Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرق السودان... معارضو المسار وعقدة التفاوض

سيكون مؤشراً على طبيعة المناخ الذي يتعين الاستجابة لضغوطه من أحد طرفي شركاء المرحلة الانتقالية

الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي (اندبندنت عربية - حسن حامد)

حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كانت ثمة مؤشرات واضحة من المكون العسكري في شراكة المرحلة الانتقالية، على محاولات السيطرة على السلطة والتغول على صلاحيات المكون المدني نتيجة لحسابات كثيرة، داخلية وخارجية، ولعل لقاء رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي في العام الماضي، وتصريحات نائبه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن جدوى العلاقة مع إسرائيل، كانت تصب في رهان احتمال تراجع وفد حكومة حمدوك التفاوضي مع إدارة ترمب عن مسألة العلاقة مع إسرائيل (حين جعلتها إدارة ترمب في سلة تفاوضية واحدة مع رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب) تحت ضغوط بعض الأحزاب اليسارية في قوى الحرية والتغيير (كالحزب الشيوعي وحزب البعث)، لكن الوفد الحكومي السوداني بقبوله صفقة التسوية مع الولايات المتحدة، فوت الفرصة على المكون العسكري لهذه الناحية.

وبصدور قانون "الانتقال الديمقراطي للسودان والمحاسبة والشفافية" والتوافق عليه من الكونغرس بغرفتيه، في ديسمبر (كانون الأول) 2020؛ ثم فوز الحزب الديمقراطي الأميركي بالانتخابات، وكذلك مع دخول البعثة السياسية الأممية (يونيتامس) للسودان منذ يناير (كانون الثاني) 2021، بدا واضحاً أن مؤثرات كثيرة وقوية أصبح عائقاً أمام انفراد بالحكم.

نتصور أن الأشهر المقبلة من سير الأحداث في السودان ستكون أكثر من كافية لمعرفة حقيقة أخرى قد تدل بوضوح على فحوى مؤشرات طبيعة وإرادة التصرف في المرحلة الانتقالية، ونقصد بذلك؛ أنه إذا ما سارت الأمور على ما يرام من استتباب للأمن والبعد عن عمليات شد الأطراف، وغياب احتمالات التحالف الخفية مع مكونات وأجسام قبائلية من أطراف السودان؛ فإن ذلك سيكون رسالة إيجابية واضحة من جهة المكون العسكري في بريد "قحت" على إثبات نوايا لا يمكن إثباتها إلا بالبرهان البين في الحرص على صيانة المرحلة الانتقالية، وسيكون ذلك بطبيعة الحال مؤشراً أيضاً على احتمالات أخرى حيال النجاة من شبهات قد تعززها أو تنفيها نتائج محتملة للجنة التحقيق المستقلة في قضية فض اعتصام القيادة العامة برئاسة المحامي نبيل أديب، لا سيما أن بعض الاحتمالات التي ذكرها نبيل أديب لمجلة "نيولاينز" الأميركية، قد أحدث تناقلها في مواقع صحافية سودانية ضجةً اضطرت رئيس لجنة التحقيق نبيل أديب إلى إصدار بيان صحافي يوضح فيه بعض ملابسات حواره مع مجلة "نيولاينز".

شرق السودان جزء من المسرح الذي سيكون مؤشراً على طبيعة المناخ الذي يتعين الاستجابة لضغوطه من أحد طرفي شركاء المرحلة الانتقالية. فالوضع هناك (الذي كان ظاهراً منذ البداية أنه سيكون الخاصرة الرخوة للثورة)، إذا ما انعكس فيه تغيير يؤشر على إرادة صادقة في العبور بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان، فإن ذلك يعني في تقديرنا حلحلة جملة من الإشكالات التي ظل شرق السودان مسرحاً لمضاعفاتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما يجري هذه الأيام في الخرطوم من تفاوض حول ملف شرق السودان، وتعقيداته، يدل على مفاوضات اللحظة الأخيرة لتقاسم السلطة مع رافضي مسار الشرق في اتفاق جوبا، لكن الإشكالية تكمن في أن التعقيد الذي يلف هذه القضية يتجسد في صعوبة التعامل مع مفاوضين يمثلون مجموعة سياسوية تقارب وعيها من منظور قبائلي، ولا يصدرون في طبيعة تفاوضهم من مبررات تنطلق من إدراك واعٍ لمفاهيم الشراكة في الوطن وحقوق المواطنة والدستور، بل يطرحون مطالب تعكس في جوهرها ما يتعارض وقيم وأهداف ثورة ديسمبر في الحربة والعدالة والسلام، إلى جانب التلويح بردود فعل غير عقلانية حال عدم الاستجابة لمطالبهم!

وعلى الرغم من أن المجموعات الأخرى التي تعكس ثقلاً أكبر في شرق السودان بكافة مكوناته؛ تتجاوز ذلك الجسم الاسم تنسيقية شرق السودان (وهو الاسم البديل للمجلس الأعلى لنظارات البجا) باصطفافها إلى جانب اتفاقية جوبا للسلام، ودعمها لمسار الشرق، فإن الغرابة اليوم تكمن في عقدة استعصاء تلك المفاوضات على النحو الذي شرحنا؛ حيث مضى عليها أكثر من عام ونصف العام، ولا تزال المفاوضات تراوح مكانها من عدم القدرة على حسم هذا الملف الذي تعكس تعقيداته جزءاً من طبيعة الإقليم المهمش والمهمل لعقود طويلة.

إن سير الأوضاع في الأيام المقبلة نحو حلحلة ملف شرق السودان، سيكون دليلاً كاشفاً على طبيعة توجهات المزاج العام في المطبخ السياسي للمركز. ولقد بدت هناك مؤشرات إيجابية عكست ما قد يدل على إرادة تليين في المواقف المتعنتة من قبل المجموعة الرافضة لمسار الشرق؛ لكن هذه المجموعة، نظراً لغياب مؤشر رؤية واضح لديها، يظل التأرجح في مواقفها جزءاً من رهاناتها غير المحسومة. ولعل هذه العقدة التي تعتبر بمثابة عقدة العقد في ملف شرق السودان هي التي ستفسر لنا شكل الحسم النهائي المنتظر بعد العيد، خصوصاً لجهة ما سيثبت من طرف المكون العسكري إرادة المضي قدماً بالمرحلة الانتقالية إلى نهاياتها الآمنة. فالتعطيل الذي حدث لمسار شرق السودان والتجميد الذي طاله سينعكس سلباً في التقييم والمراقبة من طرف الجهات الدولية والإقليمية حيال اتفاق جوبا، وكذلك من قبل وساطة دولة جنوب السودان، إلى جانب رعاة وضامني الاتفاق، الأمر الذي سينعكس تعطيلاً لمجمل الاتفاق، حال استمرار تعطيل مسار شرق السودان؛ وهنا تكمن خطورة هذا الأمر.

هكذا، سنجد اليوم أن قسماً كبيراً من حقيقة الحراك السياسوي السائب الذي يحدث في شرق السودان هو في حقيقته جزء من ردود فعل أحداث فتنة الاقتتال الأهلي في الإقليم، بين عامي 2019 – 2020 موجات خمس للاقتتال من ناحية، وخراب البنية السياسية التي صممها نظام الإخوان المسلمين لثلاثين سنة بتسييس الإدارة الأهلية، من ناحية ثانية!

وللأسف، فإن هناك قوى في شرق السودان لا تزال تشتغل بطريقة نظام المؤتمر الوطني، دون أن تكون لها القدرة على رؤية الواقع الجديد الذي فرضته الثورة، والقيم الجديدة التي تبشر بها؛ حيث يظن البعض هناك أن مجرد كونه مكوناً قبلياً كبيراً فسيكون من حقه المشاركة في السلطة أيضاً، كيفما كانت حالاته من حيث الشروط الأخلاقية والنضالية التي تؤهله لأن يكون جزءاً من العهد الجديد!

ما غاب عن هؤلاء هو أن المشاركة في بناء السلطة والدولة السودانية اليوم في المرحلة الانتقالية تقوم فقط على استحقاق المشاركة في أجسام النضال السياسي خلال ثورة ديسمبر 2018 (أي إما عبر القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير في الأول من يناير 2019، أو عبر القوى الممثلة لأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، هذا يعني أن القوى السياسوية التي تكونت بعد الثورة في شرق السودان (وهي أغلبها قوى تكونت بطريقة عكست الأسلوب الفاسد الذي اخترعه نظام البشير لتسييس القبائل)؛ مثل المجلس الأعلى لنظارات البجا، والآلية التنسيقية لعمد قبائل بني عامر، ومن في حكمهما) وهي قوى لن يكون لرموزها - على الأقل – حظ في المشاركة في إدارة العهد الجديد، بالتالي من المهم لكل الذين يريدون أن يشاركوا في العمل السياسي بجدية ممن هم خارج منظومة قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، أن يدركوا أن معادلة الواقع السياسي الجديد الذي فرضته الثورة تقوم فقط على ما سيسمح لهم بالإعداد لما بعد المرحلة الانتقالية، وهكذا فإن على كثير من المكونات في شرق السودان أن تترك تلك الطرق العقيمة في تبني السياسة عبر القبيلة، أو الإصرار على المشاركة في واقع ثوري جديد لم تكن جزءاً من صناعته، ذلك أن التفكير بهذه الطريقة العقيمة لن يوصل إلى شيء، ويستنزف قوى وجهوداً ضائعة، وسيكون بمثابة شيك من دون رصيد.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء