Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الغواصات النووية" تبقي العالم على موعد مع الفناء

تمتلكها 6 دول وقدرتها فائقة على حمل صواريخ باليستية ورؤوس حربية والبشرية "رهينة" السباق بين واشنطن وموسكو وبكين

يتجاوز عدد الغواصات النووية استراتيجية التسليح حاليا الـ150 غواصة حول العالم (أ ف ب)

بين فجر الـ 16 من يوليو (تموز) عام 1945، حيث أول تفجير "تجريبي" في التاريخ تقوم به السلطات الأميركية لقنبلة ذرية كان وزنها 20 طناً، وتحمل الاسم الكودي "ترينيتي" في ألاموغوردو بنيومكسيكو، والـ 21 من يناير (كانون الثاني) 1954، مع إعلان البحرية الأميركية تدشين أول غواصة تعمل بالطاقة النووية (يو إس إس نوتيلوس) ضمن ترسانتها العسكرية، تغيرت مع السنوات وبصورة متسارعة قواعد الحروب البحرية ومعادلات الردع الاستراتيجية المتبادلة بين الدول الكبرى، بعدما بات السلاح النووي أحد ركائز امتلاك "القوة والقدرة".

وعلى خطى واشنطن، شهد العالم خلال العقود الأولى من الحرب الباردة وما بعدها سباقاً محموماً بين عدد من دول العالم، أبرزها روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند، نحو تدشين غواصاتها النووية الخاصة القادرة على حمل أسلحة استراتيجية، التي بإمكانها "إفناء البشرية" في غضون دقائق، وفق تقديرات عسكرية متطابقة، وتجاوز عددها في الخدمة حالياً أكثر من 150 غواصة نووية استراتيجية بحسب موقع "فوربس"، تمتلك الولايات المتحدة نحو 70 غواصة نووية، يليها في الترتيب روسيا بـ41 غواصة، ثم الصين بقوة 19 غواصة، وبريطانيا 10 غواصات وفرنسا تسع غواصات، وأخيراً الهند تملك ثلاث غواصات نووية.

ومع تتبع المعلن من خطط التسليح والاستراتيجيات العسكرية لدى الدول الكبرى، لا يزال العمل متسارعاً حول العالم، بخاصة كل من واشنطن وموسكو اللتين تمتلكان أكبر قوتين بحريتين في العالم، ويعتمد كلاهما على قوة "الغواصات الخارقة"، نحو تحديث منظوماتهما لتحقيق ما يعرف بـ "نظرية الردع الاستراتيجي". كذلك تتحرك بكين، التي بدأت أولى أبحاثها الخاصة بالغواصات المعتمدة على الدفع النووي في يوليو (تموز) 1958، بخطى حثيثة نحو المضي في تطوير غواصات فتاكة "تحمل صواريخ باليستية ورؤوساً نووية متطورة"، مما يزيد مع الوقت من عامل "عدم الاستقرار على المدى الطويل في ظل سخونة واتساع بؤر التوتر العالمية".

فماذا نعرف عن الغواصات النووية الأكثر فتكاً وتطوراً في العالم؟، وأي اختلافات تميزها عن تلك التقليدية التي اشتهرت بها حروب النصف الأول من القرن الماضي، لا سيما الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكانت ألمانيا النازية تتمتع بتفوق نوعي في اقتنائها وتشغيلها؟

سباق الغواصات النووية

على الرغم من أن ألمانيا النازية كانت صاحبة الباع الأطول والأشهر في امتلاك الغواصات التي أنتجتها خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ومثل هذا النوع من الأسلحة الاستراتيجية التهديد الأكبر لدول الحلفاء في السنوات الأولى للحرب، فإن تلك الغواصات لم تكن قد وصلت بعد لحد العمل بمحركات تحمل صواريخ نووية، وكانت الولايات المتحدة هي الدولة الأولى التي تقتحم ذلك المجال في منتصف خمسينيات القرن الماضي.

فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية وانطلاق الحرب الباردة تسارعت وتيرة التسلح النووي، وأصبحت الغواصات النووية جزءاً من مثلث الردع النووي بين القوى الكبرى في العالم. يقول موقع "أرمز كونترول أسوسييشن" الأميركي، بعد أن عرف مجال التسليح البحري نوعين من الغواصات هما "النووية" و"الديزل"، اللتان يختلفان بالأساس في دخول الطاقة النووية في تشغيلها، مما أضفى للغواصات النووية ميزة القدرة على البقاء لفترات طويلة تحت سطح الماء من دون إعادة التزود بالوقود، وفق ما توضح مجلة "ناشونال انتريست" الأميركية.

 

وبالرجوع قليلاً إلى عصر الغواصات النووية التي أحدثت ثورة في الحروب تحت سطح البحر، فقد بدأت مع إطلاق الولايات المتحدة في العام 1954 لأولى تلك الغواصات لمحاولة العمل تحت الماء أشهراً عدة في كل مرة، بالمقارنة مع ساعات أو أيام في الغواصات التقليدية. وفي العام التالي، بدأ الاتحاد السوفياتي ببناء غواصته النووية الخاصة، المشروع 627، المعروف باسم "فئة نوفمبر"، من قبل حلف "الناتو".

وكانت الغواصة الأميركية "يو إس إس نوتيلوس"، التي يبلغ طولها 103.3 متر، وعرضها 8.6 متر، بإمكانها الغوص لعمق 229.3 متر، قد وصلت في أولى رحلاتها للقطب الشمالي عام 1958 كأول غوصة تصل إلى هذه المنطقة لاستكشاف ممراتها البحرية، في المقابل، ووفق ما توضحه، مجلة "ناشونال انتريست" الأميركية، كانت المواصفات الأصلية التي تمت صياغتها لغواصة نووية سوفياتية تهدف إلى استخدامها لإطلاق طوربيدات نووية هائلة في موانئ الخصم والمدن الساحلية. وفي ذلك الوقت، كان الاتحاد السوفياتي يفتقر إلى الصواريخ بعيدة المدى أو القاذفات التي يمكن أن تضرب بسهولة معظم الولايات المتحدة القارية. ومع ظهور هذه القدرات في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، تم تعديل تصميم "مشروع 627" للغواصات النووية، ليعكس دوراً مضاداً للسفن، مع ثماني أنابيب طوربيد موجودة في القوس، وأنظمة قتالية مأخوذة من غواصات الديزل من فئة "فوكس تروت".

وأُطلق أول قارب من مشروع 627 السوفياتي، في عام 1957 وقام بأول رحلة له، في ظل الطاقة النووية، في يوليو (تموز) 1958، باستخدام تصميم مفاعل أثبت بسرعة التحمل غير العادي للغواصات النووية، إذ شرعت في رحلات بحرية لمدة شهرين أثناء غمرها. وفي عام 1962، أصبحت أول سفينة سوفياتية تسافر إلى القطب الشمالي.

الطرازات "الأكثر رعباً"

وعلى مر سنوات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، احتدم سباق الغواصات النووية حول العالم، لا سيما بين الاتحاد السوفياتي آنذاك والولايات المتحدة، لكن بقيت أنواع بعينها تتميز بـ"القدرة والقوة الخارقة"، إذ يوضح موقع "ميليتري فورسس"، المتخصص في الشؤون العسكرية نحو 12 طرازاً مختلفاً منها حول العالم موجودة في الخدمة، أبرزها غواصات "أوهايو" النووية الأميركية المستخدمة في البحرية الأميركية منذ العام 1981، و"الأكثر رعباً"، فضلاً عن الغواصات "سي وولف ولوس أنغيلوس وفيرجينيا" وثلاثيتهما غواصات هجومية سريعة تحمل صواريخ باليستية ورؤوساً نووية ويطلق عليها "إس إس إن - 774". أما في روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقاً) فتوجد غواصات "التايفون" التي دخلت الخدمة في ثمانينيات القرن الماضي، و"بوريتمثل" و "دلتا 4" الروسيتين الأكثر تطوراً، فضلاً عن غواصات "أكولا" التي بدأت الخدمة في الجيش السوفياتي عام 1986 وهي غواصات هجومية. و"سيرا" (مشروع 945) هي غواصة نووية، جاءت بعد مشروع الغواصة "ألفا". كذلك تمتلك بريطانيا طراز غواصات "فانغارد" الأضخم لديها التي تم إنتاجها عام 1994، وتحمل صواريخ باليستية، أما فرنسا فلديها غواصات "تريمفانت" التي تم إنتاج أربع منها بين عامي 1997 و2010 وهي تحمل صواريخ باليستية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين عشرات الغواصات النووية التي تمتلكها كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والهند، ومع تباين بعض من قدراتها العسكرية، إلا أنها تبقى أكثر الأسلحة البشرية فتكاً التي تم تطويرها على الإطلاق، إذ على سبيل المثال، وفق ما توضحه مجلة "ذي ناشيونال انتريست" الأميركية، فإن الغواصة "أوهايو" التي تمتلكها البحرية الأميركية يمكنها أن تحول ما يصل إلى 288 هدفاً بحجم مدينة إلى رماد مشع في أقل من 30 دقيقة.

وعلى أساس القدرة والقوة، يشير الموقع ذاته إلى أقوى الغواصات النووية التي عرفتها البشرية حتي الوقت الراهن، ويضمها بشكل رئيس القوات البحرية في كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا.

 

في الحال الأميركية، تمتلك بحريتها الغواصة "أوهايو" النووية، والقادرة على حمل 24 صاروخاً باليستياً من طراز "يو جي إم-133 ترايدنت 2 دي 5"، ويمكن أن يحمل كل منها ما يصل إلى 12 رأساً حربياً نووياً من طراز "دبليو 88" بقوة تفجيرية تصل إلى 475 ألف طن. ووفق "أرمز كونترول أسوسييشن"، تتمتع غواصة أوهايو وصواريخ "ترايدنت 2" الخاصة بها، بالقدرة على استخدامها كأسلحة هجومية في الضربة الأولى. وبموجب مبدأ "مراجعة الموقف النووي لعام 2010"، تحتفظ الولايات المتحدة بما مجموعه 14 غواصة من طراز أوهايو. ومنذ العام 2016، تم نشر تسع غواصات من طراز أوهايو في المحيط الهادئ، بينما تم تخصيص خمس غواصات أخرى للمحيط الأطلسي.

وعليه تعد غواصات "أوهايو" من أكثر الأسلحة تدميراً على وجه الأرض، بل يري فيها عسكريون أنها أخطر الأسلحة التي صنعها الإنسان في تاريخ البشرية كلها، وأشد الغواصات فتكاً. وتشير مجلة "ذي ناشيونال انتريست" إلى أن هذه الغواصات الأميركية تحمل ما يزيد على نصف ترسانة الولايات المتحدة النووية على متنها، إذ يبلغ طولها 170 متراً، ويمكنها ضرب أهدافها من تحت الماء على بعد أكثر من 7 آلاف ميل بحسب الحمولة، موضحة أن من بين ما تتميز به هذه الغواصات قدرتها العالية على البقاء على مستوى منخفض وهادئ تحت الماء، لمنع الخصوم من استخدام أي وسيلة لتتبع تحركاتها، كما يمنح المفاعل النووى لها قدرة تحمل غير محدودة تحت الماء، إضافة إلى القدرة على الحفاظ على سرعات إبحار تبلغ 20 عقدة (23 ميلاً فى الساعة) مع إنتاج ضوضاء قليلة جداً، مما يجعلها أشبه بشبح يتحرك في أعماق المياه.

في البحرية الأميركية أيضاً، يتوقع أن تنضم قريباً الغواصة "كولومبيا" وهي الطراز الأحدث من "أوهايو"، إذ لا تزال البحرية الأميركية في مرحلة استكمال بنائها لإدخالها في الخدمة، التي تعد أكبر قليلاً من فئة أوهايو، لاستيعاب مفاعل جديد ومحرك مغناطيسي ضخم، يتمتع بهدوء كبير، لكنها لا تستطيع أن تحمل أكثر من 16 صاروخاً باليستياً من نوع "ترايدنت 2 دي 5."

تقول جمعية اتحاد العلماء الأميركيين للذرة، إن الغواصة كولومبيا تعتمد إلى حد كبير على التكنولوجيا المتوفرة في غواصات "فرجينيا" الهجومية، بل إن الغواصة كولومبيا، في بعض النواحي، تعتبر أحد الاشتقاقات المتقدمة والمحسنة لتصميم فرجينيا الممتاز، ومن المتوقع أن تدخل أول غواصة منها الخدمة بحلول العام 2031.

 

أما على الصعيد الروسي، فمن بين ما تمتلكه قواتها البحرية من أكثر من طراز من الغواصات النووية، إلا أنها تقوم في الوقت الراهن على بناء غواصات أخرى أكثر تطوراً وقدرة، يرى فيها المراقبون العسكريون نقلة في "عالم الغواصات النووية حول العالم"، ومن بين تلك الغواصات يأتي "مشروع بوري 955"، وهو أسطول من الغواصات الباليستية الجديدة من فئة "955 بوري" ذات القدرة العالية للغاية، على الرغم من أنها أصغر من مشروع "941 أكولا". وتعتبر غواصة بوري الروسية أكبر حجماً من "أوهايو وكولومبيا" الأميركيتين، لكنها تعد أهدأ غواصة نووية روسية يتم بناؤها حتى الآن، وتتضمن تقنية الدفع بالضخ. وتستطيع الغواصة "بوري" أن تحمل 16 صاروخاً باليستياً من طراز "آر أس أم 56 بولافا"، يحمل الواحد منها 10 رؤوس حربية نووية، يصل مداها إلى 8 آلاف كيلومتر، فيما تتراوح دقة الرؤوس الحربية بين 250 و300 متر.

في روسيا كذلك هناك غواصات "دلتا 4"، التي تعد عصب أسطول الغواصات الروسية المحملة بصواريخ باليستية حالياً، ووفق وكالة "نوفيستي" الروسية، فتلك الغواصات تعد منصة إطلاق ضخمة، فهي مزودة بـ 16 صاروخاً من طراز "آر-29 آر أم يو سينيفا" الباليستي بالوقود السائل، ويمكن للواحد منها أن يحمل ما بين أربعة وثمانية رؤوس حربية، كما يمكن للغواصة البالغ وزنها 18200 طن، أن تطلق الصواريخ في كل الاتجاهات من مسار ثابت في قطاع دائري ومن عمق يصل إلى 55 متراً تحت سطح البحر، ومن وضع متحرك بسرعة تصل إلى سبع عقد.

كذلك من بين الغواصات الأكثر فتكاً "885 إم ياسين" الروسية ذات الصواريخ الموجهة والمجنحة التي تعمل بالطاقة النووية، ويمكنها أن تحمل صواريخ نووية أو تقليدية على السواء، وتوضح وكالة "نوفيستي" أن هذه الغواصة يمكنها حمل 32 صاروخاً من طراز "كاليبر" للهجوم الأرضي، الذي يصل مداها إلى أكثر من 2500 كيلومتر، كما تتميز بأنها سريعة وهادئة للغاية، إضافة إلى أنها مزودة بأجهزة استشعار قوية للغاية.

وإجمالاً وفق التقديرات العسكرية الروسية والأميركية، فإن الغواصات الروسية لديها القدرة على ضرب المناطق الداخلية الأميركية، على بعد نحو 2000 كيلومتر من الساحل الشرقي الأميركي، فيما تبقى القدرات التدميرية للغواصات الأميركية أكثر فتكاً ودقة في إصابة الأهداف.

أما صينياً، فتعمل بكين التي بدأت أولى مشاريع أبحاثها في شأن الغواصات النووية في العام 1958، وفق موقع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، على تطوير غواصتها البحرية التقليدية العاملة بالديزل، بالتوازي مع التحرك باتجاه الغواصات النووية التي بدأت بناء أول واحدة منها في نوفمبر (تشرين الثاني) 1968 بجهود ذاتية.

