Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا بعد تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية؟

مسارات السلطة للتحرك محدودة وحركة حماس تترقب الخيار الصفري

احتجاجات في شوارع غزة بعد قرار تأجيل الانتخابات التشريعية (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قراراً بتأجيل الانتخابات التشريعية، التي كان مقرراً أن تجري في مايو (أيار) الحالي، متذرعاً بعدم قبول الحكومة الإسرائيلية إجراء الاستحقاق في القدس وضواحيها، بحجة أنه لا توجد حكومة مسؤولة عن اتخاذ القرار، وأن الحكومة الراهنة حكومة تسيير أعمال. وبرر عباس خطوته بأن القدس جزء رئيس من الأراضي الفلسطينية، وأن السلطة جاهزة في كل الأحوال لإجراء الانتخابات حال السماح بذلك، وأن الأطراف الدولية الأميركية والأوروبية والعربية فشلت في إقناع الحكومة الإسرائيلية بقبول إجراء الانتخابات.

مبررات معلنة

وأعلن عباس أسباباً إضافية دفعت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة إلى عدم الموافقة، على الرغم من أن هذه الحكومة تتخذ قرارات عدة يومياً متعلقة بالاستيطان، كما فشلت دول الاتحاد الأوروبي الساعية إلى إجراء الانتخابات في الضغط على الجانب الإسرائيلي، وثنيه عن هذه الخطوة، بخاصة أن حالة الزخم في الشارع الفلسطيني باتت كبيرة، ومن الصعب السيطرة على تطوراتها إن خرجت عن ضوابطها، وهو الأمر الذي قد لا تستطيع السلطة الفلسطينية مهما أوتيت من قدرات، أن تتعامل معه بمفردها، ما لم يتم بالتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعبر آليات التعامل المشترك ووفق لجان الارتباط على الجانبين، أي أن الأمر سيحتاج في نهاية المطاف إلى تنسيق مشترك فلسطيني ممثلاً في السلطة وأجهزتها من جهة والحكومة الاسرائيلية عبر جهازها الأمني من جهة أخرى، بصرف النظر عما يجري في الوقت الراهن من شد وجذب، واتهامات متبادلة وانتقادات للرئيس عباس، كسباً للشارع الفلسطيني الذي بات على فوهة بركان.

ولم تحظ خطوة إرجاء الانتخابات بقبول عام داخل حركة فتح، بل حدثت انشقاقات متتالية وظهرت قوائم عدة، وصعدت شخصيات مثل ناصر القدوة ومروان البرغوثي و"تيار الإصلاح"، وهو ما تسبب في إزعاج مراكز القوى داخل الحركة، فسعت إلى طرح فكرة التأجيل حتى إشعار آخر إضافة إلى إصدار وثيقة الأسرى التي دعت فعلياً إلى التأجيل في مثل هذه الظروف غير المناسبة. وباتت كبرى المنظمات الفلسطينية المعنية بإدارة المشهد، منقسمةً حول الخطوة ومبرراتها وما تتطلبه من إجراءات في ظل صعود بارز ومفاجئ لأسماء قيادية في فتح، كانت حتى وقت قريب داخل الحلبة ومستوعَبة تماماً. ويشير ذلك إلى أن أحد أسباب الضغوط التي تعرض لها عباس، إضافة لرؤيته الخاصة في ضرورة التذرع بما يجري إسرائيلياً وإلغاء الانتخابات، هو التخوف من بركان داخل فتح قد ينفجر في وجه الجميع، بدءاً من القيادي مروان البرغوثي، مروراً بناصر القدوة، وانتهاء بتيار الإصلاح القوي داخل حركة فتح، الذي كان سيخوض معركة حقيقية لاقتناص مقاعد في المجلس التشريعي.
ودخلت حركة حماس على الخط، وأكدت من خلال تعليقات وتصريحات كبار مسؤوليها وآخرهم، نائب رئيسها صالح العاروري، على أن الانتخابات يجب أن تجري في موعدها، وأنه لا توجد مشكلة في ذلك، في إشارة إلى رفض كل ما يتردد بشأن عدم إجراء الانتخابات في القدس تارةً، وبسبب أزمة كورونا في قطاع غزة تارةً أخرى، في ظل غياب الإرادة السياسية بين الفصيلين الكبيرين "فتح" و"حماس" حول استكمال الخطوة، خصوصاً أن الانقسام في الرأي اتضح منذ عدم الاتفاق على تشكيل قائمة مشتركة، وذهاب كل فصيل إلى تشكيل قائمة منفردة، مما دفع وبقوة إلى تباين في الرؤى والطرح، وصولاً إلى الاختلاف بشأن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر سلفاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمثير أن حركة حماس أعادت ترتيب كل الخيارات والحسابات، وأجرت انتخابات داخلية، وأعادت ترتيب أوراقها، الأمر الذي تخوف من تداعياته قادة "فتح". وبعد أن تمكنت "حماس" من إعادة توازناتها في الشارع الفلسطيني بخاصة في غزة، لا بل امتدت خطواتها الانتخابية إلى داخل الضفة الغربية، وهو ما حذرت من تبعاته تقارير "الشاباك" (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)، ومن أن حماس قد تحقق المعادلة الصعبة وتفوز بالانتخابات بأكملها، ووقتها لن تجد إسرائيل شريكاً سياسياً أو أمنياً للتعامل معه. وسيكون لهذا التباين في المواقف بين "حماس" و"فتح" بعد إلغاء الانتخابات، مردود سلبي على مواقف الأطراف الداعمة لإجراء الانتخابات، ومنها مصر والأردن تحديداً، بهدف إعادة تقديم السلطة الفلسطينية مجدداً للواجهة الدولية. فمصر التي بذلت جهود كبيرة عبر قياداتها في المخابرات العامة، واستضافت لقاءين لتمهيد الأجواء الفلسطينية، سيكون لها تحفظاتها إزاء ما يجري، على الرغم من تأكيدها أن القرار سيبقى في النهاية للجانب الفلسطيني.

الإشكال الحقيقي هو أن مصر رتبت ونسقت في إطار التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية، والسؤال المطروح الآن هو: ماذا عن الخطوة التالية؟ وهل ستعمل القاهرة على طرح البدائل في الاتجاهين الفلسطيني والإسرائيلي، وهل ستستضيف مجدداً حوارات عاجلة، ومباشرة بين القيادات الفلسطينية، أم ستكتفي بالمراقبة والمتابعة؟ بخاصة أنها كانت على علم بكل التطورات السابقة منذ إطلاق الصواريخ على منطقة غلاف غزة، مروراً بالعمل على تهيئة الأوضاع في الضفة لاستكمال الاستحقاق الانتخابي. وفي كل الأحوال سيكون للقاهرة حساباتها الخاصة في طرح الأفكار والرؤى وإعادة تقويم المواقف المستجدة والتفاعل معها. أما الأردن فلن يكون متحمساً لبذل مزيد من الخطوات الراهنة في ظل قرار السلطة الفلسطينية، إذ إن لديه حساباته الخاصة ومواقفه المعلنة بالتنسيق مع مصر في إطار ثنائي ودولي في إطار "صيغة ميونيخ"، وبالتالي لن يكون الأردن متحمساً لطرح أي خطوة بصورة منفردة .

قد يقوم الرئيس محمود عباس بجولة على مصر والأردن وقطر وتركيا والجزائر لشرح رؤيته المستجدة، والدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية كبديل مطروح لعودة الصف الفلسطيني إلى الوحدة، وهو ما سيكون له تقديراته وحساباته المباشرة بخاصة على مستوى الداخل الذي سيظل متحفظاً على خطوة الرئيس الفلسطيني، ومتشككاً في مسارات حركته في الوقت الراهن لأسباب تتعلق بما سيلي من إجراءات، التي يُتوقع أن تكون على أحد مسارين، الأول شكلي بالإعلان عن مقترحات للتحرك انطلاقاً من أفكار الرئيس بالتوافق، وهي مجرد مسارات للترضية، ولن يكون لها تأثير حقيقي أو فعّال بل سيكون لها مردود سلبي، والثاني جوهري مرتبط بما يمكن أن ينفَذ على أرض الواقع من رؤى ستكون مؤجلة ما لم تُحسم سياسياً، بخاصة أن "حماس" لن تقبل باستمرار الوضع الراهن، وقد تذهب إلى مواجهات جديدة مع إسرائيل، وقد يكون شن حرب شاملة على القطاع خياراً إسرائيلياً مطروحاً في المقابل للخروج من الحالة السياسية والاستراتيجية الراهنة، هذا بافتراض استمرار الأوضاع في إسرائيل على ما هي عليه، وعدم تشكل حكومة جديدة قد تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحريك المشهد على أسس جديدة، وعدم تبريد الموقف على خلاف ما يراهن قادة فتح داخل السلطة الفلسطينية.
في السياق، أعطت الإدارة الأميركية الضوء الأخضر لتأجيل الانتخابات لأسباب متعلقة بالتوقيت والنتائج المتوقعة، بخاصة مع استئناف الاتصالات الفلسطينية - الأميركية، وبدء قنوات التفاعل بالعمل، وتم ضخ المساعدات للسلطة مجدداً، كما فُتحت القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وبالتالي فإن إقدام السلطة الفلسطينية على تأجيل إجراء ما، لم يكن ليتم إلا بعد تفاهم فلسطيني - أميركي مسبق، ولاعتبارات عدة لا علاقة لها بأزمة كورونا، أو بعدم شمول القدس ضمن دوائر التصويت، وقد اضطُر عباس إلى القيام بخطوة مهمة أثناء إعلانه تأجيل الانتخابات، عبر القول إن الاتصالات تمت مع الإدارة الأميركية، وأن الأمر بات يتم في دوائر مشتركة، وبالتالي فإن السلطة الفلسطينية من الآن وصاعداً سيكون لها مسار آخر للتحرك من دون حاجة إلى أي طرف. وقد تنجح السلطة على الرغم من كل الظروف الراهنة، في دفع الإدارة الأميركية إلى تعيين مبعوث جديد للسلام، على غرار ما تم مع إيران واليمن والقرن الأفريقي للبدء في تبني سياسيات حقيقية.

  تداعيات متوقعة

من جهة أخرى، يُحتمل تجدد المواجهات في الضفة الغربية وليس في غزة فقط، وحدوث حالة من الحراك الشعبي قد تؤدي إلى انتفاضة ثالثة وفقاً لقراءة استخباراتية إسرائيلية، ولن تستطيع السلطة الفلسطينية مواجهة ذلك إلا بتنسيق أمني مباشر مع الجانب الإسرائيلي، وبدأت التظاهرات تعبّر عن نفسها في الشارع الفلسطيني، وبالقرب من رام الله، ويُحتمل أن تمتد إلى مدن فلسطينية أخرى، وهو ما سيتطلب تدخلاً أمنياً من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، وقد يؤدي إلى مواجهات حقيقية يتخوف من آثارها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي.

ومن الوارد أيضاً أن تدخل بعض الدول العربية لتصويب المسار، وسيدفع ذلك إلى مزيد من التدخلات الإقليمية في التطورات الفلسطينية، وحدوث حالة من التجاذب حول حدود الدور الإقليمي، خصوصاً أن تأجيل الانتخابات سيفتح بعض الملفات المهمة التي يتخوف من تأثيراتها الجانب الفلسطيني، ومنها قضية مَن سيلي الرئيس محمود عباس اذا استمرت الأمور على ما هي عليه، والمطالبة باستحداث منصب نائب للرئيس، إضافة إلى العمل على تصويب مسار منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بنائها على أسس وقواعد جديدة، والإشكالية الحقيقية مرتبطة بما يُقال وبما يُفعل، وهناك فجوة حقيقية بين الأقوال التي يطلقها عباس، وبين ما يقدم عليه من أفعال، وهذا هو مكمن التحدي المقبل، واحتمالات التصعيد في مواجهته من داخل "فتح"، بشكل لن تنفع معه الإجراءات الخاصة بالتحجيم أو الطرد أو العزل، بخاصة أن التيارات الفلسطينية متأهبة وفي حالة استنفار، أي أن المشكلة ليست في رد فعل حركة حماس أو الفصائل الأخرى في القطاع، بل في داخل فتح، التي قد تشهد مزيداً من الانشقاقات على غرار ما جرى في التيار الاصلاحي منذ سنوات. ويشار إلى أن عضو اللجنة المركزية لفتح جبريل الرجوب كان مصراً على إجراء الانتخابات في موعدها، فيما عارضه عزام الأحمد وماجد فرج، اللذان اعتبرا أن الانتخابات ستعزّز مكانة الرجوب ليكون خليفة للرئيس عباس.

قد تستغل بعض الفصائل غير المنضبطة الوضع في اختبار وجس نبض الجانب الإسرائيلي، بالعمل على إطلاق الصواريخ على منطقة غلاف غزة مثلما جرى خلال الأيام الأخيرة، وكمقدمة لما سيجري لاحقاً ما لم تُضبط الأوضاع، وهو الأمر الذي قد يهدد حالة الاستقرار الراهنة، ويمس أجواء تثبيت الهدنة. وقد يؤدي إلى مواجهات جديدة في الفترة المقبلة بين حماس والحكومة الإسرائيلية.
وسيؤدي تأجيل الانتخابات إلى مزيد من التوترات على مستوى الفصائل الفلسطينية، خصوصاً بين حماس وفتح، وقد تستغل الأطراف الإقليمية مثل تركيا وإيران المشهد الراهن وفقاً لحسابات محددة، ما سيؤدي إلى مزيد من التباين في الرؤى، بخاصة أن إسرائيل ستدخل على الخط لفرض مزيد من القيود على تحركات الفلسطينيين في الضفة الغربية بهدف التضييق على إجراءات السلطة الفلسطينية التي ستظل تواجه تأزماً حقيقياً في الموقف الداخلي.

الخلاصات الأخيرة

وسيتجه عباس إلى المناورة والدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لمحاولة استيعاب تقدم 36 قائمة لخوض العملية الانتخابية، في إشارة إلى حالة الزخم الكبيرة في الأوساط السياسية الفلسطينية، إلا أن هذا الأمر سيواجَه بتحديات صعبة داخلياً ودولياً في ظل رفض مشاركة حركة حماس بصورة مباشرة، والتحفظ على أي أسماء محسوبة على الحركة لدخول الحكومة، ما سيبقي الأمور على وضعها بل ربما تتطور للأسوأ.
وفي حال عدم تدخل الإدارة الأميركية لحسم الأمر، في ظل تقاربها الراهن والمباشر مع السلطة الفلسطينية، وإعادة ترتيب حساباتها المشتركة، التي لن تقتصر على دعم السلطة الفلسطينية مالياً فقط، والحفاظ على السلطة الراهنة، وممثلها محمود عباس باعتباره هدفاً إسرائيلياً، فإن الأمور ستتجه إلى خيارات قد تكون صفرية، ولن تقتصر على السلطة بل قد تمتد إلى إسرائيل أيضاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل