Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البيت العراقي للإبداع" الملاذ الآمن لأطفال خذلتهم الحياة

"لا نأخذ أي مساعدة من منظمات أجنبية أو سفارات أو أحزاب فالدعم يأتي من العراقيين"

يرفض الذهبي تسميتهم "أطفال الشوارع" بل يطلق عليهم تسمية "فاقدي الرعاية الأسرية" (اندبندنت عربية)

"الفنان والأنيق والعقل المدبر والشيف والخياط" وصفات أخرى مرفقة بصور الأطفال، هي أول ما تقع عليه عينك مع دخولك إلى مؤسسة "البيت العراقي للإبداع"، التي تحتضن الأطفال الذين فقدوا الرعاية الأسرية. وتُعدّ هذه التجربة الأولى من نوعها في العراق وتهدف إلى تأهيل الأطفال الذين عاشوا في بيئات أفقدتهم كرامتهم وعانوا من إهمال أهلهم لهم، فبعضهم أُجبر من قبل ذويه على التسوّل كوسيلة للعيش، والبعض الآخر عاش تجربة الحرب، وآخرون تخلى عنهم ذووهم تحت وطأة ظروف البطالة والتفكك الأسري. وأصبح "البيت العراقي للإبداع" بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال الملاذ الآمن، والمكان الذي أطلق العنان لمواهبهم. 

بدأ بطفل واحد

مع ارتفاع نسب البطالة والفقر والحروب والتفكك الأسري وكثرة حالات الطلاق، تفاقمت أعداد الأطفال الذين يقعون ضحية لهذه الظروف. وقال هشام الذهبي، صاحب فكرة "البيت العراقي للإبداع"، إنه "بعد احتلال العراق عام 2003 وفتح سجون الأحداث وانتشارهم في شوارع العاصمة، كنت أرى هؤلاء يتجمعون في ساحة الفردوس للاستجداء بملابسهم الرثة وكانوا يعانون من أمراض جلدية. وكنت أراقب المنظمات الأجنبية التي تحاول أن تقدّم الرعاية لهم. جذبني هذا المنظر وقلت ليس معقولاً أن تكون هناك منظمات تعبر القارات وتأتي للعمل من أجل هؤلاء الأطفال وهم أبناء بلدي، لذلك قررت أن أعمل من أجل هذه الشريحة".
واستذكر هشام الذهبي، الطفل أركان، أول طفل أخذه معه في بيته، قبل أن يكون لـ"البيت العراقي للإبداع" مكاناً خاصاً. وقال "كنت أرغب بتجربة التعامل مع أركان كضحية وليس كما يعامله المجتمع كمجرم. كان لدي قلق وهاجس أن يغادر أركان منزلي ويعود إلى حيث كان، لكنني تفاجأت بنجاح هذه التجربة وشعرت بتمسك هذا الطفل ورغبته بالعيش وسط أجواء تُشعره بالأمان والكرامة والثقة بالنفس".


ليسوا أطفال شوارع

يرفض الذهبي تسميتهم "أطفال الشوارع"، بل يطلق عليهم تسمية "فاقدي الرعاية الأسرية" الذين لم يُمنحوا حقوقهم بالاهتمام والرعاية المطلوبة. ويضم "البيت العراقي للإبداع" حالياً، 54 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 4 و15 سنة، يقيمون في البيت بشكل دائم، ويمارسون فيه حياتهم بكل تفاصيلها، من تحضير الواجبات المدرسية والتسلية وممارسة الهوايات، تحت إشراف متطوعين.
ويوضح الذهبي أن "البيت العراقي للإبداع مستمر منذ 18 سنة، معتمداً على التبرعات من العراقيين فقط. ولا نأخذ أي مساعدة من منظمات أجنبية أو سفارات أو أحزاب، فالدعم يأتي من العراقيين. ورسالتنا هي أن العراقيين هم أهل الإنسانية مهما كانت ظروفهم قاسية وصعبة والدليل على إنسانيتهم استمرار هذا المشروع منذ 18 سنة".

الفقر عامل ولكنه ليس الأساس

ويسعى "البيت العراقي للإبداع" إلى البحث عن عائلة الطفل الحقيقية ومحاولة حل المشكلة التي أدت إلى ترك العائلة لأطفالها، لذلك نجد تبايناً في أعداد المستفيدين من "البيت" بين فترة وأخرى، فالبعض يغادر عندما تُحلّ مشكلة عائلته، والبعض الآخر يبقى هناك وينتقل بعد عمر 17 سنة إلى الخدمة في دار المسنين، بينما يستمر بالدراسة، ويوفّر له "البيت العراقي للإبداع" كل حاجاته. ويُذكر أن "دار المسنين" أنشأ عام 2019 ويضم 20 مسناً، وهو من ضمن مؤسسة "البيت العراقي للإبداع".
ويسرد لنا هشام الذهبي قصصاً عن معاناة هؤلاء الأطفال. ويقول إن "معظم القصص يتشابه وكل الأطفال مروا بظروف غير طبيعية. فهناك مَن فقد الأم والأب ويعيش في بيئة مستغلة له، وهناك مَن جاء نازحاً من الموصل وفقد عائلته أثناء النزوح". ويضيف الذهبي "نحاول في البيت العراقي للإبداع إعادة تأهيلهم نفسياً بعد ما جابهوه من مصاعب، لدمجهم مجدداً في المجتمع متسلحين بالثقة بالنفس".
ولا يرى الذهبي أن الفقر هو العامل الأساس لتخلي العائلة عن أطفالها، قائلاً إنه "عامل مهم لكنه غير أساسي، فهناك عوامل أخرى منها التفكك الأسري وتخلي الأبوين عن المسؤولية والطلاق المبكر، كلها عوامل تجعل من الأبناء الضحية التي لا يحسب لها حساب من قبل الأهل".


رعاية الفتيات

في سياق متصل، يرى هشام الذهبي أن "مجتمعنا ينظر بقسوة إلى الفتيات الساكنات في دور للرعاية، فطرح البيت العراقي للإبداع فكرة أخرى للفتيات اللواتي يواجهن ظروفاً صعبة بتخلي ذويهن عنهن، وهي فكرة الكفالة الدراسية، وأن توضع الفتاة في أسرة بديلة كأن تكون أسرة العم أو الخال أو الجد. ويوفّر "البيت العراقي للإبداع" حاجات الفتيات، كما هناك مشرفات عليهن لمتابعة دارستهن. ويتم توفير سلات غذائية للعائلات التي تستقبلهن، شرط ألا يتركن المدرسة أو يجبرن على العمل أو التسول.

أنقذوا الأطفال

لا يكتفي الذهبي برعاية الأطفال في "البيت العراقي للإبداع"، بل يعمل باستمرار على نشر القضايا التي تخص الأطفال، سعياً منه لإيجاد حلول لإنقاذهم وإصدار قانون صارم للحدّ من العنف الممارس ضدهم. وكان قد سرد بعض الحالات التي وصفها بـ"الصعبة" عبر حسابه على "تويتر"، فقال إن "هناك أمّاً مختلة عقلياً وتتناول الحبوب المخدرة والمشروبات الكحولية ولديها طفلان أُحضرا إلى البيت العراقي للإبداع وأُدخلا إلى المدرسة وكانا من المتفوقين، إلا أنهما لم يكملا مرحلة الرابع الابتدائي. فغالباً ما تعود الأم وتطالب بهما، وتستغلهما في التسول والعمالة وبذلك يضيع كل الجهد الذي يبذله البيت".


دور الأم

في السياق، تقول ماجدة عباس، المتطوعة لتدريس الواجبات المدرسية لمَن هم في المرحلة الابتدائية واليافعين، إنها أم وصديقة وأخت لهؤلاء الأطفال، وما يشعرها بالفخر في هذا العمل، هو لحظة سعادتهم بحصولهم على درجات عالية في المدارس التي يرتادونها، "فرحتي الكبرى عندما يقبلون عليّ وهم سعداء بحصلوهم على معدلات عالية في الامتحانات".
أما سلوى محمد أمين التي تُدرّس الأطفال، مادتَي اللغة العربية والرياضيات، وهي متقاعدة من العمل كمعلمة منذ عام 1991، فتوضح أن "تجربة العمل في هذا البيت مختلفة تماماً عن تجربة العمل عندما كانت في الوظيفة الحكومية. عندما كنت معلمة، كنت أحرص على إعطاء المعلومة للطالب ومَن يتعثر في الدراسة كنا نتصل بذويه، لكن تجربة العمل في البيت العراقي للإبداع منحتني دور المعلمة والأهل في الوقت ذاته، وهذا ما يشعرني بأن ما أقوم به يمثّل قيمة عليا تجعلني أحسّ بالرضا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المشاركة معهم

يونس وعبد الله وسمير وعباس وعلي، هم مَن تفتخر بهم بنين محمد، الطالبة الجامعية المتطوعة لتدريس الأطفال في "البيت العراقي للإبداع". وترى أن هذا البيت وفّر لهم بيئة سليمة وآمنة وحقق ما لم تحققه عائلات كثيرة لأبنائها. وتقول إن "على الأسر الاقتداء بأسس تربية الأطفال من تجربة هذا البيت".
أما المتطوع محمد قاسم، فيقول "نعيش كل الأجواء بتفاصليها، فالآن في رمضان نؤدي الواجبات الدينية، وبعدها ولغرض التسلية لدينا بطولة في الألعاب الإلكترونية".
 


​​​​​​​
وكان "البيت العراقي للإبداع" يحرص قبل جائحة كورونا على مشاركة الأطفال في النشاطات الرياضية مثل السباحة والتايكوندو وكرة القدم وركوب الدراجات، فالطفل هنا يعيش في بيئة آمنة وله حقوق وعليه واجبات وهناك مواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ، كلها تتم في بيئة تمنح مَن يسكن هذا البيت الحنان والاهتمام.
ويختم هشام الذهبي الذي يستعدّ لإكمال مرحلة الماجستير في تخصص علم النفس، بالقول إن "كل العراقيين يعملون معي، فغالبية المواطنين يتصلون بي عند العثور على طفل فاقد الرعاية الأسرية من أجل أن ينضم إلى العائلة التي تمنحه الرعاية والثقة والاهتمام وهي عائلة البيت العراقي للإبداع".

المزيد من تحقيقات ومطولات