مع دخول العقوبات الأميركية بشأن إلغاء الاستثناءات، التي كانت ممنوحة لثماني دول فيما يتعلق بالصادرات النفطية الإيرانية، بدأت أجواء الترقب والحذر مع توقعات بـ"صيف ساخن" في 2019، حول مستقبل الأوضاع في مضيق هرمز، ذلك الشريط الضيق من المياه بين إيران وسلطنة عمان، الذي يمر عبره قرابة 18 مليون برميل نفط يومياً، وهو ما يمثل 30% من حجم تجارة النفط الخام عبر البحر عالمياً، لا سيما مع تهديد إيران أكثر من مرة بسعيها إلى إغلاق المضيق الحيوي.
وفي السنوات الأخيرة، وقع عديد من المناوشات بين القوات البحرية الأميركية والإيرانية في المياه الخليجية، لكن بوادر "الصدام" باتت تطلق صافرات الإنذار بشأن حركة ناقلات النفط في "مضيق هرمز" منذ أن أعلن البيت الأبيض في 22 أبريل (نيسان) الماضي، وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني، التي كانت حصلت عليها 8 بلدان في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. مرجعة الأمر إلى أن هدفها يتمثل في الوصول إلى صادرات تبلغ صفر برميل من النفط الخام الإيراني، وحرمان النظام (الإيراني) الخارج عن القانون من الأموال، التي يستخدمها في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، وفق تعبير وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو.
تهديد إيران بغلق مضيق هرمز
في الوقت الذي تؤكد فيه طهران، أنها ستواصل بيع نفطها، رغم العقوبات الأميركية، إذ تصدر إيران نحو مليون و700 ألف برميل يومياً إلى عدد من الدول في أوروبا وآسيا، من بينها الصين وتركيا، لا تهدأ التصريحات المتبادلة، سياسياً وعسكرياً بين الولايات المتحدة وإيران، وقال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، من الدوحة، إن "إيران ستواصل بيع نفطها"، مضيفاً "سنواصل البحث عن مشترين لنفطنا، وسنستمر في استخدام مضيق هرمز، باعتباره ممر عبور آمنا لبيع نفطنا... إذا اتخذت الولايات المتحدة إجراءً مجنوناً بمحاولة منعنا من القيام بذلك، فينبغي أن تكون مستعدة للعواقب"، وتزامن ذلك مع تهديدات رئيس هيئة الأركان الإيرانية الجنرال محمد باقري، بإغلاق مضيق هرمز، الممر المائي الحيوي لشحنات النفط العالمية، في حال منع بلاده من استخدامه، مؤكداً أن الجيش الإيراني مستعد لتنفيذ أي قرار يتعلق بإغلاق المعبر، يصدر عن السلطات الإيرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تتوعد الإدارة الأميركية أي مساس بحرية سير ناقلات النفط في المضيق، وذلك بعد أن فرضت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقوبات جديدة على إيران، في إطار انسحابها من الاتفاق النووي، الذي وقعته الإدارة الأميركية السابقة وقوى دولية خمس مع إيران في يوليو (تموز) 2015، لكنها سمحت لأكبر ثمانية مشترين للنفط الإيراني باستيراد كميات محدودة، فهل تتمكن طهران من التأثير على حرية الملاحة في "هرمز"؟
صدام وشيك أم مجرد تصعيد كلامي؟
رغم حدة التصعيد والتهديد من جانب إيران طوال الشهور الأخيرة، بشأن التأثير في الملاحة بمضيق هرمز، حال طالتها العقوبات الأميركية بشأن صادراتها النفطية، فإن أغلب هذه التهديدات لم تتجاوز بعد صدى إطلاقها، وفق مراقبين، رجحوا أيضاً أن "الصدام العسكري الوشيك، بين طهران وواشنطن، لا يرغب الطرفان في التورط فيه".
وحسب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية (مركز أبحاث في واشنطن) فإن "الإغلاق الإيراني المباشر للمضيق لا يزال مستبعداً إلى حد كبير، وذلك لأنه على الرغم من أن النظام الإيراني لديه القوة العسكرية للقيام بذلك، حسب تحذيرات أجهزة المخابرات الأميركية منذ سنوات، فإن العواقب الاستراتيجية ستكون مدمرة بالنسبة لطهران".
ومثل هذه الخطوة، يقول بيرمان، في مقاله بمجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية، "ستكون عملا استفزازياً ومبرراً للجيش الأميركي، الذي يمتلك قواعد عسكرية عديدة في دول الخليج قبالة إيران، ما من شأنه أن يرد بشكل حاسم من خلال فرض حصار مفتوح على إيران، وهو ما سيكون له عواقب وخيمة على النظام الإيراني، الذي يعتمد على صادرات النفط لتمويل أكثر من ثلث ميزانيته".
وتحذر مجموعة الأزمات الدولية من أن أي مواجهة بين البحرية الأميركية والإيرانية ستكون لها عواقب أوسع، فبصرف النظر عمن سيثير الصدام أولاً، فمن غير المرجح أن تمضي إيران في الاشتباك مع البحرية الأميركية بقدراتها المتفوقة، وتتوقع المنظمة الدولية أن تختار إيران الانتقام غير المباشر ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا، التي هي على مقربة من الميليشيات التي تدعمها إيران.
إيران تتلاعب بأسعار النفط
وكأحد خيارات طهران للخروج من أزمتها النفطية، توقع بيرمان، أن "بإمكان الحكومة الإيرانية أن تلحق ضرراً حقيقياً بالاقتصاد العالمي، ليس بإغلاق المضيق بشكل مباشر، بل عن طريق تضييقه، فمن خلال الحد من حركة التجارة، التي تتدفق عبر الممر المائي الحاسم (على سبيل المثال، من خلال التدريبات العسكرية)، يمكن للنظام الإيراني أن يرفع السعر الهامشي للنفط العالمي".
علاوة على ذلك، ونظرًا إلى أن حلفاء أميركا في المنطقة سيستفيدون أيضاً من ارتفاع سعر النفط العالمي، فمن المرجح أن تكون ردود فعلهم على التلاعب الإيراني بالمضيق صامتة، على الأقل، ما دام أن إيران تثبت أنها راعية ومسؤولة عن الممر المائي، وستكون النتيجة الإجمالية أن تكون إيران أكثر مرونة، مع ارتفاع أسعار النفط مما يدعم النظام الإيراني حتى مع انخفاض إجمالي حجم صادراته.
وحسب بيرمان، "يبدو أن هذا ما يفكر به المسؤولون في طهران"، إذ أعلنت البحرية الإيرانية أخيراً خططاً لإجراء تدريبات مشتركة مع روسيا بالقرب من مضيق هرمز، في إشارة إلى أنها تمتلك من الإرادة والوسائل للتأثير في حركة الملاحة البحرية هناك إذا تم استفزازها.
خيارات استفزازية
وبجانب خيار التدريبات العسكرية، يقول مراقبون، إن هناك سلاحاً آخر يمكن لإيران التلويح به، وهو العودة إلى استئناف أنشطتها النووية، ربما تحت ستار برنامج طاقة نووية، لتجنب ردة فعل دولية موحدة ضدها، إلا أنهم توقعوا أن يدفع مثل هذا "الخيار الاستفزازي" الولايات المتحدة وإسرائيل لشن ضربات مركزة ضد المنشآت النووية الإيرانية، ما يعني أن يكون خياراً أخيراً للقيادة الإيرانية، التي يبدو أنها تمهد للخيار الدبلوماسي.
من جهته، قال كريم صادجبور، الزميل الكبير لدى مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والأستاذ المساعد بجامعة جورج تاون، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا يريد الصراع في ظل إصراره على الانسحاب من الشرق الأوسط، كما أن المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، لا يريد انهياراً اقتصادياً، لا سيما بالنظر إلى ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من أوجاع حالياً وسط انهيار العملة المحلية ووصول التضخم قرابة 50%.
يضيف صادجبور، في مقاله بكارنيجي، أن خامنئي وترمب لديهما مصلحة متبادلة في تجنب الصراع، مشيراً في ذلك إلى توقيع الاتفاق النووي في 2015، والمفاوضات النووية الحالية مع كوريا الشمالية، معتبراً أن الطريق إلى الدبلوماسية غالباً ما يكون ممهدًا بالتهديدات والتصعيد المتبادل.
ويتابع صادجبور، "بالفعل يبدو أن جواد ظريف حريص على فتح قناة اتصال مع واشنطن، بدءاً من مفاوضات الرهائن وحتى اتخاذه خطوة غر مسبوقة في الظهور على قناة فوكس نيوز، الأميركية، لمخاطبة ترامب بشكل مباشر". وفي تصريحاته يوم 24 أبريل (نيسان)، بعد يومين من إعلان واشنطن قرارها بإنهاء استثناء بعض الدول من استيراد نفط إيران، قال وزير الخارجية الإيراني "إنني مستعد... ولديّ سلطة للتفاوض بشأن تبادل سجناء مع الولايات المتحدة."
وتوصي مجموعة الأزمات الدولية بأنه بغض النظر عن قدرة الجانبين أو استعدادهما لاستئناف الانخراط الدبلوماسي الرفيع المستوى، ينبغي لإيران والولايات المتحدة إنشاء قناة اتصالات عسكرية للتخفيف من مخاطر الحوادث المستقبلية في المنطقة، ووضع الأساس للتفاوض على اتفاق حوادث البحر. فبالنظر إلى طبيعة الممر المائي الضيق، مع ممرات الشحن في كلا الاتجاهين بعرض ميلين فقط، وتصاعد التوتر، لا يمكن تجنب الحوادث تقريباً.
ووفق مجموعة الأزمات الدولية، فإن الجهود الدبلوماسية ستكون مدعومة بموقف القوى الدولية من الخطوة الأميركية للضغط على إيران، إذ إن الاتحاد الأوروبي، الحليف التقليدي لواشنطن حذّر من أن الخطوة قد تلحق الضرر بالجهود الدولية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية. وأعربت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية مايا كوتشيجانيتش عن "أسفها" بشأن قرار الولايات المتحدة الخاص بالعقوبات على النفط الإيراني، وأنها "تخاطر بتقويض" الجهود الخاصة بالملف النووي الإيراني. وبالنسبة إلى روسيا الحليف القوي لإيران، فقد تعهدت قبلاً بمساعدة طهران على بيع نفطها، فيما تشكل الصين شريان الحياة لمبيعات النفط الإيراني، وليس من المحتمل أن تتراجع بكين عن موقفها، لا سيما في ظل توقعات النمو الاقتصادي الصيني بحلول عام 2030 مما يزيد معه حاجتها إلى الطاقة.