أعادت الاعتداءات الأخيرة على معلمات فتح ملف حقوق المرأة في الجزائر، وعلى الرغم من التقدم في مجال ترقية حضور المرأة في المشهد العام، غير أن تكرار حوادث الاعتداء والاختطاف والاغتصاب تكشف عن خلل مجتمعي تجب معالجته.
اعتداءات واغتصاب... وصدمة
وأحدث تعرض معلمات للاعتداء والاغتصاب بجنوب البلاد، صدمة لدى الجزائريين، على اعتبار أن المنطقة معروفة بقبائل محافظة لا تقبل المساس باحترام المرأة. وبين ناقم وغاضب ومتوعد اجتمع الشارع الذي أعلن تضامنه بقوة مع الضحايا وطالبوا بأشد العقوبات ضد المعتدين.
وبينما لم تهدأ عاصفة الاعتداء على تسع معلمات بمنطقة "برج باجي مختار" على الحدود مع مالي، تعرضت محافظة "بسكرة" بالجنوب لحادثة مماثلة بعد الاعتداء على معلمات، الأمر الذي استدعى دق ناقوس الخطر، وارتفاع الأصوات المطالبة بحماية المرأة وتثبيت حقوقها.
وفي حين قررت الحكومة إعفاء المعلمات اللواتي وقعن ضحية اعتداء مجموعة إجرامية بجنوب البلاد، من التدريس خلال السنة الدراسية المقبلة، مع التكفل بعلاجهن نفسياً، وبينما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تضامنية وكتابات منتقدة ومنددة، نفذ الأساتذة والمعلمون إضراباً على الرغم من تهديدات الحكومة، وهددوا بمقاطعة امتحانات نهاية السنة الدراسية الحالية.
الإرادة السياسية
في السياق، يبيّن أستاذ علم الاجتماع، عبد الكريم باعلي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الإرادة السياسية تؤكد الاستمرار في تعزيز وترقية مكانة المرأة على جميع الأصعدة، فبعد أن نجحت في تحقيق مكانة مرموقة سياسياً، وستلعب دوراً فعالاً في تنمية الاقتصاد وبناء الجمهورية الجديدة، وفق رغبة الرئيس عبد المجيد تبون الذي يستهدف منح المزيد من المساحات للشباب والمرأة، وقال إن المساواة بين المواطنين مبدأ دستوري كرسته مختلف دساتير الجمهورية الجزائرية المستقلة وتضمنه كل القوانين والتنظيمات المسيرة للحياة العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع باعلي، أن الدستور كرس مبدأ التناصف بين الرجال والنساء في سوق العمل، وحث على ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات، وأكد المساواة في تقلد المهام والوظائف في الدولة، موضحاً أن الأحداث الأخيرة التي مست المرأة خاصة بجنوب البلاد، معزولة لا تمثل المجتمع الصحراوي المحافظ ولا حتى المجتمع الجزائري الذي يحترم المرأة، وختم أن المرأة الجزائرية لها من المكانة والحقوق ما لم تتحصل عليه مختلف الدول العربية والأفريقية، ويمكن مقارنة مستواها مع الدول الغربية.
تمكين المرأة
وأكدت وزيرة التضامن والأسرة وقضايا المرأة، كوثر كريكو، أن تمكين المرأة الجزائرية وترقية حقوقها توجد في صلب كل البرامج التنموية، لأن "حماية المرأة من أولويات الإرادة السياسية في البلاد، وقد تمت دسترتها بإدراج المادة 40 ضمن التعديل الدستوري الأخير، والتي تنص على "حماية الدولة للمرأة من كل أشكال العنف في كل الأماكن والظروف، في الفضاء العمومي وفي المجالين المهني والخاص، ويضمن القانون استفادة الضحايا من هياكل الاستقبال ومن أنظمة التكفل ومن مساعدة قضائية"، مضيفة أن مخطط عمل الحكومة يجسد هذه الرؤية المستمدة من برنامج الرئيس تبون، من خلال إدراج محور كامل يعنى بحماية وترقية المرأة وتحقيق التناصف في مختلف المجالات، تتشارك في تجسيده مختلف القطاعات الوزارية والهيئات.
وأشارت كريكو، إلى تزايد تواجد المرأة بالمجالس المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي، وتوليها لمناصب المسؤولية في مختلف الميادين، مرجعة ذلك إلى "العناية الخاصة التي توليها الدولة الجزائرية لنوعية التعليم، مدعمة بسياسة إجبارية ومجانية للجميع وتعزيزه بتدابير التضامن الوطني للأسر المعوزة، ما سمح بضمان تكافؤ الفرص وأدى إلى زيادة نسبة الطالبات المتخرجات من الجامعة".
من جانبها، تعتبر الناشطة الحقوقية، مريم أتريس، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن ما تحصلت عليه المرأة من حقوق ليس هدية من أحد، وإنما هي ثمار نضال طويل لا يزال مستمراً، مثمنة العقوبات المشددة على الرجل الذي يمارس العنف الجسدي والمعنوي ضد المرأة، وتحمي ممتلكاتها، حيث يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى سنتين كل من يمارس على زوجته أي شكل من أشكال الإكراه أو التخويف ليتصرف في ممتلكاتها أو مواردها المالية، وبالسجن حتى 20 عاماً لكل من يحدث عمداً جرحاً أو ضرباً بزوجته والسجن المؤبد في حالة وفاتها.
وأوضحت أتريس، أنه للمرة الأولى يتم إدراج التحرش بالنساء ضمن بنود قانون العقوبات، حيث نص على السجن من شهرين إلى ستة أشهر أو الغرامة المالية ضد كل من ضايق امرأة في مكان عام بفعل أو قول أو إشارة، وهو ما يعتبر "نصراً" لا يمكن الاستهانة به، كما أنه يكشف عن حسن نوايا السلطة في ترقية وحماية حقوق المرأة.