Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغيب الفتيات عن منازلهن بين الهرب من المعاناة والبحث عن الاستقلالية

يتم استغلال 72 في المئة من المتغيبات جنسيا وتمثل دور الإيواء سجنا كبيرا لهن

موظفة في إدارة حماية الأسرة في الأردن خلال جلسة مع إحدى الضحايا (موقع إدارة حماية الأسرة)

برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تعبر عن التحولات الاجتماعية المتسارعة في الأردن، وتتمثل في غياب الفتيات عن منازلهن في الأردن، هرباً من معاناة مكتومة، أو ربما بحثاً عن الاستقلالية والحرية. لكن أغلب اللاتي يغادرن منازلهن، ينتهي بهن الأمر إما في طريق الانحراف، أو يقبعن في دور الإيواء التي تتعامل معهن كمجرمات لا كضحايا.
تبدأ القصة عادةً بهرب الفتاة من منزلها والتوجه إلى منزل إحدى صديقاتها اللاتي لديهن ظروف مشابهة، إلا أن الأعم الأغلب منهن، يمضين جل وقتهن في أماكن عامة غير آمنة كالحدائق العامة، والأبنية المهجورة، لتبدأ رحلة استغلالهن جنسياً، أو عودتهن مرة أخرى إلى منازلهن وسط مخاوف من الاعتداء عليهن أو حتى قتلهن بداعي الشرف.

الاستغلال الجنسي

يؤكد مستشار الطب الشرعي، الخبير لدى مؤسسات الأمم المتحدة في مواجهة العنف، الدكتور هاني جهشان أن "ظاهرة هروب المراهقين من المنزل، تشمل الفتيات والفتيان في عمر المراهقة (من 12 وحتى 18 سنة)، وهي مشكلة حقيقية في الأردن، حيث إن معظم الحالات التي تصنف على أنها عنف الجنسي، والتي يتم الكشف عليها في عيادات الطب الشرعي المتخصصة بإدارة حماية الأسرة وأقسامها، مقترنة بتغيب المراهقين عن منازلهم وبخاصة الإناث منهم".
وبلغت نسبة حالات الاستغلال الجنسي المتعلقة بظروف تغيب الفتيات عن المنزل 72 في المئة، من مجمل حالات العنف الجنسي التي كشف عليها في عيادات الطب الشرعي في السنوات الماضية.


السكن المستقل

وبموازاة تغيب الفتيات عن منازلهن، برزت ظاهرة السكن في بيت مستقل بعيداً عن الأهل، إذ أصبح لافتاً اليوم وجود فتيات يقطن وحدهن في العاصمة عمان، على الرغم من عدم تقبل المجتمع الأردني الشرقي هذه الظاهرة التي يرى البعض أنها تخالف المعتقدات الدينية أيضاً.
في المقابل، يعتبر عدد كبير من الفتيات أن السكن بشكل مستقل يحقق لهن الاستقلالية، ويعزز الثقة بالنفس والاعتماد على الذات.
ورفعت الحكومة الأردنية في عام 2009، التحفظ على المادة 15 من "اتفاقية سيداو" في إجراء لم يترجم بعد لكن يفترض أن يمهد لتعديل نصوص قانونية، بما يؤدي إلى منح المرأة الأردنية حقوقاً ما زالت ممنوعة عنها، من بينها حرية السكن والتنقل، وهي مشكلة تعاني منها المطلقات والأرامل والمنفصلات من دون طلاق وغير المتزوجات، ممن لا يرغبن في الإقامة مع العائلة.

دور الإيواء سجن كبير

وفيما تنجح بعض الفتيات بالاستقلال في العمل والسكن في منزل خاص، فإن الغالبية يواجهن مصيرهن في دور الإيواء التي يصفنها بأنها سجن كبير لسنوات طويلة.
ولا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد الفتيات اللاتي يسمين بـ"المتغيبات"، لكن وزارة التنمية الاجتماعية تشير إلى أن عدد المتغيبات المستفيدات من دور الإيواء في السنوات العشر الأخيرة بلغ نحو 3 آلاف فتاة وسيدة، وهو رقم لا يعكس حقيقة أعداد المتغيبات في الأردن، إذ إن حالات عدة تتم تسويتها في المراكز الأمنية أو إدارة حماية الأسرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تفكك أسري وإهمال

ويرى جهشان أن "بعض المراهقات يهربن من المنزل بسبب تولد اعتقاد لديهن بأنهن مضطهدات، وأنهن بهروبهن سيحصلن على الحرية والاستقلالية، بما فيها حرية اختيار صديقاتهن أو بدافع لقاء أشخاص على علاقة غرامية معهن". ويضيف جهشان "تُرغم بعض الفتيات على الزواج المبكر من دون رضاهن، وأغلب تلك المراهقات من أسر تتصف بدرجة عالية من التفكك الأسري والنزاعات الزواجية، وشيوع العنف والإهمال، ومعاناة أفرادها، بخاصة أحد الوالدين، من الأمراض النفسية، وتشكل كل واحدة من هذه العوامل بيئة طاردة للطفلة، وتزداد خطورة هذه العوامل بتفاقمها مع بعضها البعض". ويوضح أن "أغلب الفتيات الهاربات يعانين من الاضطرابات النفسية حيث أظهرت الإحصاءات أن نسبة هذه الاضطرابات تصل إلى 75 في المئة من مجمل عدد المتغيبات، كما وأن نسبة شيوع انتشار الكآبة ومحاولة الانتحار بينهن تصل إلى 30 في المئة من مجمل عددهن". 

عواقب ومخاطر

ويرصد مراقبون غياباً للتوعية والخدمات التي توفر الحماية والرعاية للفتيات اللاتي يغادرن منازلهن لأسباب عدة، الأمر الذي يدفع كثيرات للخضوع لذويهن أو الخدمات الاجتماعية.
وخلال تغيبهن عن المنزل تتعرض الفتيات لمخاطر الاستغلال الجنسي بكل أشكاله بما في ذلك مخاطر الانخراط في تجارة الجنس، فضلاً عن تعرضهن للجنوح والانخراط في ارتكاب جرائم كالسرقة وتهريب المخدرات، والدعارة، والانضمام إلى عصابات الاتجار بالبشر والمخدرات.
وتواجه الفتيات الهاربات من منازلهن بعد العثور عليهن، العنف النفسي بالشتم والتحقير ووسائل الإذلال المختلفة والتي قد تشمل ممارسات مثل إرغام الفتيات على ترك المدرسة وحبسهن في غرفة معزولة بالمنزل، وقطع اتصالهن مع أي صديقة لهن، وكذلك إرغامهن على الزواج مبكراً تجنباً للوصمة الاجتماعية المتعلقة بتغيبهن عن المنزل. فضلاً عن الإهمال والمعاملة القاسية واللاإنسانية من قبل نظم الرعاية الإجتماعية والقضائية عقب تصنيفهن أنهن "أطفال في نزاع مع القانون" أو أنهن بحاجة إلى حماية ورعاية. 

الفتيات متهمات

ويصف إخصائيون ما يحدث حين يتم التعامل مع أغلب حالات التغيب عن المنزل، على أساس أنها حالات استغلال جنسي، أو حالات اشتباه بحصول عنف جنسي، بأسلوب رتيب وعشوائي تتخلله معاملة قاسية واتهامية للفتاة.
ويرى هؤلاء أن هناك غياباً للجهات المتخصصة التي يفترض أن تستجيب لحالات التغيب عن المنزل، ويتوقع منها أن توفر النصيحة والإرشاد النفسي والاجتماعي والقانوني للمراهقة المتغيبة ولذويها، وضمان حقوق الفتيات من نواحي السلامة والأمن والتعليم.
ويطالب مراقبون بإنشاء مركز متخصص للمتغيبين، بخاصة الفتيات، من شأنه تأدية أدوار عدة كحمايتهن وإبعاد وصمة العنف الجنسي والوصمة المتعلقة بالكشف الطبي الشرعي عنهن.
ويرى هؤلاء ضرورة ربط هذه المراكز بالبحث الجنائي وإدارة حماية الأسرة، وتزويدها بمختصين في علم النفس والخدمة الاجتماعية، وبرنامج عمل قائم على الدليل المعرفي والبحثي لرعاية المراهقات.

المزيد من العالم العربي