Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غريفيث ينهي مهمته كأسلافه... مغضوب عليه من الطرفين

ساوى بين عدن والميليشيا المتمردة على الرغم من اعتراف الأمم المتحدة بحكومة الشرعية وحدها

المبعوث الأممي هو الثالث منذ اندلاع الأزمة اليمنية. (رويترز)

في إحاطته الأخيرة التي قدّمها أمام مجلس الأمن إيذاناً بترك مهمته واستبعاد الأمل في التوصل إلى تسوية سياسية، ينهي المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، نحو ثلاثة أعوام من عمله في هذا المنصب، من دون إحداث اختراق جوهري يمكن أن يفتح مجالاً لشعاع ضوء، يضع حدّاً لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

في تقريره أمام مجلس الأمن في اجتماع افتراضي، أشبه بجردة الحساب مقابل اتهامه من كل طرف بالعمل لصالح الطرف الآخر، كانت خيبة الأمل بادية على حديث غريفيث وهو يعبّر عن أسفه أن تحمل إحاطته الأخيرة نفاد رصيد محاولاته المضنية في التوصل إلى اتفاق يسكت آلة الحرب، مستبعداً فرص السلام في البلد الذي مزّقته الحروب والانقلابات الدامية، ومستبعداً أيضاً نجاح خلفه الذي ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أنه الدبلوماسي العماني يوسف بن علوي.

وكمَن يخلي مسؤوليته إزاء فشل التوصل إلى اتفاق يوقف أفواه النار، قال إنه "على الرغم من الجهود المضاعفة في الأشهر الأخيرة للتوصل إلى حل سلمي للصراع اليمني، فإنني للأسف لست هنا اليوم للإبلاغ عن أن الأطراف تقترب من التوصل إلى اتفاق".

ولهذا أكد أنه "لا يمكن للغزو العسكري أن ينهي الحرب"، في إشارة إلى استمرار الميليشيا المدعومة من إيران في مهاجمة المدن ومنها محافظة مأرب الاستراتيجية لتعزيز مواقفها التفاوضية في أي عملية سياسية مقبلة.

فرص ضائعة

أفرد السبعيني البريطاني مساحة واسعة للحديث عن تحركاته الأخيرة في إطار الضغط الدولي الموازي لجهوده في مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار الذي شهدت مسقط ساحة مداولاته. وعلى الرغم من تأكيده أن مسودة الاتفاق أدخلت عليها تعديلات عدة، إلا أنه أرجع فشل التوصل لاتفاق إلى "غياب الإرادة السياسية لدى أطراف الحرب"، متحاشياً الإشارة إلى رفض قادة الميليشيا لقاءه مع المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ قبيل أيام في مسقط الذي كشفت عنه خارجية واشنطن وعلّقت عليه قائلة "إن الحوثيين يضيعون فرص السلام عن اليمنيين ويرفضون الالتقاء بالمبعوث الأممي"، ليردّ المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام على المساعي الأممية التي يقودها غريفيث ويصفها بـ"الفارغة"، كما جاء في تغريدة له على "تويتر"، قال فيها إن غريفيث "ينشغل بالشكليات والزيارات فارغة المحتوى" ويتجاهل مطالبهم الرامية إلى رفع القيود المفروضة عليهم بحرياً وجوياً من قبل تحالف دعم الشرعية، بحسب قوله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكنه تجنّب التطرق إلى رواية الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها المتكررة بجهودهما المضنية ضمن المساعي الدولية لوقف تدفّق سفن الأسلحة الإيرانية إلى اليمن التي كان آخرها قبل أربعة أيام على يد البحرية الأميركية. وتنفي إيران اتهامها تزويد الحوثيين بالسلاح لكنها لم تخف دعمها للميليشيات التي أطاحت بالحكومة الشرعية بقوة السلاح وأخذت تتمدد في أرجاء اليمن.  

استدراك

حديث غريفيث وهو يحزم حقائب المغادرة نحو منصبه الجديد منسقاً للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، تخللته عبارات تستبعد الحل السياسي الذي طال أمده، ولكنه كي لا يسدّ باب فرص المنظمة الدولية، يستدرك لتحقيق ذلك بقوله إن "الفرصة لا تزال موجودة من أجل وقف القتال ومعالجة القضايا الإنسانية الحرجة واستئناف العملية السياسية في البلاد".

في ما يشبه الاستخلاص لمكامن صنع قرار فرص السلام المنشود من خلال تجربته، قال إنه "يمكن التوصل إلى اتفاق إذا لبّى القادة السياسيون الرئيسيون نداءات الشعب اليمني والمجتمع الدولي، بما في ذلك هذا المجلس، واتخذوا القرار الصحيح وهو إنهاء النزاع وفتح باب السلام". ومن دون الخوض في مسببات فشله في التوصل إلى حل سياسي أو إظهار الطرف المعرقل، اكتفى الدبلوماسي البريطاني بالإشارة إلى أن "هناك دعماً دولياً قوياً وزخماً إقليمياً لجهود الأمم المتحدة".

تهم تتقاذفه 

منذ تعيينه مبعوثاً أممياً إلى اليمن، في فبراير (شباط) 2018، اتهمه كل طرف بالانحياز للآخر، ما دفعه مراراً إلى الإشارة لطبيعة دوره "كوسيط ميسّر لعملية التفاوض بين الأطراف المتنازعة"، وهو الموقف الذي اعتبرته الحكومة اليمنية انحيازاً للميليشيا كونه يساوي بين حكومة مدنية شرعية وميليشيا مسلحة.

وكانت حكومة عدن انتقدت المبعوث الأممي لعدم اتخاذه موقفاً من الهجوم الحوثي المستميت على محافظة مأرب النفطية كالذي اتخذه عند هجوم الحكومة على مدينة الحديدة منتصف عام 2018 وخاض في سبيله رحلات مكوكية لم تهدأ عندما كانت قواتها قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على المدينة ومينائها الاستراتيجي (غرب البلاد) ليمارس ضغطاً ملحوظاً حتى تم التوصل إلى التوقيع على "اتفاق استوكهولم" الذي قضى بعقد هدنة في المدينة، بحجة المخاوف الإنسانية على سكانها ثم انتقاده لاحقاً عدم الضغط على الميليشيا لتنفيذ الحد الأدنى من بنوده، واتهمته الحكومة صراحة على لسان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، بمحاباة الحوثيين باتخاذه مواقف ضبابية، وأنه "يمنح الميليشيا الحوثية الضوء الأخضر لتصعيد عملياتها العسكرية واستهدافها المتكرر للمدنيين".

ووفقاً لمراقبين، فإن توقف غريفيث مراراً خلال إحاطته عند تخوم مأرب، حيث تدور أعنف المعارك التي تعتبرها الميليشيا الحوثية "معركة مقدسة ضد طواغيت العالم"، هو مسعى منه لكسب رضا الحكومة التي سيستمر تعامله معها من منصبه الجديد، مطالباً الميليشيا بـ"وقف هجومها على مأرب فوراً" ولكن من دون اقتراح حلول موضوعية تفرض التهدئة وتحاسب المعرقلين لجهود التهدئة.

سلسلة إخفاقات

في كل مرة تعيّن فيها الأمم المتحدة مبعوثاً جديداً إلى اليمن، بدءًا بجمال بن عمر، المتهم بشكل صريح من الحكومة الشرعية بالانحياز للحوثيين، ثم إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وصولاً إلى غريفيث، تتضاعف خيبة الآمال الشعبية بعدم جدوى المساعي الدولية لوضع حدّ لمكابداتهم المتفاقمة جراء الإنقلاب الحوثي في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 الذي أدخل البلاد في موجة صراعات متعددة الأوجه، فتصبح مهمات كل مبعوث جديد أصعب من سلفه.

ذلك لأن الحرب التي جاءت بميليشيا تستمد قوتها من النار والبارود لا من السلم والبناء، ارتبط وجودها باستمرار الحرب وما تجنيه من مصالح خلفها، وفقاً لتقرير فريق لجنة الخبراء التابع لمجلس الأمن الصادر في يناير (كانون الثاني) الماضي.

انحياز متبادل

ظل غريفيث في منأى عن انتقاد الطرفين ربما خشية إثارة حنقهما، لكن عدم تعليقه إزاء انتهاكات عدة، من ضمنها عملية قنص الميليشيا لطفلين في تعز، ومقتل أحدهما وإصابة الآخر، وقصفها السجن المركزي في المدينة، ما أدى إلى مقتل وإصابة 33 سجينة، في أبريل (نيسان) العام الماضي، دفع وزير الإعلام في الحكومة الشرعية معمر الإرياني إلى القول إن "المواقف الضبابية للمبعوث الأممي إلى اليمن تطيل أمد الأزمة ولا تخدم جهود إنهاء الحرب وإحلال السلام".

وفي ما يشبه السجال، استمرت مهمة الدبلوماسي الأممي وسط أمواج الادعاءات ضده، إذ اتهمه الحوثيون في فبراير الماضي بـ"الانحياز" للحكومة و "دول العدوان"، فيما حمّلت "وزارة حقوق الإنسان" التابعة للميليشيا في بيان لها الحكومة والتحالف العربي المسؤولية عن ارتكاب "انتهاكات وجرائم مستمرة بحق المدنيين" في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة، في مخالفة للاتفاقات التي تم التوصل إليها بين طرفي النزاع في مفاوضات السويد تحت رعاية الأمم المتحدة.

مفاوضات بالمدفعية

عطفاً على ما سبق، بدأت مهمة غريفيث وانتهت كسابقاتها. فالحوثيون، وفقاً لمحللين سياسيين، انتهجوا منذ الوهلة الأولى لانقلابهم سياسة "فاوض بالمدفعية". فبينما كان الكهل البريطاني يطوف صنعاء ومنها إلى مطارات المنطقة بحثاً عن رعاية دولية لدعم "مسودة الحل الشامل في اليمن"، باغتت "كتائب الموت" الحوثية و"الحيدريون" مواقع الجيش الحكومي في مأرب والضالع والجوف والبيضاء وتعز والحديدة وغيرها في مساعٍ حثيثة لالتهام مساحات جديدة، غير آبهَين بعدد الضحايا الذي وصفه غريفيث أمس بـ"المهول".

كانت هذه العمليات تبعث الانتشاء لدى قادة الميليشيا وهم يستعرضون برشاشاتهم أمام أعين غريفيث في كل مرة تهبط فيها طائرته البيضاء مطار صنعاء، وأمام عدسات قناة المسيرة الناطقة باسم الحوثي التي يؤكدون لها أن "لا مفاوضات إلا ما تقوله البنادق". 

لماذا أخفق غريفيث؟

في مقاربتهم لمعززات فرص السلام، يعتبر مراقبون أن المشكلة اليمنية لا تكمن في المبعوثين الأمميين بقدر ما تبعدها نيران الحرب التي تنتهجها الميليشيا الحوثية وسيلة لفرض مشروعها الطائفي المستمد من التجربة الإيرانية بقوة السلاح.

يقول الباحث السياسي اليمني محمد المقبلي، إن فشل أي مبعوث أممي وآخرهم غريفيث يكمن في جانبين، الأول تعنّت الحوثييين إزاء دعوات الحل السياسي كون العنف هو الحامل الأساسي لمشروعهم ومهادنة المبعوثين الذين يمارسون نوعاً من التدليل للميليشيا طمعاً في إرضائها وهو الخطأ الذي ضاعف المأساة وأطال أمد الحرب، بالتالي عدم الإفصاح عن الطرف المتعنّت تجاه الحل السياسي.

والسبب الثاني من وجهة نظره يتمثّل في الإبقاء على حبال الأمم المتحدة متصلة بالميليشيا الانقلابية على أمل التوصل معها إلى تفاهمات معينة تتيح المجال أمام الجهود الإنسانية وفرص السلام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير