Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بولندا تخشى احتمالات وفاق بايدن- بوتين وتدعو إلى إنشاء منطقة عازلة

موسكو تعود إلى التشدد مع وارسو في مواجهة محاولاتها تزعم جبهة الخصوم

الرئيس البولندي أندريه دودا (يمين) ونظيره الروماني كلاوس لوهانيس يستعرضان القوات الرومانية في إحدى القواعد العسكرية (أ ف ب)

في ظل احتمالات توصل الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما المرتقب في يونيو (حزيران) المقبل، إلى اتفاق حول التهدئة، كشفت بولندا عن مخاوفها من أن يتم التوصل إلى ذلك على حساب أمنها ومصالحها في المنطقة. وأعادت الصحافة البولندية إلى الأذهان ما جرى في علاقات البلدين مع تولي الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مقاليد الحكم في البيت الأبيض وإيفاد ممثلته هيلاري كلينتون، وزير الخارجية آنذاك، للقاء نظيرها الروسي سيرغي لافروف في عام 2009 لتنفيذ ما جرى تسميتها آنذاك عملية "إعادة إطلاق" العلاقات بين البلدين. وكان ذلك يستهدف التوجه نحو التهدئة والتحول بالعلاقات إلى مجرى التعاون والشراكة، بعد الخطاب العاصف الذي ألقاه الرئيس الروسي في ميونيخ الألمانية خلال مؤتمر الأمن الأوروبي في فبراير (شباط) 2007، وأكد فيه رفضه عالم القطب الواحد وانفراد قوة دولية بعينها بالقرار الدولي. ويذكر مراقبون أن من اقترح عبارة "إعادة إطلاق العلاقات" على النحو الذي قامت به كلينتون مع نظيرها الروسي لافروف، كان جو بايدن نائب الرئيس الأميركي آنذاك، وأنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي الحالي، الذي كان يشغل منصب مساعد بايدن للأمن القومي. ومن هنا تأتي المخاوف التي يزيد من حدتها ما قيل في ذلك الحين حول إمكانية أن تكون روسيا شريكاً ليس فقط في المنطقة، بل وفي الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم أيضاً، إضافة إلى دورها في التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.

خشية بولندية

وبينما يعود بعض المراقبين إلى ذلك التاريخ، في دعوة غير مباشرة إلى ضرورة العودة إلى وفاق الأمس القريب، تبدو بولندا وكأنها تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تخشى احتمالات التوصل إلى ذلك الوفاق مع روسيا، من واقع خلافاتها القديمة معها على مدى قرون طويلة. وهذا ما كشف عنه فيتولد يوروش أحد معلقيها السياسيين في مقال نشره على موقع "أونيت" (Onet) أحد أكبر المواقع الإلكترونية البولندية، وجاء فيه أن "بولندا، وبغض النظر عن حجم ما تنفقه من أموال على تسليح قواتها العسكرية، ورغماً عن التحالفات التي قد تربطها بآخرين، لن تكون قادرة على ضمان أمنها. كما أن أحكام من يسمونهم "الجيوسياسيين" الهواة، عن بلادنا كلاعب مساو في القوة لدولة نووية مثل روسيا، لا يمكن إلا أن تكون أحلام مجانين". ومضى المعلق البولندي ليشير إلى أن بلاده وبطبيعة الحال، تبدو مدعوة تدريجاً وخطوة بعد أخرى، إلى تدعيم مواقعها وقدراتها. لكنها وحتى ذلك الحين، ستظل مضطرة إلى الاعتماد على الولايات المتحدة.

التضامن مع التشيك

وكانت الأزمة الأخيرة بين روسيا وجمهورية التشيك كشفت عن جهود بولندا لتزعم حملات تضامن بلدان شرق أوروبا مع جمهورية التشيك في نزاعها مع روسيا، تصفية لحسابات قديمة تاريخية وجيوسياسية تظل تحدد مجمل ملامح الموقف الجيوسياسي في منطقة شرق أوروبا. وعلى الرغم من كل محاولات وارسو التي استهدفت استمالة بلدان الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات جماعية حاسمة ضد روسيا تحت ستار التضامن مع تشيكيا، فإنها لم تحقق كل ما كانت تبتغيه من أهداف. فلم تتوصل مع حلفائها داخل الأسرة الصغيرة التي تجمع بلدان فيشغراد (بولندا، وتشيكيا، وسلوفاكيا، والمجر) إلى وحدة الموقف والقرار، ولتكتفي بلدان هذه المجموعة بإعلان الشجب والتنديد بمواقف روسيا والتضامن مع تشيكيا، دون إجماع على طرد دبلوماسيين روس، بعد رفض بودابست (عاصمة المجر) الانحياز إلى هذا التوجه تمسكاً من جانبها بما يربطها بروسيا من علاقات تجارية واقتصادية. وهو موقف يقترب من ذاك الذي اتخذته بقية بلدان الاتحاد الأوروبي، عبر رفضها الانضمام إلى حملات الطرد الدبلوماسي المتبادل مع روسيا، على عكس ما كان الحال عليه يوم انضمت كل بلدان الاتحاد الأوروبي دون استثناء بما فيها المجر، تضامناً مع بريطانيا في احتجاجها على حادث "تسمم" ضابط الاستخبارات الروسية السابق سيرغي سكريبال وابنته في عام 2018، وما جرى من حملات إعلامية متبادلة مع موسكو في ذلك الحين.
وشأنها في كل المواقف التي تدخل روسيا فيها طرفاً في صراعها مع الغرب، وقفت بولندا في صدارة البلدان التي أعلنت عن تضامنها مع تشيكيا، فطردت ثلاثة دبلوماسيين روس من سفارة موسكو في وارسو، وسارعت موسكو إلى الرد بطرد خمسة دبلوماسيين بولنديين من موسكو، على غير العادة والتقاليد الدبلوماسية المعمول بها في مثل هذه الأحوال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وتوقف مراقبون سياسيون في وارسو عند هذا القرار الذي اعتبروه "استفزازاً" من جهة، ومظهراً من مظاهر عدم احترام بولندا من جهة أخرى"، ما يعني ضمناً التحريض على أن تقوم بولندا بطرد دبلوماسيَين روسيَين إضافيَين من وارسو من أجل الحفاظ على التوازن، على حد قول المعلق البولندي فيتولد يوروش. ونقل موقع "أونيت" البولندي الإلكتروني عن يوروش تفسيره تراجع بولندا عن طرد دبلوماسيَين روسيَين آخرَين تحقيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل مع روسيا، بأنها فعلت ذلك على ما يبدو، تحسباً لعدم تصعيد توتر الأجواء السياسية قبيل عقد اجتماع آخر كانت دعت إليه في وارسو بمشاركة رؤساء بلدان البلطيق (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا)، وأوكرانيا، وهي الدول التي كانت بادرت إلى طرد دبلوماسيين روس تضامناً مع جمهورية التشيك، في إطار محاولاتها تعويض عدم إجماع مجموعة فيشغراد.

