Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقرير "حلقة الموت" يكشف مصير المودعين في المصارف اللبنانية

يستمر الانقسام السياسي حول استخدام الاحتياطات المالية لدى البنك المركزي

تظاهرة أمام البنك المركزي اللبناني في العاصمة بيروت (أ ف ب)

لا يزال الموقف ضبابياً حيال توجه المصرف المركزي اللبناني لاستخدام الاحتياطي الإلزامي بهدف استمرار سياسة الدعم للمحروقات والأدوية والسلع الرئيسة، والتي تقدر كلفتها بـ 6.3 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى نحو 1.4 مليار دولار تطلبها مؤسسة كهرباء لبنان للاستمرار بتغذية التيار الكهربائي لمدة عام، الأمر الذي يهدد بشكل مباشر أموال المودعين في المصارف اللبنانية. وهذا ما أشارت إليه وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" في تقرير جديد لها، حين قالت إن "من المرجح أن يتضرر المودعون في البنوك اللبنانية مع امتصاصها تكلفة إعادة هيكلة ديون البلاد".

وأوضحت الوكالة في تقرير لها بعنوان "حلقة الموت"، أنه على الرغم من إعلان لبنان تخلفه عن سداد الديون في أبريل (نيسان) 2020، استمر المصرف المركزي بتسديد ديون الحكومة بالعملة المحلية عن طريق طباعة النقود، الأمر الذي يحتم في المستقبل "تضمين أي برنامج لإعادة هيكلة الدين الحكومي بالعملة المحلية مع الديون بالعملات الأجنبية لتأمين الاستقرار المالي"، كون الأموال الأجنبية لا تشكل سوى 38 في المئة من إجمالي الدين السيادي في نهاية عام 2020، مشيرة إلى أنه حتى مع شطب كل سندات "اليوروبوندز" والديون الرسمية، ستبقى ديون الحكومة تقدر بـ 107 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

الخيارات الصعبة

وأوضحت أن البنوك اللبنانية تحتفظ بـ 60 في المئة من أصولها على شكل ودائع في مصرف لبنان وشهادات إيداع، و11 في المئة على شكل أذونات خزانة و"يوروبوندز"، وهي تستحوذ على 26 في المئة من الدين الحكومي بشكل مباشر، في وقت يستحوذ مصرف لبنان على 44 في المئة، لغاية نهاية عام 2020، ومن أجل تقدير التكاليف المحتملة لإعادة هيكلة الدين العام، وضعت "ستاندرد آند بورز" ثلاثة سيناريوات للخسائر في سندات "اليوروبوندز" الحكومية، والدين الحكومي بالعملة المحلية، وودائع مصرف لبنان، وشهادات الإيداع، فضلاً عن قروض القطاع الخاص.

السيناريو الأول يشير إلى شطب 50 في المئة من ديون الحكومة اللبنانية بالعملة الأجنبية والمحلية، وشطب 10 في المئة من إيداعات مصرف لبنان، وتحديد نسبة خسائر إقراض القطاع بخمسة في المئة، أما السيناريو الثاني فيتضمن حسم 75 في المئة على سندات "اليوروبوندز"، و60 في المئة على الدين بالعملة المحلية، و50 في المئة على إيداعات مصرف لبنان، و15 في المئة على إقراض القطاع الخاص، في حين يرتكز السيناريو الثالث على تخفيض 90 في المئة على سندات "اليوروبوندز"، و70 في المئة على الدين بالعملة المحلية وإيداعات مصرف لبنان.

ووفق أوساط اقتصادية، فإن ما يمكن استنتاجه من تقرير الوكالة، هو أن الكلفة على المودع والمواطن والاقتصاد، ترتفع مع كل يوم تأخير في إيجاد حل حاسم للأزمة ووضع خطة وفق جدول زمني واضح، متخوفة من السيناريو الثالث، والذي قد يكون الأمر الواقعي الأخير، حيث تكون الكلفة بأكثر من 100 مليار دولار أي 134 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتؤدي إلى شطب جزء من الودائع الأمر الذي يؤدي إلى تضرر 78 في المئة من المودعين.

وقالت محللة الائتمان في وكالة "ستاندرد آند بورز" ذهبية جوبتا، إن "حل الأزمة السياسية في لبنان مهم جداً للشروع في عملية إعادة الهيكلة، والتأجيلات قد تعقد التعافي"، مضيفة، "يبدو أن العقبة الرئيسة أمام إعادة الهيكلة أن الحكومة الحالية في لبنان حكومة تصريف أعمال لا تملك سلطة الاتفاق على الشروط مع الدائنين".

أزمة الاحتياجات الطبية

في المقابل، برز إعلان مصرف لبنان أنه لا يمكن الاستمرار في استيراد الاحتياجات الطبية المدعومة من دون استخدام الاحتياطيات الإلزامية، وهذا ما يرفضه المصرف المركزي، مطالباً السلطات المعنية بحلّ معضلة الأدوية والمستلزمات الطبية، وأوضح في بيان أن "المبالغ التي تم تحويلها إلى المصارف لحساب شركات استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية وحليب الرضع والمواد الأولية للصناعة الدوائية تعادل من 2021/1/1 وحتى 20 مايو (أيار) الجاري 485 مليون دولار أميركي، تضاف إليها الملفات المرسلة إلى مصرف لبنان وتساوي 535 مليوناً"، ولفت إلى أنه "منذ بدء العمل بآلية الموافقة المسبقة تسلمنا 719 طلباً بقيمة 290 مليون دولار أميركي ليصبح إجمالي الفواتير يساوي 1310 ملايين"، مضيفاً أن الكلفة الإجمالية هذه، المطلوب من مصرف لبنان تأمينها للمصارف نتيجة سياسة دعم استيراد هذه المواد الطبية، لا يمكن توفيرها من دون المساس بالتوظيفات الإلزامية للمصارف، وهذا ما يرفضه المجلس المركزي لمصرف لبنان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستمر الانقسام السياسي حول استخدام الاحتياطات المالية لدى المصرف المركزي، لا سيما أن قوى سياسية عدة تراهن على استخدامها لمنع أي اهتزاز اجتماعي محتمل نتيجة رفع الدعم عن السلع الأساسية، في حين تدافع قوى سياسية أخرى عن توجه الحاكم المركزي برفع الدعم أو ترشيده لحدوده الدنيا بشكل لا يمس بتلك الاحتياطات.

ولم تمر ساعات قليلة على إعلان المصرف المركزي، حتى أعلنت جمعية المودعين في بيان أنها "بدأت بتحضير ملف للحجز على كامل هذا الاحتياط تأميناً لحقوق المودعين"، محذرة من أي "مغامرة غير محسوبة والإذعان لأي ضغط سياسي والإقدام على المساس بالاحتياط".

الودائع الجديدة بلا احتياطي

وبرأي أستاذة قانون الأعمال والمصارف في الجامعة اللبنانية سابين الكك، فإن المادة 76 من قانون النقد والتسليف تتيح للمصرف المركزي، تخفيض أو رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي شرط ألا تتجاوز الـ 25 في المئة على الودائع لأجل بالليرة اللبنانية، و15 في المئة على الودائع تحت الطلب بالعملات الأجنبية، موضحة أن القانون منح مصرف لبنان صلاحية تحديد نسبة الاحتياطي الإلزامي ولو وصلت إلى الصفر، "وهذا فعلاً ما قام به المركزي في القرار رقم 13217 الذي أعفى المصارف من الاحتياطي الإلزامي على الودائع بالعملة الأجنبية، التي تحول إليها بعد أبريل 2020، ما يعني أنه لا احتياطي إلزامي على الودائع الجديدة".

واعتبرت أنه في حال خفض المركزي الاحتياطي الإلزامي، فإنه لا يحق له أن يستعمل الأموال في دعم الاستيراد، في حين عليه "إما ردها إلى المصارف أو إلزام المصارف توظيفها بشروط يحددها لها"، وأكدت أنه لا يحق للمركزي التصرف بالاحتياطي الإلزامي، وأنه في حال تم تشريع قانون يتيح التصرف به، سيكون قابلاً للطعن بدستوريته أمام المجلس الدستوري، مع الإشارة إلى أنه سيكون مسبقاً مخالفاً لقانون النقد والتسليف. ولفتت إلى أن "الاحتياطي الإلزامي هو وسيلة تعطى للمصارف المركزية للتحكم بالكتلة النقدية وتوجيهها في سياساتها التسليفية، من خلال توظيفات المصارف في سندات حكومية أو سندات مصدّرة بكفالة الحكومة كجزء من الاحتياطي حتى نسبة معينة يعود للمصرف المركزي".

الحجز بواسطة القضاء

أما رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية المحامي بول مرقص، فيقول، "لا يمكن إلزام المصرف المركزي المس بالاحتياطي الإلزامي، لأنه مال خاص مودع أمانة لدى مصرف لبنان كضمانة بموجب تعميم رقابي، وذلك تحت طائلة المسؤولية الجزائية"، مؤكداً أن أي كتاب يوجه إلى الحاكم من الحكومة أو رئيسها، حتى أن إصدار المجلس النيابي قانوناً بهذا المعنى، يعتبر غير دستوري"، واعتبر أنه لتفادي كل تلك التعقيدات والضغوطات السياسية، "يمكن إن اقتضى الأمر الحجز على الاحتياطي الإلزامي بواسطة القضاء، حماية لها من تبديدها"، موضحاً أنه في الأساس إذا اتخذ القرار باستخدام الـ 15 مليار دولار، فإن الأمر لن يستغرق الكثير من الوقت لاستنزافها، ليتم طرح استخدام احتياطي الذهب الذي يقدر بنحو 14 مليار دولار.

نقطة وسطية

وتشير المعلومات إلى أن المصرف المركزي يسعى لترشيد قاسٍ للدعم وتخفيضه إلى حدود ملياري دولار، وحصره فقط في استيراد القمح والأدوية الأساسية، بعد أن تضع وزارة الصحة آلية مناسبة لضبط الدواء ومنع تهريبه إلى الخارج، مقابل أن يبقى الدعم جزئياً على المحروقات حيث تتم دراسة جدوى اقتصادية وسطية لناحية تحديده كمرحلة أولى على سعر منصة المصارف أي 3900 ليرة للدولار، أو دعم 50 في المئة على السعر الرسمي أي 1500 ليرة، وتأمين الـ 50 في المئة الأخرى عبر منصة الاستيراد، وفق السعر الأولي 12 ألف ليرة للدولار.

ووفق المعلومات، فإن نجاح هذه الخطة تؤمن نقطة التقاء وسطية بين الحاجة الاجتماعية للمواطنين وبين حفظ ودائعهم، وفق قانون النقد والتسليف، مؤكدة أن نجاحها مرهون بإسراع السلطة السياسية إنجاز البطاقة التمويلية وقرض البنك الدولي المخصص لدعم العائلات الأكثر فقراً، وفق آلية شفافة ومعايير بعيدة من المحاصصة الحزبية والطائفية، إضافة إلى وضع خطة صارمة لمنع التهريب، لا سيما على الحدود اللبنانية - السورية.

المزيد من اقتصاد