Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيال الوزني يحفز مطالب مقاطعة النظام السياسي في العراق

"الإفلات من العقاب" أدى إلى مزيد من عمليات القتل في البلاد

مشيعون يطلقون هتافات في جنازة الناشط إيهاب الوزني في كربلاء (أ ف ب)

لم تقتصر ردود الفعل على اغتيال الناشط الكربلائي إيهاب الوزني عند حدود ساحات الاحتجاج ومواقع التواصل الاجتماعي، بل تعدت ذلك إلى الخروج بموقف سياسي واسع من قبل الأحزاب الرئيسة المنبثقة عن الاحتجاجات العراقية يدعو إلى مقاطعة العملية السياسية والانتخابات المقبلة في العراق.

وبالتزامن مع بيانات المقاطعة، دشن ناشطون وسم "مقاطعون" على مواقع التواصل الاجتماعي، كتبت في سياقه آلاف التغريدات التي تحث العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، والتي وصفوها بأنها "لا ترتقي إلى المعايير التي يطالب بها العراقيون".  

مقاطعة النظام السياسي

وفي أول رد فعل على اغتيال الوزني، بادر حزب "البيت الوطني"، أحد أبرز الأحزاب المنبثقة عن الاحتجاجات العراقية، إلى الإعلان الصريح عن المقاطعة، حيث قال في بيان، في 9 مايو (أيار)، "التفت السلطة على إرادة الجماهير وأصوات قادتها ونخبها الواعية، ومارست الحكومة الحالية الخديعة، ولم تحقق ما هشمت الرؤوس لأجله على أسفلت الشوارع، واستمر مسلسل القتل والخطف من قبل جهات مسلحة معروفة سلفاً من قبل الحكومة والشعب".

وأضاف البيان، أنه "في ظل هذا الخراب والإرهاب الممنهج، قررنا نحن في البيت الوطني مقاطعة النظام السياسي بالكامل، وندعو كل القوى السياسية المنبثقة من تشرين - احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) - للالتحاق بنا وإعلان القطيعة التامة مع هذه العملية السياسية التي أثبتت المواقف والدماء إنها عصية على الإصلاح".

ودعا البيان الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام، أنطونيو غوتيريش، وممثلته في العراق جنين بلاسخارت، إلى "تحمل مسؤولياتها بتحرك حقيقي، مغاير لأسلوب التعامل مع المجازر ودماء الضحايا كبيانات وأرقام في تقاريرها الفصلية".

وقال رئيس الحزب، حسين الغرابي، إن دخول الانتخابات المقبلة يعني قبولنا باشتراطات النظام السياسي وميليشياته التي تتحكم بالشارع"، مردفاً "لن نكون شهود زور على عملية شكلية ترسخ النظام السياسي الذي لا يحمي أبناءه ولا يحاسب قتلتهم". 

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن المقاطعة ليست خيار البيت الوطني فقط، وتمثل تماهياً مع إرادة جمهور الانتفاضة والشعب العراقي الذي يرى أن الانتخابات المقبلة لا تتوافر فيها أدنى شروط الشفافية والنزاهة والتنافس العادل".

وختم بقوله، "خياراتنا في المرحلة المقبلة ستكون من خلال العمل على إعادة الضغط الجماهيري بالوسائل القانونية والمشروعة، فضلاً عن اتخاذ آليات جديدة تتناسب مع حجم الكارثة التي تمر بها البلاد منذ اندلاع الانتفاضة". 

وبعد أقل من 24 ساعة على اغتيال الوزني، قام مسلحون مجهولون بإطلاق النار على مراسل قناة "الفرات" الفضائية أحمد حسن، بالقرب من منزله في محافظة الديوانية جنوب بغداد. 

وتشير المصادر الطبية إلى تعرض حسن لرصاصتين في منطقة الرأس وثالثة في الكتف، نقل على أثرها إلى مستشفى الجملة العصبية في بغداد.

أحزاب تنضم إلى المقاطعة

لم تمر سوى ساعات على إعلان حزب "البيت الوطني" حتى انضمت أحزاب أخرى إلى خيار مقاطعة الانتخابات، على رأسها "اتحاد العمل والحقوق"، والذي يمثل هو الآخر أحد الأحزاب الرئيسة المنبثقة عن "انتفاضة أكتوبر" 2019. 

في غضون ذلك، أعلن الحزب الشيوعي العراقي، تعليق مشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة، احتجاجاً على اغتيال الوزني.  

أما النائب في البرلمان العراقي، فائق الشيخ علي، فقد أعلن في تغريدة على "تويتر"، عن سحب ترشيحه للانتخابات المقبلة، فيما دعا القوى المدنية إلى "الانسحاب والاستعداد لإكمال الثورة في الشهور القادمة ضد إيران وميليشياتها".

انتخابات تؤسس لترسيخ سلطة السلاح والمال الفاسد 

ولعل ما يدفع "أحزاب الانتفاضة"، أو ما بات يطلق عليها "الأحزاب التشرينية" إلى اتخاذ هذا الموقف هو عدم تحقيق أي من مطالب المحتجين، خصوصاً ما يتعلق بمحاسبة القتلة وسحب سلاح الميليشيات وتوفير أجواء آمنة للتنافس الانتخابي. 

وبالإضافة إلى خيار مقاطعة الانتخابات، يظهر هذه المرة مصطلح "القطيعة مع النظام السياسي"، كخيار إضافي بالنسبة للناشطين يعبر عن حجم عدم الإيمان بتمثيل الطبقة الحاكمة لإرادة الشارع العراقي.

في السياق، يقول الناشط حيدر المرواني، إن "نفوذ الميليشيات وغياب الدولة وتماهي حكومة الكاظمي مع خيارات القوى المسلحة عوامل تدفع الناشطين العراقيين لإعلان القطيعة التامة مع النظام، وليس الاكتفاء فقط بمقاطعة الانتخابات".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "لا تبدو بوادر الحل متحققة. هذا ما يشعر به العراقيون، والانتخابات المقبلة ليست سوى وسيلة لإعادة رسم الخريطة السياسية ذاتها بالسلاح والمال الفاسد". ولعل الدافع الأكبر لمقاطعة الانتخابات، كما يعبر المرواني، يتمثل بمحاولات الميليشيات إدخال احتجاجات أكتوبر كـ"شاهد زور على عملية انتخابية تخلو من الشفافية ومعايير التنافس العادل". 

ويتابع الناشط "مخطئ من يعتقد أن الميليشيات تريد دفع قوى الانتفاضة إلى المقاطعة، كل ما تريده تلك الميليشيات هي مشاركة تلك الأحزاب التشرينية وفق اشتراطات القتل والترهيب حتى لا تكون منافساً قادراً على التغيير". 

حالة احتقان مستمرة

وتستمر حالة الاحتقان في الشارع العراقي بعد اغتيال الوزني، والذي يمثل أحد أبرز رموز الانتفاضة العراقية في كربلاء، حيث اغتيل برصاص مسلحين يستقلون دراجة على غرار ما يحدث في غالبية الاستهدافات التي يتعرض لها الناشطون ومعارضو النفوذ الإيراني في البلاد. 

وبالتزامن مع الدعوات السياسية للقطيعة مع النظام والسلطة، تحرك المحتجون في الشوارع تنديداً بعملية الاغتيال تلك، محملين حكومة الكاظمي مسؤولية عدم ضمان سلامة الناشطين أو محاسبة القتلة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، وجه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أجهزة وزارة الداخلية بسرعة الكشف عن قتلة الوزني. 

وقال الكاظمي خلال الجلسة الاعتيادية لمجلس الوزراء، "المجرمون أفلسوا من محاولات خلق الفوضى، واتجهوا إلى استهداف النشطاء العزل، لكن القانون سيحاسبهم مثلما سقط آخرون في قبضة العدالة من قبل".

وأشار إلى أن "قتلة الناشط الوزني موغلون في الجريمة، وواهم من يتصور أنهم سيفلتون من قبضة العدالة، سنلاحق القتلة ونقتص من كل مجرم سولت له نفسه العبث بالأمن العام". 

ولم يكتفِ المحتجون بالاعتصام في الساحات، بل توجه العديد منهم إلى مقر القنصلية الإيرانية في كربلاء، وأضرموا النار في محيطها. 

ويرى مراقبون أن الاتهامات للميليشيات الموالية لإيران بالوقوف خلف الحادث وبقية حوادث الاغتيال هي الدافع الأبرز لتوجه المحتجين إلى مقر القنصلية الإيرانية في المدينة. 

وترفض إيران اتهامها بالتورط في الاغتيالات التي تكررت كثيراً في العراق.

ولا تعد تلك هي الحادثة الأولى في كربلاء، حيث اغتيل الروائي العراقي علاء مشذوب بالقرب من منزله في فبراير (شباط) 2019، وأثناء الاحتجاجات العراقية اغتال مسلحان يستقلان دراجة نارية الناشط فاهم الطائي في ديسمبر (كانون الأول) 2019. 

ومنذ اندلاع الاحتجاجات العراقية، بلغت عمليات الاغتيال التي طاولت ناشطين 70 عملية، بحسب مفوضية حقوق الإنسان العراقية، إلا أن أي نتائج تذكر للتحقيقات لم تظهر على الرغم من تشكيل لجان عدة لحسم هذا الملف.

عدم تحقق القناعة بالتداول السلمي للسلطة

لا يستبعد مراقبون احتمالية التدخل الدولي لحل الأزمة العراقية، خصوصاً بعد عدة مواقف دولية تعطي انطباعاً بعدم توفر القناعة لديها بشأن ضمان توافر شروط نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة. 

ويرجح الباحث في الشأن السياسي، أحمد الشريفي، عدم اجراء الانتخابات المقبلة، مبيناً أن "مقدمات الانتخابات غير متوفرة في ظل تلك الانتكاسة الأمنية واستمرار التصفيات الجسدية، الأمر الذي يعني أن مبدأ التداول السلمي للسلطة غير مقبول من قبل القوى المهيمنة على السلطة في البلاد". 

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "عدم قناعة الفاعلين السياسيين بمبدأ التداول السلمي للسلطة يجعل من قرار مقاطعة الانتخابات أمراً إيجابياً". 

ويعتقد الشريفي أن الإرادة الدولية "ستتخذ إجراءً في العراق، خصوصاً مع تمديد واشنطن اعتبار العراق وسوريا يمثلان تهديداً للأمن القومي الأميركي".

وتبدو بوادر عدم القناعة الدولية بالانتخابات العراقية المقبلة واضحة، بحسب الشريفي الذي يلفت إلى أن ما يعزز هذا الاعتقاد هو "عدم الرد حتى الآن على طلب العراق الرقابة على الانتخابات المقبلة من مجلس الأمن، الأمر الذي يعني أن المجتمع الدولي بات يدرك أن غاية الطلب هي إضفاء الشرعية على الانتخابات المقبلة". 

ويصف الشريفي المرحلة السياسية الحالية التي يعيشها العراق بـ"مرحلة القطيعة بين النظام السياسي والرأي العام العراقي"، مبيناً أن تلك القطيعة "تسقط صفة النظام الديمقراطي عن العراق لدى المجتمع الدولي". 

ويختم قائلاً "الأحزاب التقليدية لا ترغب في دفع قوى الانتفاضة إلى المقاطعة، بل تريد استدراجها إلى المشاركة السياسية بحدود بسيطة"، مردفاً "تلك المشاركة ستجعل من قوى الاحتجاج شريكة في مستنقع الفساد والإرهاب".

الإفلات من العقاب علة النظام السياسي

وكان مطلب محاسبة القتلة وحصر السلاح بيد الدولة، أحد أبرز مطالب الاحتجاجات العراقية، والتي تعهد الكاظمي بتنفيذها منذ توليه السلطة العام الماضي. وفي السياق، يرى الصحافي المتخصص في الشأن العراقي معن الجيزاني أن ما يجري الآن من قبل الأحزاب المنبثقة عن الاحتجاجات يمثل "الحملة الشعبية الأعلى للضغط على النظام السياسي في البلاد".

ويمثل "الإفلات من العقاب"، بحسب الجيزاني، "العقدة الرئيسة في النظام السياسي ما بعد عام 2003"، مشيراً إلى أن إدراك العراقيين لفكرة أن النظام الحالي القائم على تلك الفكرة هو الذي حفز الناشطين إلى اتخاذ خيار المقاطعة الشاملة للانتخابات". 

ويوضح الجيزاني لـ"اندبندنت عربية"، أن "ما جرى خلال الأيام الماضية دفع المجتمع الدولي للحديث عن ضرورة وضع حد لما يجري من إفلات المتورطين بالجرائم من العقاب". 

ويلفت إلى أن "الخطوات الأخيرة التي اتخذها المحتجون وعبارة القطيعة مع النظام مثلت رسائل إلى المجتمع الدولي بأن النظام الحالي لا يمثل طموحات العراقيين، وهذا الأمر لن يمر بسهولة". 

وتبدو المعضلة الكبرى التي تواجه النظام السياسي في العراق تتعلق بعدم تقبل الفاعلين السياسيين الكبار لفكرة "محاسبة المتورطين بالجرائم"، كما يعبر الجيزاني الذي يشير إلى أن "هذا الطلب يعد مستحيلاً لأن غالبية الأطراف السياسية متورطة". ويختم بأن مواقف القوى الدولية الأخيرة "ستشكل ضغطاً على حكومة الكاظمي للقيام ببعض الخطوات للوصول إلى الانتخابات، لكنها لن تصل إلى حدود إنهاء ظاهرة السلاح المنفلت".
  
تعاطٍ دولي واسع

وتوالت ردود الفعل الدولية على الحادثة، في حين يؤكد مراقبون أن التعاطي الدولي مع قضية اغتيال الوزني يشهد تصاعداً نتيجة الضغط الذي سلطة الموقف الموحد لقوى الانتفاضة العراقية. 

وركزت بيانات البعثات الغربية في العراق على عبارة "الإفلات من العقاب" بوصفها العلة الرئيسة التي يشهدها النظام السياسي في البلاد، حيث دان سفير الاتحاد الأوربي في العراق، مارتن هوث، ما يجري من استهداف للناشطين، قائلاً في تغريدة على "تويتر"، "الإصرار على المساءلة عن جرائم القتل كجريمة إيهاب الوزني ليس دعوة فارغة".

وتابع أن "القتلة يتحدون الدولة، ويهددون ويرهبون المجتمع العراقي ويخربون المسار السياسي للبلد بأسره".

في المقابل، دانت السفارة الهولندية في بغداد القتل الوحشي الذي تعرض له الوزني.

وأشارت في بيان إلى أن "الإفلات من العقاب لأولئك الذين يعملون على إسكات أصوات النشطاء والمتظاهرين والصحافيين عن طريق العنف أمر غير مقبول، ويجب أن يتوقف الآن". وتابعت، "لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة من دون ضمان حرية التعبير للجميع".

أما السفير البريطاني ستيفن هيكي، فقال في تغريدة عبر "تويتر"، "هناك حاجة ملحة لاتخاذ تدابير ملموسة لمحاسبة الجناة وحماية المواطنين العراقيين أثناء استعدادهم للانتخابات في أكتوبر (تشرين الأول)".

وأصدرت السفارة الأميركية في العراق، بياناً اعتبرت فيه أن تكميم الأفواه المستقلة من خلال انتهاج العنف غير مقبول.

وتتزايد التحذيرات من استمرار عمليات الاغتيال التي تطاول ناشطين وصحافيين وشيوع حالة غياب الدولة، فضلاً عن تزايد نفوذ الميليشيات المسلحة في المدن العراقية من دون إجراءات حكومية حقيقية في هذا السياق.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي