من حسن الحظ أن مجلس الوزراء البريطاني ليس شركة لوكلاء السفر، فلو كان كذلك لاستهدفته قريباً تعليقات سلبية ينشرها الناس على موقع "تريب أدفايزور" الإلكتروني. ولا يقتصر الأمر على أن نظام "إشارات المرور الضوئية" (إشارة إلى تسمية لوائح البلدان المسموح السفر إليها، تحمل تسميات الألوان) مُربك بطبيعته، باعتبار أن "لون الكهرمان" (الذي تحمله تسمية إحدى تلك اللوائح) له دلالات مختلفة تماماً لدى اشخاص مختلفين، بل أيضاً لأن "التوضيحات" الإضافية التي يقدمها أعضاء الفريق جميعاً تختلف بعضها عن بعض بشكل ملحوظ.
لم يمض وقت طويل على إصدار جورج يوستيس، وهو أكثر مستشاري السفر مرونة، كتيبات للراغبين بقضاء عطلة تحت أشعة الشمس الكهرمانية (لزن العنبر وهو لون الشفق عند غروب الشمس) جاء فيها "لا نريد أن نتوقف عن السفر بشكل كامل. وبحسب توضيح مات هانكوك، إن السبب في امتلاكنا "قائمة كهرمانية"، يكمن في ضرورة وجود أسباب تفسر حاجة الناس للسفر، ويشمل ذلك إجراء زيارات عائلية أو ربما زيارة أصدقاء".
في المقابل، بدا زميله مات هانكوك أقل حماسة، وأكثر حرصاً في التشجيع على قضاء الإجازة ضمن إحدى دول "القائمة الخضراء"، كأن تكون البرتغال، أو ربما جزر "فوكلاند"، على سبيل التغيير.
وفي المقابل، يُوّجه الرئيس بوريس جونسون المعروف بحرصه على التمتع بأوقات الفراغ والإجازات، تحذيراً صارماً على نحو غير مألوف عنه، بشأن المغامرة بالذهاب إلى مناطق "القائمة الكهرمانية". إذ يجب ألاّ يتوجه الناس إلى دولة وارد اسمها على "القائمة الكهرمانية" إلا "بسبب ظروف قاهرة كمعاناة أحد أعضاء الأسرة مرضاً خطيراً. (ويعني ذلك إنه) لا ينبغي بكم أن تذهبوا في عطلة إلى أحد البلدان المدرجة على القائمة الصفراء".
واستطراداً، لا تأتي صورة أكثر وضوحاً مِنْ قِبَلْ نظراء أعضاء مجلس الوزراء (البريطاني)، في اسكتلندا التي تُخبِرْ رسمياً المسافرين المحتملين إلى إحدى دول "القائمة الكهرمانية" إنه "يجب أن تفكروا ملياً قبل أن تحجزوا رحلة إلى بلد أو منطقة واردة على "القائمة الكهرمانية" بهدف قضاء العطلة هناك أو أي شأن آخر من أغراض الاستجمام. إذ ينطوي السفر إلى الخارج على مخاطر العودة إلى اسكتلندا بحالات جديدة وأنواع متحورة أخرى من فيروس "كوفيد- 19" المُعدي".
ولدى إجراء مقارنة بين التوجيهات الرسمية المختلفة، لا تترك النصيحة المنشورة على موقع الحكومة الإلكتروني والموجهة إلى إنجلترا، مجالاً للشك، إذ يجيء فيها "عليك ألا تسافر إلى إحدى الدول أو المناطق الواردة على القائمة الكهرمانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والواقع أن الرسائل الحكومية لا يمكن أن تكون أشد تناقضاً وإرباكاً مما هي عليه الآن. وليس ذلك أمراً مشجعاً. وكلما ازداد التباس الرسائل أو تناقضها، بات المجال أكبر أمام التهرب غير المتعمد أو المقصود من قواعد السفر والحجر الصحي حين العودة إلى البلاد من دول كإسبانيا (بل خصوصاً إسبانياً، باعتبار أن بعض الجزر تطبق قواعد مختلفة عن تلك المعمول بها على البر الرئيس فيها). إنها حالة فوضى عارمة.
وفي الإطار نفسه، تظهر التجربة أن الجمهور البريطاني يفضل كثيراً القواعد الواضحة التي لا يشوبها الغموض، وليس تلك النداءات الغامضة التي تدعو الناس إلى تحمّل مسؤولية أنفسهم أو الاحتكام إلى الفطرة السليمة. قد تكون تلك العبارات مساعدة بالنسبة للوزراء حين يكونوا في حاجة إلى العثور على ذريعة لتبرير الفشل في السياسة، بالتالي يستطيعون إلقاء اللوم على الجمهور لكونه تصرف على نحو غير مسؤول أو فشل في اتبّاع الفطرة السليمة. في المقابل، لا تفيد تلك العبارات على الإطلاق في منع الأزمة من التفاقم بأكثر مما تفعله عليه.
هل يجب أن يسافر الناس إلى الخارج لقضاء عطلة؟ تتمثّل الحقيقة المزعجة في عدم امتلاك الحكومة إجابة صحيحة على هذا السؤال. وكذلك يمكن نقل حتى المناطق المدرجة على القائمة "الخضراء" الأكثر أماناً إلى قوائم المناطق الكهرمانية أو الحمراء، والعكس صحيح فعلاً. وفي الواقع، لن يكون الزوار البريطانيون موضع ترحيب بالضرورة في كل الوجهات المفضلة لديهم لقضاء إجازاتهم، على أي حال.
وكخلاصة، بات السفر أغلى وأكثر تعقيداً في الاتجاهين (بمعنى بلد المغادرة والدولة المقصودة) بسبب القواعد المتعلقة بالاختبار والحجر الصحي في فنادق محددة. ومن المؤكد أن المتاعب الإضافية واستمرار حالة عدم اليقين والفوضى، يؤديان إلى تنفير بعض المصطافين فيمتنعوا عن إجراءات الحجز. واستطراداً، إن هذا أمر موجع بالنسبة لهم وأيضاً إلى قطاع السفر الذي يتعرض سلفاً لضغوطات شديدة بسبب الجائحة، بيد أنه أفضل في ظل الحالة الصحية في البلاد، أن تؤخذ العناصر كلها في الاعتبار.
© The Independent