Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة الحكومية تشتد في لبنان على وقع رسالة رئاسية إلى البرلمان

كتل نيابية تعمل على نزع فتيل التوتر والحرص على عدم كسر عون أو الحريري

عون والحريري يصعّدان وكتل نيابية تسعى لنزع فتيل التوتر ( اندبندنت عربية - علاء رستم)

وجّه رئيس الجمهورية ميشال عون بعد ظهر الثلاثاء 18 مايو (أيار) الحالي، رسالة إلى مجلس النواب حول التأخير في تشكيل الحكومة، وطلب مناقشتها في الهيئة العامة للمجلس وفق الأصول الدستورية.
ولبّى رئيس البرلمان نبيه بري طلب عون ودعا إلى جلسة يوم الجمعة المقبل (21 مايو)، عند الساعة 2 من بعد الظهر بالتوقيت المحلي.
 خطوة رئيس الجمهورية وإن كانت دستورية، إلا أن البعض حذر من تداعياتها، لا سيما الطائفية منها، خصوصاً أنها جلسة عامة شكلية، إذ لا يمكن أن تغير في المشهد المتأزم حكوميا،ً بل ستزيد الهوة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري، وتعيد العلاقات مع رئيس البرلمان إلى نقطة الصفر، وسط مخاوف من تحولها إلى "مواجهة مارونية – سنية" بين موقعَي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، في ظل "حذر شيعي" من انفجار القنبلة في مجلس النواب، واحتمال انعكاسها على الشارع المهتز أصلاً جراء المشكلات الاقتصادية والمالية.
هذه المخاوف دفعت رئيس البرلمان إلى تكليف معاونه السياسي، النائب علي حسن خليل، التشاور مع "حزب الله" حليف "التيار الوطني الحر" (حزب رئيس الجمهورية) لتحضير أجواء الجلسة قبل انعقادها تفادياً لتحولها إلى جلسة تصادم قد لا تحمد عقباها، علماً أن بري سبق أن حاول قبل ذلك التدخل لدى رئيس الجمهورية لإقناعه بعدم إرسال الرسالة إلى المجلس النيابي، ونجح سابقاً في تأجيل الموضوع، إلا أن الرئيس عون كان مصمماً هذه المرة، فهو أراد رمي الكرة في ملعب البرلمان داعياً الكتل النيابية إلى إعادة النظر في تكليف الحريري، أو تحمل مسؤولية الجمود القاتل على صعيد الأزمة الحكومية.  

ماذا تتضمن الرسالة؟

يتهم رئيس الجمهورية في رسالته الموجهة إلى مجلس النواب، الرئيس المكلف سعد الحريري بأَسر التأليف وتجاهل كل مهلة معقولة لتشكيل حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبية والصناديق الدولية والدول المانحة.
ويقول رئيس الجمهورية في الرسالة "لا يجوز أن تبقى أسباب التأخير موضع تكهن أو اجتهاد، ولا أن تأسر التأليف إلى أفق غير محدد"، مشدداً على سهره على "عدم نشوء أعراف دستورية خاطئة عند التأليف". وتؤكد رسالة الرئيس على أنه لا مفر من التقيد بالنهج الواجب والمعهود في تأليف الحكومات الذي يرتكز على عدالة توزيع الحقائب بين الكتل البرلمانية المشاركة. وتتهم رسالة عون الحريري بعدم تقديم تشكيلة تحظى بالاتفاق، وبأنه منقطع عن إجراء الاستشارات النيابية وعن التشاور المستمر والواجب مع رئيس الجمهورية. وقال رئيس الجمهورية متوجهاً إلى المجلس النيابي "تشكيل الحكومة ممكن إذا ما تخلى الرئيس المكلف عن مقولة إنه هو مَن يشكل، وإن رئيس الجمهورية يصدر المرسوم".

