دحض الجزائريون في الجمعة الـ11، في 3 مايو (أيار)، مخاوف فشل حراكهم الشعبي المناهض لرموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على مقربة من بدء شهر رمضان، وفي ظل تمسك قيادة أركان الجيش بالحل الدستوري لتسوية الأزمة التي تعيشها البلاد. إذ خرج الملايين إلى الشوارع، تعبيراً عن رفضهم إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو (تموز) المقبل، والمطالبة ببدء مرحلة انتقالية تُشرف عليها هيئة رئاسية، تردّد اسم وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي لقيادتها.
غضب على قايد صالح
تميزت مسيرة 3 مايو، بتوجيه انتقادات حادة إلى قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح من قبل المتظاهرين، الذين عبّروا عن غضبهم مما وصفوه محاولته لـ"عرقلة" حراكهم الشعبي والالتفاف على مطالبهم برحيل رموز نظام بوتفليقة كافة، الذي مرّ شهر كامل على تقديمه استقالته.
وهتف المتظاهرون عدة شعارات "ناقمة" على قايد صالح على غرار "أنا أسف يا قايد صالح هذا الشعب ليس غبياً"، و"هذا الشعب لا يريد بن صالح صالح والسعيد (الشقيق الأصغر لبوتفليقة)"، بالإضافة إلى "الجيش ديالنا (ملك لنا) والقايد خاننا".
ويبدو أن خطاب قائد الأركان الأخير، الذي أعلن فيه تمسكه بالانتخابات الرئاسية، أثار حفيظة الشارع الجزائري، الذي يدعو إلى رحيل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، وحكومة رئيس الوزراء نور الدين بدوي كبداية للحل. وكان ينتظر من المؤسسة العسكرية، التي تعهدت الالتزام بمطالب الشعب، الإسراع بالاستجابة إليها، ومنها عدم التعامل مع هؤلاء في تسيير شؤون المرحلة الانتقالية.
وفي هذا السياق، ردد المحتجون شعارات تعكس رفضهم إجراء الانتخابات، أبرزها "مكاش (لا يوجد) انتخابات يا نظام العصابات" و"لن أنتخب" و"لا لانتخابات المزورين ولا لحوار الطرشان ولا لعدالة الهاتف تحت سلطة العصابة… نريد مرحلة انتقالية برجالات نظيفة لأن الشعب هو الدستور".
السلطة للشعب
في مسيرة 3 مايو، عاد الجزائريون إلى المطالبة بتفعيل نص المادتين 7 و8 من الدستور اللتين تنصان على أن "الشعب مصدر السيادة والسلطة". وكتب أحد المواطنين "نطالب بتطبيق المادة 7 و8، نريد رئيساً شاباً… ارحلوا".
وحمل المتظاهرون صوراً لشخصيات يريدون منها أن تقود المرحلة الانتقالية، يتقدمها وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ورئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور والمحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي وأسماء أخرى.
وللأسبوع الثالث على التوالي، قامت السلطات الجزائرية بإغلاق مداخل العاصمة لتعطيل دخول المتظاهرين، لدواع تصفها بـ "الأمنية"، إلا أن ذلك لم يمنع مشاركة الآلاف من المتظاهرين في العاصمة، حيث تجمّعوا، منذ الصباح في ساحة البريد المركزي وساحة موريس أودان.
ملاحقة الفاسدين
مع مثول شخصيات أمام القضاء بشبهة الفساد، في سلسلة تحقيقات ضد رجال أعمال نافذين ومسؤولين كبار في الدولة، عبّر الجزائريون عن رفضهم القاطع لما أسموه بـ "العدالة الانتقائية والانتقامية". إذ يعتقدون أن تحرك القضاء جاء لخدمة بعض المصالح وتصفية الحسابات بين رموز النظام، الذين يسعى كل واحد منهم إلى النجاة بنفسه.
ويطالب الجزائريون بكشف حقيقة المحاكمات التي أُعلن عنها مع رجال أعمال وشخصيات سياسية مرتبطة بعائلة بوتفليقة، مشككين في خلفيات فتح ملفات الفساد في هذا الوقت بالذات. إذ يصنفونها في خانة صرف اهتمام الرأي العام عن مطالبه الأساسية وهي رحيل رموز النظام، خصوصاً في ظل التحفظ على تقديم السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل، ومعه رئيس الاستخبارات السابق محمد مدين (الجنرال توفيق) إلى العدالة.
رمضان ومصير الحراك
بالتزامن مع الجدل المثار حول مصير الحراك الشعبي في الجزائر مع حلول شهر رمضان، ردد المتظاهرون شعارات عدة تؤكد مواصلتهم الخروج إلى الشارع. إذ كتبت إحدى السيدات "قوتنا في وحدتنا، نحن شعب لا يعرف الاستسلام". كما حمل مواطن آخر شعار "إصراركم على البقاء يزيد من عزيمتنا... لا حوار مع العصابات، ارحلوا، قضيتنا واحدة هي تحرير الجزائر". وطيلة مسيرة 3 مايو، هتف المتظاهرون "كل يوم مسيرة مراناش حابسين وفي رمضان خارجين (لن نتوقف وسنخرج حتى في شهر رمضان)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال مشاركته في مسيرات العاصمة، دعا بوشاشي الشعب الجزائري إلى الصبر، ومواصلة ثورته السلمية حتى تحقيق مطالبه. وقال "نحن جزء من هذا الشعب، والذين قاموا بهذا الحراك السلمي هم شباب، ونحن نسير معهم وقوة الشعب في هذه الوحدة". وأضاف "يجب أن يكون لدينا الصبر، فالكثير يسألونني إلى متى؟ وما نقوله هو يجب أن نبقى صابرين. فالنظام الذي خرّب هذه البلاد وسرق أموال الشعب وأذلنا وسيّر البلاد بالهاتف لأكثر من 20 سنة، يجب أن نصبر معه، ولا يجب أن نقول 10 أسابيع أو شهرين".
مسيرة الطلبة
لعل أهم ما ميز الجمعة الـ11 مشاركة الطلبة القوية، الذين تكفلوا بمهمة توزيع الشعارات على المتظاهرين، وتصدروا الصفوف الأمامية للمسيرات من خلال ترديد هتافات تجاوبت معها الحشود المتظاهرة.
وقال فتحي (24 سنة)، وهو طالب في الجامعة المركزية بالعاصمة، إن مشاركة الطلبة جاءت لتحافظ على زخم المسيرات الأسبوعية، بالإضافة إلى تأطيرها. وسيكون الاختبار الأول لمدى استمرار التعبئة لدى الجزائريين الثلثاء المقبل، في المسيرات الأسبوعية التي اعتاد طلاب الجامعات على تنظيمها في كل أنحاء الجزائر.