال متحدث باسمها في وقت سابق، "تنفذ قوات الشرطة أنشطة ميدانية باستخدام مختلف الوسائل لمنع الاحتكاك والعنف والمواجهة، ولحفظ النظام والأمن في المنطقة".

من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه أصدر توجيهات للجيش ليكون متأهباً ومستعداً للتعامل مع أي أعمال شغب محتملة، مضيفاً أن أهم أولويات حكومته حالياً "حفظ النظام والقانون في القدس، وتأمين حرية العبادة للجميع".

سحب الإقامة

الكاتب والباحث في الشأن المقدسي جمال عمرو استهجن التصريحات لإسرائيلية بقوله، "أعمال الشغب التي يتحدثون عنها هي في التصدي للمستوطنين، ومنعهم من أداء صلوات تلمودية في باحات الحرم القدسي الشريف، أو في التكبير والحشد لطرد السائحين الأجانب ممن لا يلتزمون بحرمة المكان، أو في الالتزام بمصاطب العلم وتحفيظ القرآن. الشرطة لاحقت وأبعدت العشرات لتفريغ الأقصى ليحلو لها تنفيذ مخططاتها الجديدة في المسجد، والسعي بكل ما يملكون من قوة وبكل الإمكانيات على إفراغه من المرابطين والمرابطات، وإتاحة المجال لليهود لاقتحام الأقصى وإقامة صلواتهم من دون عوائق أو إزعاج، تحضيراً لمدينة "نقية خالصة لليهود" فارغة من الغيورين. هناك أهداف أعمق من الإبعاد، تتمثل في إجبار عائلة المبعد اللحاق به (للمبعدين خارج القدس) لاستخدامهم كذريعة لسحب الهويات والإقامة، بطريقة تبين أن العائلة المقدسية تتسبب بطرد نفسها من القدس لعدم التزامها بسياسة الدولة. خوفاً من نزول التأمين الوطني ووزارة الداخلية بسحب الهويات ومشاكل كثيرة وضرائب لا تنتهي، تضطر العوائل التي يبعد عنها رب الأسرة إلى الالتزام بشروط قاهرة مهما طالت مدتها، وهو ما يؤدي إلى إنهاك الأسرة المقدسية."

حراس الأقصى

وحدة حراسة المسجد الأقصى التي تضم قرابة 250 حارساً وحارسة، وإلى جانب مسؤوليتهم في الحفاظ على أمن المسجد الأقصى والمصلين فيه، وأمن المؤسسات التابعة للأوقاف في المسجد ومحيطه، والتأكد من عدم قيام أي شخص أو جهة بالمس بحرمته، أصبحوا يوثقون بهواتفهم المحمولة ما يجري من انتهاكات واقتحامات للمستوطنين بصحبة الشرطة بالصوت والصورة، وهو ما عرضهم للاعتقال والإبعاد لمدد زمنية تتراوح بين أسبوع وستة أشهر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رئيس وحدة الحراسة في المسجد الأقصى فادي عليان الذي أبعد عن حراسة المسجد ثماني مرات قال، "المسؤولية الأساسية والمفترضة للحراس هي ضمان الأمن داخل المسجد، في حين تتولى الشرطة الإسرائيلية المسؤولية خارج أبوابه، إلا أنهم لا يلتزمون أماكنهم خارج البوابات، فتارة يمنعون دخول المصلين، وتارة أخرى يحتجزون هوياتهم، في حين أنهم يرافقون المستوطنين خلال اقتحامهم المسجد ويمنعون موظفي الأوقاف من القيام بمهامهم، وهم المسبب الأكبر لمعاناتنا، ففي حال حاولنا منع المتطرفين من أداء طقوس دينية يعتدون علينا بالضرب ويعتقلوننا ويبعدوننا بقرار عسكري عن المسجد الأقصى أربعة أو خمسة أو ستة أشهر،  فالشرطة تتدخل كثيراً في شؤون المسجد الداخلية، ويتمثل في نزع صلاحيات الأوقاف الإسلامية، وهو أمر مرفوض".

بدوره، استنكر الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى (منع من السفر خارج فلسطين أربعة أشهر)، تزايد الاعتداءات على حراس المسجد، بالتزامن مع تصاعد عمليات الاقتحامات الإسرائيلية، بقوله، "أمر خطير وغير مسبوق ما يجري من اعتداءات على المقدسات الإسلامية، إذ نستنكر ما تقوم به الشرطة الإسرائيلية من اعتقال لحراس المسجد وإبعادهم عنه، ونحملهم المسؤولية عن المس بالمسجد الأقصى".

غياب الدعم

وقبيل موسم الأعياد اليهودية، وأثناء تردي الأوضاع الأمنية في مدينة القدس، تكثر عمليات الاعتقال والإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة، ويجمع المبعدون هذه المرة أن قرارات الإبعاد الأخيرة والمكثفة تجاه الناشطين والمؤثرين من الشخصيات الدينية والسياسية، ترمي لتفريغ القدس وتهويدها لفرض واقع جديد على القدس ومحيطها، ويؤكد آخرون غياب الجهات الداعمة التي تهتم لحال المبعدين عن مدينة القدس وهم بالعشرات يومياً، إذ لا توجد أي حاضنة رسمية أو شعبية تسعى لتأمين مسكن ولو مؤقت لهم، ولا تكترث بظروفهم المعيشية التي تحفظ كرامة عوائلهم لحين عودتهم وانتهاء مدة الإبعاد، بحسب تعبيرهم.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط