Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يتامى كورونا في الهند...ما مصير أطفال من يفتك بهم الفيروس؟

إن حجم الكارثة الناجمة عن الموجة الثانية من الجائحة بعد أن قضت على عائلات بأسرها، هائل، إلى حد أن أعداداً لا تحصى من الأطفال أصبحوا في وضع بالغ الهشاشة... في دلهي، شويتا شارما تستمع لمن يحاولون المساعدة

سجلت الهند نحو 50 في المئة من إصابات فيروس كورونا العالمية الأسبوع الماضي، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (غيتي)

بلغت حصيلة الوفيات في الهند جراء فيروس كورونا أكثر من 230 ألف شخص، لكنهم ليسوا الضحايا الوحيدين للجائحة التي ما زالت تعصف في البلاد. فوراء كل رقم تجد قصة فقدان ودمار في أوساط الأحبة الذين نجوا من الموت.

في دلهي، يخبر العاملون في المنظمات غير الحكومية "اندبندنت" عن حالة صبي عمره 14 عاماً توفيت أمه وأبوه وجده وعمه من كوفيد-19. ستتولى عائلة زميله في الصف الآن رعايته، بعد أن قبلت تبنيه. وفي حين تجتاح البلاد موجة ثانية من الفيروس الذي يبدو أنه يؤثر على الأصغر سناً بشكل متزايد، يتعاظم إدراك وجود ظاهرة مخيفة تتعلق بـ"أيتام كوفيد"، حيث يتلقى الناشطون والمنظمات غير الحكومية والعاملون في مجال حقوق الأطفال كماً هائلاً من الاتصالات الهاتفية يومياً في شأن حالات جديدة. وهي اتصالات تطلب المساعدة لأطفال تغيرت حياتهم إلى الأبد، ولن تعود إلى سابق عهدها حتى بعد انتهاء هذه الموجة وعودة العالم إلى وضعه الطبيعي بالنسبة لمعظم الأشخاص.

"يتغير الاسم والمكان، لكن قصص هؤلاء الأطفال التي تحطم القلب تبقى نفسها"، كما يقول دانانجاي تينغال، من منظمة الأطفال الهندية التابعة لكايلاش ساتيارتي، الحائز جائزة نوبل للسلام.

ويضيف تينغال، مدير مؤسسة باتشبان باتشاو أندولان Bachpan Bachao Andolan (حركة إنقاذ الطفولة) أنه منذ بداية شهر أبريل (نيسان)، يتلقى خط المساعدة التابع للمنظمة بين 150 و200 اتصال هاتفي يومياً في شأن أطفال بحاجة ماسة للمساعدة، و60 في المئة من هذه الاتصالات تتعلق بأطفال فقدوا أحد والديهم أو كليهما بعد إصابتهم بكوفيد.

والأمر الذي لم يلحظه أحد في خضم المناشدات التي لا تنتهي على شبكة الإنترنت من أجل الحصول على أسرّة مستشفى أو أوكسجين أو أدوية وحتى بعض المساحة في محارق الجثث التي أغرقتها الطلبات، هي الطلبات اليائسة كذلك للحصول على حليب الأم من أجل إرضاع أطفال فقدوا أمهاتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت نفسه، ترد ضمن رسائل تطبيق "واتساب" المتعلقة بالعلاجات المنزلية المشكوك فيها ومحاليل الأدوية غير المثبتة فاعليتها، بعض الرسائل غير المشروعة التي غالباً ما تفتقر إلى التفاصيل، تطالب الناس بتبني أطفال حولهم المرض إلى أيتام.

وجاء في إحدى الرسائل العديدة الموجعة التي انتشرت خلال الأسابيع الماضية "للتبني: إن كان أحدكم يرغب بتبني طفلة، الرجاء الاتصال على... إحدى الفتيات عمرها ثلاثة أيام، والأخرى ستة أشهر. لقد فقدوا أهلم بسبب فيروس كورونا أرجوكم أن تساعدوا هاتين الطفلتين على الحصول على حياة جديدة. انشروا الخبر".

ما نعرفه هو أنه حين تكون هذه المناشدات صادقة، فهي لا تمثل سوى جزء يسير من كافة الحالات الفعلية على أرض الواقع، كما يقول أنوراغ كوندو، رئيس لجنة دلهي لحماية حقوق الأطفال، الهيئة التابعة لحكومة دلهي.

ويضيف أن اللجنة تعاملت إلى الآن مع 11 حالة مؤكدة، حيث فقد طفل أحد والديه أو كليهما بسبب كوفيد، ويزيد الرقم مع مرور الأيام. وباعتبار هذا الأمر مؤشراً، يقول لـ"اندبندنت"، إن العدد الفعلي للأيتام في دلهي لا بد أن يكون "كبيراً إلى حد مخيف"، بما أن الأغلبية لا تعلم عن وجود خطوط المساعدة أو القنوات المتاحة من أجل طلب مساعدة اللجنة.

ويذكر كوندو اتصالاً ورد على خط المساعدة في وقت متأخر من ليل 24 أبريل من طفلين مذعورين وقلقين جلسا قرب جثتي والدهما ووالدتهما وهما لا يعرفان ما عليهما فعله. وسألا ما الذي يجب أن يفعلاه لكي يحرقا جثتي والديهما.

وقال "لا يمكنني تصور الرعب، وتخونني الكلمات لمجرد التفكير بأن أطفالاً يواجهون مسألة (طريقة) حرق جثث أمهاتهم وآبائهم. هذا لا يحطم عالمهم فحسب، بل يثير أسئلة كبيرة في شأن الطريقة التي سينشأون فيها".

هذه معاناة تشاركها العديد من الناس فيما حاصر الفيروس البلاد. أفادت الهند بتسجيل أكثر من 300 ألف حالة كوفيد يومياً طيلة الأيام الـ15 الماضية، وبلغت الإصابات فيها تقريباً نصف إجمالي الإصابات في العالم خلال الأسبوع الماضي، وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية. وحتى هذه الأرقام الضخمة تعتبر مخففة جداً، نظراً للنقص الكبير في الإبلاغ في البلاد.

وفي حالة أخرى، اضطر ثلاثة أطفال من أسرة واحدة - بينهم قاصران وواحد عمره 18 عاماً - للعناية بأنفسهم وحدهم بعد وفاة والديهم. واتصلوا بخط المساعدة في حالة من الهلع بسبب تأكيد إصابتهم هم أيضاً بفيروس كورونا وحاجتهم لرعاية طبية عاجلة.

سيعتاشون الآن من المساعدة التي قدمتها عائلة أتت إلى اللجنة، وعرضت أن تدعمهم مادياً. ويقول كوندو "إن لجنة دلهي لحماية حقوق الأطفال تتابع هذه الحالة عن كثب وتعمل على ضمان إعادة تأهيلهم ورفاههم وسلامتهم".

تشير المعطيات الأولية إلى أن النسخة الجديدة من كوفيد في الهند تصيب المرضى الأصغر سناً بشكل أقسى [أعنف]. في دلهي، 65 في المئة من مرضى كوفيد-19 تحت سن الخامسة والأربعين، أي المجموعة التي يرجح أن تتضمن أهلاً صغار السن والتي فتح أخيراً باب إعطائها اللقاح بدءاً من 1 مايو (أيار).

يلفت العاملون في المنظمات غير الحكومية النظر إلى عدم الاحتفاظ بأي سجلات رسمية عن عدد أيتام كوفيد. وبالفعل، قد لا يعترف أبداً بخسارتهم، فيما يعاني البلد أساساً لمجرد تعداد حصيلة الوفيات الإجمالية من الفيروس.

لكن المخاوف تزداد من أن تضاعف الجائحة انتهاكات حقوق الأطفال بسبب استغلال الأيتام وما يفاقم الوضع سوءاً هو الأشخاص الذين يعرضون الأطفال للتبني بشكل غير قانوني على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتقول سونال كابور، مؤسسة جمعية بروتساهان في الهند، وهي منظمة غير حكومية تعمل في 48 حياً من أحياء عشوائيات دلهي الفقيرة، إن الجائحة تعرض الأطفال لأهوال الاستغلال الجنسي وسفاح القربى والاتجار بالأطفال. وهذه هي الحالات التي تقابلها منذ بداية الجائحة.

وتضيف، "نستمع إلى قصص مؤلمة لا تنتهي منذ العام الماضي، لكن مدى حدتها تفاقم إلى حد كبير هذه المرة (مع الموجة الثانية)".

وتشرح بأن المتاجرين بالأطفال ينشطون أكثر من أي وقت مضى، وينتظرون لكي يستغلوا لحظات الأزمة الإنسانية.

وتلفت كابور إلى أن "نشر أرقام الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل عملية التبني سيتسبب بالكوارث"، مضيفة "حتى المتطوعون الهواة الذين لديهم حسن نية لا يملكون الخبرة أو البنية التحتية المناسبة لتدبير عمليات تبنٍّ آمنة". وتقول "يحضر المتاجرون بالأطفال من أجل تبنيهم وهم يرتدون ثياباً تجعلهم يظهرون بمظهر الأزواج المستعدين للتبني".

غالباً ما يكون الأطفال في هذه الحالة مصابين بصدمة عاطفية شديدة وفي حالة من الهشاشة الهائلة، كما تقول، مستشهدةً بمثال تلقي مؤسستها اتصالاً هاتفياً من مراهق مفجوع بعد رفض مستشفى في دلهي تسليمه جثة والده الذي توفي بعد إصابته بكوفيد. وسأل الصبي كابور "هل سأستعيد والدي يوماً ما؟".

وتشرح أن "هؤلاء الأطفال لن يسعهم طي الصفحة [الكارثة] أبداً، وسوف ينتهي الحال بكثير منهم بالعيش خارج المجتمع".

شهدت الموجة الثانية في الهند معاناة الناس من الخسارة على مقياس هائل والوضع قد يبدو ميؤوساً منه تماماً لبعض الناس. وفي إحدى الحالات التي تناقلها الإعلام المحلي بشكل كبير، أنقذت شرطة دلهي أخاً وأختاً كانا على شفير الانتحار. خسر الشقيقان والديهما بسبب كوفيد. وتمكنت السلطات في النهاية من تدبير أمر سفرهما إلى غواهاتي في ولاية أسام لكي يسكنا مع أقربائهما.

وفيما تتوفر البنية التحتية والإطار القانوني لمساعدة أطفال كهؤلاء "هناك وعي ضئيل بشكل صادم في شأن العملية القانونية وكيفية عمل النظام"، كما تشرح سميريتي غوبتا، من جمعية أين أطفال الهند. وتقول إن الحاجة لكي ترفع الحكومة مستوى هذا النوع من الوعي أكبر الآن من أي وقت مضى، وإنه مهم جداً، بغض النظر عن وجود جائحة أو عدمه.

سبل مساعدة أيتام كوفيد

يقول كوندو إنه عندما يلتقي أي شخص بأطفال فقدوا أهلهم عليه أولاً إما أن يبلغ عن المسألة على خط الطفولة Childline على 1098، وهو خط يغطي الهند بأكملها، أو أن يتصل بلجنة حقوق الطفل في الولاية المعنية. ورقم المساعدة في دلهي هو +91-9311551393.

ويضيف "لا يحق لأي منظمة غير حكومية أو لأي أحد أن يعرض الطفل للتبني. فهذا الحق محفوظ فقط للجنة رعاية الطفل في المقاطعة".

ويشرح كوندو أنه وفقاً لمبادئ المنطق السليم التي ينص عليها قانون عدالة الأحداث في الهند (رعاية الأطفال وحمايتهم) من عام 2015، لا يضاهي شيء بيئة يألفها الطفل [فهي الأمثل].

ويقول إن الأولوية القصوى في إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال تكون دائماً بالعثور على أقرباء من العائلة الكبيرة [الممتدة]، "لأن توفير التعليم والثياب والطعام والمأوى لا تعادل تنشئة طفل. فذلك يتطلب أكثر بكثير من الخدمات الأساسية".

وتتدخل المؤسسات الفيدرالية حين يتوفى الوالدان أو عندما لا يتقدم أحد من العائلة المباشرة لمساعدة الطفل، ويحدث ذلك عن طريق جلب الطفل إلى لجنة رعاية الطفل في المقاطعة التي تتخذ قراراً في شأن مستقبله وفقاً لعدة عوامل.

ويشرح كوندو "لقد بدأنا عملية الإدخال إلى مؤسسات الرعاية في حالتين من أصل الـ11 حالة (التي تعاملنا معها أخيراً بسبب كوفيد) كما فتحنا تحقيقات في شأن الأشخاص الذين يبعثون رسائل التبني (على الإنترنت)".

وتختم غوبتا بقولها، إن الأوان آن "ليعرف كل هندي أنه على كل طفل متروك أو يتيم أن يصل إلى وكالة تبني متخصصة. لا يجب أن نتاجر بالأطفال عبر رسائل "واتساب" و"فيسبوك". ولا يجب أن نترك الأطفال في الملاجئ مدى الحياة".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات