Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"القداس الأخير" رواية المتطرفة الأوروبية التي فجرت كنيسة

وجهة نظر الراوي تسيطر على السرد وبعض المقاطع يتحول إلى مقالات

لوحة للرسامة سهير سباعي (صفحة الرسامة على فيسبوك)

تناقش رواية "القداس الأخير" ( الدارالمصرية اللبنانية) للروائي المصري ولاء كمال، قضية شائكة تتعلق بالإرهاب والتفجيرات التي تجري في الغرب، على يد أوروبيين جرى تجنيدهم من قبل جماعات متطرفة في  الشرق. أول ما يلفت الانتباه في هذه الرواية هو عتبات النص المتعلقة بالغلاف، الذي يغلب عليه اللون الأسود مع صورة لكعب كتاب تراثي تنز من أعلاه الدماء، وتحيط به قطعة قماش حمراء داكنة شبيهة بلون الدم، محاطة من كل جانب بالسواد. وهذه القماشة تشبه تلك التي يختفي خلفها المذبح في الكنائس. والكتاب التراثي الذي يظهر كعبه على غلاف الرواية يشير إلى الجماعات الإرهابية التي  تأخذ أفكارها المغلوطة حول الدين من مثل هذه الكتب التي لا تناسب العصر الحالي، واللون الأحمر يدل على الدم  الذي يراق بسبب هذه الأفكار.

أما عن عنوان الرواية "القداس الأخير" (2020) فيبدو مستهلكاً، فكلمة "الأخير" تملك في حد ذاتها نوعاً من الشاعرية، وأيضاً تطرح بما تملكه من غموض، تساؤلاً في ذهن المتلقي عن ماهية هذا الأخير المتحدث عنه. إلا أن التكرار كما هو معروف يقتل الدهشة، ويفقد العبارات المجازية مجازيتها وشاعريتها ويجعلها عادية، وأقرب إلى ما يعرف بالاستعارات الميتة " dead metaphor". 

سيرة متطرفة

تأتي أحداث الرواية بضمير المتكلم حول سارد لا يذكر اسمه، يتراوح حديثه ما بين الزمن الماضي والحاضر، يعمل أستاذاً جامعياً في تاريخ الفن الغربي. هو في بداية الأربعينيات من عمره، ذو طابع عبثي في نمط حياته، يشارك أجهزة الأمن في كتابة تقارير سرية حول زملائه من الكتاب والمبدعين، وتقاريره تحدد من يفوز بجوائز الدولة. يلتقي هذا السارد خلال إحدى رحلاته في أوروبا  بماري، فيقرر الزواج منها، وتفاجئه بقرار إسلامها. إلا أنه بعد الزواج لا يستطيع التعايش مع ماضي زوجته وعلاقاتها الجنسية المفتوحة، ما يتسبب في انفصالهما بعد خمسة أعوام، ليتفاجأ بعدها بسنوات خمس من الانفصال، بصورة ماري في  نشرات الأخبار، وقد فجرت نفسها داخل كنيسة في مسقط رأسها في دولة أوروبية. يقرر السارد الذهاب إلى مدينة زوجته السابقة، ليضع كتاباً حول الأسباب التي دفعت ماري للقيام بهذه العملية بعد أن تزوجت من غيره.

لا تخلو هذه الرواية من نظرة استشراقية، تتجلى في انسلاخ السارد عن مجتمعه دون أسباب مقنعة، وفي طلبه من زوجته أن يعيش معها في الغرب الذي لا يخفي ولعه بفنونه وآدابه وأفكاره، وربما يعكس ذلك كون كاتب الرواية مصرياً ولد في إنجلترا، كما ورد في التعريف به على الغلاف الخلفي للعمل. فالهوية الطاغية على السارد ومعارفه متعلقة بالغرب وفنون الغرب في عصر النهضة. ويورد ترجمات لأساطين الفن الغربي، ويقدم تحليلاً لكثير من الصور والتماثيل التي أبدعها فنانو هذا العصر من خلال زيارته للمتاحف الغربية، وكذلك بحضور قصائد وأغان أجنبية، وغياب كل ما هو عربي من هذا الجانب.

العامل النفسي

وإذا كان السارد يتجاهل التأسيس للجوانب الاجتماعية والنفسية للشخصيات الشرقية القليلة الظهور في الرواية، فإنه يغرق في تقديم السياق الاجتماعي الغربي والتحليل النفسي والاجتماعي للشخصيات الأوروبية، بخاصة الجانب النفسي والاجتماعي الذي يركز عليه لمعرفة الدوافع لدى ماري في تفجير نفسها في الكنيسة. وفي الأخير، يصل إلى نتيجة مفادها أن الإسلام لم يكن السبب في تطرف ماري. فهي شخصية متطرفة بطبيعتها بسبب ما تعرضت له من تنمر في طفولتها من قبل زملائها في المدرسة، فقد غرر بها من قبل أحد أفراد عصابة أطفال وانتهكت جنسياً، وهي في عمر الثانية عشرة، وجرى فضحها في المدرسة بين زملائها بوصفها عاهرة. كان يتم إلقاء القذارات عليها وإغراق وجهها في قاعدة الحمام، بخلاف العنف اللفظي الذي كانت تتعرض له مع غياب الحماية لها من قبل والديها وإخوتها. والعملية التي قامت بها ماري كان دافعها الانتقام من أفراد هذه العصابة على ما فعلوه بها، أكثر من كونها عملية دينية، بخاصة أنها هي التي اختارت واقترحت أن تفجر نفسها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يغيب عن الرواية في كثير من أحداثها تعددية الأصوات، حيث نظرة السارد هي المسيطرة على النص، لذا تحضر سرديات تصلح أن تكون مقالات للرأي عن كونها سرداً روائياً. وقد ساعد المؤلف في ذلك كون الرواية بضمير المتكلم ما يسمح للسارد التعبير عن وجهة نظره بشكل مقالي، قامعاً كل وجهات النظر المقابلة لوجهة نظره.

وأهم ما يميز "القداس الأخير" هو ذلك الطرح المختلف الذي تقدمه حول صورة الإرهابي وتجسيده كإنسان، هناك عديد من العوامل التي تدفعه إلى التطرف. إضافة إلى التعريف بنمط الحياة في الغرب عبر أسرة غربية تمارس العنصرية تجاه العرب والمسلمين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة