Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما احتمالات نجاح زيارة بلينكن إلى الشرق الأوسط؟

التركيز على إعادة إعمار غزة... وحل الدولتين ليس مطروحاً الآن

يواجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تحدياً صعباً في زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، إذ يتعين عليه أن يثبت قدرته كدبلوماسي محترف على تحريك المياه الراكدة في واحد من أكثر الملفات السياسية العالمية تعقيداً، بعدما هدأ غبار الحرب المفتوحة التي استمرت 11 يوماً بين إسرائيل وحركة "حماس"، ووجدت الإدارة الأميركية نفسها مضطرة إلى العودة إلى صراع مستدام كانت تظن أن بإمكانها تجاهله أو على الأقل تأجيله. فما الذي يحمله بلينكن في زيارته، وهل سيتمكن من إحراز نجاح وسط خلافات مستعصية بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

لماذا الآن؟

قبل العاشر من مايو (أيار) الجاري، عندما اندلع التصعيد الأخير بين "حماس" وإسرائيل، لم تكن مسألة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على رأس أولويات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. فقد أعلن بايدن خلال المئة يوم الأولى من رئاسته عن مبعوثين خاصين لملفات ساخنة عدة، مثل اليمن وإيران وليبيا وحتى القرن الأفريقي، من دون أن يعلن عن مبعوث خاص للشرق الأوسط، كما كان يحدث مع الإدارات الأميركية السابقة.

لكن إدارة بايدن عادت إلى التركيز على ما كان يعتبر تاريخياً الصراع المركزي في الشرق الأوسط، بعدما اتضح أن الدول العربية التي اتخذ بعضها خطوات للاعتراف بإسرائيل دبلوماسياً خلال سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، لا تزال تهتم بالقضية الفلسطينية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقدس وقتل الأطفال، فضلاً عن سبب جوهري آخر داخلي يتمثل في ظهور موجة جديدة من الديمقراطيين التقدميين الذين ينتقدون استخدام إسرائيل القوة غير المتكافئة مع الفلسطينيين. ما وضع مزيداً من الضغط على إدارة بايدن.

حل الدولتين

وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي تحدث عقب وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" عن الحاجة إلى السلام وحل الدولتين للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، باعتباره الطرح الوحيد المقبول، إلا أن وزير خارجيته لم يجعل حل الدولتين أولوية جولته هي الأولى في الشرق الأوسط. إذ أكد لشبكة "سي أن أن" الإخبارية، أن الولايات المتحدة لا تخطط لبدء المفاوضات حول حل الدولتين الذي ينبغي أن يكون نتيجة نهائية، وإن عبّر في الوقت نفسه عن اعتقاده بضرورة التحرك سياسياً وإيجاد طريقة لكسر حلقة الجمود، وتجنب تكرار ما حدث بتكلفة كبيرة ومعاناة إنسانية ضخمة.

ولأن بايدن لم يدخل البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي وفي جعبته خطة لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ولم يتحرك إلا تحت الضغط العالمي والداخلي، فليس مستغرباً أن يكون التركيز الأميركي في هذه المرحلة منصباً على إعادة بناء غزة ومحاولة تهيئة الظروف التي تسمح بعملية سلام حقيقية والتعامل مع الوضع الإنساني، والمشاركة بشكل مكثف مع الفلسطينيين والإسرائيليين والشركاء في المنطقة. وهو ما قاله بلينكن خلال لقاءات مع عدد من الشبكات التلفزيونية الأميركية، مدركاً أن لجولته الأولى في المنطقة سقفاً محدداً ينبغي ألا تتجاوزه، وهو خلق مناخ إيجابي أولاً يحقق لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين معايير متساوية لتحقيق الأمن والكرامة وخلق فرص أفضل للمستقبل.

ولكن، هل ستكلل خطوات بلينكن بالنجاح؟ وإلى أي مدى ستكون الأرض ممهدة لأي جهد أميركي الآن؟

دور قيادي

تشكل عودة الولايات المتحدة إلى محاولة لعب دور الوسيط، تأصيلاً للدور القيادي الذي اضطلعت به العديد من الإدارات الأميركية السابقة منذ مؤتمر مدريد للسلام، لكن هذا الدور القيادي يركز على إعادة إعمار غزة، وإلقاء نظرة على ما يمكن القيام به سياسياً بما في ذلك البناء على اتفاقيات إبراهيم للسلام التي رعتها إدارة ترمب، مع مراجعة الموقف الأميركي من النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس.

لكن الدور القيادي الأميركي سيواجه بعض التحديات، إذ إنه سيتطلب بحسب تصريحات المسؤولين الأميركيين تحقيق التوازن بين متطلبات إعادة إعمار غزة وحشد الدعم الدولي لها، والتأكد من عدم إعادة تسليح حركة "حماس"، التي يهدد المسؤولون الإسرائيليون بأنها قد تكون سبباً للعودة إلى القتال بسهولة، ويعني ذلك رغبة الأميركيين في التعامل عبر شراكة كاملة مع السلطة الفلسطينية- وليس "حماس"- بطريقة لا تسمح للأخيرة بتطوير ترسانتها العسكرية.

سيناريو حالم

وتكمن المشكلة في أن السلطة الفلسطينية لا تسيطر على غزة منذ 14 عاماً عندما تخلصت منها "حماس" وسيطرت على المنطقة، فيما فشلت جهود المصالحة المتعددة في الماضي بين السلطة الفلسطينية والحركة، بما في ذلك محاولة أخرى كانت سترافق الانتخابات البرلمانية التي أُجلت أواخر أبريل (نيسان) الماضي.

وبالنسبة إلى كثير من المحللين والسياسيين في واشنطن، تبدو عودة السلطة والرئيس محمود عباس إلى غزة أشبه بسيناريو حالم وغير واقعي. فعلى الرغم من أنه حقق مكاسب غير متوقعة من تأجيل الانتخابات التي طال انتظارها، بسبب عدم سماح إسرائيل للفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية بالمشاركة في العملية، فقد بدا خلافاً لذلك متفرجاً على أحداث العنف خلال معارك الأحد عشر يوماً، ولا يبدو أنه صاحب تأثير في "حماس" والمتظاهرين في القدس أو على الفلسطينيين في إسرائيل، بل إن قادة "حماس" رفضوا دعوة عباس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ربما مستشعرين بضعف موقفه كمتفرج في الأحداث الأخيرة.

مُعضلة "حماس"

ومع تأكيد إدارة بايدن أن إعادة الإعمار والتنمية في غزة ستتدفق عبر السلطة الفلسطينية، لم تُعرف كيفية تنفيذ مثل هذا البرنامج، من دون إشراك "حماس"، التي تحكم غزة وتعتبرها الولايات المتحدة وإسرائيل منظمة إرهابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا لم يتمكن بلينكن من حسم وسيلة إعادة إعمار غزة مع تقييد وصول الأموال ومواد صنع الصواريخ والمتفجرات إلى "حماس"، فستكون هناك عواقب على الأرجح، إذ إن التهاون في تقديم المساعدات والإغاثة الاقتصادية- أو حتى مجرد تقييد وصول الأموال والإسمنت ومواد أخرى محتملة إلى "حماس" لصنع الحرب، قد يدفع الحركة إلى استئناف الهجمات على إسرائيل، كما أن أي توتر متجدد في القدس، قد يشعل جولة عنف جديدة.

وما يزيد من احتمال عدم قبول "حماس" بالقيود التي ستطرح عليها عبر الأمم المتحدة أو القوى الدولية، هو إحساسها بالنشوة وبأنها وجهت من الناحية الاستراتيجية ضربة مهمة إلى إسرائيل، وتمكن قيادتها العليا من الاستمرار على قيد الحياة وسط الركام والحرب في غزة، بينما واصلت إطلاق الصواريخ على القدس وتل أبيب للمرة الأولى. والأهم من ذلك أنها نصّبت نفسها كمدافع نهائي عن المسجد الأقصى، في الوقت الذي تعطلت الاحتفالات بيوم القدس لإحياء ذكرى توحيد المدينة تحت الحكم الإسرائيلي، فضلاً عن صور أعضاء الكنيست الإسرائيلي يفرون للاحتماء خلال جلسة للبرلمان، إضافة إلى اشتعال الخلافات وتوتر العلاقات بين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل.

نقطة ضعف

على الجانب المقابل، منحت الحرب القيادة الإسرائيلية رغبة أكبر في التشدد إزاء ضرورة تقييد حركة "حماس" وتسليحها، والرد بمستوى أعلى من العنف والقوة إذا ما تكرر إطلاق صواريخها على إسرائيل. فقد منحت الحرب طوق نجاة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاستمرار في الحكم، إذ كان من بين نتائج العنف بين العرب واليهود في المدن الإسرائيلية المختلطة، تراجع الأحزاب المنافسة له عن اتفاقها لتشكيل الحكومة حتى الآن. وبصرف النظر عما إذا كان نتنياهو سيستمر في الحكم أم لا، فإن الحرب في غزة أظهرت فيه نقطة ضعف سياسية وجعلت خصومه يتهمونه بالفشل لأن الهجوم الصاروخي لـ"حماس" على المدن الإسرائيلية اعتبر وصمة عار في جبينه.

وفي أعقاب المواجهة الأخيرة، والقدرات العسكرية لـ"حماس"، أصبح المسؤولون الإسرائيليون متوجسين من نهجهم الحالي تجاه غزة، وفق قاعدة الهدوء مقابل الهدوء، لكنهم حذروا المسؤولين الأميركيين من أن تعزيز "حماس" قوتها العسكرية ستواجهه إسرائيل بالموت.

ماذا سيحدث؟

وبغض النظر عن الانتصارات والهزائم السياسية، لا يزال من غير الواضح ما سيحدث لغزة نفسها في ما يتعلق بإعادة الإعمار بعد الحرب، والمساعدات الإنسانية، والانتعاش الاقتصادي. فالمسؤولون الأميركيون يعدون حزمة مساعدات بالإضافة إلى 235 مليون دولار من المساعدات الأميركية للفلسطينيين التي تم الإعلان عنها في أبريل (نيسان)، واستئناف تمويل وكالة "الأونروا" واستعادة المساعدات الأخرى التي قطعها الرئيس ترمب، فضلاً عن دراسة إصلاح العلاقات مع الفلسطينيين عبر إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية التي تخدم الفلسطينيين بعدما أغلقها ترمب.

في الوقت نفسه، تتطلع إدارة بايدن إلى الاستفادة من "اتفاقات إبراهيم"، التي تم التوصل إليها في عهد ترمب بين إسرائيل وكل من البحرين والإمارات والمغرب والسودان، للمساعدة في تسهيل الاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفي غياب المبادرات السياسية، تصبح كل الخيارات مفتوحة أمام الإدارة الأميركية، بما في ذلك تنشيط الرباعية للوسطاء في الشرق الأوسط التي تشمل كلاً من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمحاولة إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير