في منتصف الليلة الماضية، انقضت 150 طائرة إسرائيلية مقاتلة على غزة، مستهدفة 160 هدفاً يتبع للفصائل الفلسطينية، بأكثر من 450 صاروخاً وقذيفة سقطت خلال نحو 40 دقيقة، الأمر الذي تسبب في نزوح أغلب العائلات القاطنة بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
وراح ضحية خمسة أيام من تبادل إطلاق النار بين الجيش والفصائل 119 قتيلاً فلسطينياً على الأقل، بينهم 31 طفلاً، وجرح 830 آخرون، فيما قتل نحو تسعة إسرائيليين، وجرح 130 آخرون جراء القذائف الصاروخية التي سقطت على مدن وبلدات إسرائيلية.
وبسبب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة ومشاركة المدفعية فيها، والتي تركزت بشكل مكثف على المناطق القريبة من الحدود، نزحت معظم العائلات التي تقع منازلها على مسافة تصل إلى كيلومترين من منازلها صوب مدارس تتبع لـ"الأونروا"، بعد فتحها بشكل فردي والمكوث فيها بحثاً عن الأمان والحماية، في حين لم تعلن الوكالة الدولية رسمياً تعاملها معها أو تقديمها أي مساعدات إنسانية إغاثية طارئة لها حتى اللحظة.
أكبر ضربة عسكرية
وبحسب المراقبين العسكريين، فإن الجيش الإسرائيلي شن الليلة الماضية أكبر ضربة عسكرية له على قطاع غزة، وهي الأعنف على الإطلاق، وخاصة أنه نفذها في وقت قياسي، واستخدم فيها أنواعاً جديدة من الأسلحة.
يؤكد ذلك الناطق باسم الجيش هيداي زيلبرمان، الذي أشار إلى تنفيذ أكبر عملية إسرائيلية منذ بداية القتال، دمرت خلالها المصالح تحت الأرضية وغرف عملياتية لحركة "حماس".
في المقابل، أطلقت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عشرات القذائف الصاروخية على مدن وبلدات إسرائيلية (تل أبيب وعسقلان وسديرون وبئر السبع)، رداً على الغارات التي استهدفت المدنيين والبنى التحتية والمنشآت، وأقر الجيش بإطلاق ألفي قذيفة صاروخية 190 منها الليلة الماضية.
أسلحة جديدة
يقول المتخصص في الشؤون العسكرية اللواء الركن واصف عريقات، إن إسرائيل استخدمت أسلحة جديدة ذات قوة تدميرية هائلة في القتال ضد غزة، فيما صنعت هذه القذائف والصواريخ لمواجهة الجيوش في حروب منظمة وليس لمواجهة المدنيين أو قتال كما يجري في القطاع.
وبحسب عريقات، فإن إسرائيل استخدمت الليلة الماضية القذائف متعددة الرؤوس الفراغية (GPU)، وهي صواريخ رأسها الأول يحتوي على مواد مشتعلة لتفريغ الهواء، والثاني فيه قوة تفجيرية تدميرية تعمل على نسف المباني بشكل كامل، قائلاً إنها محرمة الاستخدام وفق قواعد القانون الدولي الإنساني.
ويضيف، "كذلك استخدم الجيش الغازات السامة، والقنابل الحارقة، وقنابل التجزئة ذات الشظايا (تطلقها المدفعية)، وهي أكثر تأثيراً فوق رؤوس المدنيين، كونها متطايرة بشكل عشوائي، فيما استخدمت الفصائل نوعين من الصواريخ أحدهما محلي وآخر صنع في الخارج، ولهما قوة تدميرية متوسطة".
لا عملية برية
وبحسب المتابعة، فإن الجيش عمل على تدمير الطرقات الرئيسة في مدينة غزة، وهذا ما يعني في العلوم العسكرية، وفق عريقات، أن "لا نية لديه بالتوغل البري، إنما يهدف إلى تقطيع الأوصال بين المدن ومنع الحركة لا أكثر".
ومنذ صباح أمس الخميس، حشد الجيش الإسرائيلي أرتالاً من الدبابات والآليات العسكرية على طول الحدود مع غزة، وفسرت وسائل إعلام حديث الناطق باسم الجيش عن مشاركة القوات البرية بالغارات على غزة بأنها بداية للاجتياح، لكن في العادة تستخدم إسرائيل مصطلح "توغل" للإشارة إلى العملية البرية أو الاجتياح.
الوساطات تطلب وقف القذائف بعيدة المدى
في الوقت نفسه، لا تزال الوساطات المصرية والأممية والأميركية (تدخل للمرة الأولى في حل صراع بين الفصائل المسلحة وإسرائيل) تحاول الضغط على جميع الأطراف من أجل التوصل إلى اتفاق وقف تبادل النار.
وفي المحاولة للوصول إلى الهدوء، أوفد الرئيس الأميركي جو بايدن مبعوثه لإسرائيل، "ليعمل بجدية لتشجيع جميع الأطراف على وقف التصعيد وإعادة الهدوء"، وفق وزير خارجية واشنطن أنتوني بلينكن.
وبحسب المعلومات، فإن هادي عمرو نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الفلسطينية الإسرائيلية وصل إلى تل أبيب وبحث ورقة تفاهمات لوقف إطلاق النار مع قيادات أمنية وسياسية، وطلب من الفصائل الفلسطينية وقف إطلاق القذائف بعيدة المدى كأول بادرة لإنهاء القتال.
غير محايدة
يقول عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية وسام زغبر إنهم إلى جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى تلقوا اقتراحات لوقف إطلاق النار، ووضعوا شرطاً يتمثل في إنهاء العدوان على غزة وحي الشيخ جراح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير زغبر إلى أن "مباحثات التهدئة لا تزال مستمرة، لكن جميع الرسائل الأميركية غير محايدة، إذ تطلب وقف الاقتتال في غزة فقط، من دون وقف الانتهاكات في حي الشيخ جراح".
وبحسب زغبر، فإن الفلسطينيين والفصائل لا يحبون الموت ولا القتال، و"معركتهم الحالية هي صد العدوان والانتهاكات الإسرائيلية، وعلى الجميع إدراك ذلك لإنجاح المساعي".
وتعقيباً على الغارات الإسرائيلية التي شنها الجيش الليلة الماضية، يوضح أنها لم تستهدف الفصائل كما يدعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، "إنما تركزت على المدنيين والأطفال، وكل ما يروج أكاذيب وخرافات والدليل أننا لا نزال نواصل توجيه الضربات، وخاصة بعد لحظات من القصف العنيف على غزة، لكن نتنياهو يقول ذلك ليرضي مواطنيه".
انتهاكات قانونية
ويقول صلاح عبدالعاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الفلسطينيين (جهة مشرفة على الملفات الفلسطينية المقدمة للجنائية الدولية)، إنهم رصدوا جرائم حرب تتعارض تماماً مع اتفاقيات لاهاي التي تمنع استخدام الأسلحة المحرمة دولياً.
ويؤكد عبدالعاطي أن "الأفعال الإسرائيلية تتعارض مع بنود اتفاقية جنيف الرابعة التي تأمر بضرورة مراعاة المدنيين وحمايتهم"، لافتاً إلى أن "الجيش لم يراعِ مبدأ التمييز والتناسب في التصعيد واستخدم طاقة رعب محرمة دولية، وتعمد استهداف الأطفال والنساء وترويع المدنيين والضغط عليهم".