Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الجزار" الجزائري يجر جنرالات وقضاة إلى المحاكم

كشفت "قضية الكوكايين" تغلغل المال الفاسد في المؤسسات الحكومية خلال الولاية الأخيرة لبوتفليقة

عناصر من الأمن أمام محكمة سيدي أمحمد في العاصمة الجزائرية (رويترز)

يمثل الجنرال عبد الغني هامل، المدير العام السابق للأمن الجزائري، الخميس، أمام قاضي التحقيق لمحكمة سيدي أمحمد بالعاصمة، في سياق إعادة التحقيق في ملف "كوكايين وهران"، الذي ظل على قدر كبير من الغموض طيلة سنة كاملة، بعدما أحالت هذه القضية عدداً من الجنرالات على التحقيق العسكري، لكنها بعد سنة من كشفها تدفع إلى ظهور شخصيات جديدة، مدنية وعسكرية، متورطة فيها.

ويصف مراقبون جزائريون قضية "سبعة قناطير" من الكوكايين، التي كشفت في سواحل وهران (400 كلم غرب العاصمة)، العام الماضي، بآخر تطورات "الفساد المنظم" في البلاد، لاسيما خلال سنوات الولاية الرابعة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. إذ بيّنت حجم تغلغل المال الفاسد في "سرايا الحكم" قياساً بمدى ارتباط المتهم الرئيس، كمال شيخي (البوشي) بكبار المسؤولين من وزراء وجنرالات في الجيش وقضاة وصحافيين.

في الفترة الحالية، يقضي "البوشي"، أي الجزار، فترة سجن مؤقت في سجن الحراش. ومن غرائب الصدف، أن يكون سجنه الانفرادي في القاعة نفسها حيث يُسجن رجلي الأعمال علي حداد وأسعد ربراب وأفراد عائلة كونيناف والإرهابي عبد الرزاق البارا (عماري صايفي)، القائد السابق للمنطقة الصحراوية لـ "الجماعة السلفية للدعوة والقتال".

"شيخ" فساد في سن الأربعين

لم يكن اسم "البوشي" معروفاً في الوسط الإعلامي، إلا بعد ورود اسمه في اليوم التالي على كشف شحنة الكوكايين في سواحل وهران من قبل فرقة عسكرية من خفر السواحل. وقد اشتهر "البوشي"، وهو في الـ 40 من عمره، بمحلات اللحامين في حي القبة بالعاصمة، ويذكره سكان الحي بـ "الملتزم الذي تعود الإسهام في بناء مساجد ومساعدة الفقراء".

وكان "البوشي" دخل إلى مجال استيراد اللحوم في عمر الـ 35، ثم طور إمبراطوريته المالية في مجال العقارات.

إلا أن حادثة وهران، دفعت بصور "البوشي" إلى الواجهة. إذ كشفت مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات تلفزيونية عشرات التسجيلات والصور العائدة لـ "البوشي" برفقة وزراء وجنرالات في الخدمة بوزارة الدفاع، بل وحضر في تنقلات وزراء بالمحافظات وفي اجتماعات كان يقودها حداد، الذي يقضي عقوبة السجن المؤقت في قضايا فساد شائكة على علاقة بالسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق.

أدرك "البوشي"، وفق محققين، صعوبة التعامل مع كبار المسؤولين واحتمال التضحية به في أي لحظة. لذلك عمد إلى وضع "كاميرات وأجهزة تسجيل صوتي" في مكتبه بالقبة، حيث كان يستقبل قضاة ورجال أعمال ووزراء وجنرالات وصحافيين. ومن بين تلك التسجيلات الكثيرة التي وثقها، عثر محققون على تسجيل لنجل هامل.

هامل أو نجله

في يونيو (حزيران) 2018، كسر الجنرال هامل، عندما كان مسؤولاً عن جهاز الشرطة، واجب التحفظ وأطلق تصريحات انتقد فيها التحقيق الابتدائي في قضية الكوكايين، بل وهدد الجهة التي باشرت التحقيق بالقول "نحن نملك ملفات عن هذه القضية أيضاً. وإذا أرادتها العدالة سنسلمها إليها". وختم "من يريد أن يحارب الفساد عليه أن يكون نظيفاً أولاً". وبسبب هذا التصريح أُنهيت مهام الجنرال هامل فوراً، ثم أنهيت مهام قائد الدرك السابق الجنرال مناد نوبة.

تقول مصادر لـ "اندبندنت عربية" إن الجنرال هامل اشتكى لاحقاً لبشير طرطاق، المسؤول السابق عن جهاز المخابرات، مما وصفه بـ "تحرش جهات عسكرية به وبعائلته"، ما مكنه من "حصانة" مؤقتة في ملف "البوشي" حتى سقوط السعيد بوتفليقة، ثم اللواء طرطاق لاحقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التحقيقات كشفت قرائن قوية لصلة اللواء المتقاعد بـ "البوشي"، الذي كان يستخدم الميناء الجاف لأميار هامل، نجل مدير الأمن السابق، لوضع الحاويات المستوردة من البرازيل. ففي تلك الفترة، راجعت الحكومة الجزائرية رخص استيراد اللحوم المجمدة وقلصتها إلى أربعة متعاملين فقط، فاسحة المجال لـ "البوشي" باحتكار هذا الاستيراد، وربما ممارسة عمليات تهريب واسعة للكوكايين قبل توقيفه.

ليس الجنرال هامل وحده أو نجله، من أستدعي من جديد إلى القضاء. فالسائق الخاص للواء هامل أستدعي أيضاً. إذ كان مكلفاً بتوفير الحماية لـ "البوشي" في تنقلاته، بما في ذلك مرافقته من وإلى مطار الجزائر لدى مغادرته البلاد، بما يعفيه من التفتيش الجمركي المعتاد.

فضيحة جنرالين في الجيش

بمباشرة التحقيق مع "البوشي" سلطت جهات الضوء على تورط وزارة الدفاع نفسها في التعامل معه. ما دفع برئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح، حينها، إلى إقالة مدير أمن الجيش (مخابرات تراقب سلوك أفراد الجيش داخل وخارج الثكنات)، بتهمة التقصير في تأدية مهامه، بعد اكتشاف "تربّح وثراء" بعض الجنرالات من "أصدقاء البوشي".

وأسقطت وزارة الدفاع لاحقاً الجنرال بوجمعة بودواور، مسؤول الصفقات في الوزارة، والجنرال مقداد بن مزيان، مسؤول الموارد البشرية في الوزارة، بعدما اكتشفت تعاملات مشبوهة بينهما وبين "البوشي".

ويتضمن ملف الجنرال بودواور، حصوله على "فيلا" راقية في حي الأبيار بأعالي العاصمة وعقارات لمصلحة إثنين من أبنائه، مقابل مشاريع "بنى تحتية" وقعتها وزارة الدفاع مع "البوشي". فيما كان الأمر أوسع مع الجنرال مزيان، الذي ظهر في تسجيلات "مخلة بالحياء" مع "البوشي" على أحد اليخوت الفاخرة في دبي.

قضاة مرتشون مقابل عقارات

ينطبق وصف "آخر تطورات الفساد"، في فترة حكم بوتفليقة، على قضية "البوشي"، بما أنها طالت غالبية المسؤولين في جميع الهيئات الدستورية. فقضاة كثر ثبُت تورطهم في تحصيل "رشى" من بين يدي "البوشي" شخصياً، وتمت معاقبتهم في مجالس التأديب التابعة للمجلس الأعلى للقضاء. وكشفت تحريات أمنية عن "تسجيلات مصورة" لقضاة، أسهموا في تأييد ملفات لـ "البوشي" مع خصومه بشأن ملكية أراض وعقارات. والغريب أن غالبية خصوم "شيخي" كانوا من المؤسسات الرسمية، كالمجالس المنتخبة محلياً.

أما عن كبار المسؤولين فورد اسم نجل عبد المجيد تبون، رئيس الوزراء السابق (عُيّن لمدة شهرين في العام 2017). ويعتقد أن للرجل دوراً كبيراً في توسيع دائرة نشاط "البوشي" في استيراد اللحوم، وهو ما كشفته تحريات أمنية في حينها، لكن اسم تبون اختفى تماماً في الشهور اللاحقة.

وقبل بضعة أيام دافع شقيق "البوشي" عن المتهم الرئيس قبالة محكمة سيدي أمحمد، قائلاً إنه "يدعو الفريق أحمد قايد صالح إلى إعادة فتح الملف" لكشف حقائق مثيرة. وفعلاً، أعلن الأخير إعادة فتح ملفات كثيرة على مستوى القضاء، من بينها "البوشي"، بالإضافة إلى فساد "سوناطراك" و"الخليفة بنك" و"الطريق السيار شرق غرب".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي