Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغيير العملة الوطنية في الجزائر بين من يراه ضرورة ومن يفضل التريث

"لن يكون الإصلاح مجدياً دون نظام مصرفي متين وإعادة تفعيل البورصة بما يشجع الاستثمارات ويستقطب الأموال"

لجأت الحكومة الجزائرية إلى تخفيض قيمة العملة المحلية بنسبة 5 في المئة (وكالة الأنباء الجزائرية)

عاد الحديث مجدداً حول تغيير العملة المحلية في الجزائر، بعد الفشل في كبح انهيار "الدينار" ومواجهة استمرار سقوطه. وفي حين ترى جهات اقتصادية أن الخطوة ضرورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تستبعد السلطات الرسمية السير في هذا الاتجاه وتفضل التريث.

تراجع يتبعه تراجع

ومع بلوغ سعر العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" في البنك المركزي الجزائري، 161.88 دينار للشراء و161.95 دينار للبيع، واستقرار سعر الدولار الأميركي عند 133.48 دينار للشراء و133.49 دينار للبيع، ارتفعت الأصوات المنادية بضرورة اعتماد عملة جديدة لتجاوز الانهيار الحاصل للعملة الوطنية، وما تبع ذلك من ارتفاع في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية وتصاعد منحى نسب التضخم، وهي من الأسباب التي وضعت الشارع الجزائري على صفيح ساخن.
وفي حين ترى جهات أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر منذ سنوات، وتهاوي أسعار النفط منذ عام 2014، ساهمت في تراجع قيمة الدينار، تعتبر أخرى أن أزمة جائحة "كورونا" والإغلاق شبه الكلي، أسقطا "الدينار" بالضربة القاضية بعد بلوغه مستويات غير مسبوقة، من 78 ديناراً للدولار الواحد في بداية 2014 إلى 132.18 دينار حالياً. كما هبط سعره أمام اليورو من 108 دنانير إلى 162 ديناراً.
وبالعودة إلى ما جاء في موازنة عام 2021، فإن الحكومة الجزائرية لجأت إلى تخفيض قيمة العملة المحلية بنسبة 5 في المئة، بوضعها سعراً متوسطاً للدينار يقدر بـ142.20 للدولار الواحد خلال العالم الحالي، و149.31 دينار لعام 2022، و156.78 دينار لعام 2023، ما يكشف عن نوايا السلطة في عدم اللجوء إلى تغيير العملة في الوقت الحالي على الأقل.

خيار غير ممكن

في السياق، استبعد وزير المالية الجزائري أيمن بن عبدالرحمن، خيار استبدال العملة لاسترجاع الأموال الضخمة المتداولة في السوق الموازية والتي تعادل 60 مليار دولار. وقال إن "الأمر غير مطروح"، مشيراً إلى أنه "غير ممكن قانوناً لأن الورقة النقدية يجب أن يستمر تداولها 10 سنوات كاملة منذ تاريخ إصدارها، فضلاً عن أن الاستقرار القانوني في السوق المالية، وحتى الاقتصادية، يجعل من هذا الخيار غير ممكن".

وأكد الوزير أن "الدينار سيستعيد عافيته وقوته الاقتصادية في حدود نهاية السنة الحالية"، معتبراً أن عملية "إعادة تقييم للعملة الوطنية جارية حالياً حسب القدرات الاقتصادية للبلاد". وأضاف أن "الانطلاقة الاقتصادية التي ستشهدها الجزائر من خلال إطلاق مشاريع تنموية عدة ستعيد إلى العملة الوطنية بريقها وقوتها الاقتصادية وقيمتها"، موضحاً أن "العملة هي مرآة الاقتصاد، والدينار ليس في مرحلة انهيار كما يصوره البعض، بل هو في مرحلة استعادة عافيته".

ضرورة التغيير

في المقابل، رأى أستاذ الاقتصاد بوعلام دهامشي، أنه "بات ضرورياً اللجوء إلى تغيير العملة المحلية". وقال إن "الدينار الجزائري شهد تدهوراً، ومن شأن قرار تغيير العملة أن يعيده إلى الواجهة، ويمتص أموال السوق الموازية"، مبرزاً أهمية القرارات التي اتخذها الرئيس عبدالمجيد تبون، "والتي من شأنها أن تعيد بعث القطاع الاقتصادي بشكل عميق، غير أن الأمر يتطلب مزيداً من القرارات، وأهمها تغيير العملة".
واعتبر دهامشي أن "القرار الأكثر أهمية في الجزائر إذا رغبت السلطات في محاربة المال الفاسد، هو سحب العملة المتداولة حالياً وطبع أخرى جديدة، تجبر الأموال المكتنزة والمتداولة في السوق بطريقة غير قانونية على دخول البنوك الرسمية"، موضحاً أنه "ربما تجعل الجائحة الصحية العملية غير ممكنة، لكن من الأهمية عدم تفويت الفرصة، لأن أي عملية إعادة بناء للاقتصاد بعد سنوات الفساد الطويلة، تحتاج إلى تقييم دقيق".
وصرح أستاذ الاقتصاد بأن "استعادة فاعلية الدينار أمام العملات الرئيسة لا بد أن تمر بخطوات واضحة، أبرزها فرض التعامل بالشيكات، ما يجبر الجزائريين على إيداع أموالهم في البنوك"، مضيفاً أن "أي إصلاح لن يكون مجدياً دون إنشاء نظام مصرفي عميق وإعادة تفعيل البورصة بما يشجع الاستثمارات ويستقطب الأموال الهائلة المكدسة". وختم بالقول إن "أساس البنية الاقتصادية هو نظام مصرفي قوي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قرارات رئاسية

وتحاول السلطات الجزائرية التحرك في سياق مواجهة الأزمة، إذ دعا الرئيس تبون إلى الإسراع في إصلاح النظام المصرفي، كما قرر السماح للقطاع الخاص المحلي بتأسيس بنوك، وشركات نقل جوي وبحري للسلع والركاب لتقليص النفقات، وتفعيل الصيرفة الإسلامية للمرة الأولى في البنوك الحكومية. وأمر تبون بتقليص فاتورة الواردات بقيمة 10 مليارات دولار، وتشجيع الإنتاج المحلي والبحث عن أسواق خارجية لتصدير المنتجات الجزائرية، والعمل على استعادة السوق الموازية للعملة الصعبة ودمجها في التعاملات المصرفية الرسمية. وطالب باستعادة احتياطات الذهب المحلية من الأموال المجمدة منذ أكثر من 3 عقود على مستوى الجمارك وإدراجها ضمن الاحتياطات الوطنية.

3 أسباب

في السياق، شدد الباحث الاقتصادي سعيد بورنان، على أن "عدم لجوء الحكومة إلى تغيير العملة المحلية يعود إلى انعدام استقرار الاقتصاد وغياب استقلالية البنك المركزي، بالإضافة إلى ضعف نسبة التضخم، مقابل ما يستلزم بلوغه للانتقال إلى عملية تغيير العملة"، موضحاً أنه "في ظل منظومة مصرفية متخلفة، يبقى صعباً إتلاف العملة القديمة لقيمتها الكبيرة، مع صعوبة تحمل تكاليف التلف، وإصدار وطبع عملة جديدة، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها البلاد".

المشكلة أعمق

وفي الشأن ذاته، قال الإعلامي المتابع للشأن الاقتصادي، محمد وليد مذكور، إن "هذا الإجراء طرح وسوق له بقوة في وقت سابق لاسترداد أموال السوق الموازية التي تجاوزت 50 مليار دولار حسب آخر التقارير، فعلى الرغم من اتخاذ الحكومة إجراءات للقضاء على مشكلة السوق الموازية، وأهمها منح امتيازات ضريبية لأصحاب الأموال مجهولة المصدر لضخها في البنوك، وتحويلها إلى أموال شرعية، إلا أنها لم تستطع احتواء هذه المبالغ المالية الضخمة"، مبرزاً أن "المشكلة أعمق من تغيير العملة، لأننا نعيش أزمة ثقة في الجزائر، بخاصة مع البنوك، ناهيك بالقلاقل الاقتصادية التي تعانيها البلاد".
وتابع مذكور أن "تغيير العملة هي خطوة للهروب نحو الأمام، لأن الجزائر في حاجة إلى نسب نمو مرتفعة خارج قطاع المحروقات، وإلى ارتفاع الاستهلاك العام لدى الجزائريين، أما القضاء على ظاهرة اكتناز الأموال فيتطلب إجراءات تحفيزية". وختم بالقول إنه "من الصعب تغيير العملة في جو يميزه انكماش اقتصادي متزايد".