 

ووفق مجلة "ذي ناشيونال انتريست"، تعد الصين ضمن الدول التي تطور هذا النوع من غواصات الديزل، معتبرة أن غواصتها من فئة "تايب -039 إيه" التي يطلق عليها "ياوان" تعد خلاصة عقود من الأبحاث الخاصة بتطوير الغواصات التقليدية، مشيرة إلى أن الصين تواصل تطوير هذا النوع من الغواصات لتجهيز أسطولها بأحدث التقنيات "المرعبة" من تلك الغواصات التي سيكون اكتشافها شبه مستحيل، بخاصة عندما يتم تصميم طرازات جديدة يمكنها العمل على أعماق أكبر تحت سطح الماء، مضيفة أنه بالهدوء والتخفي ولديها قدرة على البقاء تحت سطح الماء لفترات طويلة، ويتم تطويرها لتجميع بين قدرات الغواصات الهجومية وغواصات الصواريخ المضادة للسفن.

وفيما تقول مجلة "ديفينس نيوز" الأميركية، المعنية بالشؤون العسكرية، إن من بين المشاريع "الخارقة" في مجال تصنيع وتطوير الغواصات النووية هناك مشاريع فرنسية وصينية لإنتاج غواصات نووية حاملة للصواريخ الباليستية من الجيل الثالث، القادرة على التخفي والحركة بصورة أكبر، وتنفيذ هجمات مميتة ضد أساطيل الأعداء والمواقع الأرضية أثناء اختبائها تحت الماء، وهو ما يجعل بعض الدول مثل الصين تركز جهودها في تطوير تقنيات جديدة لهذه النوع من الغواصات.

لماذا تجاوز العالم الغواصات التقليدية؟

وفق تقارير عسكرية واستراتيجية عدة، تنقسم الغواصات العسكرية إلى نوعين هما غواصات يمكنها البقاء لفترات غير محدودة تحت سطح الماء، لأنها تعمل بالطاقة النووية ويطلق عليها "غواصات نووية"، وهي باهظة الكلفة وتعتمد عليها الدول الكبرى، التي تجهزها بالصواريخ النووية العابرة للقارات، ويمكنها أن تصل إلى أي مكان حول العالم. والنوع الثاني هو غواصات الديزل الكهربائية، وهي ذات قدرة محدودة على البقاء تحت سطح الماء، وتحتاج كل فترة محددة أن تعود إلى قواعدها للتزود بالوقود، كما أنها تحتاج أثناء مهمتها الطفو على السطح لشحن خلايا الطاقة بالأكسجين اللازم لتشغيل محركاتها، مما يجعلها هدفاً منكشفاً في بعض الأحيان.

 

وعل الرغم من قدرة الغواصات التقليدية على التخفي، فإن تطوير وسائل رصدها من الأساطيل المعادية والطائرات المخصصة لرصد تلك الآلات العسكرية كان سبباً في مواصلة الخبراء العسكريين تطوير غواصات أكثر قدرة على التخفي، ومنها أنظمة دفع الهواء المستقلة "إيه آي بي"، التي تسمح لغواصات الديزل الكهربائية بالبقاء فترات أطول تحت سطح الماء. وتقول مجلة "ناشيونال انترست" الأميركية، "على الرغم من الهدوء الشديد لغواصات الديزل الذي يجعلها أكثر الغواصات رعباً، فإن طفوها إلى سطح الماء من حين إلى آخر يجعلها أكثر عرضة للرصد من قبل الأعداء"، مضيفة، "لهذا السبب طور العلماء تقنية جديدة تعرف بأنظمة دفع الهواء المستقلة، التي تسمح للغواصات بإعادة توليد الأكسجين من الوقود أثناء وجودها تحت الماء، فضلاً عن اتجاه بعض الدول نحو الاعتماد على الغواصات النووية".

ووفق المجلة الأميركية، فإن "مستوى الضوضاء الناتج من محركات الغواصة التقليدية يمثل نقطة فاصلة بين الحياة والموت، ففي حال تم رصد صوت الغواصة سيتم إغراقها"، مشيرة إلى أن هذه النقطة هي أحد أبرز النقاط التي تعمل عليها المشاريع الحديثة، وعمل عليها الخبراء العسكريون خلال العقود الماضية لمحاولة التخلص من مشكلة الصوت المرتفع، عبر الجمع في الغواضات النووية الجديدة بين ميزة الدفع النووي، وهدوء الغواصات غير النووية من طريق التحكم في الضوضاء الناتجة من مضخات تبريد مفاعلاتها.

 

موازين "متغيرة" للقوة

في أوائل مايو (أيار) الحالي، نقلت صحيفة "تايمز" البريطانية، حديثاً على هامش منتدى نظمه "معهد ماكين للقيادة الدولية" بواشنطن، حذر خلاله مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق ووزير الخارجية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد (الرئيسين الـ 37 والـ 38 للولايات المتحدة)، هنري كيسنجر، من خطر المواجهة المفتوحة بين الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة والصين على وقع السباق المحتدم نحو امتلاك الأسلحة النووية.

ووفق تقديرات كيسنغر، فإن "خطر اندلاع حرب نووية تفاقم خلال السنوات الأخيرة"، موضحاً "لئن كانت الأسلحة النووية بالفعل كافية لإلحاق الضرر بالعالم بأسره خلال الحرب الباردة التي شهدها القرن الماضي، فإن التقدم المتسارع في مجالي التكنولوجيا النووية والذكاء الاصطناعي اللذين تحتل فيهما كل من الصين والولايات المتحدة معاً مركز الصدارة، ضاعف تهديد سيناريو فناء البشرية"، مشيراً إلى أنه وللمرة الأولى في التاريخ "تمتلك البشرية القدرة على إفناء نفسها في فترة زمنية وجيزة. لقد طوّرنا قوة تفوق ما كان يتخيله أي شخص حتى قبل 70 عاماً، والآن يضاف عنصر التكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي للمعطى النووي، ويكتسي هذا الأمر قيمة هائلة في أي صراع بين القوى الرائدة تكنولوجياً".

وبحسب اتحاد العلماء الأميركيين وموقع "أرمز كونترول أسوسيشن"، فإن مجموع القطع النووية في الولايات المتحدة في العام 2019 قدر بنحو 6185 رأساً نووياً، بينها 3800 رأس حربي ضمن المخزون الأميركي، و2385 رأساً حريباً في انتظار التفكيك، وهناك 1365 رأساً نووياً استراتيجياً منشوراً على 656 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، وأخرى باليستية تطلقها الغواصات والقاذفات الاستراتيجية. مشيراً إلى أن الولايات المتحدة أجرت ما مجموعه 1030 تجربة نووية، أما أول اختبار فأجرته الولايات المتحدة العام 1945، والأحدث كان العام 1992.

 

وإجمالاً، تتملك البحرية 14 غواصة من طراز أوهايو، وضعت الأولى في الخدمة عام 1981. ويمكن لكل غواصة أن تحمل 24 صاروخاً باليستياً، يمكن إطلاقها من غواصة "ترايدنت 2"، ويحمل كل واحد حتى ثمانية رؤوس نووية، أي ما مجموعه 192 لكل غواصة بحسب البحرية الأميركية. وحالياً ينشر 232 رأساً نووياً على متن غواصات بحسب واشنطن. قوة الرؤوس النووية هي 100 أو 450 كيلوطن، وغواصات أوهايو التي تم تمديد فترة خدمتها ستستبدل بحلول 2030 بجيل جديد من الغواصات بقيمة اجمالية قدرها 350 مليار دولار.

أما روسيا، ففي العام 2019، قدر اتحاد العلماء الأميركيين مجموع الأسلحة النووية في روسيا عند 6490 بينها 4490 رأساً حربياً ضمن المخزون الروسي الاستراتيجي، و2000 رأس حربي تنتظر التفكيك. وتنشر روسيا 1446 رأساً حربياً استراتيجياً على 524 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، والصواريخ البالستية التي تطلقها الغواصات والقاذفات الاستراتيجية. وقدر مجموع التجارب النووية التي أجرتها روسيا بـ 715 تجربة، أما أول الاختبارات فكان عام 1949 مقارنة بأحدث اختبار عام 1990.

وتضم الترسانة النووية الروسية الموضوعة في الخدمة 1800 رأس استراتيجي مثبت على صواريخ بالستية عابرة للقارات، وصواريخ بالستية تطلق من على متن غواصات وقاذفات استراتيجية، و2700 رأس استراتيجي وتكتيكي ما زالت في الاحتياط. ولا تكشف وزارة الدفاع الروسية عن معلومات تتعلق بمخزونات الاسلحة النووية الروسية، مصنفة إياها بأنها معلومات سرية، لكنها تبلغ واشنطن بها بصورة مستمرة في إطار اتفاق روسي- أميركي.

وصينياً، وفق ما كتبه هال براندز في وكالة "بلومبيرغ" الأميركية العام الماضي، فبعد أن كانت الحكومة الصينية، منذ تاريخ أول اختبار نووي تجريه في العام 1964، حاولت امتلاك قدرات ردع نووية متواضعة بصورة نسبية، إذ كانت الترسانة النووية هناك تُحسب في أول الأمر بالعشرات، ثم تحولت في الآونة الراهنة إلى امتلاك ما لا يقل عن 200 رأس من الرؤوس الحربية النووية.

وذكر براندز أن الحكومة الصينية تعمل في الوقت الراهن على تعزيز وتوسيع قدرات الردع النووية لديها، مع بناء مزيد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، فضلاً عن تحسين مقدرة تلك الصواريخ على الوصول إلى وضرب الأهداف في داخل الولايات المتحدة. كما تواصل العمل على تطوير إمكانات "ثالوث نووي"، عبارة عن مزيج من القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى، والغواصات القادرة على حمل الصواريخ النووية والصواريخ المنطلقة من القواعد البرية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل القدرات النووية الصينية أكثر صموداً وقابلية للتحمل والاستمرار، في حال شن أي هجوم محتمل على الصين.

وذكر تقرير لوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في سبتمبر (أيلول) 2020، أن الصين تسعى إلى مضاعفة ترسانتها النووية خلال العقد المقبل، مشيراً إلى أن ذلك يشمل الرؤوس النووية الخاصة بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي يمكنها ضرب الولايات المتحدة الأميركية.

رعب الكوارث النووية

على مدى العقود الماضية تكررت في أكثر من حادثة كوارث الغواصات النووية، مما عكس المخاوف في كل مرة من احتمالات خروجها عن السيطرة وانعكاس تداعياتها على البيئة والبشرية، ففي أكثر من حادثة فقدت الولايات المتحدة والصين وروسيا ومجموعة من الدول الأخرى سفنها وأطقمها وعدداً من غوّاصاتها منذ ستينيات القرن الماضي.

وكانت آخر هذه الحوادث ذات الصلة قبل نحو عامين، وتحديداً في يوليو (تموز) 2019، مع حريق سيفيرومورسك "الغامض"، إذ اشتعلت النيران في غواصة روسية تعمل بالطاقة النووية في مدينة سيفيرومورسك المطلة على بحر بارنتس في الثاني من يوليو (تموز)، مما أسفر عن مقتل 14 بحاراً جراء التسمم بالدخان المنبعث من الحريق. وبعد أيام على الحادثة، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إن الغواصة العسكرية التي اشتعلت بها النيران كانت تعمل بالطاقة النووية، وذلك بعد يوم من تأكيد الكرملين أنه "لن يكشف" المعلومات المفصلة المتعلقة بالحريق، مشيراً إلى أنها تعتبر من "أسرار الدولة".

 

أما من بين أكثر حوادث الغواصات "رعباً"، فكانت تلك الحادثة في أغسطس (آب) عام 2000، عندما غرقت الغواصة النووية الروسية "كي-141 كورسك"، مما أثار حينها "هلعاً نووياً مع زيادة احتمالات التسريب الإشعاعي". ووفق ما عزته السلطات الروسية حينها، فقد غرقت الغواصة "كورسك" ذات الدفع النووي التي يبلغ وزنها 16 ألف طن، قرب القطب الشمالي في بحر بارنتس نتيجة تسرب وقود الطوربيد، مما أدى إلى سلسلة انفجارات أغرقت الغواصة، وأسفر عن مقتل 118 بحاراً كانوا بداخلها، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وفي العام 1989، كانت حادثة غواصة "كومسوموليتس K-278 " السوفياتية، التي يبلغ وزنها 8 آلاف طن، وواحدة من أعلى الغواصات أداء على الإطلاق، بعدما اشتعلت النيران في السابع من أبريل (نيسان) في القسم الخلفي من الغواصة النووية أثناء إبحارها على عمق 380 متراً في بحر النرويج، ليلقى حينها 42 بحاراً مصرعهم، وظلت الغواصة التي يصل طولها إلى 120 متراً غارقة تحت 1700 متر من سطح بحر النرويج، ولا تزال الغواصة الغارقة تطلق الإشعاعات الضارة حتى هذا اليوم، وفق ما يشير موقع "إن بي سي نيوز".

وفي 12 أبريل (نيسان) من العام 1970، غرقت كذلك الغواصة السوفياتية النووية "كي 8" قبالة الساحل الشمالي الغربي لإسبانيا، بعد اندلاع حريق في اثنتين من مقصورات الغواصة خلال تمرين بحري واسع النطاق، وتوفي 52 من أفراد الطاقم بسبب التسمم بغاز ثاني أكسيد الكربون. ونجا 73 تم نقلهم إلى سفينة الإنقاذ. وكانت أول خسارة لغواصة سوفياتية تعمل بالطاقة النووية، بحسب صحيفة "موسكو تايمز" الروسية.

وفي 24 مايو (أيار) عام 1968، تعرضت الغواصة السوفياتية "كي 27"، لانهيار بمفاعلها الجانبي في بحر بارنتس، على الرغم من تحذير الطاقم من أن المفاعل قد تعرض لخلل مشابه في العام 1967، وتعرض طاقمها المكون من 124 بأكمله للإشعاع، وذلك بعد أقل من عام من تعرض أول غواصة سوفياتية تبحر بالطاقة النووية "كي 3"، في 8 سبتمبر (أيلول) 1967 لحريق هيدروليكي في أنابيب الطوربيد، مما أدى إلى تراكم أول أكسيد الكربون ومقتل 39 بحاراً، بحسب وكالة "نوفيستي" الروسية.

 

وعلى صعيد البحرية الأميركية، كانت حادثة الغواصة "إس إس إن سكوربيون 589"، الهجومية في 22 مايو (أيار) 1969، حين فقدت الغواصة النووية الأميركية على بعد 400 ميل جنوب غربي جزر الأزور، وعلى بعد 1450 كيلومتراً من البرتغال، وكان على متنها 99 بحاراً. وذكر موقع "هيستوري نت" أن الحادثة لا يزال لغزا، لا سيما أن البحرية الأميركية أطلقت عملية بحث واسعة حينها، قبل أن تعلن في الخامس من يونيو (حزيران) من العام نفسه فقدانها.

وفي العاشر من أبريل (نيسان) 1963 غرقت الغواصة الأميركية "إس إس إن ثريشر 593" وعلى متنها 129 بحاراً، وكانت أول كارثة غواصة نووية، وغرقت الغواصة 1300 قدم، وذكرت البحرية الأميركية حينها أنه وقبل خمس دقائق من فقدان الاتصال بها، تلقت سفينة الإنقاذ سكايلارك إرسالاً مشوشاً، جاء فيه إن ثريشر تواجه بعض الصعوبات الفنية البسيطة، وذلك قبل أن يلتقط السونار صوت انفجار ثريشر، وتوصلت محكمة تحقيق تابعة للبحرية إلى أن عطلاً في الطوربيدات تسبّب في وقوع الحادثة، بحسب موقع "سي كوست".

وصينياً، سجلت بكين العام 2003 غرق الغواصة "مينغ 361" أثناء مناورات في البحر الأصفر شرق البلاد، بعدما أصيبت بأعطال فنية أدت إلى نقص إمدادات بالأكسجين ومصرع 70 من طاقمها.

المزيد من تحقيقات ومطولات