Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة السودانية وتحديات المساهمة في تأمين الحدود الأفريقية

ستستفيد الخرطوم من مزايا الشراكة مع الاتحاد الأوروبي إذا نجحت في توظيفها ولم تبتلى بالفساد الإداري

يسهم التعاون الأوروبي مع الحكومة الانتقالية السودانية بتحقيق اختراق في ملف الهجرة غير الشرعية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

لا تزال قضية الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا تمثل هاجساً أمنياً واقتصادياً وسياسياً في المنطقة التي تضم السودان وليبيا وتشاد والنيجر. ونظراً إلى الظروف السياسية التي تمر بها هذه البلدان وامتدادها حتى دول الساحل الأفريقي، حيث تنشط الجماعات الإرهابية، تصدرت القضية اهتمام الاتحاد الأوروبي.
ووقّع السودان وليبيا وتشاد والنيجر في أغسطس (آب) 2018، اتفاقاً للتعاون القضائي في مسائل تأمين الحدود المشتركة، ومكافحة الإرهاب والإتجار بالبشر وتجارة المخدرات والجرائم العابرة للحدود. هذه القضايا التي ظلت تؤرق مضاجع هذه البلدان الأفريقية الأربعة والاتحاد الأوروبي الذي أنفق الكثير بهدف احتوائها من دون التوصل إلى حلٍّ جذري لها، يبدو أن النظر إليها محصور حالياً في التركيز على الفشل الإداري والمؤسسي في توفير الأمن والاستقرار، من دون معاينة المقومات السياسية. واتخذ الاتحاد الأوروبي بعض الخطوات لدمج التعاون الأمني مع السياسي، إذ إن إحدى المشكلات الرئيسة تكمن في عدم إدراك الأوروبيين التهديد بصورته التامة، التي تشكّلها السيولة الأمنية والسياسية وعدم قدرة هذه البلدان الأفريقية على تنفيذ ما التزمته من إصلاحات.

مسرح ممتد

عام 2015، شنّ الاتحاد الأوروبي عملية عسكرية في البحر المتوسط ضد تهريب المهاجرين. ظاهرياً، يتعلق الأمر بتساؤلات حول المسؤولية، ولكن هناك عوامل عدة أخرى مؤثرة، فمن ناحية تبدو الأموال المخصصة لحل قضية الهجرة غير الشرعية محكومة بمراعاة حقوق اللاجئين، ودبلوماسياً ليس هناك انسجام كامل بين البلدان المعنية في محاربة هذه الظاهرة، ما أدى إلى مزيد من المخاطر على المهاجرين. وتقع هذه الدول على مسرح ممتد من الأراضي الأفريقية الواسعة إلى البحر الأبيض المتوسط، آخر محطات هؤلاء قبل أن يدلفوا إلى أوروبا.
في هذه المساحة، تنشط شبكات التهريب وعصابات الإتجار بالبشر، ولوّح الاتحاد الأوروبي باستخدام آليات أخرى أكثر نجاعة ولكنه عاد إلى خيار التعاون مع الدول الأفريقية. ومن ناحية اقتصادية، فعلى رمال الصحراء، ظلت القوات المشتركة في حالة تأهب كامل، مستخدمة التمويل الأوروبي للحدّ من هذه العمليات غير الشرعية، إلا أنها لم تستطِع تغطيتها بشكل كامل أو تحقيق النجاح في هذه الصدد. كما أن تغطية هذا النشاط محفوفة بالتوجّس الأمني من المهاجرين غير الشرعيين بشكل عام، ومن أن يكون بينهم عناصر إرهابية متسللة من غرب أفريقيا إلى أوروبا، إضافة إلى ما هيّأت له الحدود المفتوحة بين السودان وليبيا بعدما أصبحت مُستغلة من قبل عصابات تهريب البشر والسلاح التي اخترقت حدود تشاد والنيجر. وتتمثّل إحدى التوجهات المقبولة، في تحديد اتجاه التحركات السياسية الداخلية لهذه الدول، إذ إن هذه الجماعات تنشط مستفيدة من الانقسامات والصراعات السياسية والتداخل القبلي، فتقدّم دعمها للفصائل والجماعات المسلحة وتندمج داخلها.


مصالح استراتيجية

 لطالما وُصفت الأسس التي يقوم عليها حصر تعاون الاتحاد الأوروبي مع بعض الدول الأفريقية في مسألتَي مكافحة الإرهاب والإتجار بالبشر، بأنها ما تستحقه القارة السمراء من تعاون أمني منذ نيل دولها الاستقلال، فلا جامع بين الجهتين من قيم مشتركة أو سياسات ديمقراطية، إنما مصالح استراتيجية مشتركة. وهذه الصيغة الأخيرة هي المحرّك للتعاون المعقّد مع النظام السوداني السابق الذي نشط بعد رضوخه لتوقيع "اتفاقية نيفاشا" عام 2005 التي مهّدت إلى انفصال جنوب السودان عام 2011. وكان يُعتقد أن ذلك يُعدّ أحد حلول المعضلة السودانية الداخلية وبداية لوقف تجاوزات النظام الذي كان يرأسه عمر البشير وضلوعه في حروب في أقاليم السودان المختلفة. لكن ذلك لم يُنهِ الحرب بشكل كامل، إذ اندلعت حرب المنطقتين (النيل الأزرق وجبال النوبة) اللتين تشكّلان الامتداد الجغرافي لجنوب السودان وكانتا جزءًا منه، بينما استمرت حرب دارفور.

بعد الفشل في الوصول إلى سلام دائم يوقف إنتاج النازحين واللاجئين والتحامهم مع لاجئي دول القرن الأفريقي، عكف الاتحاد الأوروبي على صياغة مشاريع التعاون وأعلن في 28  نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، عن "عملية الخرطوم" بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير الشرعية. ونصّ الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والحكومة السودانية بهدف وقف تدفّق المهاجرين عبر السودان إلى القارة العجوز، على تحويل مبلغ 215 مليون يورو عام 2018 بهدف فرض رقابة صارمة على الحدود، وتحسين ظروف اللاجئين على أراضيه إلى حين ترتيب أوضاعهم. ونشرت الحكومة السودانية السابقة على إثر ذلك الآلاف من "قوات الدعم السريع"، على الحدود بين السودان وليبيا لوقف عبور المهاجرين غير الشرعيين. واستمر هذا التعاون على الرغم من تعبير بعض المنظمات الحقوقية الدولية عن قلقها من التعاون بين الاتحاد الأوروبي والبشير، المطلوب للعدالة الدولية.

تعاون ثلاثي

وتواصلت هذه العملية إلى حين قيام الثورة في السودان وسقوط النظام السابق عام 2018. وأصدرت "قوات الدعم السريع" بياناً في سبتمبر (أيلول) 2019، أوضحت فيه أنها نفّذت "على الحدود السودانية - الليبية عملية نوعية تمكّنت خلالها من القبض على 18 مركبة ذات دفع رباعي تهرّب البشر إلى ليبيا، وأوقفت عدداً من المهاجرين غير الشرعيين على الحدود مع جارتها، من جنسيات سودانية وإثيوبية وتشادية وليبية ومهربين". ثم دخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في 8 فبراير (شباط) الماضي في شراكة مع الحكومة السودانية الانتقالية ممثلةً بـ"الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب"، ورُصد مبلغ مليون دولار لتمويل المشروع. وبدخول الأمم المتحدة وتطوّر الأهداف، من الاستعانة فقط بالسودان، إلى التركيز على بناء قدرات الخرطوم في ملف مكافحة الإرهاب، يمكن القول إنه انتقال من تعاون ثنائي إلى ثلاثي، وتحوّل من مرحلة التعاون القائم على الاستعانة بنظام غير مقبول دولياً كان يتعامل معه الاتحاد الأوروبي على مضض، إلى تعاون شراكة في ظل الحكومة الانتقالية. وترمي هذه الاتفاقية إلى التوصل لتعاون دائم، وتتزامن مع رغبة الخرطوم باتخاذ الخطوة الأكبر بالعمل عن كثب، بعد شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في ديسمبر (كانون الأول) 2020.


حراك سياسي

في أغسطس (آب) 2018، عقد الاجتماع الوزاري الثالث لتأمين ومراقبة الحدود المشتركة التي تضم السودان وتشاد والنيجر وليبيا، ولم يكُن غريباً أن يتخذ سمة أمنية، نظراً إلى الظروف التي تمر بها هذه البلدان. وكان الاجتماع متابعة للبروتوكول الموقّع لتعزيز الأمن ومراقبة الحدود المشتركة بين هذه الدول في مارس (آذار) من العام ذاته في العاصمة الرواندية كيغالي على هامش قمة الاتحاد الأفريقي. وتبع الاجتماع الوزاري الثالث، اتفاق للتعاون القضائي والتوقيع على المبادئ العامة لآلية تعزيز أمن الحدود بين الدول الأربع في العاصمة التشادية نجامينا حيث أنشئ مركز عمليات لمحاربة الجماعات الإرهابية ومكافحة التهريب والإتجار بالبشر.

 ومع تعمّق التعاون، ظهر حراك سياسي آخر، إذ زار النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي"، النيجر لحضور مراسم تنصيب الرئيس المنتخب محمد بازوم في أبريل (نيسان) الماضي، ثم زيارة رئيس المجلس العسكري الانتقالي التشادي محمد إدريس ديبي إلى النيجر أيضاً خلال هذا الأسبوع، التي ختمها بتفقّد قوة بلاده البالغ عديدها 1200 جندي تم نشرهم في منطقة "تيرا" النيجرية، حيث تلتقي حدود النيجر وبوركينا فاسو ومالي، بهدف التصدي لهجمات الجماعات الإرهابية. ثم أتت زيارة وزير الدفاع النيجري القاسم إنداتو الذي سلّم "حميدتي" رسالة من رئيس النيجر بازوم عن الأوضاع الأفريقية عموماً وفي بلديهما خصوصاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تشتت الجهود

يسهم تعاون الاتحاد الأوروبي مع الحكومة الانتقالية في السودان التي تحظى بنوع من القبول والدعم الدوليين في تحقيق اختراق في ملفات الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر وأمن الحدود، وبمساعدة الخرطوم في التعامل مع هذه القضايا، التي ربما تستمر، خصوصاً مع استمرار النزاعات الداخلية الأفريقية. وينبع جزئياً السبب الكامن وراء هذه المساهمات وضرورة مضاعفتها، من واقع أن السودان يلعب دوراً أكبر من حجمه وإمكاناته ويزيد من تشتّت جهوده بين أزمات اللاجئين والإرهاب والإتجار بالبشر في شرق أراضيه وغربها، مما يحدّ من الاستفادة الكاملة من ثمار هذا التعاون. وفي ضوء ذلك، ستستفيد الحكومة الانتقالية من مزايا الشراكة مالياً وسياسياً إن نجحت في توظيفها ولم تُبتلى بالفساد الإداري والمؤسسي الذي ظل يشكو منه الاتحاد الأوروبي في تعاونه مع دول القارة السمراء. ولكن وإن كان تعاون الاتحاد الأوروبي مع النظام السابق تم في ظروف استثنائية جلبت له انتقادات المنظمات الحقوقية العالمية، فإن التعاون الآن مع الحكومة الانتقالية ربما يتعرّض أيضاً لنقد إضافي، إذا طال أمد الفترة الانتقالية، ولم تسرّع الحكومة إجراءات التحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات.

المزيد من تحلیل