عون انتظر 7 أشهر

وتشرح مصادر مقربة من رئيس الجمهورية، أن عون اضطر أن يرسل الرسالة إلى المجلس النيابي بعدما انتظر أكثر من 7 أشهر على التكليف، إذ مضت أشهر طويلة على آخر زيارة للحريري إلى بعبدا (مقر القصر الرئاسي) عندما قدم صيغة لم يقبل بها الرئيس، فغادر بعدها الحريري القصر ولم يعد مجدداً. وتقول مصادر بعبدا لـ"اندبندنت عربية" إن رئيس الجمهورية وجّه للحريري أكثر من دعوة، إن عبر الإعلام أو من خلال بعض الوسطاء وفي مقدمهم البطريرك الماروني بشارة الراعي، داعياً إياه إلى الجلوس معاً للتباحث بصيغة جديدة تضم 24 وزيراً، اقترحها عليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
وآخر محاولة تقول مصادر بعبدا، كانت من قبل البطريرك، ولم يحصل أي تجاوب من جهة الحريري الذي بقي مصمماً على الصيغة الأولى التي اقترحها، سبق ورفضها عون. وأمام هذا الواقع المتعثر والجمود القاتل، لم يتبق أمام رئيس الجمهورية، وفق المصادر، سوى مخاطبة المجلس النيابي صاحب التكليف، ودعوته إلى تحمل مسؤوليته، إما من خلال رفع توصية يدعو فيها الحريري إلى التأليف، أو باتخاذ قرار في إعادة النظر في التكليف.
وتكشف المصادر أن البطريرك سعى إلى ترتيب لقاء بين عون والحريري قبل عيد الفطر، لكن الأخير أبلغ الراعي بأنه سيغادر البلد ليمضي عطلة العيد مع عائلته، وبأن لديه بعض الانشغالات في الخارج بحيث سيغيب لأسبوعين. وتنفي مصادر بعبدا أي نية لدى رئيس الجمهورية بإحراج الحريري لإخراجه، لكنه لن يتراجع في الوقت ذاته عن موقفه المتمسك بالدستور الذي ينص على أن التشكيل يتم بالتعاون مع رئيس الجمهورية، ولا يعني التعاون أن يقتصر دور الرئيس على توقيع مرسوم التشكيلة الحكومية فقط.

المستقبل يتحضر للرد

على رسالة رئيس الجمهورية، أتى رد الرئيس المكلف سريعاً متوعداً بالمزيد في الجلسة المرتقبة في مجلس النواب. أما "رؤساء الحكومات السابقون" (فؤاد السنيورة، ونجيب ميقاتي، وتمام سلام) فاعتبروا أن رسالة عون مليئة بالمغالطات وفيها تحوير للوقائع.
وبحسب المعلومات، فإن الحريري سيعود من أبو ظبي للمشاركة مع كتلته في الجلسة. وغرد فور تبلغه بالرسالة كاتباً، إن "رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب إمعان في قلب الحقائق والهروب إلى الأمام والتغطية على الفضيحة الدبلوماسية العنصرية لوزير خارجية العهد (شربل وهبة) تجاه الأشقاء في الخليج العربي... وللحديث صلة في البرلمان".
وأكد عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار أن "رسالة عون هي قلب للحقيقة، وأخذ للبلد إلى سجالات فئوية وطائفية يبرع في ممارستها فريق عون – باسيل". وأضاف الحجار أن "نواب كتلة المستقبل سيكون لهم موقف في الجلسة للرد على الرسالة خلال مناقشتها"، مضيفاً أنه "لم يشهد لبنان في تاريخ تأليف حكوماته، أن حصل هذا العدد من اللقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، التي بلغ عددها 16 اجتماعاً، حاول خلالها الحريري تحقيق تقدم أو اتفاق مع رئيس الجمهورية لكنه لم ينجح، إذ كان يصطدم دائماً بموقف عون الرافض لتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، وبرفض المبدأ الذي أصر عليه الحريري بعدم حصول أي فريق داخل الحكومة على ثلث معطل".
واتهم الحجار رئيس الجمهورية بالادعاء كلامياً ولفظياً بعدم مسؤوليته عن التعطيل، فيما هو عملياً من خلال شروطه وأدلة دامغة قدمها الحريري في آخر مؤتمر صحافي عقده لشرح ما وصلت إليه مساعي التأليف، مصرّ على "الثلث المعطل".
وختم الحجار بالقول إن "عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لا يريدان الحريري رئيساً للحكومة، وهما حاولا دفعه إلى الاعتذار وتطفيشه، فنعته الرئيس مرةً بالكذب ومرةً أخرى أرسل له ورقةً ليملأ الفراغ بالاسم المناسب.
كما أُطلق على الحريري في المراسلات صفة رئيس الحكومة السابق (وليس الرئيس المكلف تشكيل الحكومة) وكلها تصرفات تنم عن حقيقة موقف عون من تكليف الحريري". وزاد الحجار أن "الرئيس عون في رسالته يريد من المجلس أن يتصرف ويلغي تكليف الحريري بحجة عدم قدرته عن التأليف، أي بمعنى آخر يسعى عون إلى تثبيت نفسه كمقرر وحيد في الدولة، ويريد أن يغير النظام الحالي إلى رئاسي، وإخضاع مجلس النواب لرأيه وإرادته، وهو أمر غير دستوري وغير سليم ولن يحصل بأي شكل من الأشكال، وهذا ما سنقوله في مجلس النواب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سيناريو الجلسة

هادئة كانت أم متشنجة، لا شك أن جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية حول التأخير في تأليف الحكومة ستفرز اصطفافاً سياسياً وانقساماً بين الكتل النيابية التي ستتوزع بين مؤيدة للحريري وأخرى داعمة لعون. سيقف بري وجنبلاط مع الحريري، إضافة إلى "المستقبل". و"حزب الله" مع عون إلى جانب "التيار الوطني الحر"، لكن لكل منهم مخاوف من تداعيات الخطابات المتشنجة على الوضع اللبناني، التي قد لا تقتصر على استعداء الطائفة السنية، إنما قد تتعداها إلى خوض نقاشات خطرة ودقيقة لها علاقة بتعديل الدستور على خلفية المهلة المفتوحة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، وسط تخوف من أن يستتبع هذا النقاش مطالبات بتعديلات دستورية أخرى، قد تطيح باتفاق الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية) وتؤسس لنظام جديد يضرب المناصفة (بين المسلمين والمسيحيين في الحكم) ويطرح المثالثة التي طالب بها "حزب الله" مراراً. وتكشف مصادر نيابية أن نواب "حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" سيحاولون تقطيع الجلسة "بالتي هي أحسن"، من دون مشكلات، وسيعتمدون وفق ما كشف النائب أكرم شهيّب لـ "اندبندنت عربية" لغة العلم والمنطق في وقوفهم إلى جانب الرئيس المكلف، من دون أي تهجم أو اتهامات لموقع رئاسة الجمهورية، علماً أن شهيّب يعتبر أن "الجلسة ستشكل رافعة للحريري وستعيد شد العصب السني حوله".
أما على مقلب داعمي رئيس الجمهورية، فلن يألو نواب "التيار الوطني الحر" جهداً في تحميل الحريري مسؤولية تعطيل التأليف والحال التي وصل إليها البلد، فيما سيتخذ "حزب الله" بحسب المعلومات، موقفاً أقل حدة، انطلاقاً من تخوفه من ارتدادات مواقف نوابه في الجلسة على الشارع السني، وتحول المشكلة إلى طائفية. وفيما تؤكد مصادر نيابية أن النواب المستقلين، وهم في غالبيتهم من السُنة، سيتخذون موقفاً مؤيداً للحريري حرصاً على موقع رئاسة الحكومة وصلاحيات "الرئاسة الثالثة".
أما كتلة "القوات اللبنانية" التي تعمل منذ اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، على التمايز عن كل القوى الحاكمة في السلطة، فإنها ستجتمع وفق مصادرها مساء الخميس (20 مايو) أي عشية الجلسة، لتحديد الموقف المناسب من رسالة رئيس الجمهورية. وتؤكد مصادرها أن "القوات اللبنانية تنأى بنفسها عن أي صراع طائفي وعن أي جهة تريد أن تخلق صراعاً طائفياً غير موجود حالياً في لبنان، وهي تعتبر أن المشكلة ليست بين طوائف في لبنان، وهي لا ترى أن هناك إمكانية لأي تعديل دستوري، كما لا تعتبر أن هناك مشكلة دستورية، فالدستور بحسب القوات اللبنانية لا مشكلة فيه وهو واضح ولا يحتاج إلى تفسير، إنما المشكلة هي في ذهنية سياسية، وحالة إنكار لا ترى الواقع ولا ترى مصائب اللبنانيين، كما أن المشكلة هي في حسن النوايا أو سوء النوايا تجاه البلد". وتعتبر مصادر نيابية في القوات اللبنانية أن "دور مجلس النواب في تأليف الحكومات ينحصر في أمرين، الأول تسمية الرئيس المكلف والثاني إعطاء الثقة للحكومة المكلفة، وبين هذين الأمرين القانونيين لا دور للمجلس النيابي في عملية التأليف، كما أن الدستور لا ينص على سحب التكليف وهذا الطرح يحتاج إلى تعديل دستوري، والقوات لا ترى أن الوقت مناسب لإجراء تعديلات دستورية. أما العلاج بحسبها فهو رحيل كل هذه الطبقة السياسية الحاكمة من رأسها إلى كل السلطات فيها، والسير في انتخابات نيابية مبكرة، وكل ما عدا ذلك هو مضيعة للوقت".
في أي حال، إذا نجحت الاتصالات التي يجريها رئيس مجلس النواب في التخفيف من حدة الخطابات وحصرها بالحجج القانونية والدستورية والنقاشات الهادئة، فقد تمر الجلسة كأي جلسة عادية من دون أي قرار حاسم، أو على أبعد تقدير قد يصدر المجلس توصيةً تدعو إلى الإسراع في التشكيل حرصاً على الوضع في البلد. وتكشف مصادر نيابية أن العمل جارٍ على خط عين التينة (مقرّ رئاسة البرلمان) – الضاحية (معقل حزب الله)، للدخول إلى الجلسة بتخريجة تكون "على الطريقة اللبنانية" أي بألا يخرج رئيس الجمهورية منها مكسوراً وكذلك الحريري. والتخريجة التي يتم العمل عليها، تلتقي مع رغبة عون في الإسراع بتشكيل حكومة من جهة، ودعوة الحريري إلى الإسراع في التشكيل، مع أهمية الاتفاق على التشكيلة بين الرئيسين بما يسمح استمرار عملها وعدم تعطيلها.  

المزيد من العالم العربي