الموقف المتشدد

وتقول المصادر البولندية، إن وارسو تظل عند موقفها المتشدد من روسيا الذي يتفق مع التوجهات التي طرحها مؤسسو حلف الناتو في أبريل (نيسان) عام 1949، وتتلخص في "ضرورة الإبقاء على الاتحاد السوفياتي خارج أوروبا، وضمان الوجود الأميركي فيها واحتواء ألمانيا".
ومن اللافت في هذا الصدد، أنه في الوقت الذي تجنح فيه بعض بلدان غرب أوروبا، ومنها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، نحو التهدئة مع روسيا واستمالتها إلى المشاركة في منظومة الأمن الأوروبي وتعزيز العلاقات الثنائية معها بما في ذلك ما يتعلق ببناء خط "التيار الشمالي-2"، تقف بولندا على النقيض من ذلك. وبدا ذلك، أخيراً، لدى اندلاع الأزمة في بيلاروس، حيث دعمت بولندا حملات القوى المعارضة التي استهدفت الإطاحة برئيسها ألكسندر لوكاشينكو. وهو موقف مماثل لما قامت به وارسو إبان احتدام الأزمة الأوكرانية في فبراير (شباط) 2014، والتي اسفرت عن الإطاحة برئيس أوكرانيا الأسبق فيكتور يانوكوفيتش. وكشف مراقبون بولنديون، ومنهم فيتولد يوروش، عن توجهات شديدة العداء لروسيا حين قال، إن "روسيا الحديثة دولة عدوانية، انتقامية، مغامرة لا ينبغي السماح لها بالمشاركة في تشكيل نظام أمني في أوروبا، ومن الأفضل أن تكون محاطة بمنطقة عازلة"، ما يعني ضرورة إنشاء منطقة عازلة تفصل ما بين الحدود الغربية لروسيا والحدود الشرقية لبلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتلك هي المنطقة حيث ركزت بولندا نشاطها، حين أيدت ما وصفته موسكو بالانقلاب الذي أطاح بالسلطة الشرعية في أوكرانيا في فبراير 2014، والمحاولة الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بالرئيس لوكاشينكو في بيلاروس في أغسطس (آب) 2020. وهذا ما كشف الجانب الروسي عن أنه يعيه ويتابع تطوراته ويحذر من مغبة التمادي فيه.
وكان سيرغي اندرييف سفير روسيا في بولندا توقف عند المحاولات التي تقوم بها بولندا، مشيراً إلى أن "نقطة التحول في العلاقات بين البلدين حدثت في عام 2014، وبعد ذلك وصلت العلاقات الروسية- البولندية إلى وضعها الحالي". وأضاف أنه منذ ذلك التاريخ، "لم تتوقف حملة الكراهية المسعورة ضد روسيا من جانب المسؤولين في بولندا ووسائل الإعلام"، مؤكداً أن "العلاقات الروسية- البولندية تمر الآن بأسوأ مراحلها منذ الحرب العالمية الثانية." وفي حديث له بمناسبة الذكرى المئوية لقيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أشار أندرييف إلى اعتقاده بعدم وجود "قضايا خلافية مبدئية بالفعل بين روسيا وبولندا لا يمكن حلها"، وإن عاد ليقول إن الجانب البولندي يتعمد تقليص العلاقات الثنائية وتدمير الروابط والتعاون في كل المجالات تقريباً، ليخلص إلى أنه من غير المعقول وغير المنطقي، التخلي عن علاقات طبيعية مع الجيران، مؤكداً في ذات الوقت، عدم قلق بلاده من هذه المشكلة وأن "روسيا ستواصل في نهاية المطاف العيش من دون العلاقات مع بولندا وستعتاد على الواقع الجديد".

المزيد من تقارير